امتثالا لأمر الله تعالي واتباعا لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم,وتلبية لنداء الخليل ابراهيم عليه وعلي نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم. تهفو القلوب قبل الاجساد الي زيارة أفضل بقاع الأرض قاطبة,الي الحرمين الشريفين,حيث مهبط الوحي,ومهد الرسالة,الي أول بيت وضع للناس بمكة المكرمة, الذي به مقام ابراهيم وزمزم والركن الحطيم والحجر الأسود وحجر اسماعيل,لذا يحرص بعض المسلمين علي أن يحجوا كل عام, ربما حرصوا- مع ذلك- أن يعتمروا أيضا في كل رمضان, مع ما فيالحجفي هذه السنين من زحام شديد, يسقط معه بعض الناس صرعي, من كثافة التزاحم- وخاصة عند الطواف والسعي ورمي الجمار. أليس أولي بهؤلاء أن يبذلوا ما ينفقونه في حج النافلة, وعمرة التطوع, في مساعدة الفقراء والمساكين, أو في إعانة المشروعات الخيرية, والمؤسسات الإسلامية, التي كثيرا ما يتوقف نشاطها, لعجز مواردها, وضيق ذات يدها؟ أم تعتبر النفقة في. تكرارالحج والعمرةأفضل من الصدقة والإنفاق في سبيل الله ونصرة الإسلام ؟! يقول الدكتورعلوي أمين خليل أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر,:ينبغي أن يعلم أن أداء الفرائض الدينية أول ما يطالب به المكلف, وبخاصة ما كان من أركان الدين, كما أن التطوع بالنوافل مما يحبه الله تعالي, ويقرب إلي رضوانه,وفي الحديث, القدسي الذي رواه البخاري: ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به.. الحديث ولكن ينبغي أن نضع أمام أعيننا قواعد شرعية,منها أن الله تعالي لا يقبل النافلة حتي تؤدي الفريضة,وبناء عليه, نريأن كل من يتطوع بالحج أو العمرة وهو- مع هذا- يبخل بإخراج الزكاة المفروضة عليه كلها أو بعضها, فحجه وعمرته مردودان عليه,وأولي من إنفاق المال في الحج والعمرة أن يطهره أولا بالزكاة,ومثل ذلك من كان مشغول الذمة بديون العباد من التجار وغيرهم, ممن باع له سلعة بثمن مؤجل فلم يدفعه في أوانه, أو أقرضه قرضا حسنا, فلم يوفه دينه,فهذالا يجوز له التنفل بالحج أو العمرة قبل قضاء ديونه. درء المفاسد وأكد أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح, وخصوصا إذا كانت المفاسد عامة, والمصالح خاصة,فإذا كانت مصلحة بعض الأفراد التنفل بالحج مرات ومرات,وكان من وراء ذلك مفسدة عامة للألوف ومئات الألوف من الحجيج مما يلحقهم من الأذي والضرر في أنفسهم وأبدانهم حتي هؤلاء المتنفلون أيضا يتأذون من ذلك- كان الواجب منع هذه المفسدة بمنع ما يؤدي إليها وهو كثرة الزحام. وأوضح أن الله لا يقبل النافلة إذا كانت تؤدي إلي فعل محرم, لأن السلامة من إثم الحرام مقدمة علي اكتساب مثوبة النافلة,فإذا كان يترتب علي كثرة الحجاج المتطوعين إيذاء لكثير من المسلمين, من شدة الزحام مما يسبب غلبة المشقة, وانتشار الأمراض, وسقوط بعض الناس هلكي, حتي تدوسهم أقدام الحجيج وهم لا يشعرون, أو يشعرون ولا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا- كان الواجب هو تقليل الزحام ما وجد إلي ذلك سبيلا, وأولي الخطوات في ذلك أنيمتنع الذين حجوا عدة مرات عن الحج ليفسحوا المجال لغيرهم, ممن لم يحج حجة الفريضة. وشاهدنا من هذا:أن التنفل بالحج إذا كان من ورائه ارتكاب محرم, أو مجرد معاونة عليه, ولو غير مباشرة, غير محمود ولا مشروع, وتركه أولي بالمسلم الذي يسعي لإرضاء ربه,وهذا هو الفقه النير. أبواب التطوع بالخير كثيرة من جانبه يقول الدكتور عبد الغفار هلال الاستاذ بجامعة الازهرإن أبواب التطوع بالخيرات واسعة وكثيرة, ولم يضيق الله علي عباده فيها, والمؤمن البصير هو الذي يتخير منها ما يراه أليق بحاله, وأوفق بزمانه وبيئته,مشيرا إلي انه إذا كان في التطوع بالحج أذي أو ضرر يلحق بعض المسلمين- فقد فسح الله للمسلم مجالات أخري, يتقرب بها إلي ربه دون أن تؤذي أحدا. وأشار الي أن هناك الصدقة علي ذوي الحاجة والمسكنة, ولا سيما علي الأقارب وذوي الأرحام فقد جاء في الحديث: الصدقة علي المسكين صدقة, وعلي ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة,وقد تكون نفقتهم عليه واجبة, إذا كان من أهل اليسار وهم من أهل الإعسار,وكذلك علي الفقراء من الجيران, لما لهم من حق الجوار بعد حق الإسلام, وقد ترتفع المساعدة المطلوبة لهم إلي درجة الوجوب, الذي يأثم من يفرط فيه,ولهذا جاء في الحديث: ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلي جنبه جائع وهو يعلم,وهناك الإنفاق علي الجمعيات الدينية, والمراكز الإسلامية, والمدارس القرآنية, والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي تقوم علي أساس الإسلام, ولكنها تتعثر وتتخبط, لعدم وجود من يمولها ويعينها. تفريج الكروب وعلي الرغم من الظروف الطاحنة التي تعصف بجميع الدول الاسلامية, فإنها لم تمنع جموع المسلمين من الاقبال علي زيارة بيت الله الحرام بمكة المكرمة حاجين ومعتمرين, بل إنه علي حسب الاحصاءات المتوافرة يتأكد للجميع ودون مجال للشك ان غالبية الذين يحرصون وبشدة علي اداء العمرة هم من فقراء المسلمين, وتوضيحا لذلك يقول الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر الشريف,إن الدين متأصل في نفوس الشعوب من قديم الأزل,حيث يمثل الدين عمقا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا الي جانب كونه عمقا تاريخيا,وبطبيعة النفس البشرية أنها تلجأ الي الله تعالي في الملمات والأزمات وفي أوقات الضيق,أكثر مما تلجأ الي الله في وقت السعة والرخاء, ومع أن هذا خطأ الا انه يحدث, لأن الله تعالي يجب أن نذكره في جميع الأحوال كما دلت علي ذلك أحاديث كثيرة. وأشار الي أن الشعوب الاسلامية التي وقعت في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والامنية وقبلها الازمات السياسية- ويتجلي ذلك واضحا في مصر وتونس وليبيا واليمن والجزائر وأكثر من ذلك مايجري في سوريا- وهي أوقات محن فانها تلجأ الي ربها بوصفه الخالق والبارئ والمصور لتفريج الكروب وكشف الهموم وحل الأزمات ومواجهة الأزمات, وهذا مايحدثنا عنه القرآن الكريم إذ يقول رب العزة سبحانه وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.., ولذلك نحن نعلم أن المصريين علي وجه الخصوص ودون شعوب العالم الاسلامي كانوا يستدينون لاداء فريضة الحج والعمرة,بل أكثر من ذلك يتمنون أن يختموا حياتهم بالحج او العمرة,بل يذهب البعض منهم وهو يرجو الله تعالي أن يقبض روحه ويدفن في الاراضي المقدسة, وما ذاك الا ارتباط روحي بتلك الاماكن الطاهرة, وماتحمله من ذكريات تاريخية شريفة,باعتبارها مهبط الوحي ومبعث خاتم الانبياء والمرسلين,واعتقاد الكل بأن الدعاء في تلكم البقاع المقدسة مستجاب باذن الله تعالي,ولذلك ليس مستغربا إذن ان يلجأ المسلمون عامة والمصريون خاصة بكثرة في هذه الايام الي اداء العمرة مرات ومرات وزيارة بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة,حتي يخرجنا الله تعالي من ظلمات التخبط الي نور المعرفة,ومن الكرب الي الفرج,ومن الضيق الي السعة,لأن الدعاء أرجي في قبوله في هذه الأماكن والمساجد,التي لاتشد الرحال إلا إليها,كما أخبر بذلك المعصوم صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف لاتشد الرحال الا الي ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصي.