بعد أكثر من خمسين عامًا تتحقق يوما بعد يوم مقولة عميد الأدب العربي طه حسين حينما وصف كتاب ألف ليلة وليلة في تقديمه لكتاب الباحثة المشهورة الدكتورة سهير القلماوي قائلا: هذا الكتاب الذي خلب عقول الأجيال في الشرق والغرب قرونا طوالا، والذي نظر الشرق إليه علي أنه متعة ولهو وتسلية، ونظر الغرب إليه علي أنه كذلك متعة ولهو وتسلية؛ ولكن علي أنه بعد ذلك خليق أن يكون موضوعًا صالحًا للبحث المنتج والدرس الخصب... كتاب يقرأ في يسر ويجد فيه القارئ متاعًا للعقل والذوق جميعًا، يتنقل بين أبوابه المختلفة كما ينتقل في نزهة بين قطع الرياض، ويجد هذه اللذة الغريبة التي تأتية من ألف ليلة وليلة، هذا الكتاب الذي يحسه قريبًا منه بعيدًا عنه.. ومؤخرا شهدت الأوساط الثقافية في مدينة برتسلافا العاصمة السلوفاكية احتفالاً كبيرًا بمناسبة نشر الترجمة الكاملة لكتاب ألف ليلة وليلة.. وقد حضر هذا الاحتفال الكبير وزير الثقافة السلوفاكي مارك ماداريتش، ومديرة دار إيكار للنشر السيدة: جبريلة بلوبوتوسكا... وعدد كبير من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية في الدولة.. وأيضا مترجم الكتاب البروفيسير يان باوليني أستاذ الأدب العربي بكلية الفلسفة بجامعة كومنيوس ببرتسلافا.. وقد عبر وزير الثقافة في كلمته التي ألقاها بمناسبة صدور هذه الترجمة قائلا: إن كتاب ألف ليلة وليلة عمل تراثي شعبي هام قد تَكون وتطور عبر العديد من القرون. وأضاف قائلا: لقد استطاع هذا الكتاب (ألف ليلة وليلة) أن يعبر عن عدد كبير من الخبرات والحكم الإنسانية.. فقد وصف ببراعة ودقة رائعة العديد من المشاعر الإنسانية مثل: الخير والشر.. الحب والكراهية.. الفوز والهزيمة.. الغني والفقر.. إيمان منا بأهمية هذا الكتاب العظيم فقد قررت وزارة الثقافة تمويل نشر ترجمة هذا الكتاب الرائع إلي اللغة السلوفاكية. وليس من المدهش والغريب بالنسبة =للأوروبيين ما قالته مديرة دار نشر "إيكار"، حين قالت بالنص ما يلي: إن نشر ترجمة كتاب ألف ليلة وليلة يأتي ثاني أهم إنجاز تحققه دار إيكار للنشر من حيث الشكل والمضمون.. مع العلم بأن الإنجاز الأول قد ارتبط بالكتاب المقدس.. هكذا قالت بالنص.. فقد قامت دار نشر إيكار بطباعة الكتاب المقدس وكتاب ألف ليلة وليلة في طبعة مذهبة وفاخرة جدا.. مترجم كتاب ألف ليلة وليلة هو البروفيسير يأن بوليني.. ولد 1939، درس اللغة العربية والإنجليزية في جامعة كارل ببراغ (تشيكوسلوفاكيا سابقا)، ومن عام 1961 التحق بقسم اللغة العربية في جامعة كومنيوس ببرتسلافا. شغل مناصب متعددة.. حيث قام بتدريس الأدب العربي في جامعة فيننا في الفترة من 91 حتي 96. وتولي منصب عميد كلية الفلسفة بجامعة كومنيوس في الفترة من 94 حتي 97. ومن أهم أعماله: كتاب أخبار العرب عن الصقالبة 1999، وترجمة منتخب الكلام في تفسير الأحلام لأبن سيرين 96، وترجمة السيرة النبوية لعبد الملك بن هشام 2003 إلي اللغة السلوفاكية. بالإضافة إلي العديد من الأبحاث والدراسات المرتبطة بالثقافة العربية. ولأول مرة علي الإطلاق في تاريخ النشر والطباعة في سلوفاكيا يستخدم نوع خاص من الحرير المزخرف بأشكال شرقية مصنوعة في ألمانيا كغلاف للكتاب. ونشرت ترجمة كتاب ألف ليلة وليلة في سبع مجلدات فاخرة ومذهبة.. وكل مجلد يحتوي علي العديد من اللوحات الفنية التي تتناسب مع المواقف الواردة في الكتاب. والجدير بالذكر أن هذه اللوحات الفنية القيمة قد قام برسمها سبعة من أشهر الرساميين السلوفاكيين.. وقد قرأ كل منهم مجلد كامل وجاءت رسوماته معبرة عن تفاعله الفني مع النص. وقد طبع حتي الأن أربع مجلدات ومن المتوقع أن تنتهي طباعة الثلاث مجلدات الأخري في نهاية هذا العام.. وقد جاء كما ذكرنا سلفا نشر ترجمة هذا الكتاب في دار نشر إيكار. وقد تأسست إيكار 1990 وخلال عشرين عامًا أصبحت أكبر دار نشر في سلوفاكيا حيث بلغ عدد العناوين المنشورة فيها حتي 2008 فقط ثلاثة آلاف عنوان في العديد من المجالات المختلفة. وقد بلغ سعر المجموعة الكاملة للسبع مجلدات مبلغ (ثلاثمائة يورو 300) وحتي بداية إبريل الماضي بلغ عدد الأشخاص الذين دفعوا ثمن المجموعة الكاملة ألف وخمسمائة شخص.. مع العلم بأن هذا الثمن باهظ جدا في سلوفاكيا وعدد سكان سلوفاكيا لا يزيد عن خمسة ملايين ونصف.. بمعني آخر 1500 شخص دفع كل منهم مبلغ 300 يورو أي أن مبيعات كتاب ألف ليلة وليلة خلال شهرين فقط قد حققت مبلغ (450000 أربعمائة وخمسون ألف يورو) وبالطبع هذا المبلغ في زيادة دائمة. وبعد ترجمة هذا الكتاب إلي اللغة السلوفاكية توالت التهاني من كبار المسئولين إلي بروفيسير يان باوليني: مترجم الكتاب. من ناحية أخري ليس من السهل عمل حصر شامل للترجمات الغربية لألف ليلة وليلة نظرا لترجمتها إلي أغلب اللغات الأوروبية. وتأتي الترجمة الأولي إلي اللغة الفرنسية والتي قام بها أنطوان جالان حيث بدأ هذه الترجمة 1704 وانتهي في عام 1717. وبعدها ترجمت من النص الفرنسي إلي الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية والهولندية والدانماركية والألمانية واليونانية والروسية والبولندية والمجرية.. وفي القرنين التاسع عشر والعشرين اعيدت ترجمتها مرة أخري إلي لغات إوروبية عديدة معتمدة علي النص العربي بشكل مباشر.... وفي تصريحات خاصة يقول المترجم يأن بوليني كنت قد عرفت الأدب الشرقي من خلال ما نشر في تشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك قمت بأسفار عديدة إلي بعض البلدان العربية وتعرفت وقتها علي كتاب ألف ليلة وليلة. وكنت حزينا جدا لعدم وجود ترجمة سلوفاكية لهذا الكتاب الهام والقيم.. وبحسب ما سجلته في دفتري الشخصي.. فقد بدأت ترجمة هذا الكتاب في 20 يونيو 1980 لكن مع الأسف لم اترجم باستمرار نظرا لأنني أستاذ في الجامعة وأمارس عملي البحثي والتدريسي.. ويضيف: لقد اعتمدت علي نسخة كلكتا وهي أهم طبعة باللغة العربية لهذا الكتاب وتحتوي هذه الطبعة علي أربعة آلاف صفحة وهي طبعة هندية طبعت في كلكتا في الفترة ما بين 1839-1842م. وقد طبع منها (500 خمسمائة) نسخة فقط لمن طلبها مسبقا، ويأتي علي رأس من طلبها ملكة بريطانيا، وبعض الوزراء والساسة والمثقفين بالإضافة إلي بعض المكتبات الكبري. وحقيقة أنا لم أر نسخة أصلية لطبعة كلكتا، ولكن حصلت علي نسخة مصورة من ألمانيا. ولكن يجب أن نتذكر أن هناك نسخة أخري هامة وهي طبعة بولاق التي طبعت في مصر عام 1835م ونشرت في مجلدين. وعن لغة الليالي يقول اللغة في ألف ليلة وليلة تختلف عن اللغة العربية الفصحي وخصائصها مرتبطة بالوضع الثقافي واللغوي في البلدان العربية، بالإضافة إلي ارتباطها بمواقف الحكايات في الأدب العربي . كما أن النساخ الذين دونوها قد سهلوا اللغة علي المستوي الشعبي، وبعضهم لم ينجح في تدوين الحكايات بدون أخطاء. وحول طلب بعض الأشخاص مصادرة الليالي في مصر يقول: مع الأسف الشديد حدث نفس الموقف في مصر في الثمانييات من القرن الماضي ولكن بعد ذلك سمحت السلطات المسئولة عن ذلك بنشر الكتاب وتوزيعه.. واعتقد أن هذا الأمر غير معقول علي الإطلاق لأن الكتاب جزء من تراثكم العربي، ومن الناحية الأدبية والبحثية لا يوجد شيء غير أخلاقي في كتاب ألف ليلة وليلة.. رئيسة قسم الأدب العربي بجامعة برتسلاف باحث مصري