لم يكن غريباً أن نري تلك الاحتفالية الكبري من وسائل الإعلام المختلفة في مصر بما فيها الحكومية احتفالا بذكري وفاة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ولم يكن غريبا أن يرتفع شعار عاش جمال عبد الناصر مرة أخري من خلال كتابات كثير من أصحاب الأقلام في مصر والسؤال المهم هو: لماذا يرفع شعار عاش جمال عبد الناصر ؟ ولماذا ترفع صوره في كثير من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات داخل مصر وخارجها ؟ ولماذا يتذكر الناس هذه الأيام عبد الناصر ؟ أليس عبد الناصر هو ذلك الرجل الذي ارتفعت الأصوات بعد موته وعلي مشروعه القومي تنكل به وبعصره.. هل تغير شيء ؟. لا يمكن أن ننكر أن الاحتفالية هذا العام لها مذاق خاص ربما لأنه اكتملت أربعون عاما علي رحيل الزعيم الخالد ونتساءل: لماذا دائما نتذكر عبد الناصر والرد علي هذا السؤال بسؤال وكيف لا نتذكر عبد الناصر ونحن نعيش هذه الأيام أحداثاً سياسية واقتصادية تجعلنا نتذكر عبد الناصر ليل نهار كيف لا نتذكره ونحن نري رجال أعمال في مصر يتكسبون من قوت هذا الشعب بالمليارات ! لقد اكتسب طلعت مصطفي مليارات من وراء مدينتي ووقفت الحكومة خلفه تسانده وتدعمه بينما كان يجلس عبد الناصر ساعات طويلة في مجلس الوزراء يدافع عن حق الغلابة في عدم ارتفاع سعر السكر قرش صاغ... هنا الفرق بين الزمن والزمن ولا يمكن لأحد أن ينكر أن عبد الناصر كان نصير الغلابة والمهمشين في مصر وعندما ذهب إلي رحاب الله تركهم عرايا يبحثون عن الأمل في حياة محترمة فلا يجدوها !!.. لذلك لابد أن نتذكر عبد الناصر. إن مصر منذ فترة ليست بالقليلة يجتاحها إعصار ارتفاع الأسعار والناس في مصر يصبحون كل يوم علي ارتفاع أسعار كل شيء وخاصة أسعار الطعام ولا أعرف كيف كان سيتقبل الرئيس عبد الناصر رحمة الله عليه أن تباع حزمة الجرجير ب75 قرشاً وكيلو اللحمة ب65 جنيهاً وكيلو الطماطم ب10 جنيهات ماذا كان سيقول وماذا كان سيفعل ؟! الحياة تضيق علي أعناق الغلابة في مصر ولا يجدون من يحميهم... أخذوا يحدثوننا علي أن القطاع العام - وهو قطاع عبد الناصر - لم يأت من ورائه إلا الخراب وأثبتت التجربة أن الخراب لم يأت إلا عندما خُرب القطاع العام ومن المعروف أن القطاع العام في مصر لم يفشل بل أُفشل والآن يباع في سوق النخاسة... الكل طمعان... الكل يجني من وراء خرابه الكثير والكثير... البائع والمشتري يتكسب من ورائه. إني أتذكر يوم أن مات عبد الناصر ورأيت الدموع في عيون كل من حولي ووجدتني أشاركهم الدموع وأنا طفل صغير لم أتعد الثانية عشرة ولم أكن أعرف ولا أعلم لماذا هذا البكاء الشديد علي هذا الرجل ؟! وعندما خرجت مع المئات من الأهالي في جنازة صورية للزعيم وقت جنازته الأصلية في القاهرة وكان الجميع يهتف «يا جمال يا حبيب الملايين» كنت أصرخ معهم بأعلي صوتي وأنا لا أعرف بالضبط لماذا هذا الرجل كان حبيب الملايين؟ الآن وبعد سنوات طويلة وصلت إلي أربعين عاما لماذا كان يبكي الناس علي جمال عبد الناصر؟ كانوا يبكونه لأنه السند... كانوا يبكونه لأنه ناصرهم... كانوا يبكونه لأنهم رأوا بعده الذل كما هتفوا أمام قبره منذ أيام. نحن محتاجون في أيامنا هذه في مصر إلي أن نأخذ الكثير من تجربة هذا الرجل وأن نبتعد عن مآسيها ولا ندعي أن الرجل لم تكن له سلبيات لكن في المجموع كانت التجربة عظيمة ولها ملامح أعظم... فهي تجربة سياسية أساسها أن هناك رجلاً خرج من الناس ليعبر عن الناس... أراد لبلده أن يكون له العزة والكرامة فخاض معارك كثيرة من أجل ذلك فانتصر وهزم لكنه ظل في النهاية مثلا نادراً في بلده لفكرة الزعيم الباحث عن العزة والكرامة وخرج بأفكاره المستنيرة من حدود بلده إلي حدود وطنه الكبير العالم العربي ليقدم نموذجاً فريداً مازالت تتباكي عليه إلي الآن الجماهير العربية. قدم نموذجاً للوحدة وللقومية العربية فتجمعت حوله قلوب العرب وحاربه جبناء العرب الباحثون عن مصلحتهم وليس مصلحة وطنهم. إننا في حاجة إلي أن ننمي الشعور القومي والوطني بنماذج محترمة مثل عبد الناصر حتي لو كان عبد الناصر فشل في مشروعه القومي لكن يكفيه شرف المحاولة.