طرحت فكرة الصكوك, التي وصفت أحيانا بالإسلامية, كوسيلة لتوفير التمويل المطلوب لقيام مشروعات جديدة أو تطوير مشروعات قائمة, والذي تعجز عن توفيره الحكومة ولتوفير وعاء استثماري لشريحة عريضة من المواطنين تعتقد بحرمة الفوائد المحددة سلفا. وقدمت الفكرة كأنها تمثل حلا لمشكلات مصر الاقتصادية بما فيها عجز الموازنة العامة وهو طرح به الكثير من التمني ولا يقدم حلا حقيقيا لمشكلات الاقتصاد الحقيقية وينطوي علي مخاطر كبيرة. يتضح من المشروع المعدل لقانون الصكوك أن غرضه هو استحداث أداة مالية لتمويل مشروعات جديدة أو مشروعات قائمة بالفعل أو الأوجه التي تحددها الجهة المستفيدة وتتميز تلك الأداة الجديدة بتقديم أصول المشروع الممول كضمان للصكوك وبالنسبة للصكوك الحكومية يمكن تقديم حق الانتفاع بالأصول كضمان, كما تتميز بعدم تحديد سعر مسبق للعائد وهو جوهر فكرة الصكوك, وهذه الأداة واحدة من أدوات كثيرة يمتلئ بها عالم التمويل تتخذ أشكالا ومسميات متعددة لكنها تتوحد في الهدف وهو جذب الأموال المدخرة التي لا يقدر أصحابها علي توظيفها بأنفسهم أو يقدرون ولكن يبحثون عن التوظيف الأمثل وتتمحور تلك الأدوات حول شكلين أساسيين من الأوراق المالية هما: الأسهم والسندات, وكلاهما صك مع الفارق, فالسهم يمثل ملكية لحامله علي المشاع في المؤسسة المصدرة له وبما أن حامل السهم هو أحد ملاك المؤسسة فإنه يحصل علي نصيبه من أرباحها أو يتحمل حصته من خسارتها بعكس السند الذي يمثل قرضا مقدما من حامله للمؤسسة المصدرة محدد المدة ومحدد العائد المستحق عليه مقدما, وهاتان الورقتان الماليتان هما الأداة الرئيسية لتحويل المدخرات إلي استثمار في دول العالم المتقدمة اقتصاديا ومن أجلها نشأت البورصات ومؤسسات التقييم وغيرها من المؤسسات التي تمثل نظاما متكاملا تعمل من خلاله اقتصادات تلك الدول. توفر الأسهم إذن قناة لتحويل الأصول المالية إلي أصول عينية دون التحديد المسبق لسعر العائد الذي تدره تلك الأصول وبالتالي فهي متوافقة تماما مع تفسيرات النصوص الدينية المحرمة للربا, ولا تختلف الصكوك المقترحة لتمويل المشروعات الاستثمارية عن الأسهم سوي أن للصكوك أجلا محددا يستحق عنده السداد من الجهة المستفيدة إلي حامل الصك وفقا لقيمته في ذلك الحين, وهذه الخاصية ليست ميزة, حيث إن الأسهم يمكن بيعها بالسوق الثانوية في أي وقت, فالصكوك المقترحة لا تقدم جديدا في هذا الشأن لأن الأداة المالية التي تؤدي ذات الغرض متاحة بالفعل وهي الأسهم, لكن للصكوك بعدا سلبيا آخر, فهي تفتح الباب لتقييد ملكية الدولة لبعض أصولها ورفع أسعار بعض الخدمات التي تقدمها الدولة, فبالرغم من أن مشروع القانون يحظر استخدام الأصول المملوكة للدولة ملكية عامة في إصدار الصكوك فإنه يجيز ذلك بالنسبة للأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء بناء علي عرض وزير المالية, أي أن الملكية العامة للدولة يمكن أن تصبح ملكية خاصة يمكن استخدامها كضمان للصكوك بمجرد قرار من السلطة التنفيذية, وبالتالي فإن الصكوك المقترحة لإجارة الخدمات تعني إمكان انتقال ملكية أو حق الانتفاع بخدمات عامة كالنقل بالسكك الحديدية والمستشفيات العامة إلي حاملي الصكوك, وحيث إن تلك الخدمات وغيرها من الخدمات العامة تقدم بأسعار أقل من تكلفتها الحقيقية فإن انتقال ملكيتها أو حق الانتفاع بها يعني أن الملاك أو المنتفعين الجدد سيرفعون أسعارها لتحقيق عائد علي استثماراتهم بالصكوك الذي لولاه لما استثمروا فيها من الأساس, وقد يكون ذلك مقبولا من الناحية الاقتصادية البحتة ولكنه غير مقبول سياسيا واجتماعيا. من ناحية أخري لن تقدم الصكوك المقترحة حلا لعجز الموازنة, ففي حين تمثل السندات أداة رئيسية لتمويل عجز الموازنات العامة للحكومات التي تصدر لذلك الغرض سندات سيادية وبالإضافة إلي أذون الخزانة فإنه يشترط لإصدار الصكوك وجود مشروع لكي يتم تمويله بواسطتها والموازنة العامة للدولة لا تمثل مشروعا محددا بل هي برنامج مالي للأهداف التي تسعي الدولة لتحقيقها خلال سنة مقبلة من خلال الإيرادات والمصروفات العامة, وبالرغم من أن الأخيرة تتضمن إنفاقا استثماريا فإنه وفقا لمبدأ عمومية الموازنة لا يمكن تخصيص إيراد معين لمشروع معين, كما لا يمكن إرجاع العجز إلي مشروع محدد بالإضافة إلي أن العجز يعود في معظمه إلي الإنفاق الجاري من أجور ودعم وفوائد وهي نفقات لا يمكن تغطيتها بالصكوك.