في عام 2009 فاز الكاتب الأرجنتيني أندريس نيومان بجائزة ألفاجوارا التي تقدر قيمتها ب 60 الف يورو بروايته "رحالة القرن " وفي 2010 فازت الرواية نفسها بجائزة النقد، فصار بذلك نجم الموسم الثقافي في العالم الإسباني، خاصة أنه مواليد 1977، وهو ما يضعه في صدارة المشهد الأدبي بقوة . "رحالة القرن" ليست العمل الأول له، فقد صدر له من قبل ثلاث روايات وثلاث مجموعات قصصية وديوانان شعر، وكلها أعمال تنبأت بكاتب من طراز خاص . نيومان يؤكد من خلال أعماله أن الأرض التي زرعها بورخس وكورتاثر لا زالت تنبت بأشجار حلوة الطعم . عندما عرف أن روايته " رحالة القرن" سوف تصدر قريبا في العربية .. قال: في كل مرة يترجم المؤلف للغة اخري، يبعث من جديد" . عبر البريد الإلكتروني كان لنا هذا الحوار مع أندريس نيومان - بداية كيف اكتشفت امكانيات الكتابة لديك؟ * أكثر من أنني انتبهتُ أنني كاتب، أعتقد أنني في لحظة محددة انتبهتُ لحاجتي لأكون ذلك . انتبهتُ أنني ليس لي من وسيلة أخري إن أردتُ أن أكون أكثر سعادة، أو أقل سعادة . حينئذ لا يقبل الواحد منا هذا الميل، بل يأخذه ويستسلم له . وهذا حدث لي مبكراً، عندما كنت صغيراً . كنت أشعر بالألم، كنت لا أجيد التحدث مع العالم، كنت لا أفهم مشاعري الخاصة . لكنني فجأة، عندما كنت أحكي شيئاً، عندما أحكي حكاية، حتي ولو كانت مؤلفة أو حكاية شخص آخر، كان كل شئ يكتسب معني . معني الواقع كان حكايته، لم يكن هناك واقع حتي يحكيه شخص لي . أتذكر عندما كنت أكتب باصباعين علي الآلة الكاتبة القديمة التي انتقلت من جدي إلي أبي ثم إليّ ، كنت أشعر بمتعة اعادة كتابة هذه النصوص الأولي، وتصحيحها من أجل لا أحد، من أجل لا أعرف من . حينها كنت أقول لنفسي : هذه طريقة جيدة للحياة. الحديث، الحديث مع الأشباح . قارئتي الأولي كانت جدتي . سيدة تقليدية، من عائلة كريمة، كانت تفاجئني دوماً بمتعتها الظاهرة أمام اللعنات الصغيرة التي كان يكتبها حفيدها . هكذا في تلك السنوات اكتشفت اكتشافين : أولهما أن أكثر ما أعشقه في الحياة هو الكلمات، وأن جدتي كانت أشقي مما كنت أعتقد . بكلمات قليلة، كانت جدتي تتحول لأخري عند القراءة . كما أتحول أنا لآخر عند الكتابة . كل ما حدث لي بعد ذلك مع مرور الوقت في مسيرتي ككاتب، يبدو لي أقل قطعياً من ذلك . - أنت تكتب الشعر والقصة والرواية، في أي نوع تجد نفسك ؟ وكيف تكتب روايتك؟ رأيي في الأنواع الأدبية هو نفسه حول الدول والثقافات، أنا أفضل دائماً أن أعيش علي الحدود . لا أود الانتماء كلية لأي أرض . لهذا أحب أن أفكر أن الشعراء يكتبون روايات، والروائيون يحلمون بالقصائد وكتاب المقال يحكون حكايات، وكتاب القصة يقترحون أفكاراً. بهذا الشعور الصافي أواجه كل ورقة. وأجد نفسي هنا، في هذا التقاطع . أما عن المنهج الذي أتبعه في بناء رواية، فلكل رواية حالتها . ولي شعار سهل جداً :أسأل الشخصية . هناك شخصيات تطلب منك بنية معقدة، حكايات طويلة، أصواتاً أخري، وهناك شخصيات تطلب منك الحديث ببساطة خلال فترة قصيرة والسكوت بعدها. في البداية أحاول الاستماع لما يقولونه لي، وبعدها أحاول وضع التكنيك السردي في خدمته.لا أتبع أبداً نفس المنهج . أعتقد بعمق أنه كلما بدأ الواحد منا في كتاب، يتعلم الكتابة من جديد. في هذا تشابه الكتابة مع الحب : الخبرة نسبية، والجديد مستمر . _ بعض الكتاب يفضلون العزلة عن العالم ليروه من بعد، يعيشون في بروج عاجية، والبعض الآخر يفضل الحياة الناس، منهم يستمد حكاياته .. إلي أي نوع تنتمي أنت؟ أفضل النظر إلي العالم والاستماع إليه من خلال نافذة. وأعتقد أن الالهام يأتي من الآخرين . التأمل طول الوقت . النظر إلي نفسي لا يثيرني كثيراً قدر النظر إلي الآخر . الآخر مليء بالشخصيات، بالحكايات، بالبراهين . والكاتب، بشكل سري، مصاص حيوات الآخرين . - ما هي المشاكل التي تواجهها أمام الورق الأبيض؟ وهل تحب الكتابة عما تعرف أم تفضل المغامرة واللعب بالكتابة؟ الكتابة عما أعرف أم عما أعتقد أنني أعرف، يبدو لي الأمر ملتبساً. أفكر أن الواحد يكتب ليعرف، لا لأنه يعرف . وفي أحيان كثيرة، أتخيل، أن الواحد لديه خبرات مساوية أو أكثر عمقاً مما نسميه واقعية. بالطبع، ما نعيشه يثري خيالنا. إنه قناة لها مدخلان . أما الورق الأبيض، فليس هناك ورق أبيض: هناك حوله موسيقي ، ألم، مشاعر، رغبات وذكريات وحكاية. من المستحيل أن تجد ورقة بيضاء في الواقع . الأبيض أحياناً هو المؤلف، هذا الذي يشرد، ويتعب ويخاف . - وأنت تكتب هل تفكر في القاريء؟ ماذا تحب أن تقول لقاريء لم يقرأك بعد؟ هل تبعث إليه رسائل في كتابتك أم ما يهمك هو الجماليات واللغة؟ يا لك من مسكين أيها القاريء، فأنا لم أفكر أبداً أنك يجب أن تقرأني . فهناك أعمال كثيرة تستحق القراءة ولم أستوعب أبداً أنك ستقرأني . لكن، لو فعلتها ذات مرة، فأنا أود أن تفعل ذلك أولاً بدافع الفضول وأن تستمر في قراءتي لأنني لمست مشاعرك . أما الاختيار بين الرسالة والجمال، فهو أمر يبدو لي مزيفاً بشكل شخصي . لا يمكن الاختيار، لأن الشكل والمضمون ليسا شيئين منفصلين . الكاتب فقط يقول ما يريد قوله عندما يقوله كما يريد. بالنسبة للقاريء، حقيقة أفكر فيه وفي نفسي . أنا وهو واحد. هو نفسه يستطيع أن يصير آخر. عندما أكتب، من الممكن أن أكون هو أو هي. وهي أو هو، عندما يقرأني، من الممكن أن يضع نفسه في مكاني. وهذه هي المعجزة . أنت ابن ثقافة غنية بالسرد، من من الكتاب أثر فيك ؟ كل الكتاب الذين قرأت لهم أثروا في، بالخير أو الشر . أفكر أن كل خبرة في اللغة تحولنا، حتي ولو بشكل سطحي. في حالتي، يمكنني أن أذكر بلا ترتيب بعض الكلاسيكيين، فبدون قراءتهم ما أصبحت شيئاً، ريمباود، بورخس، ستيندهال، كافكا، باشو، ريلكن ثيسر باييخو، فيرجينيا وولف، تولستوي، ألان بو، بيسوا، كوباياشي، كورتاثر، بولانيو. -هل تري أن هناك كتاباً شباباً جيدين في الأدب الإسباني مثل الاجيال السابقة؟ - جيدون جداً جداً . إنها متعة حقيقية القراءة لهم. ولا بد أن بعضهم ترجم للعربية ..