يعيش بولانيو قريباً من البحر، في بلانيس، قرية يسكنها ثلاثون ألف نسمة وعلي بعد ساعة ونصف من برشلونة. يعيش في بيت زوجته وله ابنان ينامان الآن. يفضل الهدوء علي الضجيج، يفضّل سجن الكتابة الصامت وأحياناً غير المحتمل. ويعشق قمراً خريفياً يضيء الظلام السائد. في ممرات بيته هناك ثلاثة آلاف كتاب. يدخن بولانيو بشراهة، ويشرب كوكا كولا، لأن الكحول دمر كبده. تلمع في عينيه سخرية. الكاتب التشيلي في الرابعة والخمسين لا يحب الحوارات، يفكر أن كل ما يشغله موجود في كتبه، لكنه في النهاية وافق علي هذا الحوار حول بعض الأمور. في البداية، أنت تكتب الشعر، النوع الأدبي الأكثر إقصاءً من دور النشر في العالم. ما رأيك في الشعر كفن وكظاهرة في الفترة الحالية؟ - لا أعتقد أن الشعر سيختفي. أظن أن الشعر يعاني كل فترة من التحولات والتنقلات والتهجين. بالطبع، ليس من الممكن أن تحقق مبيعات كتبُ شعر كثيرة، كما كان يحدث لكتب بايرون، لكنه لا يزال ممكناً أن تكون لورد بايرون، وهذا يكفي. ربما يعيش الشعر الآن في بعض الروايات. أو في أشكال لا تعتبر فنية... ربما مع موت الشاعر الأخير يُبعث الشعر من رفاته. في "المخبرون المتوحشون" هناك محاور بارزة. أحدها النفي، نفي يضم، من بين بلدان أخري، المكسيك وإسبانيا. - الغريب أنني لم أشعر أبداً أنني منفي. ربما لو كنت عشت في السويد، رغم أنني أشك أن ذلك سيحدث لو عشت في السويد. ما شعرته حقاً أنني غريب، لكنني كنت غريباً في كل الأمكنة ، بداية من تشيلي. ولأنني كنت طفلاً متحذلقاً، فأنا أشعر بالغربة من صغري. هل كنت مهووساً بالسياسة أم أن نفيك كان بحثاً عن حرية فردية؟ - الحرية الوحيدة التي أصدقها هي الحرية الفردية. أو مجموعة الحريات الفردية. حرية فردية في أيدينا، نملكها بشكل غير مباشر، واضحة جداً، هي الوحيدة التي لدينا الآن. لست مهووساً بالسياسة، رغم أني لا تنقصني الأسباب لا أنا ولا غيري، فالسياسة كقاعدة عامة عش ثعبان. بعد سنوات من السقوط العنيف لسلفادور الليندي، كيف تري التشيلي من بعيد؟ - لديّ انطباع أن الديمقراطية تستقر، وهذا شيء عظيم، وأن المجتمع ببطء يعود ليتعلم التعايش. بالطبع، علي حساب فقدان الذاكرة وجراحات في فصوص المخ. في "المخبرون المتوحشون" تحكي عن عالم الشعراء الشباب في عقدين، إخفاقاتهم وأحلامهم، كتفكيك لما هو ثقافي، وأنسنة للفنان. ما رأيك حول هذا؟ - بمجرد تسليم الرواية للناشر لا أعود إلي التفكير فيها. من هم الكتاب الأساسيون في تربيتك الأدبية ومن لا تنصح بقراءتهم؟ - سربانتس، ستيندهال، ريمبود، بو. ليقرأ كل واحد ما يشاء ويستطيع. لا أشعر، علي الأقل هذه الليلة، أني أود نصح أحد بعدم قراءة أحد. من يجذبك في السرد الحالي؟ - في السرد الأمريكي اللاتيني: رودريجو ريي روسا، دانييل سادا، رودريجو فريسان، آلان باولس. ما رأيك في الاعتماد علي السيرة الذاتية في الأدب؟ - كل شيء بشكل ما سيرة ذاتية، وهو ما يبرهن سريعاً عدم فائدة كتابة السير الذاتية. أنت تكتب رواية كبيرة، ماذا تقول عنها؟ - الرواية أكثر من ألف صفحة ويمكنك تخيل أنه من المستحيل تلخيصها. كتابة شيء كبير مرهق جداً. العمل مرهق، كما يقول بافيس. وأنا أتعب من أقل الأشياء. لكن هذا عملي ويجب أن أواصل. ماذا يخطر ببالك عندما تسمع هذه الأسماء: باييخو، أونيتي، بورخس، نيرودا، ماركيز، يوسا، كابريرا إنفانتي؟ - ثيسر باييخو: الفضيلة . الشعر الذي يبقي. خوان كارلوس أونيتي: للكبار فوق 33 سنة. خورخي لويس بورخس: رمانة الميزان في أمريكا اللاتينية. بابلو نيرودا: كتابان فوق العادة ولا شيء آخر. ماركيز: كاتب جيد يصادق الرؤساء. بارجس يوسا: نفس الشيء لكنه أكثر حرفية في مصادقة الرؤساء. جييرمو كابريرا إنفانتي: كاتب غريب. الحقيقة أنه من بين كل الكتاب الذين ذكرتهم فقط يهمني باييخو وأونيتي وبورخس.