تتسع الثورات لتحتضن المشاركين بها بالفعل وبالتحريض وبنشر الوعي بأهمية الكرامة للبشر حتي لا يكونوا قطعانا تأكل وتموت.. عاش نجيب محفوظ يحترم الحرية ونبضت بها إبداعاته وأصيب بغيبوبة قبل وفاته أثناء عدوان إسرائيل علي لبنان عام2006 وكان عندما يفيق يسأل عن الوضع في لبنان.. لنستمتع بأخر إبداعاته: أصداء السيرة الذاتية وأحلام فترة النقاهة ونتأملتحريضهعلي الثورة ووعيه العميق بالواقع المصري.. ففي أصداء السيرة الذاتية كتب محفوظ: في غمار جدل سياسي سأل أحد النواب وزيرا: - هل تستطيع أن تدلني علي شخص طاهر لم يلوث؟ - فأجاب الوزير متحديا. - إليك- علي سبيل المثال لا الحصر- الأطفال والمعتوهين والمجانين, فالدنيا ما زالت بخير. وجسد حال الأسر المصرية فكتب: رجع الأب إلي البيت فوجد الأبناء في انتظاره, أخرج حافظه نقوده متجهما وغمغم: - الأب في زماننا شهيد. فالتزموا الصمت. ثم تفرقوا تفرق الشهداء. قام محفوظ بتعرية السلبية فحكي عن اقتياد المخبر لبطل قصته وصمت الناس وقال: ولمحت في النوافذ أشباح الناس يتابعوننا ويتهامسون. إني أعرف ما يتهامسون به, فقد طالما فعلت ذلك وأنا أتابع السابقين. ونتأمل عبقرية محفوظ: قال الشيخ عبد ربه التائه: حلمت بأنني واقف في حظيرة أغنام مترامية الأطراف, وكانت تأكل وتشرب وتتبادل الحب في طمأنينة وسلام وتمنيت أن أكون أحدها, فكنت جديا بالغ القوة والجمال. ويوما جاء صاحب الحظيرة يتبعه الجزار حاملا سكينه. وقوله:سألت الشيخ عبد ربه التائه. - متي يصلح حال البلد؟ فأجاب: - عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة. وقوله:سألت الشيخ عبد ربه التائه: - كيف تنتهي المحنة التي نعانيها؟ فأجاب: - إن خرجنا سالمين فهي الرحمة, وإن خرجنا هالكين فهو العدل. وحكمته: من ملك الحياة والإرادة فقد ملك كل شيء, وأفقر حي يملك الحياة والإرادة. يحكي محفوظ عن شاب يبحث عن عمل فيقول له أحدهم: أنك تضيع وقتك بين أوغاد, وعندنا أقصر طريق للرخاء. فقال بامتعاض. وهو أقصر طريق إلي السجن أيضا. فقال الآخر ساخرا: الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم. أفاض المصريون قبل الثورة وبعدها في الحديث عن نهب مصر وعبر عنه.. محفوظ بأحلام النقاهة وحكي عن إستلقاء امراة فارعه الطول علي شاطئ النيل وزحف اطفال كثيرين نحوها وتزاحمهم علي ثدييها ورضاعتهم بشراهة غير معهودة, وفلت الأمر والناس يغطون في النوم علي شاطئ النيل.. وضح محفوظ ضيق المصريين بالانتهاكات الأمنية فتعرض بطله للسرقة وخاف من الذهاب للقسم وصمت وخاف من مقابلة اللص في مكان ما وهو يسير هانئا بمعطفه ونقوده.. حكي محفوظ في أحلام فترة النقاهة عن تعرض أربعة شبان لسيدة بالطريق وتمني بطل القصة أن يفعل شيئا أو أن يفعله غيره, ولكن لم يحدث شيء وبعد أن تمت المأساة وفر الجناة جاءت الشرطة وشعر بخجل وقهر وارتجفت يده وهي توقع بالإمضاء علي المحضر.. شكونا من التزاوج غير المشروع بين الفاسدين في كل من الحكم ورجال الأعمال والإعلام, وجسده محفوظ في أقوي أحلامه حيث كتب عن زميله بالجريدة الذي أصبح وزيرا للداخلية وأعطاه توصية لرجل أعمال معروف بصداقته له وبينما يمشي علي شاطئ النيل تعرض للسرقة بالسلاح وسلب منه خمسون جنيها وذهبا لرجل الأعمال وإذا به نفس اللص الذي سرقه أو أخوه التوأم ودارت به الأرض.. تنفسنا جميعا الألم من تدهور حال مصر بعد التضحيات الجسيمة التي قدمها شهداؤنا في الحروب السابقة وزرعنا الأمل في غد أفضل.. واهدانا محفوظ انشودة رائعة فحكي عن صديق الشباب وشهيد الوطنية وكيف زاره بعد عشرات السنين علي رحيله وكان أنيقا في صحة وعافية وقال إنه لم يعد يستطيع صبرا مع تل القمامة.. والقي الشهيد عصاه وذهب فالتقطها البطل وهو حزين ونفخت فيه روحا جديدا, فانطلق إلي تل القمامة وضربه علي أطرافه ومن كل شق يخرج رجال ونساء ليسوا علي شاكلة جامعي القمامة, ولكنهم آية في النطافة والوجاهة والفخامة وكلما لمح أحدهم العصا بيده يركبه الفزع, عند ذلك رسخ يقين بأن الشمس ستشرق غدا علي أرض خضراء وجو نقي..