عاجل من وزير الخارجية البريطاني بشأن خطط إسرائيل الاستيطانية الجديدة    تطورات إصابة لاعب الزمالك قبل مواجهة المقاولون    استشارية نفسية: تصرف الأهلي زعزع انتماء عبدالقادر.. ويجب حمايته من شوبير (خاص)    وزارة التعليم: تطبيق أعمال السنة على طلاب الثالث الإعدادى العام الدراسى 2028    نيفين مكرم: مبادرة "مصر الغد" لتأهيل الشباب في الذكاء الاصطناعي ودعوة لتشريعات تحكم استخدامه    تراجع الأسهم الأمريكية بعد بيانات تضخم أسعار الجملة المخيبة للآمال    إزالة 12 مزرعة سمكية مخالفة بجنوب بورسعيد    وزير الخارجية يلتقي وزير الاستثمار والتجارة الخارجية    «بحر وميه ولقمة هنية» |انطلاق مهرجان الأجبان المصرية برأس البر    الإعلام المصرى قوى    النيل «ماجاشى»    رابطة الأندية: المراقب لم يدين جماهير الأهلي.. ومباراة بيراميدز بحكام أجانب    تعاون بين "الأوقاف" وجامعة بنها لتعزيز الوعي الديني ومواجهة التطرف (صور)    المستشارون الإعلاميون.. سمك لبن تمر هندي    بعد تداول قائمتين للإيرادات.. تضارب فى أرقام شباك تذاكر السينما المصرية.. والصدارة يحسمها «درويش» فى أول أيام عرضه    فستان مكشوف الظهر.. نادية الجندي تخطف الأنظار على البحر من الساحل    هل دفع مخالفة المرور يسقط الإثم الشرعي؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ أحمد خليل: حادث الواحات جرس إنذار.. جريمة جمعت الأذى والتحرش والرعونة    رمضان عبد المعز يحذر من السرعات الجنونية وحوادث الطرق: "المتهور يقتل نفسه والآخرين"    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد وحدات الرعاية بمركز الحسنة ووحدة البرث ومستشفى الشيخ زويد    زراعة كبد ناجحة لطفل 7 سنوات بمعهد الكبد القومي بجامعة المنوفية    روما يرصد 20 مليون إسترليني لضم سانشو من مانشستر يونايتد    بيروت التونسى وباريس السعودى فى عشية سمك طيبة بالمرسى.. خواطر ذاتية حول روايتى «فى انتظار خبر إن» و«رجل للشتاء»    بعد 9 أشهر من رحيله .. طرح أغنية "بنطلون جينز" بصوت محمد رحيم    دمشق تشيد بتقرير لجنة التحقيق الأممية حول أحداث الساحل وتتعهد بدمج توصياته في مسار العدالة والإصلاح    رسميا انطلاق نظام البكالوريا المصرية الجديد بعد تصديق السيسي على قانون التعليم - التفاصيل كاملة    القائمة الشعبية تبدأ تلقى طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025    الرئيس السيسي يصدق على قانون التصرف في أملاك الدولة الخاصة    السودان بين تصعيد الميدان وحراك السياسة... مجلس الأمن يرفض السلطة الموازية والجيش يجدد العهد في العيد المئوي    السكة الحديد: تخفيض مؤقت لسرعات القطارات لهذا السبب    المشدد 3 سنوات لعاطل بتهمة حيازة سلاح في المنيا    كوريا الشمالية تحذر إسرائيل من احتلال غزة وتطالبها بالانسحاب فورا    تأهل 4 لاعبات لنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عاما    رمضان عبد المعز: الإسلام جاء لرعاية مصالح الناس وحماية الأرواح    حكم مرور الطريق من أماكن غير مخصصة للمشاة؟| أمين الفتوى يجيب    شعبة مواد البناء: سعر طن الحديد أعلى من قيمته العادلة في مصر ب16 ألف جنيه    خطة وزارة الاتصالات لتطوير بناء أبراج المحمول خلال النصف الثاني من 2025    عميد كلية الصيدلة بجامعة الجلالة الأهلية تعلن عن مميزات برنامج "Pharm‐D"    السبت.. عرض أولى حلقات حكاية "بتوقيت 28" على dmc    الزمالك يصرف مقدمات عقود لاعبيه للموسم الجديد ويعد بالانتظام في المستحقات    تسليم لجان امتحانات الدور الثاني بالثانوية العامة لرؤسائها استعدادًا لانطلاقها السبت    وزير الإسكان: 18 و19 أغسطس الجاري..إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة    طريقة عمل الكيكة العادية فى البيت بمكونات اقتصادية    ضبط سائق سيارة فارهة حاول الهرب بعد ارتكابه حادثا مروريا بكوبرى أكتوبر.. فيديو    أسامة نبيه: حققنا مكاسب كثيرة من تجربة المغرب    السجن المؤبد لأفراد تشكيل عصابى تخصص فى الاتجار بالمخدرات بالقناطر الخيرية    عمر الشافعي سكرتيرًا عامًا وإيهاب مكاوي سكرتيرًا مساعدًا بجنوب سيناء    المواد الغذائية: استجابة المنتجين والمستوردين لخفض الأسعار ضرورة وطنية.. ومؤشرات الاقتصاد تؤكد التعافي    الليلة.. انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من «مسرح الغرفة والفضاءات» بالإسكندرية    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    حلول "فورية وسريعة".. وزير الصحة يبحث تجاوز عقبات صناعة مشتقات البلازما    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    ب22 مليون جنيه.. الداخلية تضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي    موعد مباراة ليفربول وبورنموث في الدوري الإنجليزي    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
دليل المواطن الذكي إلي الانتخابات العامة ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 05 - 2010

عزيزي القارئ‏:‏ فيما يلي سوف تجد دليلا للمواطن الذكي نحو الانتخابات العامة‏,‏ فلا يخفي عليك أن موسما ممتدا لعام ونصف العام تقريبا للانتخابات التشريعية. شوري وشعب ثم الرئاسية‏,‏ قد بدأ مع إطلاق إشارة البداية بأن انتخابات مجلس الشوري سوف تجري في الأول من يونيو‏..‏ وكما هي العادة فإن هذا الشهر سوف يكون مزدحما بعمليات الترشيح والطعون وتحديد القوائم الانتخابية ووسائل المراقبة‏,‏ وهكذا إجراءات تنتهي دوما بالانتخابات وإعلان النتائج‏.‏ وسوف تتكرر هذه المسيرة في شهر أكتوبر القادم‏,‏ ومن بعدها سوف يكون الانتظار المثير حتي العام القادم وإعلان المرشحين للمنصب الرفيع حتي يأتي يوم الانتخاب‏.‏
المهم في الموضوع كله أنه بين انتخابات وأخري سوف تكون الساحات الإعلامية والفكرية مشغولة تماما بالحديث عن الموضوع‏,‏ ومهما كانت الكلمات والتعبيرات معروفة مسبقا‏,‏ فإن استخدامها سوف يبدو كما لو كان مطروحا لأول مرة‏.‏ ووسط هذا الضجيج الكبير سوف يكون علي المواطن أن يتخذ الكثير من القرارات الصعبة‏,‏ وأكثر من ذلك سوف يكون هناك من سيجتذبه ذات الشمال وذات اليمين محاولا استخدامه في ألعاب سياسية متنوعة‏.‏
ولعل أول الأسئلة المطروحة علي المواطن المصري‏,‏ هو هل يشارك في الانتخابات العامة أم لا؟‏!‏ فالمسألة كما يتصورها البعض هي صداع لا ينتهي‏,‏ ولا يعلم أحد له فائدة علي أي حال‏.‏ ولو أن الإجابة سارت علي سوابقها فإن صاحبنا علي الأرجح لن يذهب إلي الانتخابات علي الإطلاق‏,‏ فما حدث في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة في عام‏2005‏ هو أن‏23%‏ من الناخبين المسجلين شاركوا في الاختيار‏,‏ أما في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نفس العام‏,‏ فقد ارتفعت النسبة قليلا إلي‏26.2%,‏ وهي نسبة لا تزال مخجلة‏.‏ ولم يكن ما جري في عام‏2005‏ استثناء من القاعدة‏,‏ بل كان تعبيرا عن قاعدة شائعة‏,‏ حيث شارك‏24%‏ فقط في الانتخابات البرلمانية عام‏2000.‏
هنا‏,‏ علينا أن نلاحظ أن حساب النسبة يجري علي الناخبين المسجلين‏,‏ أما إذا نسبناهم إلي هؤلاء في سن التصويت فإن النسبة سوف تنخفض في المتوسط إلي نحو‏18%‏ فقط‏.‏ ومن الواضح أن الحالة الحماسية الشائعة في القنوات التليفزيونية الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام لم تنعكس علي الجمهور‏,‏ أي أن الجمهور كان في حالة نفسية ومعنوية أخري‏,‏ أو أن المسألة ببساطة هي‏,‏ أنه لا يوجد ضمن قدرات نظام الانتخاب ما يسمح للناخب بالوصول إلي صندوق الانتخابات من الأصل‏,‏ لأن عدد الصناديق لا يكفي إطلاقا لعدد من وجب عليهم التصويت‏.‏
إن لدي عدة أسباب تدعو المواطن المصري إلي الاهتمام بالانتخابات‏,‏ والذهاب يوم الاختيار‏,‏ والإدلاء بصوته‏,‏ منها بالطبع أسباب أخلاقية ووطنية للموضوع‏,‏ فالممارسة السياسية هي من صميم المواطنة‏,‏ وفي العصر الحديث فإن المواطن لا يكون مواطنا ما لم يدفع الضرائب التي نعرفها‏,‏ وما لم يدفع ضريبة الدم بالتجنيد في القوات المسلحة‏,‏ وما لم يقم بالتصويت في الانتخابات العامة أيضا‏.‏ ولكن هذه الأسباب لا تكفي‏,‏ برغم أهميتها‏,‏ ف المصلحة الشخصية المباشرة لا تقل أهمية‏,‏ ففي وقت من الأوقات لم يكن هناك ما يدعو الناس للمشاركة لأن الحكومة في الحقيقة تقوم بتعليم المواطن وتشغيله‏,‏ وانتزاع ما تري انتزاعه من ضرائب من المنبع ساعة الحصول علي المرتبات‏.‏ وحينما قررت الدولة أن الموظف العام ينتمي فعليا إلي جماعة الفقراء‏,‏ فإن فكرة الضرائب لم يعد لها وجود‏.‏
إن الأصل في النظرية الديمقراطية هو أنه لا ضرائب دون تمثيل‏,‏ لكن العكس أيضا صحيح‏,‏ وهو أنه لا تمثيل دون ضرائب‏.‏ والحال الآن في مصر أقرب إلي الحالة الأولي منها إلي الثانية‏,‏ فقد بات علي الإنسان المصري إذا أفلت من ضرائب الدخل أن يدفع الضرائب العقارية‏,‏ وإذا لم يكن لديه عقارات إطلاقا فإنه يدفع ضريبة للمبيعات في كل الأوقات‏;‏ وإذا أضيفت إلي كل ذلك أشكال مختلفة من الرسوم‏,‏ والدمغات‏,‏ والضرائب المحلية‏,‏ والجمارك المتنوعة‏,‏ فإنه يصبح من قبيل الذكاء المشاركة في الانتخابات العامة لاختيار من ينظر بعقل إلي مسألة الضرائب العامة‏,‏ وإذا ابتلع المر وأقرها‏,‏ فإنه يعمل ويكد من أجل حسن إنفاق الأموال التي تأتي منها‏,‏ ومعها كل الأموال العامة‏.‏
ولكن المواطن الذكي سوف تكون لديه مشكلة أخري‏,‏ فهو ليس خليا من الشكوك والهواجس حول ما جري في بعض العمليات الانتخابية في الماضي‏,‏ وهو لا يعلم إن كانت إرادته سوف يتم احترامها فعلا أو أنه سوف يجري التلاعب بها بأشكال متنوعة من السحر وخفة اليد وحتي ثقلها‏,‏ وحتي لو تم احترام الآراء‏,‏ يكون التساؤل هو هل يستطيع ممثل الشعب أن يغير شيئا تريده الحكومة؟‏.‏
وبالطبع‏,‏ فإنه لا يمكن أن نستبعد من ذهن المواطن أنه حتي عندما تم الإشراف القضائي فوق كل صندوق انتخابي فإن عدد الطعون في نزاهة الانتخابات لم يقل بل زاد‏;‏ وبعد أن انتهت ضجة الانتخابات لتبدأ الممارسة في المجلس‏,‏ بدا وكأن أحدا لايعلم بدقة الكثير عن الدور الذي قام به أعضاء مجلسي الشعب والشوري في إصدار القوانين العامة خلال خمس سنوات‏.‏ وإجابتي المباشرة لكل المصريين هي أنه لا يوجد ما يهدئ الشكوك والهواجس والمخاوف إلا بأن يصل حجم المشاركة إلي الدرجة التي يستحيل معها التلاعب بشكل أو آخر حين تقف الملايين حارسة علي إرادتها‏.‏ وبالطبع فإن هناك وسائل متنوعة لحماية أصوات الناخبين‏,‏ كان منها القضاة في كل اللجان‏,‏ وفي اللجان العامة‏,‏ وجري استخدام المجتمع المدني‏,‏ وكانت الدعوة للمشاركة الأجنبية في الرقابة علي الانتخابات تجد كثرة تستهجنها في بلد يفوق تخوفه من التدخل الأجنبي خوفه من التلاعب بالانتخابات العامة‏.‏
المواطن الذكي يستطيع أن يحصل علي أفضل الانتخابات بالمشاركة المباشرة‏,‏ وإذا كان الوصول إلي صناديق الانتخابات صعبا‏,‏ فإن معركة وجود الصناديق الكافية هي معركة تستحق خوضها من جانب المواطن لفرض انتخابات نزيهة‏,‏ ومن جانب الحكومة أيضا حتي لا يصدر عليها الرأي العام أحكاما صعبة بعد الانتخابات‏.‏ وإذا كان لدي المواطن شك في قدرات ممثليه فإن عليه مراجعة التعديلات التي أدخلها نواب الشعب علي القوانين التي قدمت بما فيها قوانين للضرائب‏,‏ وحتي القوانين التي جري سحبها من قبل الحكومة لأنها لم تجد لها التأييد الكافي‏,‏ والموضوعات التي لم تقدم من الأصل مثل تلك الخاصة بالصكوك الشعبية لأنها لم تجد قاعدة تسمح بمرورها من النقاش إلي التشريع‏.‏
إذا ما قرر المواطن المشاركة فإن الأسئلة المطروحة عليه تزداد صعوبة وتعقيدا‏,‏ فهو لا يعرف من يختار علي وجه التحديد بين طوائف متنوعة من المرشحين أصحاب الميول الحزبية المختلفة‏,‏ وحتي بين المستقلين الذين لا تقل ميولهم اختلافا‏.‏ وبالطبع فإنه في بعض مناطق مصر‏,‏ تبدو المسألة محسومة باختيار الأقرب إلي العائلة أو القبيلة والعشيرة حيث لا يكون الدم ماء‏,‏ وإنما قرب يكفي لتعزيز المصالح‏.‏ ولكن مصر ليست كلها كذلك‏,‏ وحتي الأقرباء وأبناء الناحية تحدث لديهم تغيرات كثيرة في الملبس والقول بعد وصولهم إلي القاهرة‏,‏ وأحيانا تحدث الكارثة وينقسم أبناء العمومة بين أكثر من مرشح ولا تعود الأيام الطيبة إلي سيرتها الأولي أبدا‏.‏
والحقيقة أن المواطن الذكي وغير الذكي أيضا لأن الأمر لا يحتاج كثيرا من الذكاء عليه أن يختار ما بين مرشح يريد تمثيل الدولة كلها وليس دائرته فقط‏,‏ ويكون منوطا به إصدار التشريعات التي تهم المواطن المصري‏,‏ من الإسكندرية إلي أسوان‏,‏ وتحتكم إليه الدولة في جميع أنشطتها‏,‏ بل أكثر من ذلك يقوم بدور رقابي لضمان وضع الخطط موضع التنفيذ‏,‏ علي نحو يتطلب إلمامه بقدر معقول من الثقافة القانونية والدراية التامة بالدستور المصري واللوائح الداخلية لمجلسي الشعب والشوري ومعرفة اتجاهات السياسات العامة في البلاد‏(‏ مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والبطالة والفقر وارتفاع الأسعار والأجور‏)‏ والإحاطة بالتطورات التي يشهدها العالم المعاصر‏,‏ وبين مرشح آخر يسعي لأن يكون نائبا خدميا‏,‏ أي يجعل مهنته ليست تمثيل الشعب‏,‏ وإنما تسهيل أعمال أبناء دائرته في الحصول علي خدمة أو قضاء مصلحة‏.‏
ومنذ عشر سنوات‏,‏ أجري استطلاع للرأي العام في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام للتعرف علي المعايير التي يستخدمها الجمهور المصري في التصويت للاختيار بين المرشحين المختلفين في الانتخابات‏.‏ وقد أظهرت النتائج أن قدرة المرشح علي تقديم الخدمات للناخبين هي المعيار الأساسي للاختيار بين المرشحين بنسبة‏64.2%,‏ أما الاختيار علي أساس سياسي‏,‏ سواء كان علي أساس برنامج المرشح أو انتمائه لحزب الحكومة أو لأحزاب المعارضة‏,‏ فإن نسبة الأخذ بمثل هذه المعايير السياسية لم تزد علي‏9.3%‏ من إجمالي المواطنين‏.‏ ويبدو أن ذكاء المواطن المصري قد قاده إلي النتيجة المضمونة بالانحياز إلي المرشح المهتم بقضايا الدائرة‏,‏ أما القضايا الكونية فإن للبيت دائما ربا يحميه ويتولي أمره‏,‏ وعلي أي الأحوال فإن أهل القاهرة لديهم قدرة فائقة علي الشكوي طوال الوقت مع التأكيد علي القدرة في اللحظة نفسها علي حل مشاكل الكون‏.‏
لكن كل القضايا ليست دائما بهذه السهولة‏,‏ فالمواطن الذكي يواجه في الانتخابات المصرية الأخيرة إشكالية التداخل بين الديني والمدني‏,‏ حيث تعد ثنائية الدين والدولة واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل العام في مصر‏,‏ سواء علي مستوي القوي السياسية المختلفة أوالتيارات الفكرية المتنوعة‏,‏ الأمر الذي سمح لهذا الفصيل السياسي أو ذاك التيار الفكري بتفسير تلك العلاقة وفقا لتصوره الخاص‏,‏ وقدوم انتخابات عدة تعيد فتح باب الحوار من جديد حول طبيعة الدولة المصرية‏,‏ لاسيما مع الرؤي الغامضة والملتبسة التي تطرحها القوي السياسية ذات المرجعية الدينية‏,‏ وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين التي زاد عدد مقاعد النواب الممثلين لها من‏17‏ مقعدا في برلمان‏2000‏ إلي‏88‏ مقعدا في برلمان‏2005‏ بزيادة تماثل خمسة أمثال سابقتها‏.‏
إن السؤال الذي يوجهه النائب للمرشح‏:‏ ماذا تريد بالضبط ؟‏,‏ دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين وأصحاب الفتاوي وهيئة كبار العلماء المنتخبة أو غير المنتخبة‏,‏ والعلنية أو السرية‏,‏ أم دولة مدنية تكون المرجعية فيها للدستور والقانون ويحكمها رئيس جمهورية ويرسم وينفذ سياستها رئيس وزراء ومعه مجموعة وزراء‏,‏ فضلا عن برلمان منتخب لأعضائه القول الفصل في أمور الدولة‏.‏ وهنا يتفرع سؤال آخر‏,‏ فما هي وظيفة مجلس الشعب؟‏,‏ وهل هي التشريع والرقابة أم الإفتاء في أمور الدين والتضييق علي الحريات العامة؟ وإذا كانت الإجابة هي الأخيرة‏,‏ فما هي أوجه الاختلاف عن وظيفة مؤسسات أخري خولها المجتمع للقيام بهذه المهمة منها‏:‏ الأزهر الشريف ودار الإفتاء بالنسبة للمسلمين‏,‏ والكنائس ذات المذاهب المختلفة بالنسبة للأقباط‏.‏
والنصيحة للمواطن الذكي ليست سهلة‏,‏ فكم من أحزاب وجماعات مدنية تتمسح في مقولات دينية علي سبيل التقية‏,‏ وكم من أحزاب دينية تتمسح بشعارات مدنية لعلها تحتسب من المعاصرين‏,‏ وهناك خلط مخيف للأوراق‏,‏ لكن ما ليس مخفيا علي أحد هو نموذج الدولة المتقدمة حيث لا توجد بين مثل تلك الدول دولة دينية واحدة‏,‏ وكلها تقوم علي الحكمة الجامعة للبشر الذين يصيبون ويخطئون‏.‏ كما أنه ليس خافيا علي أحد تلك التجارب التي جرت للدول الدينية في إيران والسودان وأفغانستان وغزة‏,‏ فضلا عما فعلته الأصوليات الدينية المختلفة في دول مثل الجزائر واليمن ولبنان‏,‏ حيث كان ثمن محاولة إقامة الدولة الدينية دماء غزيرة‏.‏
وإذا كانت الإشكالية السابقة تمس أوتارا حساسة داخل قلب وعقل المواطن‏,‏ فإن هناك إشكاليات تمس مصالحه مباشرة لأنها ترتبط بنوعية التنمية التي يريدها‏,‏ وعما إذا كان المرشح الذي يريده مهتما بالدفاع عن أفكار الليبرالية الاقتصادية وحرية السوق القائمة علي آليات العرض والطلب وتشجيع دور القطاع الخاص للقيام بدور محوري في عملية التنمية‏,‏ أم محبذا لاقتصاد موجه تصبح فيه الدولة اللاعب الرئيسي أم خليطا بين الاثنين معا ؟
الشائع لدي المواطن المصري هو الحديث عن تفضيل الاختيار الأخير‏,‏ لأن الذكاء هنا هو أن تبقي كل الخيارات مفتوحة‏,‏ وفكرة الاقتصاد المختلط تبدو كما لو كانت تجمع ما بين حسنات النظامين الاقتصاديين‏.‏ وهناك دائما بين أصحاب الحكمة‏,‏ أو مدعيها‏,‏ من يقول إنه لا يوجد نظام نقي في العالم‏,‏ ولكن قلب المواطن يظل دائما مع الدولة لو أنها تتكفل به من المهد إلي اللحد‏;‏ وحتي عندما قامت الدولة بتمليك العمال عددا من الشركات العامة‏,‏ لم يلبثوا أن أعادوها إلي الدولة مرة أخري‏,‏ وكانت مصر في ذلك تجربة فريدة لتجربة خصخصة عادت مرة أخري إلي التأميم بالإرادة الحرة لمالكي الأسهم‏.‏
ولا يوجد لدي حل لهذه المعضلة‏,‏ ربما لأنها تتحدي الذكاء المعروف في العالم‏,‏ ومن الجائز أن الذكاء هنا يقوم علي الخوف من انقلاب الموازين حينما يتم التركيز علي الثروة بدلا من الفقر‏,‏ خاصة مع تزايد إقبال العديد من رجال الأعمال علي ترشيح أنفسهم أعضاء في البرلمان‏,‏ حيث تمتع‏37‏ منهم بعضوية برلمان‏1995,‏ ودخل‏77‏ من رجال الأعمال برلمان‏2000,‏ ودخل‏68‏ من رجال الأعمال برلمان‏2005‏ وقد تزامن تصاعد عدد رجال الأعمال تحت قبة البرلمان‏,‏ مع تزايد عددهم في تشكيل الحكومة وتوليهم عدة وزارات‏,‏ وهنا يحدث التباس بين الهدف الأساسي من ترشحهم كجماعة مصلحة وهو الحصول علي عائد مناسب من استثماراتهم وتحقيق مصالحهم الخاصة‏,‏ وبين ضرورة أن يضع رجال الأعمال في حساباتهم ومشروعاتهم المصلحة العامة‏.‏ ولكن للقضية وجها آخر‏,‏ وهو أن دخول رجال الأعمال أو رجال الاستثمار إلي ساحة البرلمان قدم تنمية الثروة المصرية إلي قائمة الاهتمامات العامة بدلا من تركيزها المفرط علي معالجة سوءات الحاضر‏.‏
القضايا معقدة علي أي حال‏,‏ وربما كانت للمواطن المصري تقاليده وذكاؤه الذي يقوده نحو مصالحه‏,‏ لكن المهم دائما أن يكون لديه اختيارات كثيرة في البشر والأفكار والبدائل‏,‏ وطوبي لمن يوفرون له كل ذلك‏,‏ وساعتها سيكون الذكاء في مكانه ولا يحتاج لمن يضع دليلا له‏!.‏

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.