التعليم العالي والصحة تطلقان مشروع لزيادة الوعي بالصحة الانجابية بالجامعات    عاجل...أول تعليق من كلوب على شجاره مع محمد صلاح في مباراة ليفربول ووست هام    المؤبد لمتهم بهتك عرض ابنة شقيقه بالقليوبية    احتفاء كبير بعروض سينما المكفوفين بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    السر وراء احتفال شم النسيم في مصر عام 2024: اعرف الآن    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 أبريل 2024 (آخر تحديث)    تمهيد وتسوية طرق قرية برخيل بسوهاج    خبير بترول دولي: الغاز ليس أهم مصادر الوقود والنفط ما زال يتربع على العرش    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    برقم العداد.. كيفية الاستعلام عن فاتورة استهلاك كهرباء أبريل 2024    محلل سياسي: الاحتجاجات الطلابية بالجامعات أدت إلى تغير السياسات الأمريكية (فيديو)    وسائل إعلام: شهداء ومصابون في غارة للاحتلال على مدينة رفح الفلسطينية    محلل سياسي يوضح تأثير الاحتجاجات الطلابية المنددة بالعدوان على غزة    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    «تربيعة» سلوى محمد على ب«ماستر كلاس» في مهرجان الإسكندرية تُثير الجدل (تفاصيل)    تطوان ال29 لسينما البحر المتوسط يفتتح دورته بحضور إيليا سليمان    أصالة تحيي حفلا غنائيًا في أبو ظبي.. الليلة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    بالأرقام.. طفرات وإنجازات غير مسبوقة بالقطاع الصحي في عهد الرئيس السيسي    انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة غدًا    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الزمالك يفاوض ثنائي جنوب أفريقيا رغم إيقاف القيد    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    8 معلومات عن مجلدات المفاهيم لطلاب الثانوية العامة 2024    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد المصري‏..‏ المشكلة والحل
لا تراجع عن اقتصاد السوق لكن‏..‏ بضوابط وعدالة

لن تموت مصر‏..‏ لن تنتكس وتسقط في مستنقع الضياع والركوع‏..‏ وإذا كان الاقتصاد هو العمود الفقري للجسد المصري وهو يئن الآن من الأوجاع وتؤلمه سياسات سابقة لم تحسن قراءة الواقع والمنشود.. وأثخنته جراح تداعيات ما حدث في ثورة يناير وتداعياتها وبينها سوء ادارة الحكومات المتعاقبة فانه برغم كل هذا وبرغم آلام غياب العدالة الاجتماعية.. فسوف يتعافي العمود الفقري وتعود للجسد قوته وحيويته علي ان ذلك يتطلب بلورة سياسة اقتصادية يسندها نظام سياسي وارادة شعبية لتطبيق نظام اقتصاد السوق الحر ليس بأسلوب من يشاء يفعل ما يشاء ويتربح ما يشاء.. وانما بضوابط حاسمة تحقق الكفاءة والعدالة.. وهذا ما يمكن ان يسمي أيضا نظام السوق الاجتماعي الذي طبقته بعض الدول ومنها المانيا عقب الحرب العالمية الثانية وهو أيضا لا يتعارض مع اتفاق منظمة التجارة العالمية الذي يسمح للدولة في ظروف معينة مثل التي تعبرها مصر ان تتخذ ما تراه من تدابير تحمي آمنها القومي والاقتصاد هو الأساس وتمنع الأضرار عن مجتمعها وشعبها.
واذا كان الاقتصاد يجيء في مقدمة الأولويات التي ينبغي ان نهتم بها كما جاء في ندوة الأهرام السابقة وكما جاء في بيان الدكتور كمال الجنزوزي رئيس الحكومة الجديدة; والذي كان في مقدمة المشاركين بندوات الأهرامي خاصة في الثمانينات والتسعينيات فإن الأهرام قد خصص ندوته هذا الاسبوع للقضية الاقتصاد في مصر.. المشكلة والحل وكان يأمل ان يشارك فيها وزير المالية.. لكنه رغم ارسال الدعوة مبكرا والاتصال بمكتبه لم يسعدنا بحضوره.. ولم يعتذر عن عدم المشاركة.. ولقد ناقشت الندوة القضية بجوانبها المختلفة.. واستعرضت ملامح السياسة الاقتصادية.. وكانت النقاط التي أثيرت بالغة الأهمية.. والأفكار والآراء.. خصبة ثرية.. ومن ثم ننشرها علي قسمين.. ونفتح الباب أمام التعليقات تحقيقا للفائدة.
محمود مراد: ان الاقتصاد قضية كبيرة متشابكة ومعقدة واذا كانت تلك سماتها في الظروف العادية فانها في ظل حال الاقتصاد المصري الآن تبدو أكثر أهمية نظرا لتصريحات كبار المسئولين الذين وصفوا الموقف بأنه خطير بل خطير جدا.. كما يتراجع الاحتياطي النقدي ويتوالي تدهور الأرقام في البورصة والسياحة والتصدير.. وترتفع أسعار السلع بدءا من الغذاء الأساسي للقاعدة العريضة مما انعكس قلقا باديا علي وجوه الناس.. وهذا كله يفرض علينا ان نولي القضية كل الاهتمام.. ونحاول الاطلال علي المشكلة والبحث عن حلول لها.. واذا كان وزير المالية الذي دعوناه للمشاركة في هذه الندوة غير انه لم يحضر ولم يعتذر عن عدم المشاركة.. بينما اعتذرت السيدة وزيرة التعاون الدولي والتخطيط وأنابت عنها السفير جمال بيومي فاننا.. نرحب بالأستاذ الدكتور جودة عبد الخالق وتسعدنا مشاركته أستاذا في الاقتصاد وسياسيا له فكره. ووزيرا يبذل جهده بأساليب غير تقليدية..
ولقد يكون مناسبا مناقشة القضية المطروحة مع التركيز علي انعكاساتها علي التجارة الداخلية والسلع الرئيسية والانتاج وهذا في حقيقة الأمر هو المحور لأن ما يجري في الداخل انتاجا واستهلاكا يؤثر علي العلاقات مع الخارج.. استيرادا وتصديرا وجذبا للاستثمارات.. ومرة أخري أشكر الأستاذ الدكتور جودة علي الحضور وسط مشاغله وأدعوه للحديث..
الدكتور جودة عبد الخالق: في البداية أود ان أشكر جريدة الأهرام والأخ محمود مراد علي توجيه الدعوة لي وقد كنت حريصا علي المشاركة رغم ان يوم العمل كان طويلا ومشحونا..
وما أود قوله هو اننا لابد ان نبدأ من عدة منطلقات أراها ضرورية ونحن نناقش هذه القضية.. والمنطلق الأول هو ان مصر تجتاز مرحلة انجاز ثورة.. وهي الآن.. في الميزان حيث تجري محاولات سرقتها.. من قوي ذات مصلحة في الداخل والخارج وهذا حلف مهم يجب ان نتنبه له وقد سبق ان حذرت من هذا وأؤكده الآن! وفي هذا السياق يوظف الحلف آليات كثيرة من بينها التمويل الأجنبي! ومعني ذلك ان المرحلة التي تمر بها مصر هي انتقالية بصراعاتها ومن قبل كان هناك توازن كبير في ظل القمع والقهر وغياب العدالة.. واوحي بوجود تماسك مجتمعي بدرجة ما.. وبعد الثورة فان ما قد بدا انه متماسك يكشف عن وجهه الحقيقي.. وبالتالي فإننا نعيش حالة من الفسيفساء.. ليست غريبة وانما متوقعة وهي بطبيعتها انتقالية ومآلها الي زوال..
وفي ظل هذا الجو أتوقف عند المترتبات الاقتصادية والاجتماعية وهذا جوهر القضية التي تطرحها الندوة وهنا.. أقول انه في ظل هذه المرحلة.. تعطلت أعمال عديدة منها السياحة.. والتشييد والبناء.. والصناعة.. وربما يكون القطاع الزراعي أكثر حظا..
وفي المجمل.. فانه قد حدث تراجع في الأداء الاقتصادي الذي صادف الشهور الثلاثة الأولي من الثورة يناير فبراير مارس وهو الربع الثالث من السنة المالية0102-.1102 وبلغت نسبة التراجع في الناتج المحلي الاجمالي4.3%.. وبعد هذا الربع حدث تحسن بنمو ايجابي لكنه ضعيف أقل من نصف في المائة وهذا يؤشر الي انه اذا نظرنا الي السلع والأسعار.. سنجد تراجعا في العرض سواء من الانتاج المحلي أو المستورد.. باعتبار ان الضغط قد زاد علي النقد الأجنبي.. خاصة وان شروط الاستيراد قد تغيرت لأنه مع ارتفاع معدل المخاطرة زادت هوامش الائتمان والنقل وغير ذلك مما أدي الي ارتفاع التكلفة والأسعار..
وعلي الجانب الآخر.. فان المجتمع قد شهد حالة من الفوران السياسي والاجتماعي تخللتها مطالب فئوية وأنا لست ضدها فهذه فئات طال حرمانها تطالب بحقها المشروع في العدالة الاجتماعية وبنصيب عادل من الدخل والثروة لكن في الحساب الاقتصادي فان الطلب تعرض لارتفاع كبير.. وفي حين ان العرض قد تقلص.. وألف باء الاقتصاد تقول انه في ظل هذه البيئة لابد ان ترتفع الأسعار ولا تجدي مراقبة السوق!! فهذه سباحة ضد التيار.. وضد الجاذبية الاقتصادية..
ولكن.. اذا عقدنا مقارنة بين مصر في مخاض ثورة وبين بلاد أخري في نفس الظروف فاننا نجد ان حالة مصر أفضل.. ونأخذ بولندا كمثال عندما مرت بظروف مشابهة أواخر الثمانينات بعد ما أجرت تغييرا جذريا بقيادة منظمة التضامن في نظام الحكم.. وقد حدث في السنة الأولي بعد هذا التغيير كما قال لي سفير بولندا في مصر ان تراجع الناتج المحلي بنسبة ثلاثين في المائة.. كما حدث هذا في بلغاريا وفي روسيا.. واذن فان حالة مصر أفضل..
أضف الي ذلك في الحساب الاقتصادي ان ما طال البنية الانتاجية من تدمير هو أقل القليل وذلك باستثناء ما لحق برموز القمع مثل مباني الأمن والحزب الوطني.. ومعني هذا انه يمكن احداث نقلة دون الحاجة إلي ضخ استثمارات لتعويض الخسائر.. نقطة أخري هي اننا نقف علي مسافة ثلاثين سنة من سياسات أدت الي تفكيك بنية الدولة.. اقتصاديا واجتماعيا.. وفي المقابل تمتين بنية الدولة في الأمن والقمع.. ومعني هذا انه اذا تحدثنا عن مراقبة الأسواق والأسعار.. سنكتشف غياب الاليات اللازمة
وانتقل الي الحديث المتكرر عن هوية الاقتصاد بعد ثورة يناير.. واقول انه لا تراجع عن اقتصاد السوق.. وأنا شخصيا أعارضه لأنه لا يحقق أهم بندين في مقومات استقرار أي مجتمع وهما: الكفاءة.. والعدالة. ونظام السوق الحر بلا ضوابط يفرز احتكارات وهي ضد الكفاءة.. كما يفرز تفاوتات شديدة في توزيع الدخل والثروة.. وهي ضد العدالة وبدون الكفاءة والعدالة.. لا يتحقق الاستقرار..
وبالتالي فلابد ان تكون لنا وقفة مع تحديد هوية الاقتصاد.. وهنا نقول: نعم.. اقتصاد سوق حر.. لكن مع وجود ضوابط تضمن المنافسة وتقاوم الاحتكار.. وتحقق العدالة..
وفي هذا السياق اقولها بأمانة فان القضية لم تحسم رسميا.. ولا نزال نسمع تصريحات متضاربة.. ولابد هذا ما أرجوه ان نضع له حلا سريعا.
انني أرجو ان نتفق علي نظام سوق بضوابط وعدالة.. ونتناقش فيما هي الضوابط ومرجعيتها وفوائدها.. وكيف تكون الكفاءة وتتحقق العدالة.
ان الاقتصاد الحر بلا ضوابط الذي كان مطبقا في الماضي لا يمكن العودة اليه.. ولقد قيل انه مطبق في العالم كله كله وهذا غير صحيح.. بل ان أضراره اكثر من منافعه.. والشواهد علي ذلك كثيرة ومنها مظاهرة واحتلال وول ستريت في الولايات المتحدة الأمريكية.. ولهذا فان الاصرار علي هذا النظام يكون مثل ركوب حصان جامح بلا سرج ولا لجام!! فان لابد من وضع الضوابط لمنع الاحتكار وحماية المنافسة.. وضبط الأسعار لتحقيق العدالة الاجتماعية التي هي محور ارتكاز وزارة التموين والتجارة الداخلية وأستشعر انها أيضا محور ارتكاز سياسية الحكومة.
وأتحدث عن وزارة التموين والتجارة فان البعض يتصور ان مهمتها تعبئة الزيت والسكر وتوزيعها.. وهذا غير صحيح.. فان هذه الوزارة مسئولة عن أمرين متصلين ببعضهما.. الأول: هو ضمان الأمن الغذائي للوطن.. والثاني: هو ضمان الأمن الغذائي للمواطن.. والفرق بينهما كبير.. فان الأول يعني: سيطرة الوطن علي إمداداته من الغذاء الرئيسي من مصادر آمنة وبصورة مستقرة.. أما الأمن الغذائي للمواطن فانه يعني ان يتاح لكل مواطن الحصول علي احتياجاته الأساسية من الغذاء بنوعية محترمة وبتكلفة في المتناول.. وهنا يتحقق بعد العدالة الاجتماعية.. تلك هي ملامح رسالة وزارة التموين والتجارة.. وسنتوسع في شرحها مستقبلا.. لكن الآن أعود الي ما تحدث عنه الأستاذ محمود مراد عن القلق البادي علي وجوه الناس.. وأقول ان هذا القلق مبرر.. بحدود الرؤية. وهذه حالتي شخصيا.. فانني أتفهم القلق العام في المجتمع.. وأقول ان سببه ليس فقط بسبب تردي الوضع الاقتصادي وانما أيضا بسبب ضبابية الوضع السياسي.. وهذه نقطة مهمة جدا تشكل المزاج العام للمجتمع والمواطنين.. فالمواطن يسعي جاهدا لكي يلمح الأفق.. لكنه لا يري!!
وفي المجال الاقتصادي فان الناس.. منزعجة لتراجع النمو الاقتصادي.. والمعني اذا استمر هذا دون اتخاذ اجراءات جدية فلا مفر من ازدياد نطاق الفقر.. وهذا ما يحدث في مصر الآن.. ويغذي هذا الاحساس بقلق فئات تخشي التهميش نتيجة غياب فرص العمل وزيادة الدخل وارتفاع الأسعار وما الي ذلك!!
وفيما يتعلق بالأمن وتحاشي الجوع.. فانني أؤكد انه ليست هناك مدعاة للقلق رغم ما يثار عن ان مصر علي شفا المجاعة فهذا كلام غير مسئول ويثير حالة من الهلع قد تؤثر في الاستقرار كما يجافي الحقيقة.. ومثلا فان الاحتياطي الموجود لدينا من القمح يكفي لمدة أربعة اشهر ونصف شهر.. كما ان لدينا تعاقدات تغطي حتي العشرين من يونيو العام القادم.. وفي شهر يونيو يكون محصول القمح الجديد في مصر قد بدأ.. وانتاجه سيفوق العام القادم.. ونحن بشكل استباقي أعلنا سعر شرائه بأعلي من السعر العالمي. وتبلغ المساحة المزروعة نحو ثلاثة ملايين فدان ومن المتوقع توريد نحو ثلاثة ملايين طن أي أكبر من العام الماضي الذي كان توريده62 مليون طن.. ونحن في مصر نستهلك ثلاثة أرباع مليون طن شهريا.. اي ان القمح المصري يكفينا اربعة أشهر. هذا بالاضافة الي الاستيراد الذي عملنا علي تنويع مصادره لتصل الي سبعة مصادر.. لكن ربما عنق الزجاجة يتمثل في التخزين وهي ضعيفة وقد أضفنا اليها صومعتين جديدتين مؤخرا.. ليصبح الاجمالي اربع عشرة صومعة..
وبالنسبة للسلع الأساسية الأخري فهي مؤمنة وان كانت نقطة الضعف في الانتاج فنحن نستورد مثلا تسعين في المائة من استهلاكنا من زيوت الطعام..
وبالنسبة للحوم.. فلا أذيع سرا اذا قلت انه قد هالني ان قضية اللحوم.. ليس لها صاحب في مصر.. فلا توجد قاعدة بيانات ولا مسئولية محددة عن الانتاج وكيف يكون.. وعن الاستيراد وشروطه!
ونفس الشئ تقريبا ينطبق علي الدواجن والأسماك وغيرها.. ولقد حرصنا علي وجود درجة عالية من التنسيق بين الوزارات والوزارات الأخري بالقياس الي ما سبق والذي يتابع المشهد.. يجد هذا بينها وبين وزارة البترول وبينها وبين الزراعة وبينها وبين الصناعة وهكذا.. مما يعني انه يمكن من نفس الموارد المتاحة.. ان نحقق انجازا أكبر.. وأنا أتمني ان يضع المجتمع أمامه مشكلة رغيف الخبز علي جدول أعماله بشكل جدي.. فهي الآن موضوعة في مجال الحديث عن المشاكل والأزمات.. ولكني أتمني قبل ان أموت ان نشطب كلمتي مشكلة و أزمة من قاموسنا.. فان هذا لا يتناسب مع مقامنا كأمة عريقة.. ولا يليق ان نكرر هاتين الكلمتين بمناسبة وبدونها!
ان قضية رغيف الخبز هي أهم سلعة في المنوال الاقتصادي في أي دولة ولكن الخبز في مصر المحروسة يعاني من اهمال شفيع.. فان قيمته كغذاء للانسان لا تساوي اكثر من ربع قيمته كغذاء للحيوان.. وبالتالي أصبح العلف هو اكبر عنصر ضاغط علي الخبز المدعم.. ولذلك قد تبدو المشكلة صعبة.. لكن بالنظرة الشاملة تكون أقل صعوبة واكثر سهولة في التناول.. واذا جري الاهتمام بمشكلة العلف وزاد انتاجه وما يرتبط به.. فان الضغط سيرتفع عن رغيف الخبز وبدلا من ان يذهب للحيوان.. سيستفيد منه الانسان.
والي جانب هذا.. نجد ظاهرة خروج القرية المصرية.... وعلي نطاق واسع من مجال انتاج الخبز.. وبمعدلات سرعة. وهذه مسألة مرتبطة بقضية الدعم.. فانه يوجد ثلاثة وعشرين ألف مخبز لانتاج الرغيف المدعم في كل المحافظات ومراقبة هذه المنظومة أصبحت أقرب الي المستحيل وتنطوي كما نقول في علم الاقتصاد علي تكلفة معاملات مادية عالية جدا.. والمطلوب هو معرفة الأخطاء ومنها لماذا خرجت القرية من انتاج الخبز لمعالجتها.. وبعض هذه الأخطاء.. اقتصادية.. وبعضها ناتج عن التحول الاجتماعي والثقافة.. والاعلام.. والهجرة.. وغيرها.
وفي الجانب الاقتصادي وهذا ما يعنيني فاننا نجافي المنطق الاقتصادي مجافاة صارخة ونحن ندير منظومة الدعم.. ومن ذلك اسعار الخبز واسعار العلف! ولذلك فاننا نعيد النظر في مسألة دعم الخبز لكي يكون الدعم في المرحلة الأخيرة تماما..
ان الوضع الحالي هو ان هيئة السلع التموينية تشتري القمح بسعر السوق من داخل مصر ومن الخارج. وكمثال فاننا هذا العام دفعنا في القمح المحلي اكثر من العالمي لتشجيع الفلاح.. ثم تقوم الهيئة بتسليم القمح للمطاحن بسعر ربعمائة جنيه للطن رغم شرائه بنحو ألفين وخمسمائة جنيه. وهذا يؤدي الي تسرب القمح من المطحن لأنه يباع بستة أضعاف سعره!! ثم بعد ذلك نتسلم الدقيق من المطاحن ونعطيه للمخابز بسعر مائة وستين جنيها بينما السعر في السوق يزيد عن ألفي جنيه وهذا أيضا يفتح باب التسرب.. والتلاعب!! فهل تجدي المراقبة!
ان الحل هو ان تقوم المطاحن بشراء القمح بسعر السوق.. وتتصرف كمنشآت أعمال وهنا نتحاشي التسرب والفساد مع ضمان الكفاءة.. ثم تقوم المخابز بشراء الدقيق بسعره السوقي وتنتج خبزا بالمواصفات التي نريدها وتشتري الحكومة هذا الانتاج بالسعر الاقتصادي ثم تتولي طرحه بالسعر الاجتماعي.. وبهذا يكون الدعم في المرحلة النهائية.. وتلك هي الدراسة التي نقوم بها وعند انتهائها سنطرحها علي الرأي العام قبل تطبيقها.
وأخيرا.. أقول ان الوضع الاقتصادي في مصر أساسه سياسي.. بمعني ان الناس حتي الآن يداخلهخم شك فيما سوف تفعله الحكومة.. وهذا يعني اننا لم نرسل رسالة واضحة.. وبالذات في قضية العدالة الاجتماعية.. وفي تقديري فان المدخل هو اكتساب ثقة الناس ومخاطبة هاجسهم الأول وهو العدالة الاجتماعية كما اتضح في ميدان التحرير وذلك من خلال حزمة اجراءات لا تضحي بالكفاءة والنمو لسحاب العدالة ولكن بالموازنة بين هذا وذاك. واعتقد انه لا تعارض بينهما.. ويترجم هذا في اجرءات علي صعيد السياسة المالية التي يطول الحديث فيها وقد اقتصر الحديث علي التعامل في جانب الانفاق.. ولم يتطرق الي الايرادات وهي هامة في الملف الاقتصادي.. ومنها مثلا ب قضية الضريبة.. وكيفية التعامل معها في اطار العدالة الاجتماعية.. ولا مفر من مناقشة أنواع من الضرائب تؤشر اننا جادون في تحقيق العدالة الاجتماعية.. ومنها الضريبة التصاعدية.. والضريبة علي الأرباح الرأسمالية مما يستدعي المناقشة الجديدة..
أيضا فانه عند التعامل مع الخارج.. فانني أعتقد اننا في مجتمع يجتاز ظرفا اقتصاديا ضاغطا لدرجة تسمح لنا طبقا لقراءتي لاتفاق منظمة التجارة العالمية ان نتخذ تدابير لحماية الاقتصاد.. ومن ذلك أعتقد انه من الضروري ترتيب أولويات ما تقوم باستيراده.. لأنه لا يمكن ان نحتمل ترف ان نترك من يشاء.. يستورد ما يشاء في الظرف الحالي. أيضا نحتاج الي اعادة النظر في بعض الأنشطة الاقتصادية.. لضمان الكفاءة والعدالة.. ومنها صناعات التجميع مثل تجميع السيارات.. فان من يستورد مكونات السيارات لكي ينتج سيارة تامة الصنع.. يدفع جمارك لا تريد عن عشرين في المائة.. بينما الضريبة علي المنتج النهائي تبدأ من مائة وتتصاعد.. ومعني ذلك ان الفرق بين الضريبتين هو ريع يكتسبه المنتج.. وأحيانا لا يدفع ضريبة اذا كان تابعا لقانون الاستثمار.. واذا خرج من العباءة يدفع عشرين في المائة فقط! لذلك.. فان الوضع الاقتصادي في مصر.. ليس في منتهي الصعوبة بشرط الاتفاق علي السياسة التي تتبعها. والمطالب الفئوية تؤجل الي حين. وندير عجلة الانتاج في اطار من السلام الاجتماعي.. والالتزام الشديد بالعدالة الاجتماعية..
تلك نظرة إلي مجمل الأفكار التي استطعت تجميعها بعد يوم عمل مجهد.. وأطرحها عليكم للمناقشة..
محمود مراد: شكرا للسيد الوزير.. وأعتقد اننا نتفق معك في تطبيق نظام السوق الحر ولكن مع الضوابط والعدالة ونتفق معك في انه كانت هناك قراءة خاطئة لاتفاق منظمة التجارة العالمية اذ انها تتيح اتخاذ تدابير معينة لحماية الأمن الاقتصادي والمصالح الوطنية. واستشعر معك الألم في اننا كدولة عظيمة بتاريخها الحضاري.. فانه من العيب ان تكون لدينا أزمة خبز ونظل نروج لهذا..! ومن المؤسف انه توجد اقتراحات عديدة علمية وعملية وسبق ان ناقشناها ونشرناها لكن أحدا لم يأخذ بها ولم يطبقها.. وما نأمله هو صياغة سياسية حكيمة تنفذ باقتدار..
الدكتور سلطان أبو علي: لقد تناول الدكتور جوده القضية المطروحة علي المستوي الميكرو.. وهذا مهم جدا بتفاصيله.. ولكي أتكامل معه بالتعقيب علي بعض النقاط فإنني سأتعرض للإطار الماكرو الكلي.. وبداية أقول إن الثورة الباهرة التي تمت في الخامس والعشرين من يناير قد حققت مكاسب كبيرة أهمها: ثلاث: المكسب الأول.. أنها قد نزعت الخوف من قلوب المصريين وهذا هام جدا.. والمكسب الثاني.. إن المصريين قد شعروا بعد فترة من الاغتراب أنهم ينتمون لهذا الوطن وانه وطنهم.. والمكسب الثالث: إن كل من سيأتي رئيسا لهذا البلد.. صار يقتنع ان المسألة ليست الحبل علي الغارب وسداح مداح.. ويجب أن يعمل لمصلحة الوطن والوطنيين وهذه مكاسب كبيرة ستتحقق نتائجها تباعا.. ولابد من دفع الثمن في هذه الفترة الانتقالية..
وبالنسبة للتباطؤ الموجود في الاقتصاد.. فانني أقرر حقيقة.. وهي ان أوضاعنا الاقتصادية أفضل كثيرا مما كنا عليه في الثمانينات.. وأعطي مؤشرات.. فان معدل التضخم في أواسط الثمانينات كان حوالي اثنين وعشرين في المائة.. والآن فانه عشرة في المائة. ومعدل البطالة كان نحو ثمانية عشرة في المائة.. والآن حسب تقدير الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أقل من عشرة في المائة.. والاحتياطي النقدي.. فانه لم يكن يكفي لأكثر من شهرين.. والآن فانه يكفي لأربعة أو خمسة أشهر.. وفي الاجمالي فان الاقتصاد الآن أفضل مما كنا عليه في الثمانينات.. لكن ليس معني هذا انه في حالة جيدة.. اذ يعاني من مشكلات كبيرة نشأت لسببين رئيسيين.. الأول: سوء الادارة الاقتصادية للحكومات التي تعاقبت بعد الخامس والعشرين من يناير.. والثاني هو التراخي في ادارة الدولة مما أدي الي الانفلات في كافة المجالات.. وهذا أدي بنا الي الأوضاع الاقتصادية الضعيفة ولا أقول: المتردية.. فما العمل اننا نتفق مع الأولويات التي حددتها الحكومة الجديدة وفي مقدمتها: الأمن.. والاقتصاد.. فكيف نعالج الاقتصاد الذي نناقش قضيته الآن.
انه.. اذا تناولنا الموازنة العامة للدولة.. نجد ان وزير المالية عقب ثورة يناير قد فتح شهية الناس الي الانفاق والمطالبة بالزيادة ومنح العلاوات وما الي ذلك مما أدي الي تدهور أوضاع الموازنة العامة في حين ان ظروف الثورة كانت تقتضي استثارة حماس الناس للتحمل والسعي للانتاج حتي يتم الاستقرار..
ولقد أشار الدكتور جودة الي زيادة النفقات.. ولذا فان هناك ضرورة لضغطها وهذا يتطلب نظرة اكثر معنوية.. ومثلا فان الدعم يجب كما قال الدكتور جودة للمنتج النهائي وليس لمستلزمات الانتاج.. وذلك لضبط الحسابات الاقتصادية ولكي يتحمل كل جانب مسئوليته.. وأشدد علي الدعم والرعاية الاجتماعية خاصة في مجتمعنا. وعلي أساس ان يذهب الدعم لمستحقيه.. وفي رأيي فانه يجب ان يكون نقديا وليس غينيا.. لأنك مثلا اذا أردت ان تضبط انتاج الخبز دون ذهابه الي الماشية.. فيجب بيعه بسعره الحقيقي. ومن يستحق الدعم يحصل عليه نقدا.. وهذا ينسحب علي السلع الأخري.. واذا ما حدث هذا فاننا سنوفر نحو ثلث قيمة الدعم ليصل الي تسعين مليار جنيه بدلا من الحالي وهو مائة وخمسة وثلاثين مليارا.. وبهذا يصبح نحو سبعة في المائة فقط من الناتج المحلي الاجمالي..
والجانب الأخر هو الايرادات التي تنخفض أو.. لا تزيد الا بنسبة قليلة في مقابل زيادة النفقات.. وأدي هذا الي تفاقم العجز وتضخم الدين.. ولهذا لابد من ايرادات جديدة مثلما أشار الدكتور جودة مثل الضرائب التصاعدية علي الدخل التي يجب ان تتصاعد الي خمسة وثلاثين في المائة..
المسألة الأخري.. هي الحد الأقصي للدخول وليس للأجور بالنسبة للعاملين في الدولة.. وحسنا ان فعلت الحكومة هذا. واذا لم يرض أحد.. فان مصر بها عقول كثيرة.. وكفاءات وكوادر بشرية.. والي جانب هذا يجب اصلاح السياسة النقدية لجذب الاستثمارات.. وتنمية الانتاج.. وان تساهم البنوك ليس فقط بالاقراض وانما ايضا بالمساهمة المباشرة في المشروعات.. للتشغيل وتحريك الركود.. كما انها ستحقق ارباحا..
وبالنسبة لما أثاره الدكتور جودة عن العلاقة بين النظامين: السياسي والاقتصادي.. فهذه نقطة سوف يحسمها الدستور ولذلك فانني كنت من المطالبين بوضع الدستور أولا.. ولكن حدث ما حدث.. وعموما فان النظام الاقتصادي كان غير سليم والقراءة كما قال الأستاذ محمود كانت خاطئة.. وكان هناك سوء فهم للنظام الاقتصادي الحر وانه سداح مداح.. وهذا ليس موجودا في أي دولة.. وباختصار فان النظام الذي نأمل ان ينص عليه الدستور هو نظام السوق الاجتماعي وهو ما طبقته المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.. لتحقيق الكفاءة والعدالة وتصحيح الأخطاء الناجمة عن السوق غير الكاملة كما لدينا وبالتالي فان للحكومة دورا كبيرا في التوجيه والرقابة والتدخل المباشر في الجوانب المختلفة.. وفي رأيي فان النظام السياسي يجب ان يكون النظام الديمقراطي البرلماني للحد من السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية والتي تؤدي الي الاستبداد والانحرافات..
واتفق مع ما قيل ان اتفاق منظمة التجارة تسمح للدولة في ظروف معنية ان تتخذ ما تراه من التدابير لحمايتها.. وعدم التضرر..
محمود مراد: نستأنف المناقشة الاسبوع القادم باذن الله.
{ شارك في الندوة{
ا. د. جودة عبد الخالق: وزير التموين والتجارة الداخلية
ا.د. سلطان أبو علي: وزير الاقتصاد الأسبق والأستاذ بجامعة الزقازيق
السفير جمال الدين بيومي: أمين المشاركة المصرية الأوروبية وزارة التعاون الدولي
ا.د. حمدي عبد العظيم: أستاذ الاقتصاد
ا.د. يمن الحماقي: أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس
ا.د. فرج عبد الفتاح فرج: أستاذ الاقتصاد جامعة القاهرة
ا. أحمد محمد عبد الرحمن: الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء
ا.د. هاني الحسيني: محاسب قانوني وخبير ضرائب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.