أصبح منظرنا غريبا ومثيرا للدهشة والريبة معا.. شاب طويل عريض يحمل علي كتفه طفلة آية في الجمال والبراءة معا.. ويخرج بها من محطة مصر بعد منتصف الليل.. وأنا أمشي الهوينا إلي جواره وهواجس الدنيا كلها في رأسي.. وألف سؤال وسؤال.. وألف علامة استفهام تحلق بها غربان الشك فوق رأسي. بلا جواب. ماذا لو قابلنا شرطي ممن ينتشرون أيامها داخل أرصفة محطة مصر.. وسألنا: مين البنت اللي شايلينها علي كتافكم دي وموديينها علي فين الساعة دي؟ ثم ماذا لو صرخت الطفلة الجميلة البريئة التي هي صورة طبق الأصل من لوحة البراءة التي رسمها في عصر النهضة قبل أكثر من مائتي عام الرسام الفرنسي الشهير رامبرانت وقالت للمارة: الحقوني.. الناس دول اللي هم احنا يعني خطفوني؟ ولكن والحمد لله ونحن نخرج أنا والزميل سمير السروجي من محطة مصر لم يسألنا أحد.. ولم تصرخ الملاك النائم علي كتف العزيز سمير السروجي.. ووجدنا أنفسنا سمير والملاك وأنا خارج محطة مصر.. والليل يسحب آخر أستاره المظلمة.. ............ كان السؤال الحائر الذي يدور في رأسينا سمير السروجي وأنا إلي أين سنأخذ هذا الملاك الطاهر؟ هل نسلمها إلي رجال الشرطة ونخلص.. أم نأخذها إلي أي دار للإيواء.. واللي يحصل يحصل؟ طيب وأين ذهبت خالتها المضروبة علي قلبها التي تدعي سقساقة وتركت هذا الجمال البريء وحده وسط عاصمة الذئاب الجائعة؟ ولكن في رأسي استقر الحل الذي كنا نبحث عنه وسط مولد محطة مصر بعد منتصف الليل. ............ خارج حوش المحطة قلت لعم سمير وهو يحمل الطفلة البريئة علي كتفه: خدها عندك لحد ما نشوف أهلها فين وييجوا يخدوها. قال لي ملتاعا: أخدها عندي البيت دي كانت المدام بتاعتي تفقع في وشي بالصوت الحياني وتقولي: أنت خلفت البنت دي امتي ومن مين يا عم سمير.. انطق؟ قلت له: يعني إيه؟ قال: يعني المدام عندك ست عاقلة وبنت ناس ومتربية وهتفهم الحكاية اللي أنا هاحكيهالها. قلت له: اخدها عندي يعني؟ قال: أيوه قلت له: وانت تروح تنام وتشخر بعد ما دبستني بلوحة رامبرانت دي أقصد البراءة الحية؟ ملت علي أذن فتاتنا الصغيرة وقلت لها: انت اسمك إيه يا حلوه قالت: ما انا قلت لك.. اسمي غالية! موجها كلامي إلي عمنا سمير: وحضرتك ما تنساش تركب القطر بكره علي طول وتروح تدور علي أم البنت دي وأبوها في طنطا؟ يسألني بصوت عال وهو يضع الست غالية بتاعة لوحة رامبرانت الي جواري في عربتي الفولكس فاجن: لسه حاروح طنطا ألطش في الشوارع أسأل عن أبو غالية وأمها ساكنين فين.. إيدك علي عشرة جنيه مصاريف! ترد الأروبة الصغيرة قائلة: يا أونكل روح عند مقام السيد البدوي اسأل عني عم مخيمر بتاع الحمص والحلاوة هو ده جوز أمي! ............ وما زلنا مع حكاية الملاك النائم في محطة مصر. لمزيد من مقالات عزت السعدنى