ياسر محمد يكتب : عيون الوطن    استقرار سعر جرام الفضة في السوق المحلي اليوم الجمعة    أكسيوس: نتنياهو لن يحضر قمة السلام مع ترامب بمصر    تشيلسي ينافس توتنهام على التعاقد مع نجم أهلي جدة السعودي    محافظة الجيزة تضبط منشاة لتدوير زيوت السيارات المستعملة وتعبئتها بعلامة تجارية مزيفة بالبدرشين    شيرين عبد الوهاب في جلسات عمل مكثفة مع الشاعر تامر حسين لطرح أغانٍ جديدة    وردة الحسينى تكتب : اليونسكو والعلاقات المتوازنة    كيفية علاج انخفاض ضغط الدم المفاجئ بالمنزل    بعد إلغائه.. ما هو قانون قيصر الذي خنق الاقتصاد السوري لخمسة أعوام؟    شيخ الأزهر يعزي المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق في وفاة شقيقته    الكرملين يعلن موعدًا جديدًا للقمة «الروسية- العربية» الأولى بعد تأجيلها    بالأرقام، نتيجة انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء بالإسكندرية    ضياء السيد: الرئيس السيسي أنهى حرب غزة واتفاق شرم الشيخ يؤكد ريادة مصر    الاتحاد البرازيلي يخطط لتجديد عقد أنشيلوتي حتى 2030    انطلاق رالي «Fly In Egypt 2025» لتعزيز السياحة الرياضية والأنشطة الجوية    شرب سوهاج تصدر فيلما قصيرا لتعريف ذوى الاحتياجات الخاصة بقضايا المياه    فيديوهات رقص تقود صانعة محتوى للسجن    قطاع السيارات المستعملة: نشهد انخفاضا في الأسعار.. واختفاء ظاهرة الزبون التاجر من السوق    أخبار مصر اليوم.. وزير الصحة يتابع تنفيذ 28 مشروعًا صحيًا في 12 محافظة.. البيئة: مصر تتبنى رؤية متقدمة لإدارة مواردها الطبيعية    «محتاج يراجع التاريخ».. عمر حسن يوسف ينتقد تجاهل والده في أغنية مهرجان «المهن التمثيلية»    محلل فلسطينى: اتفاق شرم الشيخ خطوة مهمة جداً لغزة.. وممتنون للدور المصرى    عزيزة    وكيل المخابرات المصرية السابق: حماس طلبت منا الوساطة لإطلاق سراح أسراهم مقابل شاليط    أحد أبطال أكتوبر يروي تفاصيل خطة العبور: التوقيت والتدريب وحائط الصواريخ كانت عوامل الحسم    عماد كدواني: المنيا تستحوذ على أكثر من نصف المستهدفين بالتأمين الصحي الشامل في المرحلة الثانية    حسام موافي: الكلى تعمل بضغط الدم فقط.. وانخفاضه المفاجئ يسبب الكارثة    جاهزون للتعامل مع أي تطورات في الإصابات.. مستشار الرئيس للصحة: لا داعي للقلق من متحور كورونا الجديد    وكيل المخابرات المصرية السابق: إسرائيل فشلت فشلا ذريعا بمعرفة مكان شاليط    نائب محافظ المنيا يتفقد أعمال تطوير ميدان النيل ومجمع المواقف    رفعت فياض يكتب: تزوير فاضح فى درجات القبول بجامعة بى سويف الأهلية قبول طلاب بالطب وطب الأسنان والآداب بالمخالفة حتى وصلوا للسنة الثالثة    سوريا: إلغاء الشيوخ الأمريكي قانون قيصر خطوة نحو تصويب العلاقات    نيابة العامرية تطلب تحريات العثور على جثة فتاة مقتولة وملقاة بالملاحات في الإسكندرية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو "التحفظ على دراجة نارية دون سبب" بالجيزة    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    10 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب «السوق السوداء»    خبير قضايا الجرائم الإلكترونية: دليل سريع لتأمين الراوتر وكلمات المرور    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    الزمالك: ندرس ضم مدرب عام مصري لجهاز فيريرا    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    إقبال واسع على تقديم طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب بمحكمة جنوب القاهرة    اسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 10 اكتوبر 2025    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    «أوقاف المنيا» تعقد 109 ندوة علمية في «مجالس الذاكرين» خلال أسبوع    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية (بث مباشر)    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاطئ
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 07 - 2011


أقلعت عن الهيروين وعدت لقريتي وبدأت في علاج الميثادون الذي فرضوه عليّ في المصحة، كما فرضوا شيئاً آخر بسيطاً كان يجب أن أفعله غير الاستيقاظ كل صباح ومشاهدة التلفزيون ومحاولة النوم ليلاً، لكنني لم أستطع، شيء كان يمنع إغماض عينيّ والراحة،هذا الشيء كان الروتين، حتي إنني ذات يوم نفد صبري فاشتريت بورنساً أسود من محل بوسط القرية وذهبت للشاطيء، مرتدياً البورنس وبيدي البشكير والمجلة، ووضعت بشكيري بالقرب من الماء وفردت جسمي وبقيت برهة أفكر هل أسبح أم لا، خطرت ببالي أشياء كثيرة لأفعل ذلك، لكن خطر ببالي أيضاً بعض الأسباب لئلا أفعله(الأطفال الذين يستحمون علي الضفاف مثلاً) هكذا مر الوقت وعدت للبيت، وفي الصباح التالي اشتريت كريم شمس وذهبت للشاطيء مرة أخري، ورحلت من هناك في الثانية عشرة إلي المصحة وأخذت جرعتي من الميثادون وحييت بعض الوجوه المعروفة، لا صديق ولا صديقة، فقط وجوه معروفة في صفوف الميثادون، استغربوني جداً وأنا أرتدي البورنس دون أن أهتم بشيء، عدت بعدها إلي الشاطيء مشياً وأخذت غطسي الأول وحاولت العوم، رغم أني لم أستطع، وذلك كان كافياً بالنسبة لي، وفي اليوم التالي عدت إلي الشاطيء ودهنت جسدي بالكريم مرة أخري ونمت علي الرمال، ولما استيقظت وجدتني مرتاحاً جداً، ولم يحترق ظهري ولا شيئ آخر، وهكذا مر أسبوع أو ربما أسبوعان، لا أتذكر، الشيء المؤكد أنني كل يوم كنت أزداد سمرة ومع أنني لم أتحدث مع أحد كنت أشعر أنني أحسن كل يوم، أو مختلفاً، ورغم أن الكلمتين مختلفتان إلا أنهما في حالتي يتشابهان، وذات يوم ظهر علي الشاطيء زوج عجوز، أتذكرهما بكل وضوح، كان يبدو أنهما قضيا معاً زمناً طويلاً، هي كانت سمينة، أو ممتلئة، ولابد أنها في السبعين تقريباً، وهو كان نحيفاً، بل أكثر من نحيف، هيكل عظمي يسير، أعتقد أن هذا ما لفت انتباهي، لأنني كقاعدة عامة نادراً ما كنت أنتبه لأحد علي الشاطيء، لكن فيهما ركزت، والسبب نحافة الرجل، رأيته فأصابني الرعب، إلهي، إنه الموت القادم من أجلي، فكرت، لكنه لم يأت من أجلي، إنهما فقط زوج عجوز، هو في الخامسة والسبعين وهي في السبعين أو العكس، هي يبدو أنها تتمتع بصحة جيدة، وهو بشكل من سيموت في أي لحظة أو أن هذا آخر صيف له، في البداية، بعد مرور الرعب الأول، كان من الصعب عليّ إبعاد نظري عن وجه العجوز، عن جمجمته المكسية بالكاد بطبقة جلد رقيقة، لكن بعدها اعتدت النظر إليهما خفية، وأنا ملقي علي الرمل، علي بطني، بوجه يغطيه ذراعاي، أو من الممشي، وأنا جالس علي دكة مواجهة للشاطيء، بينما كنت أتصنع تنفيض الرمل عن جسدي، وأتذكر أن السيدة العجوز كانت تأتي إلي الشاطيء بشمسية تدخل تحت ظلها مسرعة، بلا مايوه، رغم أنني شاهدتها أحياناً بمايوه، لكن عادة ما كانت تلبس فستاناً صيفياً، واسعاً جداً، كان يظهرها أقل سمنة من الحقيقة، وتحت الشمسية كانت العجوز تقضي ساعات في القراءة، في كتاب ضخم جداً، بينما الهيكل العظمي الذي كان زوجها يرقد علي الرمل، لابساً فقط لبس بحر صغيراً جداً، شبه مايوه، وكان يمتص الشمس بشراهة تستحضر لي ذكريات بعيدة، عن أمريكيين يستمتعون في سكون، عن أمريكيين يركزون فيما يفعلون، حينئذ صدّعت رأسي ومشيت من الشاطيء، وأكلت علي الكورنيش، قطعة سمك وزجاجة بيرة، وبعدها بدأت أدخن وأنظر للشاطيء عبر زجاج البار، وعدتُ بعد ذلك حيث العجوز والسيدة لا يزالان في مكانهما، هي تحت المظلة، وهو تحت أشعة الشمس، وحينها، بشكل أرعن، جاءتني رغبة في البكاء ودخلت في الماء وعُمتُ، ولما ابتعدت كثيراً عن الضفاف كنت أنظر للشمس ويبدو لي غريباً أن تكون هناك، هذا الشيئ الكبير والمختلف جداً عنّا، وبعدها عاودت العوم حتي الضفة( وكنت علي وشك الغرق مرتين) ولما وصلتُ سقطتُ بجانب البشكير وبقيت وقتاً طويلاً أتنفس بصعوبة، وأنا أنظر باستمرار نحو الزوج العجوز، وبعدها ربما نمت ملقياً علي الرمل، ولما استيقظت كان الشاطيء شبه خالٍ، لكن الزوج العجوز كانا في مكانهما، هي بروايتها تحت المظلة وهو نائم علي ظهره، في المنطقة الخالية من الظل، بعينين مغمضتين وتعبير غريب في جمجمته، كما لو يشعر بكل ثانية تمر ويستمتع بها، رغم أن الشمس كانت ضعيفة، رغم أن الشمس كانت علي الجانب الآخر من عمارات الصف الأول للبحر، الجانب الآخر من التلال، لكن ذلك لم يبد أنه يشغله، وحينها، في لحظة استيقاظي كنت أنظر إليه وأنظر للشمس، وكنت أشعر أحياناً بألم خفيف في ظهري، كما لو أنه احترق هذه الظهيرة أكثر مما ظننت، وبعدها كنت أنظر لهما وبعدها نهضتُ، لبست البشكير كطبقة فوق جلدي ورحت أجلس في إحدي دكك الكورنيش، حيث تصنعت أنني أنفض عن قدميّ الرمل الذي لم يكن موجوداً، ومن هناك، من هذا العلو، كانت رؤية الزوج العجوز مختلفة، كنت أقول لنفسي إنه ربما ليس علي وشك الموت، كنت أقول لنفسي إن الزمن ربما لا وجود له مثلما كنت أظن أنه موجود، وتأملت حول الزمن بينما بعد الشمس كان يكبّر ظلال العمارات، وبعدها رحلت إلي البيت وأخذت دشاً ونظرت لظهري الأحمر، ظهر لا يبدو أنه لي بل لرجل آخر، رجل لا زالت أمامي سنوات طويلة لأتعرف عليه، وبعدها شغّلت التلفزيون وشاهدت برامجاً لم أكن أفهمها مطلقاً، حتي نمت في الصالون، وفي اليوم التالي عُدتُ لنفس الشيء، الشاطيء، المستشفي، الشاطيء مرة أخري، العجوزان، روتين يقطع أحياناً ظهور كائنات أخري كانت تظهر علي الشاطيء، امرأة، مثلاً، كانت واقفة علي قدميها دائماً، لم ترقد أبداً علي الرمل، وكانت تلبس في الجزء الأسفل مايوه وفانلة زرقاء، ولما كانت تدخل البحر كانت تبتل فقط حتي ركبتيها، وكانت تقرأ كتاباً، مثل السيدة العجوز، لكنها تقرأ واقفة، وأحياناً كانت تنحني، رغم أنها تنحني بشكل غريب، وتأخذ زجاجة بيبسي لتر ونصف وتشرب، واقفة، بالطبع، وبعدها كانت تترك الزجاجة علي البشكير، الذي لا أعرف لماذا أحضرته إن لم تكن تمتد فوقه مطلقاً ولا كانت تنزل في الماء، وأحياناً كانت هذه المرأة تخيفني، كانت تبدو لي غريبة بشكل مفرط، لكن أغلب المرات كنت أشفق عليها، ورأيت أيضاً أشياءً أخري غريبة، علي الشاطيء دائماً ما تحدث أشياء هكذا، ربما لأنه المكان الوحيد الذي نظهر فيه جميعاً نصف عراة، لكن ذلك لا أهمية كبيرة له، وذات مرة اعتقدت أنني رأيت أمريكياً سابقاً مثلي، بينما كان يتمشي علي الضفاف، جالساً في تل من الرمل مع طفل عمره شهور علي حجره، وفي مرة أخري شاهدت بعض الفتيات الروسيات، ثلاث فتيات روسيات، أغلب الظن كن عاهرات وكن يتحدثن، الثلاث، في التليفون المحمول ويضحكن، لكن الحقيقة أن أكثر ما كان يهمني الزوج العجوز، في جزء لأنني شعرت أن الرجل علي وشك الموت في أي لحظة، وعندما أفكر في هذا، أو عندما أنتبه أنني كنت أفكر في هذا، كانت النتيجة أنني تخطر ببالي أفكار مجنونة، مثل حدوث تسونامي بعد موت العجوز، تدمير القرية جراء موجة ضخمة، أو أنه لو بدأ في الارتعاش، سيحدث زلزال واسع النطاق سيخفي القرية كاملة في وسط موجة غبار، وعندما أفكر فيما قلته تواً أخفي رأسي بين يدي وأبدأ في البكاء، وبينما أبكي أحلم(أو أتخيل) أننا ليلاً، فلنقل في الثالثة صباحاً، وأنني أخرج من بيتي وأروح للشاطيء، وعلي الشاطيء أجد عجوزاً ممدداً علي الرمل، وفي السماء، بجانب النجوم الأخري، لكنه أقرب للأرض من النجوم الأخري، تلمع الشمس السوداء، شمس هائلة وسوداء وصامتة، وأنا أنزل إلي الشاطيء وأتمدد أيضاً فوق الرمل، والشخصان الوحيدان علي الشاطيء أنا والعجوز، وعندما أفتح عينيّ من جديد أنتبه أن العاهرات الروسيات والبنت التي كانت واقفة دائماً والأمريكي السابق مع الطفل بين ذراعيه ينظرون لي بفضول، متساءلين من يكون هذا الكائن الغريب، الرجل محروق الكتفين والظهر، وحتي السيدة العجوز كانت تنظر لي من رطوبة مظلتها، قاطعة لعدة ثوان قراءة كتابها الذي لا ينتهي، متساءلين ربما من يكون هذا الشاب الذي كان يبكي في صمت، شاب في الخامسة والثلاثين كان لا يملك شيئاً، لكنه كان يرمم إرادته وقيمته وكان يعرف أنه لا يزال أمامه وقت ليعيشه.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.