انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    ڤودافون مصر توقع اتفاقية تعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدعم الأمن السيبراني    بروتوكول تعاون بين جامعة الفيوم والاتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية    عاجل: إيران في حالة حداد.. تفاصيل الأحداث بعد وفاة الرئيس رئيسي    أخبار الأهلي: الأهلي يكشف تفاصيل جراحة علي معلول    بالاسم ورقم الجلوس.. رابط نتيجة الشهادة الاعدادية الأزهرية 2024 الترم الثاني عبر بوابة الأزهر الإلكترونية    تفاصيل عيد الأضحى 2024 ومناسك الحج: الموعد والإجازات    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    حجز استئناف أحمد عز على إلزامه بدفع 23 ألف جنيه إسترليني لتوأم زينة    تطورات حالة والد مصطفى قمر الصحية بعد إجرائه جراحة    بعد طائرة الرئيس الإيراني.. هل تحققت جميع تنبؤات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف؟‬    إيرادات "السرب" تتخطى 30 مليون جنيه في شباك التذاكر    6 نصائح لمواجهة الطقس الحار.. تعرف عليها    الوفد الروسي بجامعة أسيوط يزور معهد جنوب مصر للأورام لدعم أطفال السرطان    الليجا الإسبانية: مباريات الجولة الأخيرة لن تقام في توقيت واحد    استبدال إيدرسون في قائمة البرازيل لكوبا أمريكا 2024.. وإضافة 3 لاعبين    مدرب الزمالك يغادر إلى إنجلترا بعد التتويج بالكونفيدرالية    مصطفي محمد ينتظر عقوبة قوية من الاتحاد الفرنسي الفترة المقبلة| اعرف السبب    وزير الري: 1695 كارثة طبيعية بأفريقيا نتج عنها وفاة 732 ألف إنسان    البنك الأهلي المصري يتلقى 2.6 مليار دولار من مؤسسات دولية لتمويل الاستدامة    المؤشر الرئيسي للبورصة يتراجع مع نهاية تعاملات اليوم الاثنين    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأجيل محاكمة رجل أعمال لاتهامه بالشروع في قتل طليقته ونجله في التجمع الخامس    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    سوزوكي تسجل هذه القيمة.. أسعار السيارات الجديدة 2024 في مصر    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    "النواب" يوافق على منحة لقومي حقوق الإنسان ب 1.2 مليون جنيه    الحياة على كوكب المريخ، ندوة علمية في مكتبة المستقبل غدا    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    «صحة الشرقية» تناقش الإجراءات النهائية لاعتماد مستشفى الصدر ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    «السرب» الأول في قائمة إيرادات الأفلام.. حقق 622 ألف جنيه خلال 24 ساعة    مسرح التجوال يقدم عرض «السمسمية» في العريش والوادي الجديد    نائب جامعة أسيوط التكنولوجية يستعرض برامج الجامعة أمام تعليم النواب    شيخ الأزهر يستقبل سفير بوروندي بالقاهرة لبحث سبل تعزيز الدعم العلمي والدعوي لأبناء بوروندي    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    في طلب إحاطة.. برلماني يحذر من تكرار أزمة نقل الطلاب بين المدارس    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    شكرى: الاحتياجات ‬الإنسانية ‬للأشقاء ‬الفلسطينيين ‬فى غزة ‬على رأس أولويات مصر    وزيرة الهجرة: نتابع تطورات أوضاع الطلاب المصريين فى قرغيزستان    تفاصيل أغنية نادرة عرضت بعد رحيل سمير غانم    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    باحثة سياسية: مصر تلعب دورا تاريخيا تجاه القضية الفلسطينية    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    ماذا يتناول مرضى ضغط الدم المرتفع من أطعمة خلال الموجة الحارة؟    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
دليل المواطن الذكي إلي الانتخابات العامة ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 05 - 2010

عزيزي القارئ‏:‏ فيما يلي سوف تجد دليلا للمواطن الذكي نحو الانتخابات العامة‏,‏ فلا يخفي عليك أن موسما ممتدا لعام ونصف العام تقريبا للانتخابات التشريعية. شوري وشعب ثم الرئاسية‏,‏ قد بدأ مع إطلاق إشارة البداية بأن انتخابات مجلس الشوري سوف تجري في الأول من يونيو‏..‏ وكما هي العادة فإن هذا الشهر سوف يكون مزدحما بعمليات الترشيح والطعون وتحديد القوائم الانتخابية ووسائل المراقبة‏,‏ وهكذا إجراءات تنتهي دوما بالانتخابات وإعلان النتائج‏.‏ وسوف تتكرر هذه المسيرة في شهر أكتوبر القادم‏,‏ ومن بعدها سوف يكون الانتظار المثير حتي العام القادم وإعلان المرشحين للمنصب الرفيع حتي يأتي يوم الانتخاب‏.‏
المهم في الموضوع كله أنه بين انتخابات وأخري سوف تكون الساحات الإعلامية والفكرية مشغولة تماما بالحديث عن الموضوع‏,‏ ومهما كانت الكلمات والتعبيرات معروفة مسبقا‏,‏ فإن استخدامها سوف يبدو كما لو كان مطروحا لأول مرة‏.‏ ووسط هذا الضجيج الكبير سوف يكون علي المواطن أن يتخذ الكثير من القرارات الصعبة‏,‏ وأكثر من ذلك سوف يكون هناك من سيجتذبه ذات الشمال وذات اليمين محاولا استخدامه في ألعاب سياسية متنوعة‏.‏
ولعل أول الأسئلة المطروحة علي المواطن المصري‏,‏ هو هل يشارك في الانتخابات العامة أم لا؟‏!‏ فالمسألة كما يتصورها البعض هي صداع لا ينتهي‏,‏ ولا يعلم أحد له فائدة علي أي حال‏.‏ ولو أن الإجابة سارت علي سوابقها فإن صاحبنا علي الأرجح لن يذهب إلي الانتخابات علي الإطلاق‏,‏ فما حدث في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة في عام‏2005‏ هو أن‏23%‏ من الناخبين المسجلين شاركوا في الاختيار‏,‏ أما في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نفس العام‏,‏ فقد ارتفعت النسبة قليلا إلي‏26.2%,‏ وهي نسبة لا تزال مخجلة‏.‏ ولم يكن ما جري في عام‏2005‏ استثناء من القاعدة‏,‏ بل كان تعبيرا عن قاعدة شائعة‏,‏ حيث شارك‏24%‏ فقط في الانتخابات البرلمانية عام‏2000.‏
هنا‏,‏ علينا أن نلاحظ أن حساب النسبة يجري علي الناخبين المسجلين‏,‏ أما إذا نسبناهم إلي هؤلاء في سن التصويت فإن النسبة سوف تنخفض في المتوسط إلي نحو‏18%‏ فقط‏.‏ ومن الواضح أن الحالة الحماسية الشائعة في القنوات التليفزيونية الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام لم تنعكس علي الجمهور‏,‏ أي أن الجمهور كان في حالة نفسية ومعنوية أخري‏,‏ أو أن المسألة ببساطة هي‏,‏ أنه لا يوجد ضمن قدرات نظام الانتخاب ما يسمح للناخب بالوصول إلي صندوق الانتخابات من الأصل‏,‏ لأن عدد الصناديق لا يكفي إطلاقا لعدد من وجب عليهم التصويت‏.‏
إن لدي عدة أسباب تدعو المواطن المصري إلي الاهتمام بالانتخابات‏,‏ والذهاب يوم الاختيار‏,‏ والإدلاء بصوته‏,‏ منها بالطبع أسباب أخلاقية ووطنية للموضوع‏,‏ فالممارسة السياسية هي من صميم المواطنة‏,‏ وفي العصر الحديث فإن المواطن لا يكون مواطنا ما لم يدفع الضرائب التي نعرفها‏,‏ وما لم يدفع ضريبة الدم بالتجنيد في القوات المسلحة‏,‏ وما لم يقم بالتصويت في الانتخابات العامة أيضا‏.‏ ولكن هذه الأسباب لا تكفي‏,‏ برغم أهميتها‏,‏ ف المصلحة الشخصية المباشرة لا تقل أهمية‏,‏ ففي وقت من الأوقات لم يكن هناك ما يدعو الناس للمشاركة لأن الحكومة في الحقيقة تقوم بتعليم المواطن وتشغيله‏,‏ وانتزاع ما تري انتزاعه من ضرائب من المنبع ساعة الحصول علي المرتبات‏.‏ وحينما قررت الدولة أن الموظف العام ينتمي فعليا إلي جماعة الفقراء‏,‏ فإن فكرة الضرائب لم يعد لها وجود‏.‏
إن الأصل في النظرية الديمقراطية هو أنه لا ضرائب دون تمثيل‏,‏ لكن العكس أيضا صحيح‏,‏ وهو أنه لا تمثيل دون ضرائب‏.‏ والحال الآن في مصر أقرب إلي الحالة الأولي منها إلي الثانية‏,‏ فقد بات علي الإنسان المصري إذا أفلت من ضرائب الدخل أن يدفع الضرائب العقارية‏,‏ وإذا لم يكن لديه عقارات إطلاقا فإنه يدفع ضريبة للمبيعات في كل الأوقات‏;‏ وإذا أضيفت إلي كل ذلك أشكال مختلفة من الرسوم‏,‏ والدمغات‏,‏ والضرائب المحلية‏,‏ والجمارك المتنوعة‏,‏ فإنه يصبح من قبيل الذكاء المشاركة في الانتخابات العامة لاختيار من ينظر بعقل إلي مسألة الضرائب العامة‏,‏ وإذا ابتلع المر وأقرها‏,‏ فإنه يعمل ويكد من أجل حسن إنفاق الأموال التي تأتي منها‏,‏ ومعها كل الأموال العامة‏.‏
ولكن المواطن الذكي سوف تكون لديه مشكلة أخري‏,‏ فهو ليس خليا من الشكوك والهواجس حول ما جري في بعض العمليات الانتخابية في الماضي‏,‏ وهو لا يعلم إن كانت إرادته سوف يتم احترامها فعلا أو أنه سوف يجري التلاعب بها بأشكال متنوعة من السحر وخفة اليد وحتي ثقلها‏,‏ وحتي لو تم احترام الآراء‏,‏ يكون التساؤل هو هل يستطيع ممثل الشعب أن يغير شيئا تريده الحكومة؟‏.‏
وبالطبع‏,‏ فإنه لا يمكن أن نستبعد من ذهن المواطن أنه حتي عندما تم الإشراف القضائي فوق كل صندوق انتخابي فإن عدد الطعون في نزاهة الانتخابات لم يقل بل زاد‏;‏ وبعد أن انتهت ضجة الانتخابات لتبدأ الممارسة في المجلس‏,‏ بدا وكأن أحدا لايعلم بدقة الكثير عن الدور الذي قام به أعضاء مجلسي الشعب والشوري في إصدار القوانين العامة خلال خمس سنوات‏.‏ وإجابتي المباشرة لكل المصريين هي أنه لا يوجد ما يهدئ الشكوك والهواجس والمخاوف إلا بأن يصل حجم المشاركة إلي الدرجة التي يستحيل معها التلاعب بشكل أو آخر حين تقف الملايين حارسة علي إرادتها‏.‏ وبالطبع فإن هناك وسائل متنوعة لحماية أصوات الناخبين‏,‏ كان منها القضاة في كل اللجان‏,‏ وفي اللجان العامة‏,‏ وجري استخدام المجتمع المدني‏,‏ وكانت الدعوة للمشاركة الأجنبية في الرقابة علي الانتخابات تجد كثرة تستهجنها في بلد يفوق تخوفه من التدخل الأجنبي خوفه من التلاعب بالانتخابات العامة‏.‏
المواطن الذكي يستطيع أن يحصل علي أفضل الانتخابات بالمشاركة المباشرة‏,‏ وإذا كان الوصول إلي صناديق الانتخابات صعبا‏,‏ فإن معركة وجود الصناديق الكافية هي معركة تستحق خوضها من جانب المواطن لفرض انتخابات نزيهة‏,‏ ومن جانب الحكومة أيضا حتي لا يصدر عليها الرأي العام أحكاما صعبة بعد الانتخابات‏.‏ وإذا كان لدي المواطن شك في قدرات ممثليه فإن عليه مراجعة التعديلات التي أدخلها نواب الشعب علي القوانين التي قدمت بما فيها قوانين للضرائب‏,‏ وحتي القوانين التي جري سحبها من قبل الحكومة لأنها لم تجد لها التأييد الكافي‏,‏ والموضوعات التي لم تقدم من الأصل مثل تلك الخاصة بالصكوك الشعبية لأنها لم تجد قاعدة تسمح بمرورها من النقاش إلي التشريع‏.‏
إذا ما قرر المواطن المشاركة فإن الأسئلة المطروحة عليه تزداد صعوبة وتعقيدا‏,‏ فهو لا يعرف من يختار علي وجه التحديد بين طوائف متنوعة من المرشحين أصحاب الميول الحزبية المختلفة‏,‏ وحتي بين المستقلين الذين لا تقل ميولهم اختلافا‏.‏ وبالطبع فإنه في بعض مناطق مصر‏,‏ تبدو المسألة محسومة باختيار الأقرب إلي العائلة أو القبيلة والعشيرة حيث لا يكون الدم ماء‏,‏ وإنما قرب يكفي لتعزيز المصالح‏.‏ ولكن مصر ليست كلها كذلك‏,‏ وحتي الأقرباء وأبناء الناحية تحدث لديهم تغيرات كثيرة في الملبس والقول بعد وصولهم إلي القاهرة‏,‏ وأحيانا تحدث الكارثة وينقسم أبناء العمومة بين أكثر من مرشح ولا تعود الأيام الطيبة إلي سيرتها الأولي أبدا‏.‏
والحقيقة أن المواطن الذكي وغير الذكي أيضا لأن الأمر لا يحتاج كثيرا من الذكاء عليه أن يختار ما بين مرشح يريد تمثيل الدولة كلها وليس دائرته فقط‏,‏ ويكون منوطا به إصدار التشريعات التي تهم المواطن المصري‏,‏ من الإسكندرية إلي أسوان‏,‏ وتحتكم إليه الدولة في جميع أنشطتها‏,‏ بل أكثر من ذلك يقوم بدور رقابي لضمان وضع الخطط موضع التنفيذ‏,‏ علي نحو يتطلب إلمامه بقدر معقول من الثقافة القانونية والدراية التامة بالدستور المصري واللوائح الداخلية لمجلسي الشعب والشوري ومعرفة اتجاهات السياسات العامة في البلاد‏(‏ مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والبطالة والفقر وارتفاع الأسعار والأجور‏)‏ والإحاطة بالتطورات التي يشهدها العالم المعاصر‏,‏ وبين مرشح آخر يسعي لأن يكون نائبا خدميا‏,‏ أي يجعل مهنته ليست تمثيل الشعب‏,‏ وإنما تسهيل أعمال أبناء دائرته في الحصول علي خدمة أو قضاء مصلحة‏.‏
ومنذ عشر سنوات‏,‏ أجري استطلاع للرأي العام في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام للتعرف علي المعايير التي يستخدمها الجمهور المصري في التصويت للاختيار بين المرشحين المختلفين في الانتخابات‏.‏ وقد أظهرت النتائج أن قدرة المرشح علي تقديم الخدمات للناخبين هي المعيار الأساسي للاختيار بين المرشحين بنسبة‏64.2%,‏ أما الاختيار علي أساس سياسي‏,‏ سواء كان علي أساس برنامج المرشح أو انتمائه لحزب الحكومة أو لأحزاب المعارضة‏,‏ فإن نسبة الأخذ بمثل هذه المعايير السياسية لم تزد علي‏9.3%‏ من إجمالي المواطنين‏.‏ ويبدو أن ذكاء المواطن المصري قد قاده إلي النتيجة المضمونة بالانحياز إلي المرشح المهتم بقضايا الدائرة‏,‏ أما القضايا الكونية فإن للبيت دائما ربا يحميه ويتولي أمره‏,‏ وعلي أي الأحوال فإن أهل القاهرة لديهم قدرة فائقة علي الشكوي طوال الوقت مع التأكيد علي القدرة في اللحظة نفسها علي حل مشاكل الكون‏.‏
لكن كل القضايا ليست دائما بهذه السهولة‏,‏ فالمواطن الذكي يواجه في الانتخابات المصرية الأخيرة إشكالية التداخل بين الديني والمدني‏,‏ حيث تعد ثنائية الدين والدولة واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل العام في مصر‏,‏ سواء علي مستوي القوي السياسية المختلفة أوالتيارات الفكرية المتنوعة‏,‏ الأمر الذي سمح لهذا الفصيل السياسي أو ذاك التيار الفكري بتفسير تلك العلاقة وفقا لتصوره الخاص‏,‏ وقدوم انتخابات عدة تعيد فتح باب الحوار من جديد حول طبيعة الدولة المصرية‏,‏ لاسيما مع الرؤي الغامضة والملتبسة التي تطرحها القوي السياسية ذات المرجعية الدينية‏,‏ وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين التي زاد عدد مقاعد النواب الممثلين لها من‏17‏ مقعدا في برلمان‏2000‏ إلي‏88‏ مقعدا في برلمان‏2005‏ بزيادة تماثل خمسة أمثال سابقتها‏.‏
إن السؤال الذي يوجهه النائب للمرشح‏:‏ ماذا تريد بالضبط ؟‏,‏ دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين وأصحاب الفتاوي وهيئة كبار العلماء المنتخبة أو غير المنتخبة‏,‏ والعلنية أو السرية‏,‏ أم دولة مدنية تكون المرجعية فيها للدستور والقانون ويحكمها رئيس جمهورية ويرسم وينفذ سياستها رئيس وزراء ومعه مجموعة وزراء‏,‏ فضلا عن برلمان منتخب لأعضائه القول الفصل في أمور الدولة‏.‏ وهنا يتفرع سؤال آخر‏,‏ فما هي وظيفة مجلس الشعب؟‏,‏ وهل هي التشريع والرقابة أم الإفتاء في أمور الدين والتضييق علي الحريات العامة؟ وإذا كانت الإجابة هي الأخيرة‏,‏ فما هي أوجه الاختلاف عن وظيفة مؤسسات أخري خولها المجتمع للقيام بهذه المهمة منها‏:‏ الأزهر الشريف ودار الإفتاء بالنسبة للمسلمين‏,‏ والكنائس ذات المذاهب المختلفة بالنسبة للأقباط‏.‏
والنصيحة للمواطن الذكي ليست سهلة‏,‏ فكم من أحزاب وجماعات مدنية تتمسح في مقولات دينية علي سبيل التقية‏,‏ وكم من أحزاب دينية تتمسح بشعارات مدنية لعلها تحتسب من المعاصرين‏,‏ وهناك خلط مخيف للأوراق‏,‏ لكن ما ليس مخفيا علي أحد هو نموذج الدولة المتقدمة حيث لا توجد بين مثل تلك الدول دولة دينية واحدة‏,‏ وكلها تقوم علي الحكمة الجامعة للبشر الذين يصيبون ويخطئون‏.‏ كما أنه ليس خافيا علي أحد تلك التجارب التي جرت للدول الدينية في إيران والسودان وأفغانستان وغزة‏,‏ فضلا عما فعلته الأصوليات الدينية المختلفة في دول مثل الجزائر واليمن ولبنان‏,‏ حيث كان ثمن محاولة إقامة الدولة الدينية دماء غزيرة‏.‏
وإذا كانت الإشكالية السابقة تمس أوتارا حساسة داخل قلب وعقل المواطن‏,‏ فإن هناك إشكاليات تمس مصالحه مباشرة لأنها ترتبط بنوعية التنمية التي يريدها‏,‏ وعما إذا كان المرشح الذي يريده مهتما بالدفاع عن أفكار الليبرالية الاقتصادية وحرية السوق القائمة علي آليات العرض والطلب وتشجيع دور القطاع الخاص للقيام بدور محوري في عملية التنمية‏,‏ أم محبذا لاقتصاد موجه تصبح فيه الدولة اللاعب الرئيسي أم خليطا بين الاثنين معا ؟
الشائع لدي المواطن المصري هو الحديث عن تفضيل الاختيار الأخير‏,‏ لأن الذكاء هنا هو أن تبقي كل الخيارات مفتوحة‏,‏ وفكرة الاقتصاد المختلط تبدو كما لو كانت تجمع ما بين حسنات النظامين الاقتصاديين‏.‏ وهناك دائما بين أصحاب الحكمة‏,‏ أو مدعيها‏,‏ من يقول إنه لا يوجد نظام نقي في العالم‏,‏ ولكن قلب المواطن يظل دائما مع الدولة لو أنها تتكفل به من المهد إلي اللحد‏;‏ وحتي عندما قامت الدولة بتمليك العمال عددا من الشركات العامة‏,‏ لم يلبثوا أن أعادوها إلي الدولة مرة أخري‏,‏ وكانت مصر في ذلك تجربة فريدة لتجربة خصخصة عادت مرة أخري إلي التأميم بالإرادة الحرة لمالكي الأسهم‏.‏
ولا يوجد لدي حل لهذه المعضلة‏,‏ ربما لأنها تتحدي الذكاء المعروف في العالم‏,‏ ومن الجائز أن الذكاء هنا يقوم علي الخوف من انقلاب الموازين حينما يتم التركيز علي الثروة بدلا من الفقر‏,‏ خاصة مع تزايد إقبال العديد من رجال الأعمال علي ترشيح أنفسهم أعضاء في البرلمان‏,‏ حيث تمتع‏37‏ منهم بعضوية برلمان‏1995,‏ ودخل‏77‏ من رجال الأعمال برلمان‏2000,‏ ودخل‏68‏ من رجال الأعمال برلمان‏2005‏ وقد تزامن تصاعد عدد رجال الأعمال تحت قبة البرلمان‏,‏ مع تزايد عددهم في تشكيل الحكومة وتوليهم عدة وزارات‏,‏ وهنا يحدث التباس بين الهدف الأساسي من ترشحهم كجماعة مصلحة وهو الحصول علي عائد مناسب من استثماراتهم وتحقيق مصالحهم الخاصة‏,‏ وبين ضرورة أن يضع رجال الأعمال في حساباتهم ومشروعاتهم المصلحة العامة‏.‏ ولكن للقضية وجها آخر‏,‏ وهو أن دخول رجال الأعمال أو رجال الاستثمار إلي ساحة البرلمان قدم تنمية الثروة المصرية إلي قائمة الاهتمامات العامة بدلا من تركيزها المفرط علي معالجة سوءات الحاضر‏.‏
القضايا معقدة علي أي حال‏,‏ وربما كانت للمواطن المصري تقاليده وذكاؤه الذي يقوده نحو مصالحه‏,‏ لكن المهم دائما أن يكون لديه اختيارات كثيرة في البشر والأفكار والبدائل‏,‏ وطوبي لمن يوفرون له كل ذلك‏,‏ وساعتها سيكون الذكاء في مكانه ولا يحتاج لمن يضع دليلا له‏!.‏

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.