حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة العمال المركزية    «التنظيم والإدارة»: مسابقات للتعيين والتعاقد ب5 جهات خلال الفترة المقبلة    الإعلان عن قبول دفعة جديدة بالأكاديمية العسكرية المصرية    30 يونيو.. اقتصادياً    «البحرين المركزي»: تغطية أحد إصدارات أذون الخزانة الحكومية ب 70 مليون دينار    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الإثنين بالمعاملات المسائية    الجيش الروسي يحرر أراضي جمهورية لوجانسك بالكامل    الاتحاد الأوروبي يتجه شرقاً.. تحالف تجاري جديد لمواجهة تهديدات ترامب    فيديوجراف| استخبارات أوروبية تصدم ترامب حول تأثير الضربة الأمريكية على إيران    رياضة ½ الليل| الأهلي يتمسك بلاعبيه.. الزمالك يفرط.. "بديل" فاركو للأبيض.. فيريرا جديد.. واجتماع الخطيب العاصف    أشرف نصار يحفز فريق الكرة النسائية بالبنك الأهلي: العمل الجاد والمنافسة على الألقاب    مباشر كأس العالم للأندية - إنتر (0)-(1) فلومينينسي.. فرصة لا تهدر    سيدات بتروجت يحققن لقب الدوري الممتاز لتنس الطاولة    كرة سلة - بمشاركة منتخب مصر.. مواعيد مباريات البطولة العربية للسيدات    أديب: رجل أعمال يتبرع ب38 مليون جنيه لأُسر شهداء حادث الطريق الإقليمي    الأولى على إعدادية المنوفية: كنت بذاكر أول بأول    تجارة المخدرات تقود سائق وعاطلين للسجن المشدد 6 سنوات بكرداسة    التضامن والعمل تنهيان إجراءات صرف وتسليم تعويضات ضحايا ومصابي حادث المنوفية    زواج صادم وحمل مفاجئ.. تطورات مثيرة في الحلقة 2 من «مملكة الحرير»    كراهية القَص والحكايات غير المحكية فى ألف ليلة وليلة    وزير السياحة يشهد مناقشات مع الطلاب وأساتذة الجامعات حول القاهرة التاريخية    مراسلة "القاهرة الإخبارية": زيارة ديرمر إلى واشنطن تهدف لمناقشة صفقة التبادل    رحمة محسن تتألق بأولى فقرات احتفالية فى حب مصر احتفالا بثورة 30 يونيو    دينا أبو الخير توضح حكم صلة الرحم في حالات الأذى والحسد    بالمنطق    محافظ أسوان: تحقيق الجاهزية الكاملة لإنجاح منظومة التأمين الصحي الشامل    إصابة 5 أشخاص إثر تسرب غاز داخل مصنع ثلج في الشرقية    «يهدف لحل الإشكاليات».. وزير الإسكان يعلق على مشروع قانون الإيجار القديم    وزارة الخارجية تطلق خطة الاستجابة للاجئين ودعم القدرة على الصمود في مصر لعام 2025    الاتحاد السكندري يعلن تعاقده مع الحارس محمود جنش    توتر دبلوماسي بين موسكو وباكو بعد مداهمة مكاتب وكالة سبوتنيك الروسية في أذربيجان    فنانين خالدين في وجدان يحيى الفخراني.. تعرف عليهم    خلاف ميراث ينتهي بجريمة قتل مأساوية في زراعات الموز بقنا    دعاء الصباح مكتوب وبالصور.. ابدأ يومك بالبركة والسكينة    بعد شهادات الجنود.. قادة بالجيش الإسرائيلي يقرون بقتل المجوعين في غزة    رايات حمراء وصفراء وخضراء.. إقبال ضعيف من المصطافين على شواطئ الإسكندرية    قبول دفعة جديدة بالأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية للطلبة من حملة الثانوية العامة والأزهرية وخريجي الجامعات.. الشروط ومواعيد التقديم    «ترابي وناري ومائي».. تعرف على لغة الحب لكل برج حسب نوعه    رئيس الجالية المصرية في النرويج: ثورة 30 يونيو بداية عهد جديد من العمل الجاد والتنمية الشاملة    متى يتم المسح على الخفين والجوارب في الوضوء؟.. عضو مركز الأزهر توضح    سيامة دياكون جديد بالكنيسة المرقسية بالأزبكية    بقيمة 103.5 مليون يورو.. مجلس النواب يوافق على اتفاقية تعاون مع ألمانيا    مدبولي: التعاون الإنمائي الدولي بات أمرًا ضروريًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    البلجيكى يانيك فيريرا الأقرب لقيادة الزمالك.. ومدرب آخر يعطل التوقيع    على إيقاع الطبيعة الساحرة.. هكذا يمارس السائحون الرياضة في جنوب سيناء    وجه الشكر للأطقم الطبية.. وزير الصحة: 300 مستشفى لاستقبال مصابي غزة للعلاج في مصر    انطلاق القوافل الطبية العلاجية بالجيزة غدا- تفاصيل    ماذا يحدث للجسم عند تناول ماء الكمون مع الملح الاسود؟    كشف ملابسات أحد الأشخاص وزوجته بالتعدى على نجلهما بالضرب في الشرقية    محافظ القاهرة يجري مقابلات شخصية للمتقدمين لعدد من الوظائف    أسما إبراهيم تدافع عن شيرين عبدالوهاب: «كلنا بنغلط وبنمر بظروف لكن الأهم إننا نرجع أقوى»    الرقابة المالية توافق على تأسيس "صندوق استثمار عقاري ومعادن"    دورتموند يتحدى مفاجآت مونتيري بدور ال16 بمونديال الأندية    السيسي: مصر تبذل أقصى جهودها لدعم الأمن والاستقرار في ليبيا    عماد الدين حسين: أداء الحكومة في التعامل مع حادث الطريق الإقليمي يأخذ 4.5 من 10    ما فضل صيام يوم عاشوراء؟.. أجرٌ عظيم وتكفيرٌ للسنة الماضية    ترامب يتهم جيروم باول بإبقاء معدلات الفائدة مرتفعة بصورة مصطنعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العزول‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 03 - 2010

العزول فايق ورايق عمره ما داق الغرام‏,‏ قلبه مايرحمش عاشق بس شاطر في الملام‏..‏ تلك بعض من صفات العزول‏,‏ وأنا كنت مرة عزول‏,‏ عندما تم كتب كتاب الشقيقة الكبري‏ وكان باقي علي الزفاف شهران يحضر فيهما العريس ليلاتي لقضاء سهرته في بيتنا‏,‏ ومن هنا كان لابد من تجهيز وجبة عشاء بأطباق متفردة دسمة غير مطروحة عادة علي مائدتنا علي العشاء وبالذات صنف الزفر‏,‏ فصدور الدجاج وورك الرومي وعرق البتلو وسرفيس الريش الضاني الكستليتة كمثال كان توقيتها موسمي وفي ساعات الضهرية فقط‏..‏ وعلشان خاطري الحتة دي‏..‏ والحتة دي‏..‏ والحتة دي‏..‏ والنسيرة دي‏..‏ والدبوس ده‏..‏ وطبقك يا ابني زي ما هو‏,‏ ومد إيدك فصص طبلة البطة ماانتاش غريب‏,‏ وعمك بالشكل ده يزعل وبلاش اليومين دول الريجيم‏,‏ ودي مش أكلتك وكنت تستاهل ندبح لك جمل‏..‏ و‏..‏بعد الامتلاء والشكر والامتنان وإطناب عمايل إيدين العروس التي لم تدخل المطبخ من أصله يخرج الأنشتة زوج الأخت بالتركية إلي الشرفة الرومانسية للائتناس بقرب من ستكون بعد ستين يوما شريكة حياة‏.‏
الكتاب وانكتب‏,‏ وشرع الله خلاص تمت قراءة فاتحته تحت المنديل بحضور فضيلة المأذون‏,‏ والخلوة الشرعية شرعية بحكم الشرع‏,‏ وكون أنه يلف ذراعه حول كتف عروسه‏,‏ أو يضغط كفها بالقوي بين ضفتي كفيه‏,‏ أو يطلع عن قرب بطرف منديله المبتل بريقه رمشا مشاكسا أخذ وضعا معاكسا بالعرض‏..‏ أو‏..‏ أو‏..‏ جميعها أمور من قبيل تحصيل حاصل لا حرمانية فيه‏,‏ بل من حقه نزع غلاف الشيكولاتة ووضعها بين ضفتي شفتيها للاستحلاب‏,‏ أو وشوشتها في رقبتها ساعة ما يلبسها من الخلف سلسلة هدية‏,‏ أو يحكي لها جوه إيدها حكاياته الشربات المذيلة من جانبها بالسخسخات ومع كل عقلة اصبع يتأني في سرد تفاصيل كل مشهد‏,‏ أو يأخذ بق من القزازة وهي بق لأجل يجري وراها بعد ما تجري وراه‏..‏ و‏..‏وهنا يأتي دوري‏..‏ دور العزول‏..‏ أي المحرم‏..‏ سفير النوايا غير الحسنة ضابط الانضباط الوسواس الخناس الخباص المراقب عن قرب وبعد النقاق النقال المعين في منصبه من قبل الست الوالدة لتفعيل وجهة نظرها في أن صاحبنا أنشتة حتي ولو كان قد دخل البيت من بابه‏,‏ وقدم صحيفة مشرفة عن أصله وفصله ونسبه وما يمتلك‏,‏ ودفع المهر اللي هوه واشتري الشبكة اللي هي والشقة أربع مطارح وصالة وفسحة وحمام رئيسي وحمام بدش لزوم الشغالات‏,‏ وجميع الأجهزة‏,‏ ولم ينس هدايا العروس بالقراريط في الأعياد وحجز قاعة الاحتفالات واتفق مع المطرب الصييت والراقصة الشهيرة زينات علوي وفرقة عوالم نعيمة عبده للزفة وحجز تذاكر السفر لشهر العسل‏..‏ حتي لو‏..‏ كان من حقه يسحب عروسه في يده ويشد الباب من غير لا تورتة ولا دفوف زفة عروستنا الحلوة قمر بيلالي‏..‏ حتي لو‏..‏ هناك الأصول والعرف والتقاليد وكلام الناس و‏..‏لوم العوازل‏..‏ وباقي من الزمن شهران يفوتوا في غمضة عين لابد فيهما من التروي والصبر والعقلانية والإيمان بأن الحلو بييجي في الآخر‏..‏ بعدها يا حبيب طنت شيل عروستك علي كتفك وفارقونا وانشاالله تاكلوا بعض‏..‏ شهرين يبقي فيهما الوضع علي ما هو عليه من بعد زرع العزول صاحبتكم لضبط سرعات تهوية اللجام‏,‏ والتحكم في أرجحة رمانة البلي‏,‏ ومراقبة سير عملية العيب‏,‏ وحسابات عائدات اللياقة والأصول‏,‏ ومش عشان كتبت كتابك علي البنت تبقي الحكاية يغمة‏..‏ و‏..‏اتزرعت‏,‏ واترزعت بين الشقيقة وعريسها أؤدي ضبط ضوابط المهمة الثقيلة علي مدي الشهرين الباقيين حتي انتهاء الخياطة من تطريز لؤلؤ وخرج نجف ذيل فستان الفرح‏,‏ والنقاش من كورنيش الصالة دور ما يدور‏,‏ والنجار من تبتين أويمة الصالون المذهب الفرنساوي‏,‏ وقريبنا في بورسعيد من تهريب طاقم الكريستوفل علي عدة سفريات وتجميعة ملعقة ملعقة وشوكة شوكة‏..‏ مهمتي كعزول كما شرحتها لي معلمتي بنودها الحراسة والمتابعة والرصد والحشرة وطرطقة الودان لدبة النملة‏,‏ وكما لا بأس به من الغلاسة علي شعرة غتاتة مع حبتين قلة ذوق وحفان كبير من الدم السم مع كبشة جليطة‏..‏ و‏..‏رفع التقارير أولا بأول لمنصة القيادة العليا في الداخل‏..‏ و‏..‏الحقي يا ماما ده ساب مطرحه وراح قعد جنبها‏..‏ طيب طيب راجعة لهم حالا‏..‏ وأنا مالي تعالي شوفي بنفسك صوابعه وهي بتلعب في شعرها‏..‏ وحضرتك ماقولتيش إذا ما كان مصرح له يشرب مطرحها ولا كل واحد في كوبايته‏..‏ ماما ماما أنا سمعت طرقعة بعدها لقيت خد أختي الأصفر الباهت بلون الدم‏..‏ وعندما كان الزهق من دور العزول يدفعني ساعات لمغادرة موقعي من تبة المراقبة ولو لدقائق معدودات كان أصبع الوالدة السبابة في وضعه المستشرف عن بعد يرجعني من تاني بإشارة نصف دائرية معناها‏:‏ روحي فزي ماتسيبيش أختك هناك‏..‏ و‏..‏من أيامها ذقت حلاوة الرشوة لما كان العريس المضحي يتحفني في السر بهداياه كمثل دستة مناديل مشغولة كانافاه وزجاجة بارفان‏,‏ وألبوم صور‏,‏ وصباع روج‏,‏ وحزام أستيك يزنق الوسط تحت الهدوم يبقي وسط كمنجة‏,‏ ومن هنا أصبحت أقف في ركن البلكونة البعيد أنظر للبعيد مدعية الانشغال تماما مثل المراكبي الذي يحفز عشاق كورنيش النيل بقوله‏:‏ مركب يا بيه وهديكم ضهري أو اطلع لقدام شوية في كنبة التاكسي تاركة مساحة لمداعبات الأذرع الشرقانة من خلفي‏..‏ وكانت الرشوة الكبري قبل الزفاف بجمعة يوم ما أنشته حل لي جميع مسائل واجب الحساب فتركتهما وذهبت أذاكر عند صاحبتي في بيتها وفي توقيت العودة فتحت الوالدة لثلاثتنا الباب مهللة بعدما غمزت لها بعيني ورفعت لها الأصبعين لفوق علامة النصر وإن كله تمام‏!!‏
قمت بدور الأخت الصغري العزول وأتاري الأب كان أيضا عزول في طقاطيق العصر الذي ولي وفات ومثالا لذلك منيرة المهدية لما تقول‏:‏
اوعي تكلمني بابا جاي ورايا‏..‏
والساعة كام يا سي محمد الوقت راح ياللا نروح
يا خوفي لبابا يسألني‏,‏ وعلشان غيابي يزعلني
وأقول له إيه لو يسألني‏..‏ يا خبر‏!!!‏
الساعة ستة وزيادة‏..‏ وحياة عيونك بزيادة
هو احنا خدناها عادة؟‏!!..‏ يا خبر‏!!!‏
الوقت راح ياللا نروح‏..‏
ولم يكن الأب وحده العزول فالماما أيضا كانت عزول فتحية أحمد لما تقول‏:‏
الحنة يا حنة يا قطر الندي‏..‏
شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوي
يا خوفي من أمك لتدور عليك‏..‏
لاحطك في شعري يا عيني وأضفر عليك
ولو جاتني أمك تسألني عليك‏..‏
لاحطك في حاجبي يا عيني واتخطط عليك
ولو فضلت أمك تفتش عليك‏..‏
لاحطك في عيني يا عيني واتكحل عليك
وتبقي أمك ساعتها تدور عليك
وحتي القاضي ذات نفسه كان العزول في طقطوقة عبداللطيف البنا لما يقول‏:‏
أبوها راضي وأنا راضي
مالك انت بأه ومالنا يا قاضي
البت سن تلتاشر
والوش قمر أربعتاشر
والجسم ماشاء الله راخر
مايفوتشي من باب القاضي
اكتب كتابها وطاوعني
واوعاك يا قاضي تلاوعني
وإلا انت عاوز بقي يعني
دايما تشاكي وتقاضي
وكشف العزول عن وجهه غير المرغوب فيه في الأغاني والأشعار علي مدي النصف الأول من القرن الماضي‏,‏ فكان هدفا للملامة عند غالبية المطربين لتتلمس ذلك عند سيد درويش لما يقول‏:‏
أنا هويت وانتهيت وليه بقي لوم العزول؟‏!‏
ولما يقول‏:‏
مين عذبك بتخلصه مني ومن قد إيه بتعذب في
ليه العوازل حاسديني دول حقهم يبكوا علي
ولما الشيخ سيد يقول‏:‏
يا فؤادي ليه بتعشق الحبيب قاسي علي
قلبه قاسي لم بيشفق وأنا صابر ع الأسية
خايف أشكي من صدوده يفرحوا عزالي في
وتعاتب أم كلثوم العوازل بلسان أبوالقس في سلامة لما تقول‏:‏
قالوا أحب القس سلامة وهو التقي الورع الطاهر
كأنما لم يدر طعم الهوي والحب إلا الرجل الفاجر
يا قوم إني بشر مثلكم وقادري بكم القادر
لي كبد تهفو كأكبادكم ولي فؤاد مثلكم شاعر
وقد يتحول الحبيب من شدة هجره وتعذيبه إلي أن يغدو هو نفسه العزول وفي هذا غني عبدالوهاب لما يقول‏:‏
وقلت يمكن اللي هاجرني يكون وقوفي علي غير مراده
مشيت أنوح والليل ساحرني بقلب باكي صاين وداده
مين في حبه يرضي بنصيبي مين في حبه يحمل شكايا
لو يجيني بالليل خياله يشفي قلبي وأشكيله حالي
وإن منع عني خياله يبقي وحده هو عزولي
وفي هذا المعني قد سبق عبده الحامولي لما يقول‏:‏
أحبك ولو تهجر وأكره عزولي فيك
ويكيد العوازل كل من فريد الأطرش وفايزة أحمد وليلي مراد ومحرم فؤاد و‏..‏ ويا عوازل فلفلوا ما قاللي وقلت له‏..‏ وأنا قلبي إليك ميال مهما يقولوا العزال‏..‏ و‏..‏شارياك وشاريني وإيش يعملوا العزال يا أعز من عيني‏..‏ و‏..‏والنبي لنكيد العزال والنبي لنكيدهم ونكيدهم ونقول اللي عمره ماينقال‏..‏ ويلوم عبدالحليم العزول المتمثل في الناس اللائمين لما يقول‏:‏ والناس بيلوموني وأعمل إيه يا قلبي عايزين يحرموني منه ليه يا قلبي؟‏!..‏ و‏..‏أشكي لمين الهوي والكل عزالي‏,‏ ومن هذا المنطلق ذهبت أنا وعزولي وزماني للتنقيب في قواميس الفصحي عن معني العزول فوجدته في محيط المحيط لبطرس البستاني أن العزول ما عزل ناحية‏,‏ وهو المخلوع عن منصبه أو نيابته‏,‏ والمعزال من يعتزل‏,‏ والمعتزلة من القدرية وهم الذين اعتزلوا أهل السنة والخوارج‏,‏ وقد أطلق هذا الاسم الحسن بن علي عندما اعتزله واصل بن عطاء وأصحابه إلي جانب المسجد وشرع يقرر القول بالمنزلة بين المنزلتين‏,‏ أي الكفر والإيمان‏,‏ وأن صاحب الكبيرة‏,‏ أي الذنب العظيم‏,‏ ليس مؤمنا مطلقا ولا كافرا مطلقا‏,‏ بل هو بين المنزلتين‏...‏ وفي قاموس مختار الصحاح للإمام الرازي جاء أن العزول من عزل واعتزل وتعزله‏,‏ والاسم العزلة‏,‏ ويقال‏:‏ أنا عن هذا الأمر بمعزلة‏...‏ ومن تخريجات قاموسي الخاص لا مؤاخذة للعزول أن من مشتقاته العوز بمعني الفقر‏,‏ والعو وحدها بمعني الذئبة المفترسة‏,‏ ويا زول الاسم الذي كان الأديب السوداني الكبير الطيب صالح ينادي به أصحابه بمعني يا فلان‏..‏ وقد لاقيت في سكة العوازل أشعارا لقمم الشعراء مثل جبران الذي قال لعزاله‏:‏
إذا غزلتم حول يومي الظنون
وإن حبكتم حول ليلي الملام
فلن تدركوا برج صبري الحصين
ولن تزيلوا من كؤوس المدام
ففي حياتي منزل للسكون
وفي فؤادي معبد للسلام
جبران خليل جبران الذي زرع في سكة علاقة حبه الرومانسية بالكاتبة مي زيادة أكثر من عزول علي رأسهن هيلانه غسطين التي كان يدللها بلقب هلون‏,‏ وكانت قد هاجرت من بلدة بزبدين في جبل لبنان إلي نيويورك لتعمل صحفية في جريدة الهدي التي يرأس تحريرها خالها نعوم مكرزل‏,‏ وعلي أرض الكتابة والشعر تلاقيا عام‏1922‏ لتجري العواطف ساخنة في أحد روافد نهر الحب الذي سبح فيه جبران مدللا منعما بقائمة طويلة جدا من الحبيبات الأجنبيات والعربيات مقارنة بقصر عمره‏,‏ ويبدو أن سلاح خطاباته المتوالية إلي حبيباته في كل مكان كان أمضي سلاح‏,‏ فعندنا في مصر ترك لنا رسائله إلي مي‏,‏ وهناك في أمريكا كانت رسائله إلي هلون التي كتب لها في‏29‏ يناير‏1924‏ وهو محموم مستغيثا متوسلا‏:‏ أرغب في مشاهدتك الآن‏..‏ أنا أعرف بقلبي أنك لا ترفضين زيارة رجل مريض‏,‏ مكسور الخاطر‏.‏ حزين الروح‏.‏ وأدعي شيء إلي رغبتي في مشاهدتك هو ميلي إلي إظهار شكري وامتناني لك بصورة شفاهية‏..‏ نمرة تليفوني هي‏10180‏ فالرجاء أن تسمعيني صوتك عند استلام هذه الكلمة‏..‏ ويكتب جبران لعزيزته هلون في‏6‏ يناير‏1925:‏ أطلب إليك أن لا تعاتبيني ولا تعزليني لقصوري ولو رأيتني في حالتي هذه لكنت عطوفا شغوفا‏,‏ بل وكنت أبعد الناس عن اللوم والتعنيف‏,‏ وفي رسالة أخري أنت يا هيلانة ميالة إلي الشكوي حين لا يكون هناك من سبب إلي الشكوي‏,‏ فتتأففين من الظلام مع أنك جالسة في نور الشمس‏,‏ الله يساعدني علي السيدات اللطيفات المغنجات الشاكيات المشككات‏,‏ وإذا ما كانت هيلانة قد أصبحت هلون فبئس حال ماري زيادة مي من عوازلها الأخريات أمثال ماري هاسكل وميشلين وسلطانة تابت‏..‏ و‏..‏البحث مازال جاريا في سر الحضور الجبراني النسائي الطاغي‏.‏
ولم يكن لتوفيق الحكيم عزول واحد مقيم بل ثلاثة عزازيل هم العصا والبيريه والحمار‏,‏ حيث ينشب الخلاف بين ثلاثتهم حول دور كل منهم فتقول العصا‏:‏ قد وضعت يدي في يد صاحبي في آخر العشرينيات عندما كان وكيلا للنيابة في الأرياف فلم يخطئه بعدها العمد ولا الغفراء‏,‏ وقال البيريه‏:‏ وأنا الأقدم فقد وضعني صاحبي علي رأسه في أوائل العشرينيات بعدما وجدني بعد أول لقاء لي معه في باريس مريحا مثل الطاقية المصرية يستطيع أن يطويها ويدسها في جيه ولا يحتاج إلي رفعها للتحية‏,‏ وقال الحمار‏:‏ وأنا أقدم الجميع فقد عرفني صاحبي منذ صباه فنشأنا معا وكبرنا معا ودائما كنت في ذاكرته وعلي لسانه وسن قلمه حتي قرن اسمي باسمه حمار الحكيم‏..‏ وكان الشعر بمثابة عزول الحكيم الذي استخدم الفن التمثيلي والروائي وترك الشعر جانبا رغم أن القدرة علي النظم لم تكن تعوزه‏,‏ ولا كان هناك عجز في اللغة‏:‏ شيطان الفن عندي كان قد ارتدي ثوب التمثيلية قبل أن يلتفت إلي ثوب القصيدة الشعرية‏,‏ ولما حل فيها كمن واستقر ولم يعد يفكر في الخروج إلي غيرها من أثواب وأشكال‏..‏ ولكن عزول الشعر ظل يطارد الحكيم محاولا أن يجد له مكانا بين فروع إبداعاته المتعددة‏,‏ ونجح سعيه في أن يكتب الحكيم ديوان شعر كاملا بالفرنسية أطلق عليه اسم قصائد عربية‏..‏ ونجح عزول المسرحية والرواية والمقال في أن يكتب الحكيم أرق أبيات الشعر المنثور مثلما جاء في قصيدته مجنون الأميرة الفرعونية في عام‏1926:‏
نفريت‏!..‏ ما أجملك‏..!‏ عيناك في صمتها العجيب تابوتان لامعان‏..‏ يرقد في أحدهما الحب‏..‏ وفي الآخر الحب‏!‏
ما أجملك يا نفريت‏..!‏ رأسك ذو الشعر الأسود شمس من الأبنوس
رأسك اللامع كرة ساحر تبهر بصري وتثقل رأسي بدوار النشوة‏..‏
قبلاتك يا نفريت عسل من نور‏..‏ بل خمر من عصير اللآلئ في كأس من نار‏!!‏
إني أغار‏..‏ أغار من زوجك أسرتش
إنه إلي جانبك أبدا‏..‏ فوق عرش واحد‏..‏
تحنو عليكما هالة من أنفاس الآلهة‏..‏
وتحف بكما العبيد بمراوح النخيل
إني أغار‏..‏ الغيرة‏..‏ جعران مخيف يسير فوق شغاف القلب
أنت لي وحدي‏..‏ أنت كوكبي‏..‏ فلنسبح معا في بحار الفضاء‏,‏ تاركين خلفنا اسرتش‏..‏ ولنبحث عن جزيرة الهناء الدائم المفقودة التي لا يعرف مقرها غيري‏..‏
ميلي بأذنك يا نفريت نحوي كي أهمس لك بمكانها
أتدرين أين جزيرة الهناء الدائم؟ إنها ليست في محيطات الفضاء‏..‏ إنها في محيط عينيك‏..‏
ولعل أكثر صورة صارخة للعزول من حولنا الآن هي التليفزيون الذي يعيش علي أكتاف الصحافة‏,‏ حيث تحولت العلاقة بينهما إلي علاقة انتفاعية الغلبة فيها بالطبع للتليفزيون لكونه الأسرع والأوسع انتشارا‏,‏ فبينما تعمل الصحافة بتأن زمني يستهلك علي الأقل‏24‏ ساعة ما بين تحضير المواد للنشر والطباعة‏,‏ تدور عجلة البث التليفزيوني في ثوان كالمطحنة في عملية تشفير وتسجيل يومي للذاكرة‏,‏ فكل نشرة أخبار تمحو سابقتها لتسجيل أحداث جديدة تتطلب مجموعة من البرامج المواكبة تحليلا وتفسيرا‏,‏ وتحت ضغط الوقت لا مناص من اللجوء للصحافة سواء من جانب الاستعانة بالأفكار‏,‏ أو الإعداد‏,‏ أو في اختيار الأشخاص المناسبين لتحليل ما وراء الأخبار‏,‏ ولا يمكن لأي معد برامج علي جميع القنوات أن يبدأ العمل من دون الاطلاع وبشكل آلي علي عناوين الصحف والمقالات المكتوبة‏,‏ وحدود اعتماد العاملين في التليفزيون علي الصحافة لا تقف عند متابعة ما يكتب‏,‏ أو التمكن من تغطية الجوانب التي لم يتم تناولها‏,‏ بل لقد وصل الأمر تحت وطأة مفرمة الوقت إلي تحويل تحقيق صحفي كامل أو مقال رأي إلي حلقة تليفزيونية علي القاعد أو علي الواقف أو حول المائدة المستديرة تتلو نفس الكتابة والسطور المنشورة دون الإشارة إلي المصدر أو الكاتب الأصلي اللي طلعت روحه من أجل صياغة فكره في سطور‏,‏ ولابد أن يشعر الصحفي بالإجحاف خاصة أنه يري كتاباته وهي تترجم إلي صور مرئية يتقاضي عليها العاملون وراء الشاشة أضعاف أضعاف ما يتقاضاه كجرنالجي‏,‏ ليس هذا فقط بل إن الشهرة التي يوفرها التليفزيون وما يجلبه من فرص يكفي لتعميق الشعور بالغبن لدي الصحفيين مما يدفع الكثير منهم للحاق بركبه‏,‏ حتي أصبح لكل كاتب صحفي انشاالله مالوش قراء برنامجه الخاص‏,‏ إن لم يكن محطة علي مقاسه‏,‏ والحكاية زاطت‏,‏ والزمبليطة في التليفزيون‏,‏ وعموما لاتزال الصحافة المكتوبة أميرة الإعلام مما جعل العزول يلطش منها بذمته الواسعة‏!‏
وعلي الجانب الآخر من شخصية العزول الداخل بين البصلة وقشرتها هناك المعتزل المتداخل في شرنقته الخاصة المنكفئ علي عمله في عزلته النبيلة يعيش علي هامش الحياة في زمن الصخب الإعلامي والنجومية والاستهلاك‏,‏ في زمن الصناعة الأدبية التي جعلت الإبداع فنا خاضعا لشروط السوق‏,‏ ومثال لتلك الظاهرة النبيلة الكاتب الأمريكي ج‏.‏ د‏.‏سالنجر الذي قال يوما صحيح أنني في هذا العالم لكنني لست جزءا منه ورحل سالنجر عقب خمسة وأربعين عاما من العزلة والاختفاء والصمت لكنه ترك روايته اليتيمة الحارس في حقل الشوفان ليبلغ حجم مبيعاتها‏65‏ مليون نسخة‏,‏ وعلي نفس موجة الانعزال رحل الكاتب الفرنسي موريس بلانشو عام‏2003‏ ولم تجد الصحافة الفرنسية صورة له لنشرها مع خبر رحيله‏..‏ ويعد العالم الدكتور جمال حمدان أحد نبلاء الانعزال المصريين الذي كتب في وصف شخصية مصر وحدها آلاف الصفحات‏,‏ وكان في تجرده وتقشفه الشديد لا يواكب أحدث وسائل الاتصال بالبشر‏..‏ وأن تطلب رأيه يكفي وضع الأسئلة من تحت الباب وانتظار إجاباته عليها ليدفعها إليك علي البلاط أيضا من الجانب الآخر‏,‏ وعلاقته بالعالم الخارجي تتم عبر بواب مستأنس يدخل علي أطراف الأصابع ويخرج كالشبح‏..‏ تكنولوجيا الخدمات أبدا لم يتعامل معها جمال حمدان‏,‏ وعندما طلب منا قبل حادثة وفاته المأساوية في عام‏1993‏ عندما انفجرت أنبوبة البوتاجاز في شقته المتواضعة تحت السلم معلومة تفصيلية ليضيفها لكتابه عن الصهيونية ودولة إسرائيل بعثنا نجلبها له من واشنطن بجهاز الفاكس لنرسلها له في اليوم نفسه فسأل بسذاجة عن كيفية حدوث المعجزة فشرحنا له الأمر البسيط المتداول بالأزرار‏,‏ فقال وكأنه عباس بن فرناس الذي تحقق حلمه في أن يطير الآدمي بجناحين‏:‏ هي حصلت خلاص‏!!.‏
و‏..‏آمنت أن الواحد منا إن لم يجد عزولا يقوم بخلقه لروحه من منطلق إن من غيره تغدو الحياة بايخة وماسخة وسايطة ومسطحة بلا تحد ولا منافسة ولا خربشة ولا شماتة‏..‏ من غير عزول العيشة تصبح طرية هلامية متراخية بدون عمود فقري كما قنديل البحر تموع النفس تطلب قبل ماتطق تموت أي حاجة حرشة‏..‏ من غير عزول تبقي الحكاية شاهقة البياض من غير ظلال ولا درجات ولا تحديد لأركانها وتضاريسها وسهولها وهضابها‏..‏ بدون عزول وكأنك أهتم ضايع له طاقم أسنانه‏,‏ أو الملاكم بلا حلبة ولا قفاز ولا جرس جولة‏,‏ وفي غيبة العزول شعور المحموم بلا زكام أو عرق‏,‏ ومايسترو يقود فرقته بضهره‏,‏ ومحاورا للمقعد الشاغر‏,‏ وسفيرا بلا أوراق اعتماد‏,‏ وديكا في عشة فراخ فاضية‏,‏ وطائرة بدون راكب راكنة ع الممر‏,‏ وكتابة فوق سطح الماء‏,‏ وضجيجا بلا طحن‏,‏ وجمالا بلا حمدان‏,‏ وعزازيل من غير يوسف زيدان‏!!‏
و‏..‏ ساعات ساعات ينقلب الصديق لعزول‏,‏ وساعات يعزول الابن ولا البنت تحت سقف البيت‏,‏ وساعات عزولي يبقي عيل غرامه فتح السارينة‏,‏ وساعات يكون جهاز تكييف بتاع الجيران ركب علي مراوح سقف أودة النوم وبيسقف في الشتاء والصيف‏..‏ وأرذل العوازل في العيلة السلايف وكمان العدايل لما يبتدي النق يستشري ويعلو صوت الإشمعني‏,‏ ونهار الزوج أو الزوجة مش فايت لو إن أي من الحماتين علي أي من الناحيتين عزولت في ودن أي من طرفي العقدة‏...‏ و‏..‏أقعد أجمع في ثنائيات العوازل مزاج عزولي ألقي المعارضة بالطبع عزول الحكومة‏..‏ و‏..‏جريدة الفجر عزول السيد رئيس الوزراء‏..‏ و‏..‏البرادعي العزول القادم مع الفجر من بلاد بره‏..‏ و‏..‏الغنوة الشبابية عزول أصحاب سلطنة نهج البردة والكرنك ويا قلبي آه‏..‏ و‏..‏جميع صنف الخضار في السوق عزول راحة القولون‏..‏ و‏..‏تراب أمشير عزول البت مبروكة الشغالة‏..‏ والطرشي عزول الضغط‏..‏ و‏..‏طلب الإحاطة عزول المجلس الموقر‏..‏ و‏..‏وكلا من مرتضي وشوبير بيعزول التاني‏..‏ و‏..‏القاضية عزول مجلس الدولة‏..‏ و‏..‏الإخوان العزول الدائم النائم القائم‏..‏ و‏..‏الهشاشة عزول الهمة‏..‏ و‏..‏الزهايمر عزول إني أفتكر اسمك‏..‏ و‏..‏وعمورة عزول كل اللي له طلة علي الشاشة‏..‏ و‏..‏وآلووه وصباح الخير عزول سلامو عليكم‏..‏ و‏..‏ صاحبتنا عزولي أنا بالذات‏..‏ و‏..‏انت ابن مين في مصر ياللي مالكشي عزول؟‏!!!{‏

المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.