اسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم الثلاثاء    خالد الفالح: 90% من الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة «غير نفطي»    قصف إسرائيلي لساحة مستشفى الشفاء في غزة رغم وقف إطلاق النار    الصين وأمريكا تتوصلان لتوافق مبدئي بشأن تمديد الهدنة التجارية    لافروف: روسيا لا تزال تنتظر الولايات المتحدة لتأكيد مقترحات قمة ألاسكا    مجلس الوزراء يوافق على تعديل مواد في نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج    صلاح يطارد رقمين قياسيين أمام كريستال بالاس    محافظة القاهرة: نعتزم تخصيص خطوط سير للتكاتك بعيدا عن الشوارع والميادين الرئيسية    محافظ الجيزة: نسبة إشغال الفنادق بلغت 100% قبل احتفال المتحف المصري الكبير    الذكاء العربى الجماعى.. من أجل ميلاد جديد للعمل العربى المشترك    مرور مكثف على وحدات الرعاية الأساسية بالمنوفية ومتابعة جاهزية وحدة شوشاي للاعتماد    محافظ القاهرة: المراحل الجديدة من تطوير العتبة قريبا.. وتخصيص 500 مكان للباعة الجائلين    جامعة كفر الشيخ تنظم جلسة تعريفية لتعظيم الاستفادة من مصادر وخدمات بنك المعرفة    كورييري ديلو سبورت: إصابة دي بروين تبعده لمدة قد تصل إلى 4 أشهر    بعد قرار «الأهلي» برفع حدود الإيداع.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وال ATM    عنف التلامذة!    أبو ريدة يفتتح دبلومة التدريب الأفريقية للرخصة «A8»    هل تواجه مصر فقاعة عقارية؟.. رجل أعمال يجيب    مهرجان الأقصر السينمائي يحتفي بمئوية يوسف شاهين.. وجنوب إفريقيا ضيف شرف الدورة 15    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة.. فيديو    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب بحر باندا بإندونيسيا    رئيس المؤسسة العلاجية في جوله تفقديه بمستشفي هليوبوليس    محافظ كفر الشيخ: أسواق اليوم الواحد تضمن وصول السلع للموطنين بأسعار مناسبة    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    التحالف الوطني يستمر فى تدفق شاحنات الدعم الإغاثى إلى قطاع غزة.. صور    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    «صحح مفاهيمك».. أوقاف كفر الشيخ تنظّم فاعليات توعوية بالمدارس    اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا    شوبير ينفي تلقي داري عرضا من ليبيا ويكشف موقف الأهلي من مستقبله    جوارديولا يُشيد ب عمر مرموش قبل مباراة مانشستر سيتي القادمة.. ماذا قال؟    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    طرح أغنية كلكوا فلة ل بوسى والعسيلى من فيلم السادة الأفاضل    غدًا.. انطلاق ملتقى التوظيف الأول لأسر الصحفيين بالتعاون مع «شغلني» بمشاركة 16 شركة    السياحة: استعدادات مكثفة داخل المتحف المصرى الكبير تمهيدا للافتتاح المرتقب    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    وجبة الإفطار مرآة جسمك.. ما لا يخبرك به فقدان الشهية الصباحية عن حالتك الهرمونية والنفسية    محمد عمر: الأهلي والزمالك لن يعترضا علي تأجيل مباريات بيراميدز    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. مصر تبهر العالم في أضخم حدث ثقافي بالقرن الحادي والعشرين    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    اعترافات صادمة لقاتل مقاول كفر الشيخ.. أمه غسلت هدومه من دم الضحية    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة.. وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بياض ساخن: التاريخ الشخصي
كجزء من تاريخ الوطن!
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 01 - 2016

يري البعض أن فكرة "المعادل الموضوعي" objective correlative كما طرحها "إليوت" ربما تكون أصبحت ساذجة أو فلنقل فجة وربما هم محقون إذ تكرر استخدام تلك التقنية وتم تبسيطها في الروايات وفي الدراما التلفزيونية حتي أصبحت "الشخصيات" المنوط بها أن تشكل معادلاً موضوعيًّا "غير موضوعية" في ذاتها، وتواجدها مستحيلا حتي طبقًا لقوانين الاحتمال الأرسطية التي تجاوزها الإبداع الروائي والمسرحي إلي مفاهيم أكثر عمقًا وتعقيدًا.
أعتقد أن رواية "سهير المصادفة" "بياض ساخن" قد راجعت كل تلك القناعات ودحضتها وأعادتنا إلي ركيزة أساسية من ركائز الكتابة الإبداعية وهي في تقديري الكتابة عن "كيف حدث ما حدث؟"، وليس الاكتفاء "بماذا حدث؟" فالأفكار مجانية وموجودة علي قارعة الطريق كما يرددون ولكن طريقة التناول هي التي تصنع الإبداع - وعلينا أن نعترف أن متعاطي الأدب بشكل عام والرواية بشكل خاص أصبحوا أقل عددًا من مبدعيه، من هنا فإن الكاتب إذا فقد قدرته علي توريط هؤلاء القراء المحترفين فسوف يكون مصير العمل الإبداعي سلة المهملات بعد قراءة عدة صفحات فقط، لقد انقرض القاريء المنبهر بأية كتابة، فقراء سهير المصادفة وأحلام مستغانمي وأحمد صبري أبو الفتوح ورضا البهات علي سبيل المثال لا الحصر مختلفون تمامًا عن قراء محمد عبد الحليم عبد الله وطه حسين بل مختلفون عن قراء نجيب محفوظ ويوسف إدريس مع الاعتراف طبعًا بقلة أعدادهم بالنسبة لعدد السكان في الوطن العربي الآن مقارنة بقراء محفوظ وإدريس، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أن الرواية في زمن محفوظ وإدريس ومن سبقهما مباشرة لم تكن تلقي تلك المنافسة الشديدة مع وسائل المتعة والتسلية الأخري والتي تتمثل في كثرة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي وانتشار الفضائيات، إذن فلم يعد الأمر سهلاً بالنسبة للكاتب الروائي وبات عليه أن يبحث عن طريقة قادرة علي توريط القاريء في الرواية بل أستطيع إن أقول أن الرواية لن تحدث إلا بشرط وجود مَن يتخيلها ويعايشها وهو القاريء الذي سيكمل طرفي المعادلة وطبعًا تصبح الرواية أكثر عمقًا وإبداعًا كلما تعددت القراءات بتعدد خبرات ودرجات تورط قرائها فكما أن لكل راو رواية فإن لكل قاريء قراءة.
بياض ساخن (العنوان)
أعترف أنني قد فسرت هذا العنوان تفسيرًا ذكوريًّا قبل قراءة الرواية وربما ساعد غلافها علي ذلك إذ تكون لدي انطباع أن هذا البياض ما هو إلا لحم امرأة تدله في أحضان الرجال وأن الرواية ستنحو منحي "التفسير الأخلاقي" للتاريخ كما يتندر البعض لكن سهير المصادفة كانت تخبئ خلف هذا العنوان المخاتل ما هو أعمق بكثير من سطحية انطباعات رجل شرقي مثلي.
(إن البياض الساخن يتكاثر ويواصل زحفه ليمحو الرجل من علي الستارة وما تكدس من قمامة علي جانبي شارع ضيق في "كرداسة")، هنا يصبح البياض مغايرًا تمامًا للنقاء أو للصفاء في عقول الرومانسيين ومغايرًا أيضًا لانطباعي أنا وأمثالي من سيئ النية.. يصبح البياض مرتبطًا بالعفن أو بالتقيح ومن ثم الموت ولعل اختيار "كرداسة" هنا له دلالته فقد كان دور "البياض" الساخن بارزًا فيها في فترة حكم الإخوان المسلمين.
تقول عبلة: (أتلمس رأسي متسائلة: هل ما زال في مكانه؟ فلماذا إذا لا أشعر بهذا البياض الساخن)؟
هذا البياض الذي يصبح دليلاً علي الشيب أو الموت أو التقيح والذي لا يذكر في الرواية إلا متبوعًا بمشاهد مثل: (عن عاهرات يرتبن في الصباح الباكر أعضاءهن.. عن قوادين مكفهرة وجوههم وغاضبة كمطفأة وحيدة ممتلئة بأعقاب السجائر".
ولنتأمل معًا مشهد موت الخالة "رجاء" ليتأكد ما نذهب إليه من دلالات سلبية "للبياض" بعد أن لدغ العقرب المختبيء تحت طرحة الزفاف "التي هي بالضرورة بيضاء) مخ رجاء تقول لولا: "وهي تمثل النصف العائلي لشخصية عبلة تمامًا مثلما تمثل عبلة النصف المجابه للعالم من الشخصية نفسها":
"طارت الباروكة الصفراء وهربت منها عقرب كبيرة تسعي علي السجادة.. عقرب سوداء تسعي علي أقدامها الثماني، مذعورة تحت ضوء النيون رافعة ذيلها الملوث بدماغ ومخ رجاء "الأبيض"، ليس بعيدًا عن مفهوم سهير المصادفة للبياض. وصف عبلة للرجل الجالس إلي جانبها في مقعد السوبر جيت المتجه للاسكندرية، تقول عبلة: "رجل كل ملامحه بيضاء مدورة وكبيرة".
إن المشاهد من حولها تتشح بالبياض فيختفي البشر بينما عبلة (تتابع زحف البياض الساخن علي ما تبقي من مشاهد).
يمكننا أيضًا أن نضيف هنا ما تقوله "لولا" عن القميص الذي ترتديه عبلة وهي تقف في منتصف شارع صلاح سالم فهو قميص أخضر مزين بأوراق شجر "بيضاء".
إذن لقد أصبح البياض في رواية "سهير المصادفة" معادلاً للموت وللقبح ولتشوه الوجدان وللضياع وفقدان المعني ويمكننا متابعة ذلك حتي تنتهي الصفحات، ولا أملك هنا إلا تذكر الشاعر العظيم أمل دنقل وهو يقول "في أوراق الغرفة 8": "كل هذا البياض يشيع في قلبي العفن .. كل هذا البياض يذكرني بالكفن".
الشكل والمضمون
لم تعد الروايات ذات المضمون المحدد قادرة علي توريط القاريء وجذبه للانخراط في أحداثها لإعادة خلقها في مخيلته وبما أن "التخييل" وهو وظيفة الروائي يحتاج لشاشات عرض هي وجدانات وعقول القراء فإنه بالضرورة لا بدّ أن يكون شكل الرواية ومضمونها متطابقين تمامًا ولهذا في اعتقادي لجأت "سهير المصادفة" في "بياض ساخن" إلي هذا التقسيم العادل في فصول روايتها بين ما يبدو ظاهريًّا أنهما شخصيتان "لولا" و"عبلة" وهما الأختان (النصفان) اللتان تتبادلان الحكي عبر كل فصول الرواية من الفصل الأول حتي التاسع عشر، أما في الفصل العشرين فلقد ألقت لنا "سهير المصادفة" بالمفاجأة وهو ما يفسر للقاريء لماذا تركت "لولا" عبلة فوق سور النادي الأهلي وراحت تتحدث عن كلمة "مهتوته"، وهذا التقسيم يناسب موضوعيًّا حالة "الفصام" التي تعيشها شخصية واحدة هي لولا / وهي عبلة في الوقت نفسه، لولا التي استخدمت كتقنية في تهيئة المشهد الروائي بالحديث عن العائلة والتي بدا أنها family centric تهتم بما يحدث لمجدي أخيها ضابط أمن الدولة الذي دفعته الثورة للهامش وجردته من النفوذ فوجد تعويضًا في شراهة التهام الأطعمة ومن خلال حكي لولا narration نتعرف علي باقي أفراد العائلة: الأب الصعيدي والأم ذات الأصول التركية والعمة فاطمة الحاضرة بقوة رغم غيابها عن المشاهد والتي تجسد عمق الشخصية النسائية الشعبية أو بالأحري المرأة المصرية ممتدة الجذور التي اعتمدت عليها الأمة المصرية في الحفاظ علي ثقافتها وتراثها ومن خلال "لولا" أيضًا سنتعرف علي شخصية "عبلة".. وعبلة ليست سوي "لولا" الخارجة من إطار الأسرة الضيق إلي مجابهة الأسرة الكبيرة أي المجتمع المصري بأسره وفي تقديري أن مشهد التعري يجسد عدم قدرة المجتمع المصري علي تحمل تبعات انفجار تناقضاته مرة واحدة وهو ما حدث إبان ثورة 25 يناير.
ربما يعتقد البعض أن بنية الرواية بسيطة من حيث تقسيمها إلي فصول يتناوب عليها راويان narrators غير أن الأمر في رواية "بياض ساخن" أعمق من هذا التبسيط فرغم أن الزمن الذي يحدث فيه حكي الشخصيتين ربما لا يتجاوز عاما واحدا.. إلا أنه يستدعي تواريخ أبعد بكثير ولقد نجحت "سهير المصادفة" في استحضار بعض مشاهد ذلك الماضي العائلي لكي يصبح لدي القاريء تفسيرًا ل "كيف حدث ما حدث"؟ وهو الجانب الذي يميز الروايات الجديرة بالقراءة عن غيرها من الروايات الذهنية التي تفشل في خلق شخصيات حقيقية من لحم ودم وقابلة للوجود ولها تاريخ شخصي يبرر مواقفها الحالية.
الفكرة theme
قصدت طبعًا أن أضع المصطلح الإنجليزي هنا لكي يفهم القاريء أنني أعني "تيمة العمل الروائي" بمعني ما هي الفكرة التي كانت وراء الكتابة؟ وهو سؤال مشروع للناقد وللقاريء علي حد سواء ولكنه ربما يكون سؤالاً مزعجًا للكاتب، إذ درج الكثير من النقاد علي نقيصتين: إما تحميل العمل ما ليس فيه أو تجاهل منابع رؤية الكاتب أو الجهل بها ومن الجيد طبعًا أن نحمد لتطور الكتابة الإبداعية أنها لم تعد قابلة للتطويع الذهني لكي تندرج موضوعاتها تحت عنوان واحد مثل: "الخيانة الزوجية" أو "أهمية تحرير المرأة" أو "بشاعة الفقر". لم تعد المسألة بهذه السذاجة وهذا طبعًا لا يعني أن الأعمال الكلاسيكية والتراجيديات العظيمة كانت ساذجة، فبالرغم من محدودية "مواضيعها" إلا أن طريقة "كيفية التناول قد منحتها حياة خالدة" فالكاتب المبدع ستفجر كتابته قضايا متعددة ربما لم تدر بخاطره هو نفسه أثناء الكتابة ولكن لكونه مثقفًا عضويًّا مرتبطًا بالحياة ومهمومًا بقضية الإنسان فسوف تكون كتابته موحية ومتعددة التفسيرات والدلالات.
هل يمكن أن نختصر "دي اتش لورانس" في موضوعه "العشق والجنس"؟ إن رواية كثر ابتذالها "كعشيق الليدي تشاترلي" المليئة بالمشاهد الشبقية هي بالغة الدلالة علي عقم الأرستقراطية وعجزها عن طرح مشروع للحياة، هذا علي الرغم من خلوها من تلك النبرة السياسية الزاعقة، من هنا فسوف لا نستطيع أن نفصل رواية "سهير المصادفة" عن "سهير المصادفة" نفسها من حيث كونها قادرة علي إقامة تناصات intertextuality مع كاتبات كبيرات كفيرجينيا وولف "الأمواج" وتحديدًا في فكرة الانتحار غرقًا أو إشارات دالة لجوستاف فولبير "مدام بوفاري" أو الفنان فرانسوا بوشيه في لوحته الشهيرة "مدام دي بمبادور"، كل تلك الإشارات جاءت في سياق طبيعي لتخدم السياق الذي تضعنا فيه "سهير المصادفة" ولم تكن نتوءات تشكل عبئًا علي السرد هذا فضلاً عن ثقافتها الواسعة وانحيازها لقضايا العدل والحرية وقضية الإنسان بشكل عام وهي ركائز ضرورية لكل مَن يتصدي لكتابة رواية فليس مقبولاً أن يكتب المرء عن أشياء لا يعرفها بمعني أن الموهبة وحدها ليست كافية ولا سيما في "الكتابة الروائية".
ومن هنا يصبح نصها الروائي الخاص "بياض ساخن" دالاً علي نص الحياة العام في مصر وتصبح الفترة التي احتلت الزمن الخارجي للحكي علي محدوديتها دالة علي أزمنة أبعد ومهمومة بأزمنة ستأتي، كما يصبح التاريخ الشخصي وثيق الصلة بتاريخ الوطن بأكمله والمرض النفسي انعكاسًا للخلل الاجتماعي ومن هنا ستطرح روايتها ما لا يمكن حصره من قضايا بشكل طبيعي لا يعكس لا هتافات ولا طنطنات سياسية فجة. هل عثرتم في "بياض ساخن" علي أية "شعارات؟" ولو في سياق طبيعي؟
لقد أرادت "سهير المصادفة" أن يكون تجسيد الخيبات وتشخيصها تعبيرًا عن كل ذلك لكي تصبح روايتها موحية وعابرة للآني والمؤقت، طالما بقي البياض الساخن يهدد الحياة في هذا العالم، ولنتأمل هذا المقتطف الدال من الفصل العشرين:
(يتكاثف البياض عندما أبدأ في انتقاد كل شيء حولي، ثمة علاقة بين زحف البياض وارتفاع درجة سخونته بداخل مخي وبين حدة انتباهي للتفاصيل وعدم مسامحتها أو السماح لها أن تمر بسلام".
هذه هي دافعية الكتابة ولا يهم بعد ذلك إن كانت الشخصيات التي تحدثت عنهم مثل "لولا" و"عبلة" موجودة بالفعل في الواقع الحقيقي للشخصية ذات الصوتين أو أن كل تلك الشخوص كانت تهيؤات أنتجها جنون المجتمع الذي انبجست من خلاله كل تجليات الفوضي والهذيان بداية من مشاكل القمامة وقبح المباني وانتهاك الخصوصيات مرورًا بالقهر الطبقي والقمع الذكوري "سيد وفاطمة" والاغتراب عن الذات الذي يجعلها تلقي حتفها "موت رجاء" وادعاء المعرفة الذي يجعل من عبارة "لا أعرف" عارًا والتدين الشكلي الذي يتشفي في الفضائح واستغلال السياح الجنسي للمصريين والمصريات والسينما الهابطة والتحول بعد الهزيمة والتبعية والانفتاح وحتي اختطاف ثورة يناير من قبل الإخوان.
للوجود ولها تاريخ شخصي يبرر مواقفها الحالية.
الفكرة theme
قصدت طبعًا أن أضع المصطلح الإنجليزي هنا لكي يفهم القاريء أنني أعني "تيمة العمل الروائي" بمعني ما هي الفكرة التي كانت وراء الكتابة؟ وهو سؤال مشروع للناقد وللقاريء علي حد سواء ولكنه ربما يكون سؤالاً مزعجًا للكاتب، إذ درج الكثير من النقاد علي نقيصتين: إما تحميل العمل ما ليس فيه أو تجاهل منابع رؤية الكاتب أو الجهل بها ومن الجيد طبعًا أن نحمد لتطور الكتابة الإبداعية أنها لم تعد قابلة للتطويع الذهني لكي تندرج موضوعاتها تحت عنوان واحد مثل: "الخيانة الزوجية" أو "أهمية تحرير المرأة" أو "بشاعة الفقر". لم تعد المسألة بهذه السذاجة وهذا طبعًا لا يعني أن الأعمال الكلاسيكية والتراجيديات العظيمة كانت ساذجة، فبالرغم من محدودية "مواضيعها" إلا أن طريقة "كيفية التناول قد منحتها حياة خالدة" فالكاتب المبدع ستفجر كتابته قضايا متعددة ربما لم تدر بخاطره هو نفسه أثناء الكتابة ولكن لكونه مثقفًا عضويًّا مرتبطًا بالحياة ومهمومًا بقضية الإنسان فسوف تكون كتابته موحية ومتعددة التفسيرات والدلالات.
هل يمكن أن نختصر "دي اتش لورانس" في موضوعه "العشق والجنس"؟ إن رواية كثر ابتذالها "كعشيق الليدي تشاترلي" المليئة بالمشاهد الشبقية هي بالغة الدلالة علي عقم الأرستقراطية وعجزها عن طرح مشروع للحياة، هذا علي الرغم من خلوها من تلك النبرة السياسية الزاعقة، من هنا فسوف لا نستطيع أن نفصل رواية "سهير المصادفة" عن "سهير المصادفة" نفسها من حيث كونها قادرة علي إقامة تناصات intertextuality مع كاتبات كبيرات كفيرجينيا وولف "الأمواج" وتحديدًا في فكرة الانتحار غرقًا أو إشارات دالة لجوستاف فولبير "مدام بوفاري" أو الفنان فرانسوا بوشيه في لوحته الشهيرة "مدام دي بمبادور"، كل تلك الإشارات جاءت في سياق طبيعي لتخدم السياق الذي تضعنا فيه "سهير المصادفة" ولم تكن نتوءات تشكل عبئًا علي السرد هذا فضلاً عن ثقافتها الواسعة وانحيازها لقضايا العدل والحرية وقضية الإنسان بشكل عام وهي ركائز ضرورية لكل مَن يتصدي لكتابة رواية فليس مقبولاً أن يكتب المرء عن أشياء لا يعرفها بمعني أن الموهبة وحدها ليست كافية ولا سيما في "الكتابة الروائية".
ومن هنا يصبح نصها الروائي الخاص "بياض ساخن" دالاً علي نص الحياة العام في مصر وتصبح الفترة التي احتلت الزمن الخارجي للحكي علي محدوديتها دالة علي أزمنة أبعد ومهمومة بأزمنة ستأتي، كما يصبح التاريخ الشخصي وثيق الصلة بتاريخ الوطن بأكمله والمرض النفسي انعكاسًا للخلل الاجتماعي ومن هنا ستطرح روايتها ما لا يمكن حصره من قضايا بشكل طبيعي لا يعكس لا هتافات ولا طنطنات سياسية فجة. هل عثرتم في "بياض ساخن" علي أية "شعارات؟" ولو في سياق طبيعي؟
لقد أرادت "سهير المصادفة" أن يكون تجسيد الخيبات وتشخيصها تعبيرًا عن كل ذلك لكي تصبح روايتها موحية وعابرة للآني والمؤقت، طالما بقي البياض الساخن يهدد الحياة في هذا العالم، ولنتأمل هذا المقتطف الدال من الفصل العشرين:
»يتكاثف البياض عندما أبدأ في انتقاد كل شيء حولي، ثمة علاقة بين زحف البياض وارتفاع درجة سخونته بداخل مخي وبين حدة انتباهي للتفاصيل وعدم مسامحتها أو السماح لها أن تمر بسلام".
هذه هي دافعية الكتابة ولا يهم بعد ذلك إن كانت الشخصيات التي تحدثت عنهم مثل "لولا" و"عبلة" موجودة بالفعل في الواقع الحقيقي للشخصية ذات الصوتين أو أن كل تلك الشخوص كانت تهيؤات أنتجها جنون المجتمع الذي انبجست من خلاله كل تجليات الفوضي والهذيان بداية من مشاكل القمامة وقبح المباني وانتهاك الخصوصيات مرورًا بالقهر الطبقي والقمع الذكوري "سيد وفاطمة" والاغتراب عن الذات الذي يجعلها تلقي حتفها "موت رجاء" وادعاء المعرفة الذي يجعل من عبارة "لا أعرف" عارًا والتدين الشكلي الذي يتشفي في الفضائح واستغلال السياح الجنسي للمصريين والمصريات والسينما الهابطة والتحول بعد الهزيمة والتبعية والانفتاح وحتي اختطاف ثورة يناير من قبل الإخوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.