من الذي يفرض النظام والانتظام في أي مجتمع... هل هو احترام القانون... أم هو هيبة السلطة... أم أنه انعكاس لدرجة الوعي وإدراك الجميع بأن البديل لذلك هو الفوضوية التي يمكن تحت ظلالها استباحة كل شيء واستثناء أي شيء والاحتكام لقانون الغابة القديم الذي يسمح للقوي أن يفعل ما يشاء حيث تكون القوة وحدها هي سيدة الموقف سواء كانت في شكل مال أو نفوذ أو قوة بدنية واجتماعية. هذا هو السؤال الذي يطرحه المشهد الراهن في ظل استمرار الانفلات الأمني وميوعة التصريحات الأمنية المسئولة التي لا تضع خطا فاصلا بين المباح والمحظور في الشارع المصري. وباديء ذي بدء أقول: إن احترام النظام العام وجدية الانتظام في دولاب العمل العام هما العنوان الرئيسي لأي مجتمع متقدم فليس هناك دولة بلغت درجة من التقدم والرقي والنهوض بعيدا عن التطبيق الصارم والدقيق للافتة احترام النظام العام وجدية الانتظام في دولاب العمل العام. واحترام النظام العام يبدأ باحترام الدولة- قبل الأفراد- لكل حرف من حروف القوانين المعمول بها والمستمدة من الدستور الذي لا يحتكم لغير مواده وبنوده في الفصل بين السلطات وعدم السماح لأي سلطة- تحت أي مسمي- أن تتجاوز حدودها أو أن تجور علي حقوق السلطات الأخري. والدولة- في أعراف الشعوب المتقدمة- ليست هي الحكومة فقط ولا هي السلطات التشريعية والقضائية فحسب وإنما هي كل مؤسسات المجتمع الشرعية سواء كانت حكومية أو أهلية, وسواء كانت ظاهرة علي السطح ولها صوت مؤثر ومسموع مثل وسائل الإعلام أو بعيدة عن الأضواء في مراكز البحوث والدراسات. ولاشك في أن الدولة لم تعد- في عصر العولمة والسماوات المفتوحة- مجرد أجهزة وهيئات تتوافر لديها الموارد والإمكانيات اللازمة لتحقيق أهداف الحكم وطموحات الشعب, وإنما أصبحت الدولة تركيبة جديدة أشبه بالنسيج المتكامل الذي قد يضم خيوطا متباينة ومتنافرة ولكنها تشكل معا ثوبا يصلح ارتداؤه صيفا أو شتاء ويمكن توظيف استخدام قماشته المتميزة في كل الأغراض والمقاصد. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لا يولد الطغاة إلا في المجتمعات التي يستوي عندها الحق والباطل! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله