هذا الوجه الملائكي الذي يفيض براءة وطهرا وعذوبة لن أنساه ما حييت, كان لقائي معه غريبا ومثيرا فقد اتصل بي الزميل العزيز طيب القلب مرح الكلمات سمير السروجي, وقال لي ذات ليلة باردة شديدة السواد والظلمة: أنا بكلمك من محطة مصر.. سألته: إيه يا عم سمير.. تكلمني من محطة مصر في هذه الساعة..نحن في منتصف الليل؟ قال لي: يا ريس لهذا أحدثك فالأمر يحتاجك أنت أرجوك تعال لأن ما أراه أمامي يستحق قلمك ولبست أي حاجة وركبت سيارتي الفولكس البيضاء وطيران علي محطة مصر. ولأنهم لم يكونوا قد اخترعوا الموبايلات بعد فقد بحثت عن المدعو سمير السروجي في كل مكان في بوفيه محطة مصر الشهير ثم علي كل الأرصفة حتي عثرت عليه جالسا شبه نائم علي احدي الكنبات الخشبية علي علي رصيف نمرة أربعة. من بعيد صحت فيه: إيه يا سمير جايبني ليه علي ملا وشي في انصاص الليالي؟ قال لي: ؟؟ يا ريس وتأمل هذا الجمال البرئ النائم؟ نظرت وانبهرت وتأملت وتسمرت مكاني وليس علي لساني إلا عبارة واحدة يا سبحان الله.. جبتها منين يا عم سمير؟ قال: أنا ما جبتهاش دنا لقيتها نايمة علي الكنبة الخشب في محطة مصر قلت لازم أنت تيجي وتشوف المنظر بنفسك! اسمحوا لي ان أحكي لكم ما رأيت ليلتها.. طفلة سبحان الخالق فيما خلق وفيما صور لا يتجاوز عمرها الخمس سنوات غارقة وحدها في نوم عميق وتتدلي من شعر رأسها ضفيرتان كل ضفيرة تنتهي بوردة حمراء. لأن الجمال له أوامر تطاع فقد تسمرت في مكاني وقلت لعمنا سمير صاحب المفاجأة: مين دي يا عم سمير وجبتها منين وإيه حكايتها؟ قال: دي حكاية ولا رواية أنا لقيتها كده نايمة علي الكنبة قلت اندهلك قبل ما تصحي عشان تشوف الجمال ده كله والبراءة كلها. قلت له: دي بالظبط صورة طبق الأصل من لوحة راجرانت التي شاهدتها تحت اسم: الملاك الصغير في متحف المتروبوليتان في نيويورك. قال لي ضاحكا: طيب خلل عمنا راجرانت يصحيها كده. قلت له: ونجيب منين عمك راجرانت اللي رسم اللوحة في القرن الثاني عشر. قال لي:حضرتك صحيها انت بنفسك؟ قام بإيقاظ الملاك الصغير صفير قطار دخل محطة مصر في غفلة منا ولكنها قامت من غفوتها منتحبة باكية. قلت لها: إيه ما ماتعيطيش يا شاطرة انت إيه اللي جايبك هنا في الساعة دي؟ تلفتت حولها كي تبحث عن طوق نجاة وسط خضم غابة اسمها القاهرة علي ناصيتها محطة اسمها محطة مصر وقالت: أمال فين خالتي سقساقة؟ يسألها سمير السروجي: مين يا حبيبتي خالتك سقساقة دي؟ قالت: و من الدموع تبلل وجنتيها: دي جارتنا من طنطا قالت لي تعالي معايا نعيش في مصر بدل الغلب وغلب الغلب اللي انت عايشاه مع مرات أبوكي هي قلت لي خليكي هنا يا غالية لحد ما أروح اشتري حاجة ناكلها وما رجعتش تاني. يسألها سمير: من إمتي كده؟ قالت: موش عارفة! قال سمير هامسا في أذني يا ريس ما فيش حل إلا اننا ناخذها من هنا معانا لحسن حد من ولاد الحرام ياخدها يشغلها خدامة ولا حاجة كده تغضب ربنا والبنت بدر البدور! ودون أن أقول له أيوه أو لا حملها عمنا سمير صاحب الجثمان القوي علي كتفه وقال لها: تعالي معانا يا حبيبتي لحسن حد يخطفك أو ياخدك إحنا هانروح ندور علي خالتك سقساقة نشوفها راحت فين!