أعتقد أن بعض عواصف الجدل السياسي التي هبت علينا- أخيرا- دون استئذان في عدة اتجاهات سببها الأساسي غياب لغة الحوار نتيجة جمود الفكر وعدم الاستخدام الصحيح للمرونة الواجبة التي تؤدي إلي التفكير الصحيح قبل التسرع في إبداء الآراء. ولعلنا نتفق علي أنه ليست هناك قوة حتي الآن تعادل قوة العقل التي ترفض الجدل وتنتصر للحوار لأن كل مدهش وعجيب من غرائب العلم والتكنولوجيا يرجع الفضل فيه إلي عقل الإنسان الذي أخذ وقته الكافي في الحوار مع النفس ومع الغير قبل أن يعطي إشارة التنفيذ لترجمة الحقائق من واقع النظرية العلمية إلي واقع الحياة العملية. وأظن أن جوهر التمايز بين عقل الإنسان وتفكيره وبين عقل الإنسان الآلي وتفكيره أن الإنسان يملك مرونة فكرية أكبر بكثير مما يتوافر للرجل الآلي المسمي بالكمبيوتر ولكنه لا يملك قدرة الحوار مع الغير! وإذن فإن مرونة التفكير هي جوهر ومصدر القدرة علي الحوار وتبادل الأفكار التي يتميز بها الإنسان عن سائر الحيوانات الأخري وعن سائر الاختراعات الحديثة العظمي مهما توافر لها من برامج ومعلومات. ومن المؤكد أن مرونة التفكير المستمدة من اتساع مساحات الحوار هي التي جعلت الإنسان ملكا متوجا علي امتداد هذا الكون الفسيح لأن هذه المرونة وفرت للإنسان القدرة علي أن يعيد صياغة كل شيء بما في ذلك سلوكه الإنساني وفق متغيرات الحياة ومتطلباتها, في حين أن كثيرا من الكائنات الحية لا تستطيع أن تطور من سلوكها رغم ما تتميز به من نظام وانضباط ومهارة وإتقان. إن مرونة التفكير تعني ببساطة أن المرء ينبغي أن يملك القدرة الدائمة علي مراجعة كل شيء وتصحيح أي شيء بعد الاستماع للرأي الآخر في حوار متكافيء يجعله يري بعين بصيرته وبرصيد خبرته أنه يحتاج دائما إلي المراجعة والتصحيح بعد أن تتكشف الأسرار وتتضح الأمور ويصبح ما كان خفيا ومجهولا أمرا ظاهرا ومعلوما! باختصار شديد أقول: إن المرونة الفكرية المتمثلة في القدرة علي الحوار مرادف طبيعي للديمقراطية السياسية, وأن الجمود الفكري الذي ينتصر للعناد وللتشبث بالرأي علامة سلبية للمجتمعات التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية... والسبب في ذلك أن الديمقراطية تحترم تعدد الآراء دون قيود إلا ما يضر الصالح العام حتي لا يكون هذا التعدد مدخلا لتدمير المجتمع أو إلحاق الضرر به. خير الكلام: الحياة تتسع أو تضيق تبعا لمرونة المرء وسعة أفقه! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله