محافظ سوهاج يقرر خفض تنسيق القبول بالثانوي العام إلى 233 درجة    ترامب: عودة الرهائن من غزة لن تحدث إلا بتدمير «حماس» ( تحليل إخباري )    نيابة عن رئيس الجمهورية: رئيس الوزراء يتوجه إلى اليابان للمشاركة في قمة "تيكاد 9"    فيديو| اندلاع حريق في ترام الرمل بالإسكندرية نتيجة ماس كهربائي.. وإخلاء الركاب    بدءاً من شهر سبتمبر.. برنامج "باب الخلق" على قناة النهار والتليفزيون المصري    إيهاب توفيق وفرقة كنعان الفلسطينية يضيئون ليالي مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    إبراهيم نور الدين عن التحكيم هذا الموسم: بلاش اقول احساسي عشان هيبقي " محبط "    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    أسعار سبائك الذهب اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025.. بكام سبيكة 2.5 جرام؟    كيف بدأت مطاردة فتيات طريق الواحات؟.. أقوال ضابط المباحث تكشف التفاصيل| خاص    قرار جمهوري بمد فترة حسن عبد الله محافظًا للبنك المركزي لعام جديد    نص القرار الجمهورى بالتجديد ل"حسن عبد الله" محافظًا للبنك المركزى    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    «أحمديات»: غياب ضمير العشرة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد دار إيواء المستقبل (صور)    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    الأعلى للإعلام: انطلاق الدورة التدريبية رقم 61 للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    موقع واللا الإسرائيلي: كاتس سينظر خطة لمشاركة 80 ألف جندي في احتلال غزة    الرئيس السيسي يوجه بتعزيز الموارد الدولارية وتمكين القطاع الخاص لجذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدى الرئيس .. أرجوك توج حكمك بهذا الإنجاز
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 09 - 2009

خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وفى حوار أجراه معه المذيع الأمريكى تشارلز روز، أذيع يوم 11 سبتمبر 2009 على قناة "سى. بى. إس" الأمريكية، وحول ما تردد عن إقامة مظلة نووية أمريكية لحماية دول الخليج ومصر وإسرائيل، قال مبارك إن مصر لن تكون طرفا فى هذه المظلة النووية لأنها تعنى قبول وجود قوات وخبراء أجانب على أرضنا وهو ما لا نقبله، وثانيا لأن هذا الطرح ينطوى على قبول ضمنى بوجود دول نووية إقليمية وهو ما لا نرضاه، واعتبر الرئيس المصرى أن الشرق الأوسط ليس فى حاجة لقوى نووية لا من جانب إيران أو من جانب إسرائيل.. وأن المنطقة فى حاجة للسلام والأمن والاستقرار والتنمية.
وحسناً فعل الرئيس برفض المظلة النووية الأمريكية التى ستجمعنا مع إسرائيل، لأن السؤال البديهى هنا هو ستجمعنا مع إسرائيل ضد من؟ إن الأمة العربية جمعاء ليس لها من عدو سوى إسرائيل وأنظمتها الحاكمة، وكلاهما تدعمه الولايات المتحدة وتعمل على تأمين وجوده، إلا إذا كان المقصود هو أن تجمعنا مع إسرائيل ودول الخليج ضد إيران، العدو الوهمى الجديد الذى اخترعته ماكينة الإعلام الأمريكية حتى نعاديه بدلا من معاداة إسرائيل عدونا الحقيقى، التى احتلت أرضنا وقتلت نساءنا وأطفالنا وهدمت بيوتنا، والتى تسيطر علينا باتفاقية كامب ديفيد المهينة، وتستغلها لإجبارنا على مساعدتها فى حصار إخواننا العرب والمسلمين فى قطاع غزة وكسر شوكة حماس الذى لا يستفيد منه سوى إسرائيل وحكومة رام الله.
إن الإدارة الأمريكية تتصور خداعا للنفس أنها تلاعب شوية أطفال، وإلا فكيف تقترح علينا الدخول فى هذه المظلة النووية مع عدونا الذى نختلف معه فى اللغة والعقيدة ويحتفظ بترسانة نووية حملها فى حرب أكتوبر 73 على الصواريخ والطائرات لاستخدامها ضدنا ويكنّ لنا ولكل العرب والمسلمين الكراهية، هذا العدو تطلب منا أمريكا الدخول معه تحت مظلة نووية واحدة، ضد من؟ ضد من ليس بعدونا ولم يحتل أرضنا ولم يقتل أسرانا ويجمعنا به اللغة والعقيدة والتاريخ، وذلك تحت أكذوبة خطر المد الشيعى، وهل تتصور أمريكا أن مصر بهذه السذاجة؟
لقد أحسن الرئيس مبارك حين رفض المظلة النووية الأمريكية ونحمد له هذا الموقف، وأيضا أحسن حين كرر مطالبته بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من كافة الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، مذكرا بمبادرات مصر منذ عام 1974 وكذلك دعوته الشخصية عام 1990 دون مجيب، ونحمد له هذا الموقف أيضا، لكن فى الموضوعات المصيرية المتعلقة بالأمن القومى لا يمكن أن تسير الأمور هكذا لا من جانبنا ولا من جانبهم، فأنت لا يمكنك أن تحقق أى هدف دون أن تملك القدرة اللازمة لتحقيقه، تماما مثل العملات الورقية التى ليس لها غطاء من الذهب فى قبو البنك فتصبح عديمة القيمة ولا يتداولها أحد.
السؤال هو.. هل ما زال من حكام العرب من يؤمن واهما بإمكانية وجود شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، بما يترتب على ذلك من نزع سلاح إسرائيل النووى؟ ربما كان بعضهم صادقا ومخلصا فى هذا التصور.. لكن الأمور المتعلقة بالأمن القومى ومصائر الشعوب لا تسير هكذا، فلو أنك طرحت هذا السؤال على طفل إسرائيلى من ذوى الشعور الطويلة المجدولة لنظر إليك على أنك مجنون ولو أعدت طرحه على حفيده بعد خمسين سنة أخرى لاتهمك أيضا بالجنون، فلا يوجد إنسان عاقل يستشعر المسئولية أمام شعبه يتخلى طوعا عن السلاح النووى، خاصة الإسرائيلى الذى يمكن أن يتنازل عن التوراة، أما السلاح النووى فدونه الرقاب، رقاب العرب طبعا وليست رقاب الإسرائيليين، فهو الذى يحقق له المنعة والسيادة على المنطقة ويحقق لمواطنيه الأمن والرفاهية فى أراضى العرب وبيوتهم.
هل يظن أى ساذج أن السلاح النووى الذى مكّن إسرائيل من الاستئساد على المنطقة العربية كلها وإدخال معظم الحكام العرب فى بيت الطاعة، هذا السلاح النووى هل يمكن أن يكون محل تفاوض فى أى وقت بين العرب وإسرائيل أو حتى بين أمريكا وإسرائيل، هل يعقل أن إسرائيل التى ترفض إعادة بضعة كيلومترات من الأرض فى مرتفعات الجولان طوال خمسة وثلاثين عاما منذ حرب أكتوبر أو ترفع الحواجز من على الطرق فى رام الله وغزة.. هل العقلية التى ترفض ذلك تتنازل طواعية عن سلاحها النووى الذى فيه حياتها؟ لكى تصبح دولة عادية كأى دولة أخرى فى المنطقة تعيش داخل حدودها فقط، ولا تقتات بدم ولحم العرب كل صباح ومساء كما تفعل منذ 60 عاما وما زال العد مستمرا، يعلم الله أنى لا أكره اليهود لأنهم يهود، فكما أمر ربى لهم دينهم ولىَ دين، ولكنى أكره المستعمر الإسرائيلى الذى يحتل أرضى ويقتل بنى جلدتى ويمارس التطاول والصفاقة علينا كل يوم ويهدد بضرب الكعبة ونسف السد العالى.
ولقد حيرنى سؤال تمنيت أن أجد له جوابا، وهو لماذا لا تتخلى إسرائيل عن سلوكها العدوانى وتكتفى بما نهبت وتعيش آمنة مطمئنة داخل حدودها وتحترم جيرانها كأى دولة طبيعية، وفى هذه الحالة ستحظى بما تدعى أنها تحارب من أجله ألا وهو السلام؟ ولقد طُرح هذا السؤال على بعض الأسرى من الطيارين الإسرائيليين الذين أُسقِطت طائراتهم بواسطة أبطال الدفاع الجوى خلال حرب أكتوبر، وكنت حاضرا أثناء استجوابهم ، (راجع مقال هل نحن حقا أمة مسلمة- فيما يختص بمعاملة الأسرى) ورغم ذلك لم أحصل أبدا على إجابة للسؤال، وتقديرى أنها من أثر تربية الكيبوتزات الانعزالية، يضاف إلى ذلك الروح الجمعية العدوانية مثل غوغائية مشجعى كرة القدم التى ربما تحولت بمرور الأجيال إلى جينات موروثة.
يحزننى كثيرا أننا نحن العرب لم نفهم العقلية الإسرائيلية حتى الآن.. على الأقل الأنظمة الحاكمة العربية لم تفهمها، إن إسرائيل فى جميع مفاوضاتها تأخذ ولا تعطى، والمحور الرئيسى لجميع ساسة إسرائيل ومجال تنافسهم أمام شعبهم هو التزامهم بهذا المبدأ.. الأخذ دون العطاء.. والسياسيون والمفاوضون الإسرائيليون يتمتعون بالبراعة الفائقة فى صياغة الاتفاقيات والمعاهدات، ودس الثغرات القانونية وإخفائها داخل النصوص، وهى التى سيعودون إليها لاحقا بعد توقيع الاتفاقيات ليمارسوا من خلالها عملية تعطيل الاتفاقية والتنصل من التزاماتهم مع أخذ جميع حقوقهم المنصوص عليها وزيادة، ونحن نعترف بذلك ونرجعه إلى تدنى القدرات العقلية عند كثير من مسئولينا (معظم المسئولين عن إدارة شئون الحكم فى بلادنا العربية يفتقرون إلى القدرة على التخطيط العلمى المنظم وهم الذين يفترض فيهم أنهم الصفوة وأنهم فى قمة الإمكانيات العقلية والعلمية لا يمكنهم الحصول على أكثر من 80 درجة على مقياس القدرات العقلية IQ Test ، ومن لا يصدقنى يجرى اختبارا على عينة عشوائية من مسئولى الخارجية والإسكان والتعليم والمرور والنقل البحرى والصرف الصحى، وسيكتشف أنى كنت متفائلا جدا، فى حين أن المواطن العادى وليس الصفوة فى الدول التى تمارس الديمقراطية ويمارس سياسيوها التفكير المستمر ليل نهار لجعل حياة شعوبهم أفضل تتراوح تقديراته بين 90 و 110 درجة، ويتدرج هذا التقدير صعودا حتى نصل إلى 136 درجة عند آينشتاين).
نعود إلى الأسلوب الإسرائيلى التفاوضى المعتمد من الحكومة الإسرائيلية وهو الأخذ دون العطاء، وأرجو أن يذكر لى أى مسئول حقا عربيا واحدا أعادته إسرائيل بالمفاوضات، إلاّ أن يكون التحايل فيه فجاً أو يكون عديم القيمة، أو أن تكون مناورة تكتيكية ستستعيد بعدها ما أعطته عند أول فرصة، أو أنها تمارس من خلاله نوعا من التعليم بالتقليد كما فى تعليم القرود كى تقنع باقى الأطراف العربية بأن التفاوض وليس الحرب أو المقاومة المسلحة هى سبيل حصولك على حقوقك المرتهنة عند إسرائيل (طبعا بخلاف استرداد طابا التى كان المفاوض المصرى فيها نداً حقيقيا للإسرائيلى وتفوق عليه بحسن الإعداد وبما جمعه من وثائق ومعلومات تثبت حقه الذى طالب به بقوة وإصرار).
إذا هل يمكن أن تلتزم إسرائيل برد ما سلبت أو اغتصبت؟ نعم يمكن أن تلتزم إسرائيل فى حالة واحدة فقط هى عندما يكون الطرف الآخر ندا حقيقيا لها حربا وسلما.. اقتصادا وصناعة.. علما وديمقراطية، عندها تعجز عن الاحتفاظ بما سلبته فى مواجهة إصرار الطرف الآخر واستخدامه لكل الوسائل المتاحة بحكمة واقتدار سواء كانت عسكرية أو سياسية، وخير مثال على ذلك هو تسليمها بإعادة سيناء نتيجة لحرب أكتوبر الرائعة رغم ما فيها من ثغرات، ورغم إضاعة ما اكتسبناه فى ميدان القتال على مائدة المفاوضات، ومثال آخر هو تسليمها مكرهة على الجلاء عن جنوب لبنان مهرولة تحت ضربات حزب الله عام 1982 متخلية عما سمى بجيش جنوب لبنان بقيادة العميل الخائن الرائد سعد حداد الذى خلفه أنطون لحد، وقد استسلم أغلب هذا الجيش بكامل أسلحته لحزب الله، نتيجة جدية مقاتليه، وفر الباقون إلى داخل إسرائيل تاركين أسلحتهم يلحقهم ذل الهزيمة وعار العمالة، والذين تطالب بعض القوى فى لبنان اليوم بالعفو عنهم ومسامحتهم ومش حيعملوا كده تانى.
إذا ما جدوى الحديث عن شرق أوسط خال من الأسلحة النووية؟
إن هذا الحديث هو البديل العصرى عن امتلاك وسائل الردع النووى عند استحالة امتلاكها فى ظل النظم العربية القائمة على طريقة "لما يطلع المشمش"، فحكام المنطقة عاجزون عن تلبية مقتضيات الأمن القومى التى تحقق أمن شعوبهم وأولها امتلاك قدرات الردع النووى التى تحول دون قيام إسرائيل بالعدوان عليهم، وإزاء هذا العجز وبدل أن يستقيلوا ويتركوا مقاعد الحكم لمن يستطيع ويجرؤ على اتخاذ القرارات الصحيحة، بدلا من ذلك فإنهم يقومون بإلهاء شعوبهم فى الوقت الضائع بهذه المقولة حتى يظهروا أمامهم وكأنهم يقومون بعمل حقيقى لوقاية شعوبهم من أخطار الترسانة النووية التى تمتلكها إسرائيل وبالتالى تستكين الشعوب ولا تطالبهم ببرامج نووية لحماية أمنها القومى، وتجدد لهم فترات الحكم مرة تلو الأخرى فى انتظار تحقيق الوعد غير الصادق بنزع الأسلحة النووية الموجودة لدى إسرائيل.. واللى أكيد حيحصل.. بس لما يطلع المشمش.
ولكى لا نظلم الحكام العرب وحدهم ونتهمهم بالعجز، فإننا نذكر هنا أن الولايات المتحدة على قدرها قد عجزت أيضا عن مواجهة إسرائيل فى موضوع امتلاكها للأسلحة النووية، والفرق أن رقبة أمريكا ليست على المقصلة وإنما رقبتنا نحن، فقد حاولت أمريكا واهمة مرارا وتكرارا عبر عشرات السنين إلزام إسرائيل بالتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وبدأ هذا الوهم فى الستينات من القرن الماضى حين سعت الإدارة الأمريكية إلى ضم إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وعندما تبين لها استحالة استجابة إسرائيل لمثل هذا الطلب الذى يعرض أمنها القومى للخطر، زال الوهم عن رؤوسهم، وقررت الإدارة الأمريكية ألاّ تنتقد وضع إسرائيل النووى بعد ذلك أو تتحَدّى سياستها الخاصة بالغموض النووى، ويعتقد المراقبون أن إسرائيل بحكم واقع امتلاكها للأسلحة النووية توصلت إلى اتفاق سرى مع الولايات المتحدة، تتعهد فيه بأنها لن تعلن عن امتلاكها لأى أسلحة نووية كما أنها لن تجرى أى تجارب نووية، بالإضافة إلى أنها لن تستخدم قدراتها النووية لتحقيق مكاسب سياسية، فى مقابل موافقة واشنطن على أن توقف ضغطها على إسرائيل للانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتكتفى باتباع سياسة "لا تسأل حتى لا تحرج نفسك" فيما يتعلق بأسلحة إسرائيل النووية.
ولعل هذا الاتفاق هو الذى يلزم إسرائيل حتى الآن بعدم تأكيد أو نفى امتلاكها للسلاح النووى أو إجراء أى تجارب نووية علنية، ويعتقد الإسرائيليون أن سياسة الغموض النووى هذه تعطيهم مزايا امتلاك الردع النووى دون إثارة الدول المجاورة وتحفيزها للسعى وراء امتلاك أسلحة نووية، وقد رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الدوام التصديق على معاهدة حظر الانتشار النووى لأن إسرائيل سوف تضطر إلى الإعلان عن ترسانتها النووية والتخلى عنها لتلبية متطلبات المعاهدة.
إذا ما العمل؟ إذا كان من المستحيل إجبار إسرائيل على التخلى عن ترسانتها النووية التى تحمى أمن شعبها، فماذا نحن فاعلون للحفاظ على أمننا القومى وأمن الأجيال القادمة من شعوبنا، ما العمل لكى نمنع إسرائيل من العدوان علينا مرة أخرى فى المستقبل واحتلال سيناء والاستيلاء على المنطقة السياحية التى تساوى المليارات فى طابا وسانت كاترين وشواطئ شرم الشيخ ونويبع ودهب وربما ما هو أكثر من ذلك وأبعد من ذلك، وربما أخذْ أبنائنا ومبادلة الألف منهم بشاليط آخر؟
يؤسفنى أن أقول إن العمل واضح، والطريق معروف.. ولكن من لديه الشجاعة لبدء برنامج نووى مصرى سلمى حقيقى فعال؟ نستخدم فيه حقوقنا التى تنص عليها اتفاقية منع الانتشار النووى التى وقعتها مصر والتى تعطى الدول الموقعة حق امتلاك دورة الوقود النووى وحق تخصيب اليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا لا يعنى بالضرورة امتلاكنا لأسلحة نووية فى الوقت الحاضر، ولكنه يعنى بالضرورة إمتلاكنا للمعرفة النووية، ويعنى أكثر من ذلك ضرورة امتلاكنا لدورة تخصيب الوقود النووى كاملة، فبدون هذا سنظل خارج التاريخ ليس فى الأمن القومى فقط، ولكن فى كل المجالات السلمية التى تستخدم فيها الطاقة النووية مثل محطات توليد الطاقة والأنظمة الهندسية والأجهزة الطبية إلى آخر القائمة التى تصنع الفرق بين الدول المتقدمة ذات السيادة، والدول التابعة المتخلفة علميا واقتصاديا وحضاريا.
سيدى الرئيس.. أرجوك.. توّج حُكمَك بهذا الإنجاز.. وأنا أَعلمُ أن الضغط عليك سيكون رهيبا.. ولكن أمن مصر وأمن أبنائنا يستحق أن تواجه هذا الضغط وتحتمله من أجل الوطن، وكلنا معك، وقد سبقتنا إسرائيل إلى امتلاك هذا الدرع، وأنت تعلم أنه كان منذ إنشائه موجها إلى مصر خوفا من قوتها، فأرجوك.. ألاّ تتركنا اليوم تحت رحمة السلاح الإسرائيلى بلا درع يحمينا، حتى لا نصبح يوما فنجد نقاط التفتيش الإسرائيلية منصوبة فى شوارعنا، أو نجد القاهرة والإسكندرية قد أصبحتا هيروشيما ونجازاكى القرن الحادى والعشرين، عبرة لمن يعتبر، وثق أن امتلاك القدرات النووية هى التى تحول دون الحرب وليس العكس، وعندما استخدمت الأسلحة النووية كانت من دولة تملكها ضد دولة لا تملكها، أما الدول التى تمتلك قدرات ردع متوازنة فلا تقوم بينها حروب.
* لواء أركان حرب متقاعد– خبير إستراتيجى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.