تتأمل بحرص شديد أفعال الناس وتحركاتهم، ثم تبحث عن تفسير مقنع لما يدور فى الحياة من هنات البشر وأخطائهم المتكررة ربما فى المواقف نفسها، وبعد أن يداهمها التعب تنزوى فى مكتبها المنزلى تُفرغ ما جمعته من وجوه الناس وملامح البشر فى عمل أدبى ممتع.. لا تحاكيهم بل تستنطقهم على الورق، فى شخوص تنسجها الروائية (سهير المصادفة) بمنوالها الأدبى الرفيع حكاية شعب.. حكاية رجل أو امرأة.. حكاية إنسان بسيط بكل ما فيها من آلام وأحلام وأحزان وأفراح.. هى توجد حالة مصارحة مع النفس، كاشفة عورات البشر الذين يخشون خوض تجربة علاج الداء خوفا من مُر الدواء.
نعم.. عليَّ أن أقتلها، أعني أن أقتله، هذا الوحش الذي يعربد ويرعى في دمائها.. أنظر في عينيها العسليتين اللامعتين ببريقٍ غريبٍ، بالتأكيد هو بريق هذا الوحش.. أقترب منها بحذرٍ ثم أقبضُ بكلتا يديَّ على رقبتها التي ما زالت بيضاء وملفوفة وشامخة، كنا ونحن مراهقون نُسميها رقبة وردة الجزائرية، أندهش حين لا تقاوم (عبلة) يديَّ، بل تُخرج لسانها الأحمر الطويل المقزز في وجهي بسخرية كأنها ماتت بالفعل باسفكسيا الخنق.. تجعل الدماء تفور في عروقي فأضغط بيديَّ أكثر وأكثر، وأظلّ أضغط وأضغط وحبَّات العرق تتساقطُ من جبيني، كنت سأستمرُّ هكذا إلى أن تقع تحت قدميَّ جثة هامدة وأرتاح من عارها إلى الأبد، فقط لو أن لي يدين قويتين! فقط لو لم يخلّص (مجدي) رقبتها من يديَّ ويضعهما إلى جواري، ويقودني لأجلس على الكرسي.
هكذا ترسم الروائية سهير المصادفة، المشهد السابق بلغتها الأدبية الفريدة فى روايتها الجديدة (بياض ساخن) الصادرة عن (الدار المصرية اللبنانية).. تحدث القارئ وكأنها تجلس بجواره تحاكيه، ثم تترك له تخيل المشهد بكل جوانبه، بعد أن وضعت بين يديه أدق تفاصيل الحكاية.. تدور أحداث (بياض ساخن) بين الفترة 2012 وبداية 2013، وتروى سيرة بطلة مريضة بالفصام ولديها ثلاثة أولاد، تجوب شوارع مصر للبحث عن نفسها وعن أولادها، وعن هوية وطن تاهت بين ضجيج وصخب الآلة الإعلامية والكره الصريح لكل من يخالف الآخر فى رأيه.
سهير المصادفة.. كاتبة وشاعرة وروائية، بدأت رحلتها مع الكتابة كشاعرة منذ المرحلة الثانوية، وصدرت لها مجموعتان شعريتان هما (هجوم وديع)، و(فتاة تجرب حتفها)، ثم اتجهت للسرد فكانت روايتها الأولى (لهو الأبالسة) الصادرة عام 2003 إعلانا عن روائية مبدعة تكتب بلغة شعرية أدبا من نوع خاص، وتوالت أعمالها الروائية فأصدرت رواية (ميس إيجيبت)، و(رحلة الضباع)، ولها العديد من كتب الأطفال تأليفًا وترجمة.. حصلت على العديد من الجوائز الأدبية وشهادات التكريم من مصر والعالم العربي أهمها: جائزة أندية فتيات الشارقة للشعر عن مجموعة (فتاة تجرب حتفها) عام1999، وجائزة أفضل رواية عن روايتها (لهو الأبالسة) من اتحاد كتاب مصر عام2005 . [email protected] لمزيد من مقالات على جاد