مع ابنائه بمنشية البكرى 1954 كان جمال عبد الناصر في الثامنة عندما سأل أباه ذات مرة:" لماذا نأكل اللحم بينما الفلاحون الذي يرعون الماشية ويربونها لا يأكلونه؟". السؤال الذي لم يكن سوي ملاحظة بسيطة، صار بالنسبة للزعيم المصري أيديوجيا دافع عنها حتي يومه الأخير، ورغم أنه لا يمكن تلخيص إنجازه في تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنها كانت العماد الذي استندت عليه سياسته إجمالاً، وربما هي أكثر ما نتذكر به عبد الناصر بعد أكثر من أربعين عاماً علي رحيله. إنها السنوات الاولي التي تكوّن فيها فكره دون أن ينتبه، انحيازه للفقراء وثورته ضد الظلم، وهو ما تراكم مع الأيام كلما مر بفلاحين يفترشون الأرض بثيابهم الممزقة ويأكلون الخبز الأسمر بقليل من الملح أو الجبن القديم. من هنا، من هذه السنوات البعيدة، تكوّن الثائر الذي أيّد كل ثورات العالم، ملتقياً في ذلك مع الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا، الذي لم تنته مهمته بانتصار الثورة الكوبية ليتجول في العالم شرقاً وغرباً مؤيداً ثورات الشعوب. عبد الناصر أيضاً ساند الثورة اليمنية وثورة العراق وقادة جبهة التحرير الوطني في الجزائر ودعا إلي إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. وفي شبابه كان مع قوات الفالوجا المحاصرة وقبلها بسنوات أصيب في مظاهرات تندد بالاستعمار برصاصة اخترفت رأسه. اهتم عبد الناصر كذلك بالثقافة وكرّم توفيق الحكيم وطه حسين في عيد العلم، وبدأ خطبته قائلاً:"العلم هو طريق الحرية الحقيقية والجهل هو أشد ألوان العبودية إظلاماً"، كما افتتح متحف رشيد القومي، ويُذكر أنه كتب رواية وهو في المدرسة الثانوية وعنونها "في سبيل الحرية" وفازت بالمركز الأول في مسابقة المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب. وفي كتاب "جمال عبد الناصر..من القرية إلي الوطن العربي الكبير" يخط خالد عزب وصفاء خليفة سيرة الزعيم المصري من ميلاده حتي وفاته، متناولين جميع جوانبه، نضاله في المظاهرات ضد الإنجليز، ثورة يوليو، وتوليه الرئاسة وما تبعها من اتفاقيات ومشروعات، كل ذلك دون إغفال الجانب الشخصي وتفاصيل حياته البسيطة. وهي حياة مليئة بالأحداث والمعارك.