لم يكن مشهدا في فيلم سينمائي من أفلام الميلودراما الثقيلة التي تخصص فيها صديقنا العزيز مخرج الروائع حسن الإمام.. هذا الذي أعيشه الآن لا ممثلا في مشهد سينمائي.. بل واقعا وحقيقة.. زوج اللي هو أنا يدخل علي زوجته ورفيقة عمره في الثانية بعد منتصف الليل.. وهو ممسك بيده طفلة أمورة كما الملاك الطاهر في لوحة عمنا رامبرانت.. لتستقبله الزوجة السهرانة الشقيانة في انتظار تشريف الباشا اللي هو أنا لكي تتناول معه طعام العشاء.. ليكحل عينيها المتعبتين بطفلة صغيرة ذات ضفائر.. تمسك بيد زوجها في انصاف الليالي! دخلت من باب الشقة في خطوات ثقيلة وأنا أقول للأمورة الصغيرة: سلمي يا غالية علي تانت! قبل أن تنطق الصغيرة بكلمة سألتني زوجتي بحزم وعزم: مين يا طويل العمر اللي ماسكها في ايدك وداخل بيها عليا بعد نص الليل.. تكونش بنتك وكنت مخبيها عند الجيران؟ آه.. هنا وقع المحظور.. ولكن الصغيرة لم تصبر.. بل قالت لزوجتي: أنا موش بنته يا تانت.. أ نا بنت عم مغاوري بياع الحمص و الحلاوة المشهور عند السيد البدوي! رفعت زوجتي العزيزة عينيها كأنها تراني لأول مرة في حياتها وقالت: كمان محفظ البنت الكلام الفارغ ده! قلت لها: أصل زميلنا سمير السرو جي لقاها في محطة مصر..! قالت: هي الحكاية كمان فيها سمير السروجي يبقي كملت! تنظر إلي بعيون قلقة وتقول: هاتلي صاحبك اللي اسمه سمير السروجي ده علي التليفون.. أنا ليا كلام معاه؟.. ولا أقولك أنا حاطلبه أنا! ودوغري.. لم تمض دقيقة واحدة.. حتي كان الاثنان يتحدثان معا.. سمير علي الطرف الآخر يتحدث وزوجتي العزيزة لا تنطق إلا بكلمات.. يا خبر.. وبعدين.. يعني لقتوها في محطة مصر.. وحضرتك حتروح بكرة طنطا تدور علي أبوها.. والله كتر خيركم.. عملتم حاجة تتحسب لكم عند ربنا.. تصبح علي خير سلم علي المدام! .................... تبدلت في لحظات نظرات زوجتي العزيزة.. وكل أحاسيسها إلي نظرات حب وعطف وحنو بالغين.. واخذت الأمورة الصغيرة التي كانت تقف متحسرة خائفة إلي جواري.. في حضنها وهات يا قبلات.. وهي تقول لها: يا خبر يا حبيبتي.. لقوكي نايمة لوحدك علي دكة خشب في محطة مصر بالليل.. آمال فين أهلك.. ومين اللي سابك في المحطة؟ ردت الصغيرة وقد عاد اللون الأحمر إلي خدودها: خالتي سقساقة قريبتنا في طنطا.. قالتلي تعالي معايا يا ضنايا مصر.. بدل البهدلة اللي انتي عايشاها مع مرات أبوكي! صحت ابنتنا جيهان وكانت وقتها تقريبا في مثل عمر غالية الهاربة من جحيم مرات الأب.. وشاهدت أمها تحتضن طفلة غيرها.. سألت في مرارة: مين دي يا ماما؟ قالت زوجتي: دي يا حبيبتي ضيفة عندنا الليلة دي.. سلمي عليها.. تسأل جيهان: اسمك ايه يا شاطرة؟ قالت الصغيرة: أنا اسمي غالية. قالت لها جيهان: تعالي نلعب سوا بالعرايس بتاعتي في اودتي! تسأل زوجتي الطفلة الهاربة: تلاقيقي ماكلتيش من امبارح؟ قالت الاروبة الصغيرة: مافيش غير سميطة وحتة جبنة من امبارح العصر! أعدت زوجي بسرعة البرق مائدة سريعة للضيفة الصغيرة التي جاءتنا علي غير موعد.. وجلست معها ابنتنا جيهان.. يأكلان معا.. وقبل أن تنام الصغيرة اخذتها زوجتي إلي الحمام وانزلتها في البانيو.. لتأخذ حماما حقيقيا.. وألبستها بيجامة من بتوع جيهان.. وحملتها إلي السرير.. لتنام إلي جوار ابنتنا حتي الصباح.. .................... ولكن في الصباح.. كانت المفاجأة التي لم تخطر علي بال.. تليفوني لا يتوقف عن الرنين.. رفعت زوجتي السماعة لتجد زوجة عمنا سمير السروجي علي الخط.. التي قالت لها بصوت عال سمعه القاصي والداني: انتي برضه صدقتي اللعبة اللي عاوزين الاثنين يلعبوها علينا.. سمير باشا وعزت بيه.. استنيني.. أنا جايالك في السكة! ولكن ذلك حديث آخر لمزيد من مقالات عزت السعدنى