من يدقق في المشهد السياسي الراهن ويتوقف بالتأمل أمام اتساع مساحة الجدل والعناد علي حساب مساحات الحوار والمكاشفة يجد أن السبب الأساسي يعود إلي جمود الفكر وبالتالي غياب المرونه الفكرية ولاشك في إن تعدد الفصائل والقوي السياسية وتنوع الاجتهادات والرؤي في المجتمعات الديمقراطية يصبح فضيلة عندما يؤمن الجميع بأن الساحة ليست حكرا لفصيل بعينه وأن الحقيقة ليست حكرا علي تنظيم بعينه ممن يتوهمون أنهم أذكي من الآخرين وأنهم علي صواب. وبداية أقول: إن أغلب الفلاسفة اتفقوا عند تعريف الذكاء علي أنه القدرة علي التفكير مع أن التفكير السليم ليس رهنا بذكاء المرء وحده, وإنما يخضع التفكير لمؤثرات عديدة أخري تبدأ بما يتوافر للمرء من معلومات وما يرصده من ملاحظات فضلا عن طبيعة المزاج الشخصي والاتزان العاطفي. وإذا كان للإنسان من امتياز حصل عليه في هذا الكون الفسيح المليء بالكائنات الحية الأخري فإنه امتياز التفكير الذي وفره الله للإنسان بعد أن منحه العقل الذي يعوضه عن ضخامة الجسم المتوافر لبعض الكائنات الأخري. ولعل أفضل ما أفرزته النهضة العلمية والتكنولوجية الرهيبة في السنوات الأخيرة أن الإنسان يملك مرونة فكرية أكبر بكثير مما يتوافر للرجل الآلي. بوضوح شديد أقول: إن مرونة التفكير هي التي جعلت الإنسان ملكا متوجا علي امتداد هذا الكون الفسيح لأن هذه المرونة وفرت للإنسان القدرة علي أن يعيد صياغة كل شيء بما في ذلك سلوكه الإنساني وفق متغيرات الحياة ومتطلباتها في حين أن كثيرا من الكائنات الحية لا تستطيع أن تطور من سلوكها رغم ما تتميز به من نظام وانضباط ومهارة وإتقان. وعلي سبيل المثال فإن جماعات النحل تعيش معيشة اجتماعية تعد مثالا يحتذي به في النظام والدقة والقدرة علي توزيع المسئوليات.. ولكنه مجرد سلوك غريزي يتصف بالثبات منذ ملايين السنين, وكما سوف يعيش أحفادها بعد ملايين السنين أما السلوك الإنساني فيتغير ويتعدل ويتبدل طبقا للظروف والمتغيرات بفضل ذكاء المرء ومرونة تفكيره. ومن يفهم مغزي مقولة السياسة فن الممكن يدرك صحة المقولة الأكثر أهمية أن السياسة هي فن المرونة خصوصا مرونة التفكير! وغدا نواصل الحديث
خير الكلام: إذا صمت الحكماء نعموا براحة أنفسهم.. وإذا صمت الحمقي ارتاح الجميع! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله