تشكيل بوروسيا دورتموند أمام يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا    وزير الري: مصر تستورد 40 مليار متر مكعب من المياه في صورة أغذية وحبوب.. ونعمل أكبر محطات تحلية بالعالم    دعمًا لذوي الهمم بسوهاج.. إطلاق مشروعين رائدين بالشراكة مع وزارة العمل وجهاز شؤون البيئة    مدبولي: تطوير وسط البلد للحفاظ على طابعها التاريخي والمعماري ونرحب بالقطاع الخاص    البحيرة تنفذ 10 مشروعات تعليمية بتكلفة 300 مليون جنيه في ذكرى عيدها القومي    رئيس الوزراء: الانتقال من الدعم العيني للنقدي تدريجيًا.. والتطبيق في محافظة واحدة كمرحلة أولى    مصر تلزم شركات البترول الأجنبية بخمسة تعليمات لتقنين أوضاعها الضريبية (خاص)    جماعة الحوثي تعلن ضرب هدف حساس في يافا ومطار رامون بإسرائيل    جوناثان ديفيد يقود هجوم يوفنتوس ضد دورتموند في دوري أبطال أوروبا    وزير الخارجية يُتابع التحضيرات الجارية للنسخة الخامسة لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة    اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة: أي اعتداء على أسطول الصمود جريمة كبرى    مدبولي: الاعتماد الكامل لمصر على نهر النيل يجعلنا نعتبره قضية حياة أو موت    23 سبتمبر ..فيفا يُخطر بيراميدز بموعد مواجهة الأهلي السعودي    «بينها زيادة الاشتراكات وقبول 200 عضوية جديدة».. «عمومية عادية» للأوليمبي لبحث 8 بنود رئيسية    الإعدام ل4 أشخاص والسجن للمتهمة الخامسة في قضية مخدرات وقتل ضابط بالأقصر    الإعدام ل4 متهمين لاتهامهم بمقاومة السلطات وحيازة مخدرات فى الأقصر    إصابة شقيقين بطلق نارى فى مشاجرة بقرية السكساكة في طما بسوهاج    شن حملات تفتيشية على المستشفيات للوقوف على التخلص الآمن من المخلفات في مرسى مطروح    ما حكم تزييف الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    اجتماع أمنى إسرائيلى فى "الكرياه" وسط استمرار العمليات العسكرية بغزة    أكرم حسني يوجه رسالة مؤثرة لابنته :«أحلى يوم في حياتي يوم ما شوفتك»    في وداع سليمان شفيق    عمرو عبدالله يقدم ماستر كلاس عن فلسفة السينوغرافيا في مهرجان الإسكندرية المسرحي (صور)    أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي «حرام شرعًا».. ويدخل تحت بند الغش والخداع    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    الصحة: توفير لقاح الإنفلونزا الموسمية مجانًا للفرق الطبية    الشيخ خالد الجندى: أبو هريرة كان أكثر الصحابة رواية للسنة النبوية    شاهد تخريج الدفعة 7 من المدرسة القرآنية فى سوهاج    "حياة كريمة" تنظم قافلة طبية شاملة لخدمة أهالي القنطرة غرب بالإسماعيلية    افتتاح المؤتمر السابع للشراكة من أجل المبادرات الدولية للقاحات (PIVI) فى القاهرة    رابط الاستعلام عن مخالفات المرور وطرق سدادها إلكترونيًا    طريقة تجديد بطاقة الرقم القومي إلكترونيًا 2025    أمل غريب تكتب: المخابرات العامة المصرية حصن الأمن القومي والعربى    رئيس هيئة النيابة الإدارية يلتقي معاوني النيابة الجدد    أم كلثوم على مسرح العرائس بساقية الصاوي.. وهذه شروط الحضور    إيقاف حركة القطارات الصيفية على خط القاهرة – مرسى مطروح    برشلونة يعلن مواجهة خيتافي على ملعب يوهان كرويف    8 صور ترصد استقبال زوجه وأبناء حسام حسن له بعد مباراة بوركينا فاسو    هتوفرلك في ساندويتشات المدرسة، طريقة عمل الجبن المثلثات    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    انتبه.. تحديث iOS 26 يضعف بطارية موبايلك الآيفون.. وأبل ترد: أمر طبيعى    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل في دوري أبطال آسيا    وزير الدفاع الإسرائيلي: سندمر غزة إذا لم تسلم حماس سلاحها وتطلق سراح المحتجزين    وزيرة الخارجية البريطانية: الهجوم الإسرائيلي على غزة متهور    الأرصاد: انخفاض طفيف فى درجات الحرارة.. وبدء الخريف رسميا الإثنين المقبل    وزير التعليم: المناهج الجديدة متناسبة مع عقلية الطالب.. ولأول مرة هذا العام اشترك المعلمون في وضع المناهج    مهرجان الجونة يكرم منة شلبي بجائزة الإنجاز الإبداعي في دورته الثامنة    بالصور.. محافظ أسوان يتفقد مدارس فى كوم أمبو    أمين الفتوى: الشكر ليس مجرد قول باللسان بل عمل بالقلب والجوارح    مصر تتسلم جائزة الآغا خان العالمية للعمارة عن مشروع إحياء إسنا التاريخية    "أحدهم سيرحل".. شوبير يكشف تفاصيل جلسة مصارحة لاعبي الأهلي بسبب العقود    99.1% لفني صحي طنطا.. نتيجة تنسيق الثانوية التجارية 3 سنوات كاملة    الغلق لمدة أسبوع كامل.. بدء تطوير نفق السمك بشبين الكوم -صور    نائبة وزير الصحة: استراتيجية لدمج "القابلات" تدريجيًا في منظومة الولادة الطبيعية    بلدية غزة: اقتراب موسم الأمطار يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية بالمدينة    ارتفاع أسعار الخضروات اليوم بأسواق الإسكندرية.. الطماطم ب15 جنيها للكيلو    كامل الوزير: حددنا 28 صناعة وفرصة واعدة لجذب الاستثمارات لتعميق التصنيع المحلي وسد احتياجات السوق    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنقاذ قوت الشعب‏..‏
نشر في أخبار مصر يوم 14 - 12 - 2007


الأهرام 14/12/07
ليست هناك قضية الآن في مصر تستأثر بالكثير من النقاش والاهتمام مثل قضية الدعم‏,‏ وهي قضية‏,‏ بالرغم من أهميتها وأصالتها‏,‏ فإنها تثير دائما كثيرا من أبواب الجدل‏,‏ويتصدي البعض لإخافتنا منها لأنها تمس قوت الشعب‏,‏ مما يجعلها تتسبب في إحداث بلبلة‏,‏ ذلك أنها من القضايا الحساسة التي تخص حياة الناس ومعيشتهم‏,‏ لاسيما عندما يمس الحديث الخبز‏..‏ وما أدراك ما الخبز‏,‏ الذي يتجاوز عادة فكرة أنه سلعة غذائية يومية إلي أفكار وأمور أكثر عمقا وأكثر جدلا‏,‏ ليس في مصر وحدها‏,‏بل في العالم كله وعلي مر العصور‏,‏ فقد مثل الخبز منذ فجر التاريخ رمزا حضاريا وثقافيا‏,‏ ارتبط بشكل وثيق برغبة الإنسان في البقاء والارتقاء‏,‏ ومن ثم هو لفظ يتجاوز المعني البسيط‏,‏ليمس بشكل حميم الحاجات الأساسية اليومية للإنسان‏,‏ بل الأحوال المعيشية بشكل عام‏,‏ ولكل ذلك فإن علينا أن نفتح ملفه بكل شجاعة‏,‏وان نتحلي بالقدرة والرغبة في مواجهة كل مشكلات الإنتاج وتصنيع الخبز والأهم من كل هذا تحرير تلك السلعة الاستراتيجية من كل مشكلاتها المتراكمة‏,‏ وأن نفتح الباب لها للتطور والنمو‏,‏ وأن نغير أنماط إنتاجها‏,‏ وطرق توزيعها وأن نحافظ علي قيمتها الغذائية‏,‏ وأن نتيحها للجميع‏,‏ فقراء وأثرياء بالمواصفات نفسها‏,‏ وبكميات غير محدودة‏,‏وفي أي وقت يطلبون بلا حجر علي أحد‏..‏ حتي ولو كانت سلعة يسبب الإكثار منها التخمة أو السمنة‏..‏ نعم علينا مواجهة تلك السلبيات بأساليب أخري‏,‏ منها تحسين القيم الغذائية للرغيف المصري‏,‏ ولدينا الكثير من الأبحاث والدراسات التي تصب في هذا المجال ويمكننا الاستفادة منها‏,‏ ليصبح الخبز بالفعل القوت اليومي الصحي والمغذي لجميع أبناء الشعب‏,‏ يصل إلي جميع فئاته دون تميز وبالسعر والمواصفات نفسها‏.‏
هذه الرؤية سمعتها من الرئيس حسني مبارك‏,‏ عندما تحدث معنا في رحلة العودة من القمة الأفرو أوروبية عن الدعم‏,‏ وضرورة أن يصل الرغيف بسعر يناسب الفقراء وجميع الفئات ويكون متاحا لكل أبناء القري والعشوائيات‏,‏ الموظفين وغيرهم‏..‏ ومن هنا فإن رغيف العيش سيظل للجميع قضية كبري نتمسك بها ونحافظ عليها‏.‏
لقد آن الأوان لمناقشة قضية الدعم في مصر بكل جدية‏,‏ ورغبة حقيقية في إصلاح أوضاعنا الاقتصادية دون خوف‏,‏ أو تردد‏,‏ خاصة أننا نري مواردنا تتسرب من تحت أيدينا ويتم استغلالها في مآرب شتي‏,‏ لا تخدم المواطن البسيط‏,‏ وإنما تحقق المزيد من الثراء للمستفيدين من المتاجرة بتلك الموارد في الأسواق السوداء‏,‏ التي كان السبب الرئيسي وراءها وجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة لتتحول السلع الأساسية إلي أبواب خلفية للثراء غير المشروع‏,‏ ومن غير المعقول أن دولة مثل مصر تعاني موارد محدودة‏,‏ تتيح أكثر من‏100‏ مليار جنيه من ميزانيتها السنوية لتقديم الدعم بكل الأشكال المباشرة وغير المباشرة‏,‏ أو ما نطلق عليه الدعم الضمني‏..‏ ولا تستطيع إحداث مقاومة حقيقية وفاعلة للفقر في المجتمع‏,‏ أولا تقدم خدمة مؤثرة وفعالة في مجالي الصحة والتعليم‏.‏
ومع تسليمنا الكامل بأهمية الدعم من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية‏..‏ فإن الأمر أصبح يتطلب تغييرا جوهريا في شكل وأساليب تقديم الدعم‏,‏ بحيث تراعي المتغيرات والتغييرات الهيكلية‏,‏ التي تحدث يوميا في الاقتصاد المصري‏..‏ وبعبارة أخري‏,‏ علينا أن نتساءل‏:‏ كيف يمكن تعظيم العائد من هذا الإنفاق الكبير حتي يمكن للفقراء والمستحقين له الحصول عليه بالكيفية التي تحقق لهم الإشباع والرضا عن السلعة أو الخدمة المطلوبة‏.‏ وتحفظ لهم حقوقهم ويتحول هذا الإنفاق بعد فترة إلي موارد جديدة للاقتصاد المصري؟
إنني أري أنه قد بات علي المزايدين‏,‏ الذين يستغلون تلك القضية عند أي محاولة للتحرك خطوة إلي الأمام‏,‏ أن يتوقفوا قليلا عن شدنا للخلف‏,‏ فمن الأفضل للمجتمع ولهم أن يوجهوا طاقاتهم للإسهام في فكر بناء‏,‏ يسهم في ارتقاء المجتمع ومشاركة فعلية لما فيه مصلحة أبناء الوطن من الفقراء ومحدودي الدخل‏,‏ بدلا من استغلال قضاياهم‏,‏ في إثارة المشاعر وإلغاء العقول وجرها بعيدا عن التفكير البناء‏.‏
وليس المقصود بذلك إلغاء الدعم‏,‏ وهذا ما أكده الرئيس حسني مبارك كثيرا في الآونة الأخيرة‏..‏ ولكن الهدف هو أن نعمل جميعا علي زيادته‏,‏ وأن نثق بالتصريح الذي أطلقه الرئيس وهو يعنيه‏..‏ إننا معه ندخل عصرا جديدا بشر به في خطابه الأخير في مجلسي الشعب والشوري في افتتاح الدورة البرلمانية‏,‏ هذا العصر هو عصر العدالة الاجتماعية الذي تصل فيه ثمار الإصلاح والنمو الاقتصادي إلي جميع المصريين‏,‏ خاصة محدودي الدخل والطبقات الفقيرة‏..‏
ولقد أصبحت الفرصة مواتية للاقتصاد المصري لاختبار آليات جديدة وأساليب مبتكرة وخلاقة‏,‏ تساعد علي الاستفادة القصوي من مخصصات الدعم وتوجيهها مباشره للمستحقين بحيث تحدث تغييرا حقيقيا وملموسا في دخولهم وفي مستوي معيشتهم‏,‏ وهذا هو صميم دعوة الرئيس إلي تحقيق العدالة الاجتماعية والاستفادة من نفقات الدعم الباهظة لتحتل مكانها الصحيح‏..‏

......................................................................‏
والواقع أن هناك سببين مباشرين يجعلان الفرص مواتية لتحقيق تلك القفزة النوعية‏.‏
أولهما‏:‏ أن الاقتصاد المصري أصبح في وضع نمو‏,‏ ومؤشراته تقول إن النمو الذي بلغ أكثر من‏7%‏ مازال في بداياته‏,‏ وإن هناك إشارات تبشر بالزيادة والنمو المطرد‏..‏
وثانيهما‏:‏ هو انخفاض نسبة الفقراء في مصر حسب التعريفات الدولية من‏20.1%‏ إلي‏18.4%‏ حتي أصبح عددهم‏14‏ مليونا‏..‏ كما يجب أن نعترف بأن الفقر سكن بلادنا تاريخا طويلا‏,‏ بل إن جيلا واحدا من المصريين الذين يعيشون اليوم بيننا‏,‏ يستطيع أن يحكي الأساطير عن الفقراء في الزمن الذي يحن إليه الكثيرون قبل الثورة وبعدها‏,‏ كما أن مصر ليست وحدها التي يعاني بعض أبنائها مشكلات الفقر‏,‏ فالفقر لم يختف بعد من أي دولة في العالم‏,‏ وهو ليس قدر السماء في الأرض ولكنه صناعة بشرية في معظمها‏..‏ كما أنه ليس مناورة سياسية يستثير بها المغامرون في عالم السياسة غضب الفقراء أو وضعا يستثمر فيه البعض أحلام الفقراء‏,‏ لتحقيق مكاسب سياسية‏,‏ أو النيل من الإنجازات والعمل الجاد في الأعوام الثلاثين الماضية‏,‏ التي غيرت مفهوم الفقر في بلادنا وليس الفقر من القضايا التي يمكن تجاهلها أو السكوت عنها‏,‏ فالرئيس مبارك منذ أن تولي الحكم لم يتوقف يوما عن التعبير عن الاهتمام بذوي الدخول المحدودة‏..‏ ولم يخف تحيزه الواضح لهم في كل سياساته‏..‏ إنه يسير نحو هذا الهدف حتي إن تشجيع القطاع الخاص علي النمو كان دافعه أيضا‏,‏ من أجل تعظيم فرص العمل الحقيقية أمام
قطاعات واسعة من المصريين‏,‏ فلم يعد بمقدور الدولة وحدها أن تتحمل مسئولية توظيف أعداد هائلة من العمالة تتزايد عاما بعد آخر‏,‏ حيث وصل عدد العاملين في القطاع الحكومي إلي أكثر من ستة ملايين موظف‏,‏ مما جعل الحكومة الحالية أكبر حكومة في التاريخ‏,‏ من حيث العدد الذي يعمل بها‏,‏ وتحولت القوة العاملة المصرية إلي بطالة مقنعة‏,‏ شلت قدرة الدولة علي النمو والتطور وأثرت في فعالية وقدرة الحكومة علي تقديم خدمات سريعة وفعالة للمواطنين‏,‏ وترك هذا التكدس الحكومي أثره في تعقيد الإجراءات وإيجاد بيروقراطية مخيفة أصبحت تهدد بشل حركة الحياة في مصر‏.‏
ولقد سبق أن قلت إن مصر تدخل معركة جديدة ضد الفقر‏,‏ وهي‏,‏ إذا شئنا الدقة‏,‏ مرحلة تحول مهمة في حياتنا‏,‏ ومن هنا فإن الجميع مطالبون بالمشاركة فيها تحقيقا للعدالة والاستقرار في المجتمع‏.‏ فإذا نجحنا في تحويل مائة مليار جنيه دعما إلي الفقراء ومتوسطي الدخل مباشرة دون غيرهم‏,‏ فإننا يمكن أن نخفف معاناة الفقراء وهي تجربة صعبة ولكنها تستحق أن نخوضها‏.‏
رغيف الخبز نقطة انطلاق نحو الغد
وربما تكون قضية الخبز‏,‏ والأزمات المتلاحقة التي ارتبطت به‏,‏ من أكثر القضايا التي تستلزم مواجهة سريعة ومناقشة جادة ودقيقة‏,‏ فالمشكلة لاتكمن في نقص الدقيق المحلي أو المستورد‏,‏ حيث إنه متوافر وبكميات أكبر من حاجة الاستهلاك‏,‏ وهناك دائما مخزون من الدقيق يكفي ال‏75‏ مليون مصري في أي وقت وفي أي زمان‏,‏ ولكن المشكلة الحقيقية‏,‏ التي تواجهها تلك السلعة الاستراتيجية هي الدعم الكبير لها بما يؤدي إلي تثبيت سعرها‏,‏ وليس عيبا أن يتاح رغيف الخبز للأغنياء و الفقراء بالسعر نفسه‏,‏ كما يحدث مع التعليم والصحة‏,‏ التي مازالت الحكومة المصرية تتيحهما للجميع بلا تفرقة وتتحمل تكلفتهما مهما تشتد الظروف‏..‏ وقد بلغ دعمه‏,‏ بعد تضاعف أسعار القمح العالمية‏,15‏ مليار جنيه في حين ارتفعت ميزانية التعليم في مصر من‏683‏ مليون جنيه عام‏1981‏ إلي‏27.5‏ مليار جنيه‏,‏ وستصل في العام المقبل إلي أكثر من‏30‏ مليار جنيه‏,‏ وكذلك اعتمادات قطاع الصحة‏,‏ فقد ارتفعت من‏245‏ مليونا عام‏1981‏ الي‏10‏ مليارات عام‏2007,‏ وسترتفع العام المقبل لتصبح‏15‏ مليار جنيه‏.‏
والمشكلة ليست في دعم وإتاحة الخبز والصحة والتعليم للجميع‏..‏ ولكنها تتمثل في إهدار هذه الاعتمادات دون أن تصل إلي المستحقين الفعليين لها‏,‏ حيث تتسرب إلي المستغلين وتتحول إلي أوجه فساد في مجتمع نحلم جميعا بتقدمه حتي يصبح مجتمعا صحيا متطورا وينمو باستمرار ويواجه مشكلاته بشجاعة وبجرأة دون تقاعس أو خجل من مناقشة قضاياه الجوهرية‏..‏ مجتمع يضع الحلول الخلاقة‏,‏ ويواجه قدر طاقته السلبيات التي توجدها تلك الأوضاع‏..‏ وعلينا أن نعترف بأن الدعم الموجه للخبز البلدي هو أكثر أنواع الدعم فعالية وأنه ساعد‏,‏ حسب تقارير دولية‏,‏ ملايين المصريين علي تجاوز دائرة الفقر المدقع‏..‏ ولكن مازالت مشكلة نظام الدعم القائم هي كيفية وصوله إلي مستحقيه‏..‏ حتي لا ينتج عنه سوء الاستخدام وزيادة معدلات الاستهلاك وازدواجية الأسعار‏,‏ وذلك بالإضافة إلي مشكلة الفساد المستشري فيما يتعلق بإنتاج الخبز‏,‏ والذي تكشف الدراسات عن تحوله إلي علف للحيوانات‏.‏
التجارة في الدقيق أكثر ربحية من المخدرات
وأصبح الدعم فرصة متزايدة أمام الكثير من المستغلين لتحقيق أرباح خيالية‏,‏ فالدراسات تقول إن التجارة في الدقيق أكثر ربحية من التجارة في المخدرات‏.‏ والتقدير المبدئي هو أن أكثر من‏30%‏ من هذا الدعم يتسرب إلي تجار السوق السوداء‏,‏ أي أن محدودي الدخل يخسرون‏4.5‏ مليار جنيه من دعم سلعة واحدة يتم تهريبها‏..‏ بالإضافة إلي المشكلات الأخري‏,‏ وأهمها ظاهرة طوابير العيش والاختناق الحاد في توزيعه‏..‏ والاحتقان الذي تزرعه لدي المواطنين‏..‏ ومن هنا فإن نظام الدعم الإنتاج والتوزيع الراهن هو الذي يصنع الأزمة‏.‏وهكذا تذهب الأموال هباء‏,‏ ولا يستفيد منها إلا المستغلون وتجار السوق السوداء‏,‏ وأصبح ظاهرة معيبة في حق المصريين‏,‏ فلايمكن أن يستمروا في الحصول علي رغيف خبزهم بهذه المهانة‏.‏ وبصعوبات جمة في حين أنهم يملكون القدرة والإمكانات‏,‏ ولكنهم يخافون من التغيير حتي لايقعوا تحت رحمة المزايدين وقناصي الفرص والذين يستغلون فجوة عدم الثقة عند الناس أو يجيدون فنون المعارضة السياسية‏.‏
إن هذه السلعة التي تمس كل بيت مصري تعاني التسرب‏,‏ بعيدا عن أسواقها الطبيعية نتيجة الدعم العيني الذي تعيشه‏,‏ وفي حالة استمرار هذا الوضع‏,‏ لن تستطيع الرقابة أن توقفه‏,‏ ولن تتمكن أي حكومة‏,‏ أمام زيادة أسعار السوق السوداء‏,‏ من وقف عمليات التهريب‏..‏ فليس عمليا أن يقف ضابط أو جندي أو مفتش علي كل جوال‏..‏ بل إن هذا الوضع يساعد علي الرشوة مع تزايد الأرباح وأسعار السوق السوداء‏.‏
وأؤكد من جديد أن الدعم‏,‏ بشكله الراهن‏,‏ يصنع أزمة لإنتاج رغيف الخبز‏,‏ بالرغم من أننا نملك طاقة إنتاجية كبيرة‏,‏ حيث وصل عدد المخابز إلي‏17‏ ألف مخبز في القاهرة الكبري‏.‏ ولكنها لاتعمل إلا ساعتين في اليوم‏..‏ حتي تتمكن الأجهزة الرقابية من ضمان إنتاج الحد الأدني من الخبز اللازم للفقراء ومحدودي الدخل‏.‏ وإذا استمر الحال كذلك فسوف يزيد الإنتاج سوءا‏,‏ وسوف تستمر الطوابير لأن هناك مشكلة هيكلية‏,‏ تحتاج إلي حل جذري يجب أن يشارك فيه المجتمع كله‏,‏ ولا يتردد في اتخاذ قرار الحل‏..‏ وعلينا جميعا البحث عن آلية جديدة تحفظ للرغيف جودته وحسن صناعته‏..‏ وتحفظ للمواطن كرامته‏,‏ ويتمكن من الحصول علي احتياجاته من الخبز يوميا بأسلوب حضاري يتسق مع درجة التطور والنمو اللذين تعيشهما مصر الآن‏.‏

وإنني أتساءل‏:‏ لماذا لا نتفق علي تحرير هذه السلعة بكل شجاعة وأن نتعاون جميعا في أن يصل الدعم المقرر في الميزانية إلي المستحقين مباشرة‏,‏ حتي يكون لها سعر واحد يضمن جودتها وحسن إنتاجها‏.‏ لماذا لانمد أيدينا ونساعد الحكومة حتي نحصل علي رغيف خبز مناسب وتعليم جيد وصحة ممتازة؟‏.‏
إن الجدية تصنع الجدية‏,‏ والنجاح يولد النجاح فلنبدأ التجربة‏,‏ ونطلب مشاركة الجميع‏..‏ الذين سوف يشعرون بمردود التحرك‏,‏ وتأثيره علي الأسر البسيطة وميزانيتها بشكل مباشر‏.‏
والحقيقة أن الموارد متوافرة‏,‏ ولكنها تهدر في الطريق ولا تذهب إلي المستحقين‏,‏ ولأننا خائفون‏,‏ فإننا نتأخر ويسبقنا الآخرون‏.‏ ولكننا اليوم مؤهلون للتغيير‏,‏ ويجب أن ننتهز الفرصة‏,‏ ويكفي أننا تأخرنا في الإصلاح الاقتصادي الذي بدأناه قبل أوروبا الشرقية وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي‏,‏ حيث عرفنا التحرر من الملكية العامة والاتجاه إلي تقسيم العمل الاقتصادي بين الحكومة والشعب‏..‏ وهو التحرك الذي شمل العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونظريته الاقتصادية‏.‏

فلقد سبقت مصر العالم عندما بدأت عام‏1974‏ في مواجهة فشل تلك النظريات الاقتصادية‏..‏ ولكنها تحركت ببطء مراعاة للبعد الاجتماعي‏,‏ وخوفا من تأثر محدودي الدخل والطبقات الفقيرة‏,‏ وكانت النتيجة أن سبقتنا معظم تلك البلدان في التطور والنمو وجذب رءوس الأموال الخارجية‏,‏ وارتفاع معدلات النمو والانضمام للاقتصاد العالمي‏..‏ بينما تخلفنا عنهم وسبقونا بعد أن كنا في المقدمة‏..‏ وأقول في هذا الصدد المسئولية الكبري لا تقع علي الحكومات‏,‏ بقدر ما تقع علي النخب السياسية والإعلامية‏,‏ التي كانت تتولي قيادة قافلة التأخر وتخويف المجتمع من التطور‏,‏ والانضمام إلي الاقتصاد العالمي‏,‏ وسوف يحاسبها التاريخ علي ذلك فلقد وضع أعضاء هذه النخب والمثقفون أنفسهم كحائط صد أمام التقدم ودفعونا بقوة للخلف‏,‏ بعيدا عن موضعنا الصحيح‏,‏ ألا هو القاطرة التي تدفع المجتمع نحو التغيير والتطور والنمو‏.‏ والآن تجيئنا جميعا فرصة جديدة لنتحرك نحو التطور وترشيد مواردنا ووضعها في مكانها الصحيح‏,‏ ويجب ألا نضيعها فلم تعد ظروفنا المحلية والمتغيرات العالمية تحتمل التردد‏.‏
المزيد فى أقلام وآراء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.