غابت نادين شمس. بالتأكيد لا شيء يغوض الغياب، ومرارة الفقد. لكن نادين (1972) كعادتها تركت مع غيابها أسئلة أنشغلت بها طوال حياتها وكتاباتها ومواقفها السياسية. أسئلة عن حق الحياة ، وحق الخطأ ... وحدود هذا الخطأ. لم ترحل نادين بسبب خطأ طبي وإنما نتيجة إهمال متعمد من مستشفي مصر الدولي التي تحولت إلي مستشفي للموت، ومن طبيبي الجراحة إسماعيل أبوالفتوح وخيري صابر اللذين اجريا لها الجراحة حسب البلاغ الذي تقدم به زوجها الطبيب أيضا نبيل القط. لم يكن القرار الذي اتخذته العائلة بالإبلاغ وتشريح الجثمان صعبا .. كنا فقط في حاجة الي الاجابة علي سؤال ماذا لو كانت نادين هي صابحة القرار، بالتأكيد كانت ستقدم علي الإبلاغ عن الخطأ وهي التي قضت حياتها تحلم بإصلاح العالم ، وأن يتسع للجميع بلا ضغينة أو كراهية. في كل معارك الحياة لم تتخلي نادين عن ابتسامتها ..وفي كل معارك الثورة كانت نادين في المقدمة، في المستشفيات الميدانية، ويوم معركة الاتحادية ضد الإخوان ..أقامت نادين مع عدد من الأطباء مستشفي ميداني في مدخل احد العمارات ..من أجل انقاذ المصابيين ..ربما كانت سببا في بقاء الكثيرين علي قيد الحياة. دخلت نادين المستشفي لإجراء جراحة عادية، إزالة ورم ليفي في الرحم، وقام الجراح بثقب القولون، مما ادي إلي تسمم في الدم.. وبعد شعور نادين بالتعب، دخلت مرة أخري غرفة العمليات ، ليخبر الطبيب عائلتها أن وجد تلوثا وقام بعلاجه ..ولكن استمر انهيار أجهزة نادين الحيوية، والمستشفي لا تفعل شيئا سوي تطمين العائلة بأن ما يجري طبيعي ... سلسلة كاملة من الأكاذيب والإهمال انتهت بالوفاة... بدأت نادين شمس بالعمل في الصحافة ، في روزاليوسف، والفن السابع، وثم زاملتنا في أخبار الأدب لمدة عام ، قدمت فيها عددا من ترجماتها المتميزة. وأصدرت مجموعة قصصية مشتركة " خيوط علي دوائر" (1995) مع عدد من أبرز كتب التسعينيات ..وانتقلت بعد ذلك إلي مجال السينما نقدا وكتابة للسيناريو ، انجزت فيلما واحد " إحنا اتقابلنا قبل كده", شاركت في كتابة عدد من المسلسلات منها " قانون المراغي"، و"موجة حارة" و"كلام نسوان"، و"نيران صديقة".. فضلا عن مشاركتها في ورشة سيناريو مسلسل " الجماعة"..وغيرها. رحيل نادين بسبب الاهمال يطرح السؤال عن الاستثناءات التي تتحول أسس. خطأ الطبيب استثناء ولكنه يتحول في مصر إلي " أساس" .. وقرار عائلتها بالابلاغ ..سيكون بداية لتصحيح الجهاز الطبي في مصر وهو الأمر الذي سيفرح نادين بالتأكيد في عالمها الآخر!