لقد أثار موضوع عدم استخدام اسرائيل لرادعها الاستراتيجي ويقصد به أساسا سلاحها النووي في حرب أكتوبر1973 رغم الهزيمة التي لحقت بقواتها والانهيار الكامل لخطوط دفاعها الحصينة المتمثلة فيما عرف بخط بارليف والخسائر الجسيمة التي لحقت بقواتها, خاصة القوات الجوية والقوات المدرعة, والتي كانت تمثل عصب القوة المسلحة الإسرائيلية العديد من التساؤلات لعل أهم تساؤلين فيها هما: هل إسرائيل كانت تمتلك حقيقة القنبلة النووية؟.. ولماذا لم تستخدم إسرائيل ترسانتها النووية, خاصة في المراحل الأولي من الحرب, والتي شهدت تراجعا للقوات الإسرائيلية أمام النجاح الذي حققته القوات المسلحة المصرية من جانب.. والهجوم الكاسح والشامل للقوات المسلحة السورية في مرتفعات الجولان من جانب آخر!! وفي محاولة الإجابة عن التساؤل الأول: هل كانت إسرائيل تمتلك حقا القنبلة النووية؟ فإن بعض المحللين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد أكدوا أن إسرائيل قد تمكنت من تصنيع عدة قنابل نووية منذ عام1968, وأنها ربما قامت منذ عام1969 بتصنيع خمس أو ست قنابل نووية قوتها19 كيلو جراما.. وقد أكد مدير وكالة المخابرات ريتشارد هيلز في حديثه أمام أعضاء لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس في7 يوليو1970 أن الإسرائيليين يملكون إمكانيات صنع قنبلة نووية.. هذا وقد تحول الرأي العام العالمي فيما يتعلق بمسألة الأسلحة النووية في إسرائيل من الشك الي اليقين نتيجة تراكم الأدلة المقنعة علي ذلك. فمنذ عام1955 توقعت عدة صحف رئيسية في المانياالغربية أن إسرائيل تعمل في مجال القنابل النووية, وقد صرح رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بن جوريون لمراسل صحيفة النيويورك تايمز في مقال نشر عام1963 بأنه يحتمل أن تجري إسرائيل تجارب عسكرية نووية, كما ذكر في كتابه سنوات التحدي الذي نشر في نفس العام أنه ليس من المستحيل علي علماء إسرائيل ان يعملوا من أجل الولاياتالمتحدةالأمريكية, وفي عام1986 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول في ذلك الوقت, إن بلده قد توصل الي معرفة طريقة صنع القنابل النووية كما أدركت الولاياتالمتحدة في نفس العام أن إسرائيل تعمل علي صنع القنبلة النووية أو أنها صنعتها بالفعل وقد استند هذا الإدراك الأمريكي الي تحليل عدة معطيات, لعل أهمها.. عدم كفاية التفتيش الذي يتم علي مفاعل ديمونة وحالة السرية التي تحيط بنشأته والهدف من البحوث المتتالية والمتناظمة التي تجري به, الي جانب عمليات سرقة اليورانيوم التي قامت إسرائيل بها من الولاياتالمتحدة ومن دول أخري, هذا إضافة الي تعاون إسرائيل المتزايد مع فرنسا في هذا المجال, وإعلانها عن قدرتها علي انتاج الأسلحة النووية. هذا وتدل شواهد كثيرة أخري علي أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد اكتشفت القنبلة النووية الإسرائيلية عن طريق قيامها سرا بوضع مبينات وأجهزة استشعار أخري حول مفاعل ديمونة واكتشافها وجود كميات من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية تكفي لصنع عدة قنابل نووية, وقد أمر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون في ذلك الوقت احاطة هذه المسألة بالسرية المطلقة خوفا من ردود الفعل السوفيتية آنذاك, واستمر الرئيس الأمريكي جونسون والإدارات الأمريكية التالية تتنصل من مسئولية معرفتها بأن إسرائيل قامت فعلا بتصنيع القنابل النووية.. ومن هنا فإن حجم الأدلة التي تشير الي وجود الأسلحة النووية الإسرائيلية تكاد تقطع بما لا يدع مجالا للشك بأن وجود الأسلحة النووية الإسرائيلية حقيقة واقعة, وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تضع في اعتبارها وجود الترسانة النووية الإسرائيلية في سياستها الشرق أوسطية!! ويقودنا ذلك الي التساؤل الثاني: لماذا لم تستخدم إسرائيل ترساناتها النووية في المراحل الأولي من حرب أكتوبر1973 ؟ وللإجابة عن هذا التساؤل المهم فإننا نعرض تقريرا نشر في مجلة تايم الأمريكية والذي أكد أن إسرائيل كان لديها ثلاث عشرة قنبلة نووية حين بدأ الهجوم المصري السوري في أكتوبر1973, وكان في امكانها القاءها باستخدام الطائرات الفانتوم والكفيير التي كانت تمتلكها ويستطرد تقرير مجلة التايم مؤكدا أنه في المراحل الأولي في الحرب وخوفا من أن تكون القوات المسلحة الإسرائيلية علي وشك الهزيمة, قرر القادة الإسرائيليون الاستعداد لشن هجوم نووي مضاد كقرار يائس بعد أن تمكنت القوات المسلحة المصرية من أن تحقق المفاجأة التامة الاستراتيجية والتعبوية والتكتيكية بل نجحت القوات المسلحة المصرية من خلال خطة خداع استراتيجي محكمة, واعداد تخطيط وتدريب وتنسيق رفيع المستوي مع القوات السورية من إدارة عمليات استراتيجية ناجحة عبرت فيها قناة السويس, ادي الي أن اعطت جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية الاذن الي موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي في ذلك الوقت بتجهيز اسلحة يوم القيامة الإسرائيلية وهو الاسم الرمزي للأسلحة النووية وبدأت تتخذ الخطوات العملية المنفذة لذلك.. وبينما كان يتم تجميع كل قنبلة تمهيدا لدفعها الي وحدات القوة الجوية الإسرائيلية وقبل أن تتم آخر خطوة تحولت المعركة علي كلتا الجبهتين المصرية والسورية لصالح اسرائيل, وذلك بفضل الجسر الجوي الأمريكي المكثف الذي وفر من الإمدادات والمعدات ما ألغي ضرورة استخدام اسرائيل سلاحها النووي.. وبناء علي توجيهات من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في ذلك الوقت ولمنع اسرائيل من استخدام سلاحها النووي واستجابة للابتزاز الاسرائيلي, عقد هنري كيسنجر وزير الخارجية ما سمي بجماعة العمل في واشنطن, حيث قد ضمت اعضاء تم اختيارهم بعناية لتشكل مجلس أمن قومي تركزت مهمته في النجدة العاجلة لإسرائيل ومنع انهيارها وبدأ خط جوي أمريكي في التاسع والعاشر من أكتوبر1973 محملا بالمطالب الاسرائيلية التي تقدم بها السفير في واشنطن.. وفي الثالث عشر من أكتوبر1973 اتخذ الرئيس نيكسون قرارا بإمداد اسرائيل بكل احتياجاتها من الاسلحة والمعدات والذخائر حتي اذا كان ذلك يعني استنفاد احتياطي الحرب في الولاياتالمتحدة!! وقد وصل حجم الإمدادات الأمريكية المحملة علي طائرات نقل أمريكية ما يعادل565 رحلة طائرة بإجمالي22.400 طن معدات قتال اضافة الي59 طائرة مقاتلة.. هذا الي جانب حجم الامدادات التي تم نقلها علي طائرات العال الإسرائيلية والتي وصلت خلال الفترة من9 الي24 أكتوبر1973, الأمر الذي أدي الي اختلال التوازن العسكري لصالح اسرائيل اعتبارا من14 أكتوبر1973 مما فرض علي القيادة الاسرائيلية عدم استخدام السلاح النووي.