أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة نشر كتاب الف ليلة وليلة للناقدة الراحلة الكبيرة سهير القلماوي بمقدمة للدكتورة نبيلة ابراهيم استاذة الادب الشعبي بجامعة القاهرة. ويأتي نشر الكتاب في هذه الطبعة بعد مرور اكثر من نصف قرن علي الطبعة التي قدمها الدكتور طه حسين للكتاب الذي كان في الاصل رسالة دكتوراة لتلميذته سهير القلماوي التي عشقت الادب الشعبي ثم وجهها طه حسين لدراسة ادب الخوارج. وانتهت سهير القلماوي في دراستها الرائدة الي القول بان كتاب الف ليلة وليلة اكتمل في مصر بعد ان تشبع بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية ومن ثم اصبحت تفيض بالروح المصرية وثانيهما ان النص الشعبي عندما تكتمل صيغته الادبية في زمان ومكان يخلد لقيمته التاريخية ويظل مؤثرا في هذا الزمان والمكان ويمتد أثره عبر العصور. ويحمل الباب الاول من الكتاب عنوان( الف ليلة وليلة في الشرق والغرب) ويدرس ابحاث المستشرقين حول اصل الكتاب حيث كان للمستشرقين دور كبير في حفظ هذا الكتاب من الضياع مشيرة الي ان اهم طبعة للكتاب هي طبعة بولاق التي طبعت بمصر وقام انطوان جالان بترجمة الكتاب للفرنسية وبسبب النجاح الذي لاقته هذه الترجمة قام جالان بطباعتها اكثر من مرة بمعاونة( جوتيه, برسفال, درلاكروا) ثم ترجمت تلك النسخة للعديد من اللغات. وبحسب رأي القلماوي فان هناك اقاويل تشير الي ان اصل الكتاب فارسي او هندي وبفضل قراءات سهير القلماوي المتعمقة في الادب الشعبي استطاعت الرد علي تلك الاقاويل مؤكدة ان حكايات الف ليلة وليلة من صميم القصص الشعبي العربي بالرغم من وجود بعض القصص الهندية والفارسية لكن هذا النوع من القصص كان معروفا عند العرب وبعد انتقال هذا الكتاب للغرب بدأ الغربيون الاهتمام بجمع ودراسة هذا الادب الشعبي لمعرفة هذه الشعوب بالرغم من ان هذا الاهتمام كان تجاريا في البداية وبفضل السياسة اقترب المجتمع الشرقي بالغربي مما اثر في الادب الغربي عامة والفرنسي خاصة. وتقول سهير القلماوي ان الف ليلة وليلة مرت بثلاث مراحل اولها كانت مرحلة الحكي فكانت الحكايات تلقي علي السنة العامة وثانيها مرحلة التدوين اي ان يقوم المدونون بالاستفادة من تلك النصوص الشفاهية ويدونوها اما المرحلة الثالثة فجاءت مع استقرار تلك الحكايات في مجاميع تتفق او تختلف مع بعضها البعض. ولاحظت سهير القلماوي خضوع قصص الليالي لعاملين هما عامل التدوين وعامل رقي الطبقة المستمعة اليه وهذا ما يميزها عن القصص الشعبي بالرغم من احتفاظها بكل مميزات هذا القصص الشعبي كالاسلوب والموضوع. ورأت الناقدة الراحلة التي كانت اول فتاة تدرس بالجامعة المصرية وكانت نائبة بالبرلمان المصري لسنوات ان كتاب الف ليلة وليلة تميز بأنه صرف الملك شهريار عن ارتكاب الشرور بواسطة تلهيته بالحديث حيث كانت شهر زاد تقطع الحديث عند موقف مشوق مما يجعل الملك ينتظر الليلة التالية لسماع باقي القصة. وتستعرض سهير القلماوي في الكتاب الموضوعات التي وردت في الف ليلة وليلة لصعوبة دراسة كل قصة بصورة منفردة وتري ان من اهم تلك الموضوعات الخوارق في الليالي حيث ان الانسان يبدأ في التفكير في الخوارق بسبب خوفه من المجهول مثل الموت حيث ينشأ الخوف من قوة لا يعلمها ومن هنا يبدأ في الاعتقاد في الجن والسحر, لكن الانسان المسلم يخشي تلك الافعال لذلك جمع الكتاب بين المعتقدات الشعبية والروح الاسلامية القوية. اما الحياة الدينية في تلك الليالي فنجدها تقترب نوعا ما من موضوع الخوارق لكن تم الفصل بينهما حيث ان الموضوعات الدينية تركز علي الاديان السماوية الثلاثة والدين المجوسي وتحكي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. اما الموضوعات التاريخية فقد تناولت تاريخ عصور وشخصيات معروفة والمواضيع التعليمية كانت توضح سواء لقارئها او سامعها الحياة وطبيعة الاشياء من حولة ولجأ الشعب للشعر التعليمي وهذا النوع من الشعر كان عند اليونان سواء كان يتحدث عن قواعد الدين والاخلاق او عن التاريخ والحروب مثل الالياذة والاوديسا. وللمرأة في تلك الليالي صورتان صورة استمدها القاص من حياته داخل الطبقة الوسطي وصورة استمدها من خياله وصورت تلك الليالي انماطا من المرأة وليست شخصية بعينها مثل الجارية والعالمة والعجوز الماكرة. ومن الادوار المهمة التي لعبتها المرأة دور العاشقة ودور الكائدة صاحبة السحر وهناك أدوار ثانوية لها وهي المرأة المحاربة والمرأة العالمة والمرأة الجنية وهذا الادوار من خيال القاص وبعيدة عن حياته في تلك الطبقة. يشار الي ان المستشار عبد المجيد محمود النائب العام اصدر قرارا في يونيو الماضي بحفظ البلاغات المقدمة ضد الدكتور احمد مجاهد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة وبعض العاملين بالهيئة, بسبب إعادة طباعة ونشر مؤلف ألف ليلة وليلة والذي أشار المبلغون إلي أنه يحوي العديد من العبارات التي من شأنها ازدراء الدين الإسلامي وخدش الحياء العام, وكذلك الدعوة إلي الفجور والفسق وإشاعة الفاحشة. وكانت رابطة محامون بلا قيود قد تقدمت ببلاغ للنائب العام منذ ايام تطالب فيه بمحاكمة وزارة الثقافة والهيئة العام لقصور الثقافة, ورئيسها, وجمال الغيطاني, رئيس تحرير سلسلة الذخائر, لإعادة طبع رواية ألف ليلة وليلة ضمن هذه السلسلة, موضحة انها تضم عبارات وصورا خادشة للحياء واثار البلاغ انتقادات حادة داخل مصر وخارجها حيث استنكر كتاب ومفكرون منع الكتاب الذي يعد من روائع التراث الانساني بينما طالب آخرون بإعادة طبع كتاب سهير القلماوي عن الف ليلة باعتباره دراسة رائدة في تتبع الاثر الذي تركته الليالي في الادب العالمي.