الدولة والسلطة! أزمة وإشكالية السلطة في العالم الثالث تتمثل أساسا في العجز عن الفصل بين الدولة والسلطة فالدولة يفترض كونها ملكا للشعب بأكمله ومن ثم فإنها وحدة واحدة لا يجوز تقسيمها في حين أن السلطة يتم توزيعها علي شكل حقوق وواجبات من خلال المؤسسات التي تتولي إدارة شئون الدولة وتكون قابلة للتغيير والتجديد باستمرار. ونتيجة هذا الخلط المعيب بين السلطة والدولة ينشأ المفهوم الخاطئ لمعني وضرورة التغيير في دول العالم الثالث ليتجاوز استحقاقات إزاحة وتغيير السلطة ويلامس عن قصد أو غير قصد بتصرفات وتوجهات عفوية إمكانية هز مكانة الدولة تحت طوفان التغيير الذي تعتلي أمواجه قوي متعددة بعضها ظاهر وطاهر وبرئ والبعض الآخر خفي وكامن وليس مبرأ من الشبهات! وهنا يكمن الفارق الشاسع بين النظم الديمقراطية في الدول الغربية وبين النظم الحاكمة في دول العالم الثالث سواء تلك التي تتزين بإكسسوارات ديمقراطية أو تلك التي تجاهر بحكم الفرد... ففي النظم الديمقراطية تنتفض الشعوب وتثور علي السلطة دون أن تهتز أركان الدولة بينما في دول العالم الثالث ترتج مفاصل الدولة من أي مظاهرات غضب واحتجاج أو أي دعوات للتغيير و الإصلاح! في البلاد المتقدمة التي ارتضت الديمقراطية الحقيقية دستورا لها نجد نظما سياسية مستقرة لا تهتز ولا تتأثر بتغيير الأحزاب الحاكمة أو بتبديل الوزارات الممسكة بمفاتيح السلطة والفضل في ذلك يرجع إلي قوة الدولة التي تكتسبها من سياسات عامة ثابتة عناصرها واضحة ومرجعيتها متوافق عليها وتوجهاتها في الداخل والخارج خالية من أي غموض ومن ثم فإن ردود أفعالها تجاه أية متغيرات داخلية أو خارجية معروفة مسبقا ويمكن التنبؤ بها دون أدني مشقة! وسوف يسجل التاريخ للقوات المسلحة المصرية حرصها منذ لحظة تسلمها المسئولية علي الفصل بين الدولة والسلطة عندما قالت كلمتها بمنتهي الحسم والوضوح أنها لن تسمح بانهيار الدولة. وفي اعتقادي أن أفضل إنجاز ينبغي تحقيقه في الخطوات الدستورية والتشريعية المتسارعة خلال الفترة الانتقالية هو الانتقال بمصر إلي صيغة للحكم تفصل تماما بين الدولة المستقرة وبين السلطة المتغيرة!
خير الكلام: نحن ننسي لأنه يجب علينا ذلك وليس لأننا نريد ذلك! [email protected]