غابت الشخصية القبطية لعقود طويلة عن الأعمال الأدبية والفنية، وإن وردت في ثنايا النص الحكائي، فإنها كانت تأخذ طابعاً مثالياً، مما يجعلها شخصية غير واقعية، لأن الشخصية القبطية مثلها مثل الشخصية الإسلامية تحمل سمات المجتمع، وتعاني من الأمراض الدينية والنفسية والاجتماعية، فالأقباط من نسيج الشعب المصري، لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما علي المسلمين من واجبات، وتتقاسم الطائفتان ما مَنَّ به الله علي أرض مصر من نعم كثيرة، إذاً فإنهما مشتركان في مقومات الواقع وقضاياه، ومتآزران في العديد من الأنشطة الأدبية والعلمية والفكرية. كان هذا دافعاً للباحث وليد لطفي أبوقورة، لتقديم دراسة عن الشخصية القبطية في الرواية المصرية في الفترة من 2591وحتي 7002 وحصل عنها علي درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولي، كلية الآداب جامعة طنطا، وفيها طرح الباحث تساؤلاً: هل من الملائم أن يحيط الأديب الشخصية القبطية بهالة من نور ويقدمها للقارئ بوجهة مثالية فقط؟ أم من الأفضل أن يقدمها بمزاياها وعيوبها؟ ورأي الباحث أنه من الأفضل أن يقدم الروائيون الشخصية القبطية بمزاياها وعيوبها، كي تبدو واقعية متآلفة ومتفاعلة مع المجتمع، ومن ثم حظيت الشخصية بحضور بالغ وتعددت أنماطها في ثنايا النصوص الروائية المصرية في النصف الأخير من القرن العشرين، وتباينت وجهات نظر الروائيين- المسلمين منهم والأقباط- حول توظيف الشخصية القبطية في الرواية، فمنهم من تناول العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون أدني فارق بين الطائفتين، ومنهم من أعطي الدين كل اهتمام، ومنهم من لم يعره أدني اهتمام. في إطار المنظور الروائي للشخصية القبطية، ارتكزت الدراسة علي منظورها الايديولوجي وكذلك النفسي.. فمن ناحية التناول الايديولوجي للشخصية القبطية، بين الباحث أن الايديولوجيا والرواية مرتبطان، حسب رؤية حميد الحمداني فهي من مكونات البنية النصية الروائية. وأوضح أنه يمكن حصر الايدلوجيات المنبثقة من ثنايا النص الروائي في ثلاثة اتجاهات: دينية، اجتماعية، وسياسية.. فالاتجاهات الدينية ذات جوانب متعددة.. الدين، الثقافة، والمجتمع.. ومن خلال سلوكيات الشخصية يمكن الكشف عن جوانبها وتحديد مرجعيتها الثقافية والتراثية، ومن ثم يمكن معرفة الشخصية كما لو كنا نتعايش معها، وقد اهتم البحث بقراءة النصوص واستنطاقها بغية الكشف عن الشخصية القبطية، واستجلاء مخزونها من الأفكار والمعتقدات والتصورات. ويشير البحث إلي أن القبط يتبعون ثلاثة معتقدات تمثلها الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية (البروتستانية)، غير أن أكثرهم يتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. والاختلافات بين هذه الطوائف اختلافات جسيمة، فالأسرار المقدسة عند الأرثوذكس يبلغ عددها سبعة أسرار، بينما البروتستانت لا يأخذ بهذا العدد، وكذلك الكاثوليك، والأسرار المقدسة التي تأخذ بها الكنيسة المصرية الأرثوذكسية هي: المعمودية، الميرون، التوبة والاعتراف، الأفخار سيتا، مسحة المرضي، الزيجة، والكهنوت.. أما الكنائس البروتستانية والكاثوليكية إن وجد عندهم شئ من ذلك فإنهم لا يسمونه سراً. وقد اهتم الخطاب الروائي بعقيدة التعميد (أي التنصر) فبيَّن النص أن التعميد يحيي الروح من موتها، حيث إن الجسد مولود من جسد آخر، والتعميد هو ولادة ثانية من الموت بعد التطهر من الذنوب والخطايا، منظور أيديولوجي ذاتي وظفته »سلوي بكر« في روايتها»البشموري« علي لسان »ثاونا الشماس« إحدي الشخصيات الرئيسية في الرواية. وقد رصد إبراهيم عبدالمجيد في روايته »لا أحد ينام في الإسكندرية« عقيدة الصوم القبطي بطريقة موضوعية، بعيدة عن الذاتية.. إذ أنه وقف خارج أحداث الرواية، يقص بضمير الغائب الحوار الذي دار بين »مجد الدين ودميان« فذكر الصوم المقدس، ومدته خمسة وخمسون يوماً، وأطلق عليه الصوم الأكبر، وذكر صوم الميلاد ومدته ثلاثة وأربعون يوماً. وتأتي الصلاة في المرتبة الثانية بعد الصوم في الديانة المسيحية التي تعتمد علي ثلاثة أركان: الصوم، الصلاة، والصدقة. وقد نوّه السرد الروائي إلي عددها، فذكر أنها سبع صلوات في اليوم تبدأ بصلاة باكر، صلاة الساعة الثالثة ، صلاة السادسة، صلاة التاسعة، صلاة الغروب، صلاة النوم، وصلاة نصف الليل.. وقد رصدت رواية »البشموري« عدد هذه الصلوات. وتشيع في الوسط المسيحي عقيدة التمسح بالقديسين، أي طلب شفاعتهم والاستنجاد بهم كوسيط بين العبد وربه، والسرد الروائي مفعم بهذه التشفعات لاسيما »مار جرجس« الذي تكرر ما يقرب من خمس مرات في رواية »لا أحد ينام في الإسكندرية« يتوجه إليه الكثير من الأقباط عند الوقوع في أي كرب أو مأزق، فتوجه إليه »دميان« حينما بحث عن وظيفة، وحينما ألَّم به مكروه وكاد أن يفتك به: دميان كان يتلو رقياً وتعاويذ يسمع مجد الدين فيها كيرياليسون، وجورجيوس، ويسوع، ويؤانس، ويوساب، وكيرلس، والعذراء.. وأنهي النص بلفظة »كيرياليسون« التي تطلب الرحمة من الله في تضرع وخضوع. وينفرد الخطاب الروائي عند سلوي بكر، بأنه الوحيد الذي نوَّه إلي إشكالية من أهم الإشكاليات في العقيدة المسيحية، وهي طبيعة السيد المسيح.. وقد عزف عنها كثير من الروائيين- حتي الأقباط- لأنها محل خلاف بين الكنائس. وتناول البحث في هذا المنظور- أيضاً- أن الكنيسة المصرية تعتقد بوجود بخور ومذبح، ويتطلب هذا وجود ستار أو حجاب وهيكل وكاهن يرتدي الوشاح الكهنوتي، كما في رواية »مزاج التماسيح« لرءوف مسعد. وقد احتفي الخطاب الروائي- أيضاً- بأعياد الشهداء والقديسين، ومنها عيد »الملاك ميخائيل« وقد استخدم فيها الروائي ضمير المتكلم من بداية الرواية حتي نهايتها، فبدت الرواية أقرب إلي أسلوب الاعتراف أو السير الذاتية، وقد ترتبط بالأعياد بعض الاعتقادات حيث يربط إدوار الخراط بين عيد »الملاك ميخائيل« وفيضان النيل في رواية »ترابها زعفران«. يؤكد البحث أن المنظور الأيديولوجي الذاتي ينبثق في السرد إذا كان الراوي أحد شخوص الرواية، أو عندما تبدي إحدي الشخصيات رأياً أو تصوراً تجاه قضية معينة، ومن ثم فإن هذا المنظور يحتمل الصواب أو الخطأ، فعندما يعبر الشيخ »عمر عبدالكافي« أحد شخوص رواية »شرف« لصنع الله إبراهيم عن موقفه من الأعياد القبطية، فإنه يعتبر رأيا ذاتيا خاصا بطبيعة الشخصية ومرجعيتها الثقافية. اما معتقدات الأقباط حول التجنيز، فقد رصد السرد الروائي هذه الطقوس رءوف مسعد في رواية »مزاج التماسيح«، فاستخدم ضمير الغائب في السرد، فورد السرد موضوعيا بداية من تسخين المياه للمتوفي حتي وقت القداس. ويحتفي السرد الروائي بملمح آخر هو استغلال الدين للوصول الي مأرب أو هدف معين، وربما يكمن هذا التصور داخل أي انسان، بصرف النظر عن أنه قبطي، إلا أن علاء الأسواني في رواية »يعقوبيان« استطاع رسم شخصية »أبخسرون« وشخصية أخيه »ملاك« وهما شخصيتان متوافقتان في المزاج والأهواء، إذ يحاولون الوصول الي أهدافهما بأي شكل من الأشكال، حتي لو كان استغلال التدين بالمسيحية، أو العزف علي هذه الوتيرة، فبمجرد أن أدركا أن »فكري عبدالشهيد المحامي« يدين بالمسيحية، طرح »أبسخرون« سؤالاً علي أخيه، يحمل إيماءة أو تذكرة ل»فكري« بأنهم يدينون جميعاً بالمسيحية. الاتجاه الاجتماعي اعتنت الرواية المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين بالشخصية القبطية، فأبرزت علاقة هذه الشخصية بالمجتمع، لكن السرد الروائي تراوح في استجلاء هذه العلاقة، فبعض الروائيين أظهرها في ملامح إيجابية، والبعض الآخر أظهرها في ملامح سلبية، والأيديولوجية- كما جاء في البحث- بدورها ليست إلا نتاجاً لعلاقات اجتماعية بعينها يمارسها البشر في فترة معينة ومكان معين، فهي الطريقة التي تمارس بها العلاقات الطبقية. ومن الأعمال الروائية التي كشفت عن العلاقات الإيجابية في المجتمع، رواية »شبرا« لنعيم صبري حيث يعبر الخطاب الروائي- من بدايته إلي نهايته- عن مدي التآلف والاندماج بين المسلمين والأقباط، وعلي هذه الشاكلة يرصد »إدوار الخراط« مدي التآلف بين الأسرة المسيحية والمسلمة في رواية »ترابها زعفران« نلمح فيها قوة العلاقة بين »أم ميخائيل« و»وهيبة« زوجة حسين افندي. وتحتفي روايات كثيرة بمثل هذه العلاقات، لكن الباحث آثر أن يأتي بنموذجين من نماذج الروائيين الأقباط كي تتضح الرؤية، ويكتفي بالإشارة إلي أن هناك نماذج كثيرة لمثل هذه العلاقات منها: »ابحثوا لنا عن إمام« لأحمد ماضي، »عمارة يعقوبيان« لعلاء الأسواني، »لا أحد ينام في الإسكندرية« لإبراهيم عبدالمجيد، »لقاء هناك« لثروت أباظة، »خالتي صفية والدير« لبهاء طاهر، و»الشاطئ الآخر« لمحمد جبريل. حظي البناء الروائي أيضاً، كما جاء في الدراسة بآراء واعتقادات حول اختيار »الأقباط« لمسميات أبنائهم، فالإنسان ليس حراً في اختيار علاقاته الاجتماعية، وإنما يتحكم في هذه العلاقات أشياء أخري ترتبط بالتطور الذي يعايشه الإنسان سواء أكان اقتصادياً أو تعليمياً أم اجتماعياً، لذلك حرص أغلب الأقباط علي أن تكون أسماء أبنائهم غير محددة لدياناتهم، فاختاروا لهم الأسماء التي ربما تجمع بين المسيحية والإسلام كي لا تعلن هذه الأسماء عن هويتهم المسيحية خوفاً من أي تحفظ تجاههم من غالبية المجتمع التي تدين بالإسلام، كما في رواية يوسف القعيد »قسمة الغرماء« وعلي هذه الشاكلة، يتطرق المؤلف- نفسه- إلي هذا الملمح، ولكن في رواية »قطار الصعيد« حيث إن رؤيته تقترب من الرؤية السابقة. لكن هذا الملمح يتفاوت من روائي لآخر، فقد رمز إليه إبراهيم عبدالمجيد لكنه لم يعره أدني اهتمام، وسرعان ما تحركت شخصيته متنحية هذا الأمر، كما في رواية »لا أحد ينام في الإسكندرية«. الدين والحب حظيت قضية (الحب) في الرواية المصرية، لاسيما في النصف الأخير من القرن العشرين بنصيب وافر، سواء أكان الرجل قبطياً أم مسلماً، وكلاهما يعشق امرأة علي غير ملته، وتفاوتت رؤية الروائيين حول تحقيق ثمرة هذا الحب بالزواج الرسمي، فبعضهم وضع العقبات والحواجز التي تعوق الزواج، وينتهي الأمر بالمأساة التي يعاني منها الطرفان، وبعضهم ترك الأمر طبيعياً ونلل الصعاب وحقق الزواج، وهذه الجوانب الرومانسية امتزجت بالواقعية عند تشكيل البناء الروائي في معظم الروايات المصرية. ومن الروائيين الذين وضعوا العوائق التي تعوق دون تحقيق هذا الزواج »إحسان عبدالقدوس« في روايته »حائر بين الحلال والحرام« حيث استخدم ضمير الغائب في سرد حالة العشق المتبادل بين قبطي ومسلمة، ومحاولتها الجادة في البحث عن حلول لمشكلاتها، وفي النهاية تقدم علي الانتحار.. ويتكرر ذلك أيضاً في رواية إبراهيم عبدالمجيد »لا أحد ينام في الإسكندرية« لكن رؤية نعيم صبري وهو من الكتّاب الأقباط، تختلف عن الرؤية السابقة في إقبال بطله »سعيد« علي إشهار إسلامه، علي الرغم من التقائه مع القسيس في مديرية الأمن ثلاث مرات، كي يثنيه عن فكرته إلا أنه لم يفلح، ويري الباحث أن محمد جبريل في روايته »الشاطئ الآخر« ممن ذلل الصعاب- أيضاً- أمام أبطاله في قضية الحب والزواج.. أما يوسف إدريس في »الحرام« فقد ترك النهاية مفتوحة، كي يعطي للمتلقي فرصة في إنتاج النص. وإذا كان البناء الروائي قام في تشكيله علي شخصيات سوية اجتماعية تتلمس كل ما هو ديني لتهتدي به، فإن هناك شخصيات علي النقيض- تماماً- ساهمت في إنشاء البناء الروائي لبعض الروايات، ومنها شخصية »أم لولا« التي تلقي بكل شيء عرض الحائط، فهي لا تهتم بالمثاليات، ولا تهتم بأقوال المسيح، وكل ما يعنيها ابتزاز الناس، وتسخر من الآية »الله محبة«، كما في رواية »الذين يحترقون« لنجيب الكيلاني. وأكد البحث أن تجسيد الروائيين للمنظور الأيديولوجي للشخصية القبطية في علاقتها الاجتماعية، بدا موضوعياً، ولم يشطح بعيداً عن معتقداتهم.. إذ أن معظم آرائها وتصوراتها مرتبطة بواقعها ونشأتها وظروف المجتمع الذي تعيش فيه، وربما يرجع ذلك إلي المخزون الثقافي الذي يكمن في ذاكرة بعض الروائيين. الاتجاه السياسي حشد الخطاب الروائي كل المتغيرات التي طرأت علي الساحة السياسية في فترة ما بعد ثورة يوليو، التي ضجت بالصراعات وإشعال الفتن، فقد حرص »أحمد ماضي« في روايته »الظلام الدافئ« أن يرسم شخصيته كما لو أنها ناقد أو محلل سياسي، ولا يخفي علي المتلقي تأثره بأسلوب »هيكل« في »خريف الغضب«. كما ترصد رواية »قسمة الغرماء« ليوسف القعيد، المنظور النفسي لشخصية »ماجد عبود جرجس« إذ أنه يصف مشاعره تجاه عبارة »الإسلام هو الحل« التي تتكرر في كل مكان تقصده عيناه، فيشعر وكأن سهماً صائباً يخترق عينيه. ولم تغفل الرواية المصرية قضايا الأقباط ومشكلاتهم، باعتبارهم صنفاً من صنوف الأدب، الذي يهتم بالواقع والقضايا المعاصرة، ومن ثم عرض »رءوف مسعد« آلام الأقباط مستثمراً ضمير المتكلم الذي يتناسب مع كتابة الرسائل في روايته »مزاج التماسيح« وهي وسيلة مناسبة وفق إليها الكاتب لعرض أبعاد القضية وماضيها الذي يعود إلي بداية النصف الثاني من القرن ال91، وحاضرها واستشراف مستقبلها، وأغلب الظن أن الرسالة تطغي عليها شخصية الكاتب علي الرغم من محاكاتها اللغة اليومية، ربما لأنه يدين بالمسيحية ويؤمن بشفاعة القديسين والأولياء، فإنه وجه الرسالة إلي السيدة زينب لعلها تتشفع للأقباط في كشف الغمة عنهم. وإذا كان »رءوف مسعد« قد التمس الغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية عن طريق كتابة »الرسائل« فإن نعيم صبري- وهو مسيحي أيضاً- يدير حواراً خارجياً بين ثلاثة أشخاص يدينون بالإسلام، يكشف فيه عن رغبتهم في حذف الديانة من البطاقة، وكأنه عمد إلي ذلك ليبدو الأمر موضوعياً، وكأنه يخص المسلمين والأقباط علي حد سواء في روايته »شبرا«. البُعد النفسي للشخصية القبطية أكدت الدراسة أن الجانب النفسي هو الذي يجعل الشخصية تتعايش مع الواقع، وبدونه تبدو الشخصية غامضة وغير واقعية، وهناك وسائل فنية كثيرة يستعين بها الروائي في الكشف عما يدور في أعماق شخصيته، منها المونولوج وتوظيف الملامح الجسدية، وتوظيف مفردات اللغة، والحلم وما به من رغبات نفسية. فنجد أن صنع الله إبراهيم في رواية »شرف« من خلال الحوار الداخلي »المونولوج« ينقل إحساس شخصيته بالحرج من خلال استخدام »ضمير المتكلم« في تصوير حالة رمزي بطرس نصيف، وهو يعبر عما يعتمل في داخله من الإحساس بالخجل والحرج عند خروجه أمام زملائه المسلمين أثناء حصة الدين، وقد مزج الروائي الملامح الداخلية بالحركة الجسدية »مطأطئ الرأس«. أما إدوار الخراط فإنه بدا حيادياً، حيث ترك الأمر لشخصيته كي تعبر عما يجيش في أغوار ذاتها من أفكار ومشاعر، فجاء الحديث ذاتياً مستثمراً ضمير المتكلم، وكأن الخطاب أشبه بخطاب السير الذاتية أو المذكرات الشخصية أو الاعترافات. وقد يهتم الروائي بإبراز الملامح الداخلية للشخصية من خلال تصوير واقعها الداخلي الذي يتكون من مشاعر وأحاسيس وأفكار وتطلعات ورغبات في »مقدمة الجرح« لعبدالحكيم حسان. وقد توظف الصفات الجسمية للتعبير عن الحالة النفسية، الأنوثة الطاغية والمتعطشة- دائماً- للخصوبة، قد تكون سبباً في اقتراف الخطيئة والشعور بالندم والذنب، رواية »قطار الصعيد« ليوسف القعيد. وقد تميل الشخصية القبطية- أحياناً- إلي الانطواء- أي الانعزال عن الآخرين- والتقوقع حول الذات، وعدم الرغبة في إقامة علاقات اجتماعية، وقد ينشأ نتيجة ذلك الشعور بعدم التفاعل بين الفرد وذوات الآخرين ونقص المودة وندرة التعاطف والمشاركة وضعف أواصر المحبة والروابط الاجتماعية مع الآخرين، ربما يكون ذلك راجعاً لعدم التوافق النفسي بين الشخصية وأفراد المجتمع، وهذا ما دفع »شمشون« في رواية »قطار الصعيد« إلي الانعزال عن البشر، ربما لإحساسه بأنه مسيحي يختلف عن أغلبية المجتمع الذي يدين بالإسلام. وخلص الباحث إلي أن المنظور النفسي للشخصية القبطية سواء أكان موضوعياً أم ذاتياً، استطاع أن يكشف مكنونات الشخصية القبطية وأن يسلط الضوء عليها وعلي ما يدور في صدرها، وما يعتمل في خلجات ذاتها من آمال وأحلام وآلام وتطلعات، ومن ثم بدت هذه الشخصية واضحة للعيان، وبدا باطنها كظاهرها، وإن كان الروائيون قد حرصوا علي إبراز إيجابيات الشخصية، فإنهم اعتنوا- أيضاً- بالكشف عن سلبياتهما ومكنونها النفسي الذي تحرص أشد الحرص علي إخفائه حتي لا يطلع عليه أفراد المجتمع، لكن الخطاب الروائي لعب دوراً بارزاً في إظهار هذه الخفايا بحيادية وموضوعية لا تميل إلي النزعة الدينية، سواء أكان هذا الخطاب للروائي المسلم أم المسيحي.