بعيدًا عن اختصاره فى «الدنجوان» الذي حطم قلوب العذاري، والتفتيش فى حياته الخاصة، وإختلاق القصص الوهمية.. عن مغامراته العاطفية، وعدد زجاجات «الويسكي» التي كان يشربها فى اليوم، تكلم معي عزيز وجيه أباظة.. ابن وجيه اباظة.. أحد رموز ثورة 23 يوليو.. عن جانب أخر خفي فى حياة النجم رشدي اباظة.. لم يعلن عنه من قبل.. عندما كان يقوم بتهريب السلاح إلى ابن عمه وجيه أباظة الضابط المسئول عن تدريب الفدائيين فى منطقة القناة.. قائلًا: «رغم أن عمي رشدي لم يكن له إهتمام بالعمل السياسي، إلا أنه كان يقوم بيتهريب السلاح للفدائين فى منطقة القناة لوالدي الذي كان مقيم فى الإسماعلية لتدريب الفدائيين على مواجهة الإنجليز، وكانت تشاركة الفنانة تحية كاريوكا فى تهريب السلاح، فى بطن السيارة التي تقلهما إلى السويس، بحجة تصوير الأفلام، وهما فى الحقيقية يشاركان فى عمل فدائي.. عن قناعة وطنية». وبعيدًا عن مشواره الفني.. وأعماله.. التي حققت نجاحات جماهيرية، وصنعت منه بطلا.. من اقتربوا منه في عز نجوميته وتألقه الفني.. حكوا لي أن الأضواء لم تلعب برأسه، بل زادته تواضعًا وتبسط مع المحيطين به خاصة عمال الاستديو.. اسطوات الإضاءة وفنيين الكاميرات، العمال بشكل عام، لايقبل أن يأكل في الاستراحة بين التصوير في حجرته على طريقة النجوم، ولكن يجلس بين محبيه العمال، وأحيانًا يقبل دعواتهم على الغذاء في بيوتهم البسيطة وتكون أجمل لحظات عمره. "أسرار" ويعود الحديث إلى عزيز وجيه أباظة.. ليحكي أسرار الإنسان رشدي أباظة قائلًا: "عمي رشدي كان مسرف جدًا، لدرجة كبيرة، أذكر أنه في أحد المرات كان لا يمتلك نقودا واضطر أن يبيع سيارته الشيفرولية الأبيض في أسود من أجل أن يحصل على مبلغ 4 آلاف جنيه، ليدفع نفقات علاج فتاة من الكومبارس تعرضت لأزمة صحية وكان لا يمتلك أموال تمكنه أن يعالجها على حسابه، هو كان مرتبط بهذه الطبقات إرتباط نفسي كبير، لدرجة أنه بعد انتهاء أي فيلم يشارك فيه، نصف أجره في الفيلم يذهب إلى عمال الاستديو". يواصل عزيز أباظة كشف الجانب الأخر في شخصية رشدي اباظة قائلًا: "سمات التواضع التي كان يتميز بها رشدي أباظة، كانت تميزه عن بقية أفراد العائلة (الأباظية) لكن على المقابل والدي وجيه أباظة.. الذي كان أحد أفراد الضباط الأحرار غرس فينا جميعًا قيم التواضع، والمساواة، ولكن بشكل عام العائلة (الأباظية)، رغم إعتزازها بنفسها بشكل غير طبيعي.. لكنها من العائلات التي لم يلوث تاريخها بأي جرائم إقطاعية، وأيضًا رشدي اباظة كان معتز بنفسه وكرامته جدًا، وكان يمكن أن يرتكب جريمة، إذا تعرضت كرامته للمساس، وأيضًا كل ما أذكره عن عمي رشدي اباظة الذي التقيته طفلًا صغيرًا.. إنه هو الأخر كان يحمل قلب طفل، وكان طيب إلى أبعد مدى بشرط ألا تمس كرامته.. وإلا كشف عن وجه أخر.. كان لا يخشى إلا الله". "رحلة" ورغم إنتماء الفنان الكبير رشدي أباظة، إلى العائلة "الأباظية" الشهيرة، أكبر وأهم عائلات محافظة الشرقية، ورغم أنه ولد بمدينة المنصورة، بسبب كثرة تنقلات والده ضابط الشرطة، إلا أنه قضى فترة شبابه في حي شبرا، وتحديدًا في شارع "رأفت"، يحكى عنه من أبناء الحي الذين عاصروه، إنه كان أحد رموز الجدعنة والشهامة.. شهامة أبناء البلد "الجدعان"، في نجدة المحتاج، ومناصرة الضعفاء، أشبة بالأبطال الأسطوريين في روايات نجيب محفوظ، خاصة إنه كان أحد أبطال رياضة الملاكمة والمصارعة الحرة، وحقق نجاحات كبيرة على المستوى الرياضي، وحاصل على ميداليات وكوؤس، مما منحه جسم رياضي متناسق مفتول العضلات، جعله محل إهتمام بنات الحي وغيرة الشباب الأخرين في عمره! حسب رواية المؤرخ الكبير حسن إمام عمر: "شغفه بالرياضة، تسبب في فشله لمدة عامين في الحصول على شهادة الثقافة عامين وراء بعض، مما دفع والده للبحث عن وظيفه، تعويضًا عن فشله في الدراسة، لكن بإرادته وعزيمته استطاع أن يحصل على شهادة الثقافة العامة في الجولة الثالثة، ورغم هذا لم يغير والده قراره بإلحاقه بالوظيفة، بعد أن تأكد أن شغفه بممارسة الرياضة يتملك كل تفكيره ووقته، وبحكم أن رشدي أباظة في هذا التوقيت كان يجيد ثلاث لغات، استطاع أن يجد وظيفة براتب ثلاث أضعاف ما يحصل عليه خريجو الجامعات، وكانت الوظيفة في مكتب أحد تجار تجارة الحبوب، لكنه بعد ثماني شهور تمرد على الوظيفة، والقيود التي فرضتها عليه، وأصبح يقضي معظم وقته، في ممارسة لعبة "البلياردو" وبدأ شغفه ينتقل إلى عشق السينما، خاصة بعد مشاهدة فيلم "ذهب مع الريح" الذي شاهده أكثر من 14 مرة في شهر، تسلل إليه حب السينما وأصبح يراوده حلم أن يصبح نجمًا سينمائيًا مثل النجوم الذين يشاهدهم على الشاشة". "المليونيرة الصغيرة" وعلى طريقة إكتشاف معظم النجوم والنجمات في هذه المرحلة التي لعبت فيها الصدفة دورًا كبيرًا، شاهده المخرج الكبير هنري بركات في إحدى صالات "البلياردو" في عماد الدين، وعرض عليه العمل في السينما في فيلم "المليونيرة الصغيرة" مع سيدة الشاشة الصغيرة فاتن حمامة، رغم أن مساحة الدور صغيرة، لم يتردد أن يوافق على العرض واعتبره الفرصة الأولى، التي ستفتح امامه أبواب النجومية، والعمل في السينما التي يحبها. الأزمة أنه بعد "المليونيرة الصغيرة" لم تعرض عليه اعمال جديدة، مما دفعه للبحث عن وظيفة، وبالفعل وجد عرضًا لوظيفة جديدة بشركة قناة السويس، براتب قدره 200 جنيه، لكن في اليوم الذي كان مفترض أن يسافر للإلتحاق بالوظيفة، التقي مخرجا إيطاليا كان يستعد لإخراج فيلم "أمينة" وقدم له عرضًا أن يشارك في الفيلم، وبعد ساعتين التقى مخرجا إيطاليا أخر كان مقيم بالقاهرة وصديق للعائلة، وعرض عليه هو الأخر أن يشارك في فيلم "امرأة من نار". تشاركه البطولة الفنانة كامليا، وأمام إغراء العودة لبلاتوهات السينما التي يحبها، اضطر أن يعتذر عن الوظيفة الكبيرة، ويقبل المشاركة في العمليين، ودعم موقفه ترحيب والدته حاملة الجنسية الإيطالية أن يعمل في فيلمين مع اثنين من المخرجين الإيطالين. وحسب ما هو مسجل في ملفه العاطفي، اثناء تصوير فيلم "امرأة من نار" تعلق عاطفيًا بالفنانة "كامليا".. وأبدى رغبته في الزواج منها، رغم معارضة أسرته، لكن الموت المفاجئ.. أنهى قصة الحب بطريقة ميلودرامية.. مفجعة، بعد إحتراق "كامليا" في حادث طائرة! ويعود الحوار للمؤرخ حسن امام عمر.. الذي يضعنا.. أمام اهم المحطات الفنية في مشوار رشدي اباظة قائلًا: "المخرج كمال الشيخ أعاد اكتشافه من جديد في فيلم "المؤامرة".. وظل لمدة ثماني سنوات تقريبًا يقدم ادورًا هامشية في الأفلام، حتى قدم فيلم القائد الفرنسي في فيلم "جميلة بوحريد"، ويؤكد نجوميته عز الدين ذو الفقار، عندما اختاره لبطولة فيلم "الطريق" أمام هدى سلطان، وتوالت عليه البطولات في عام 1959، وأبرز هذه الأفلام "شروق وغروب، تمر حنة" وغيرها من الأفلام، لتبدأ مرحلة التألق والنجومية والأختيار. حكى لي المخرج عادل عوض ابن الفنان محمد عوض.. إن صداقة جمعت بين والده وبين الفنان الكبير رشدي اباظة اكثر من زمالة العمل والمشاركة في الأفلام، وإن والده كان دائمًا يقول عنه إنه من اكثر الأصدقاء الذين تنطبق عليهم مقولة "صاحب صاحبة"، يكفي إنه انتج فيلم "عاشور قلب الأسد" لصديقه الفنان عبد السلام النابلسي لقناعته بموهبته.. رغم إنه لم يشارك في الفيلم. وقبل الظهور "ضيف شرف" في فيلم "كلمة شرف" مع الفنان فريد شوقي.. تدعيمًا للفيلم، رشدي اباظة لا يمكن إختصاره في "الدنجوان" أو ترديد بعض حكايات "النميمة" لإنه كان شخصية وطنية حقيقية وممثل حقيقي.