بعد غلق التسجيل اليوم.. متى تعلن نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025؟    «التعليم العالي»: اليوم الفرصة الأخيرة لتنسيق المرحلة الثانية    قروض السلع المعمرة بفائدة 26%.. البنوك تتدخل لتخفيف أعباء الصيف    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال يوليو    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «بيت التمويل الكويتى- مصر» يطلق المدفوعات اللحظية عبر الإنترنت والموبايل البنكي    تعرف على أعلى شهادة ادخار في البنوك المصرية    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لانتهاء التسهيلات الضريبية    حقائق جديدة حول اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل يكشفها وزير البترول الأسبق    إعلام فلسطيني: قصف إسرائيلي يستهدف خان يونس وشرق غزة ومخيم النصيرات    صواريخ مصرية- إيرانية متبادلة في جامعة القاهرة! (الحلقة الأخيرة)    إن بي سي نيوز: البيت الأبيض يبحث دعوة زيلينسكي لزيارة "ألاسكا"    مصادر مطلعة: مصر تبحث «صفقة شاملة» لوقف النار في غزة    البحرين ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا برعاية أمريكية    موعد مباراة الأهلي المقبلة في الدوري بعد التعادل أمام مودرن سبورت    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    " مركز معايا ".. تفاصيل مشاهدة زيزو وحكم مباراة الأهلي ومودرن سبورت (فيديو)    أمير هشام: الأهلي ظهر بشكل عشوائي أمام مودرن.. وأخطاء ريبيرو وراء التعادل    20 صفقة تدعم كهرباء الإسماعيلية قبل بداية مشواره في الدوري الممتاز    موعد مباراة الهلال ضد آراو الودية.. القنوات الناقلة والمعلق    ننشر أسماء المصابين في حريق محلات شبرا الخيمة    طقس مصر اليوم.. ارتفاع جديد في درجات الحرارة اليوم الأحد.. والقاهرة تسجل 38 درجة    بحضور جماهيري كامل العدد.. حفلا غنائيًا ل "حمزة نمرة" بمكتبة الإسكندرية    لهذا السبب.... هشام جمال يتصدر تريند جوجل    التفاصيل الكاملة ل لقاء اشرف زكي مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية    لا تبخل على صحتك.. حظك اليوم برج الدلو 10 أغسطس    محمود العزازي يرد على تامر عبدالمنعم: «وعهد الله ما حصل» (تفاصيل)    شيخ الأزهر يلتقي الطلاب الوافدين الدارسين بمدرسة «الإمام الطيب»    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    من غير جراحة.. 5 خطوات فعالة للعلاج من سلس البول    يعاني ولا يستطيع التعبير.. كيف يمكن لك حماية حيوانك الأليف خلال ارتفاع درجات الحرارة؟    الشرطة البريطانية تعتقل أكثر من 470 مناصرا لحركة "فلسطين أكشن" (صور)    دعاء الفجر يجلب التوفيق والبركة في الرزق والعمر والعمل    مصدر طبي بالمنيا ينفي الشائعات حول إصابة سيدة دلجا بفيروس غامض    مصرع وإصابة طفلين سقطت عليهما بلكونة منزل بكفر الدوار بالبحيرة    مراد مكرم: تربيت على أن مناداة المرأة باسمها في مكان عام عيب.. والهجوم عليَ كان مقصودا    وزير العمل: غرامة تصل إلى 200 ألف جنيه للأجنبي الذي يعمل بدون تصريح بدءا من سبتمبر    خالد الجندي: أعدت شقة إيجار قديم ب3 جنيهات ونصف لصاحبها تطبيقا للقرآن الكريم    مصادر طبية بغزة: استشهاد أكثر من 50 فلسطينيًا 40 منهم من منتظري المساعدات    طلاب مدرسة الإمام الطيب: لقاء شيخ الأزهر خير دافع لنا لمواصلة التفوق.. ونصائحه ستظل نبراسا يضيء لنا الطريق    حكيمي: أستحق حصد الكرة الذهبية.. وتحقيق الإحصائيات كمدافع أصعب كثيرا    القبض على بلوجر في دمياط بتهمة التعدي على قيم المجتمع    جنايات مستأنف إرهاب تنظر مرافعة «الخلية الإعلامية».. اليوم    هل هناك مد لتسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثانية؟.. مكتب التنسيق يجيب    أندريه زكي يفتتح مبنى الكنيسة الإنجيلية بنزلة أسمنت في المنيا    سهام فودة تكتب: أسواق النميمة الرقمية.. فراغ يحرق الأرواح    ترامب يعين «تامي بروس» نائبة لممثل أمريكا في الأمم المتحدة    أمين الجامعات الخاصة: عملية القبول في الجامعات الأهلية والخاصة تتم بتنسيق مركزي    "حب من طرف واحد ".. زوجة النني الثانية توجه له رسالة لهذا السبب    منها محل كشري شهير.. تفاصيل حريق بمحيط المؤسسة فى شبرا الخيمة -صور    يسري جبر: "الباء" ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    نرمين الفقي بفستان أنيق وكارولين عزمي على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    توقف مترو الأنفاق وإصابة 4 أشخاص.. تفاصيل حريق محلات شبرا الخيمة -آخر تحديث    ما تأثير ممارسة النشاط البدني على مرضى باركنسون؟    أفضل وصفات لعلاج حرقان المعدة بعد الأكل    أفضل طرق لتخزين البطاطس وضمان بقائها طازجة لفترة أطول    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بشكاوى تداعيات ارتفاع الحرارة في بعض الفترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 12 - 2015

عندما تركت منزلها في الصباح الباكر، لم تكن تعلم وجهتها بالتحديد. منظمو المؤتمر فاتهم تحديد مكان انعقاده في بطاقة الدعوة. إعتذروا عن هذا الخطأ في مكالمة هاتفية،أخبروها باسم الفندق الكبير. فكرت أن تعاود الإتصال بالمكتب الإقليمي المنظم للتأكد من العنوان. كانت علي عجل، فضلت الاعتماد علي ذاكرتها. هو الماريوت بالتأكيد، علي بعد خطوات من مقرهم بالقاهرة. استراحت لهذا التفسير، توجهت الي الجزيرة الأنيقة، وصلت الي الفندق، ركنت سيارتها في الجراج، هرعت الي مكتب الإستعلامات. كان هناك مؤتمر بالفعل. سيدات و رجال يرتدون حلات سوداء، ترتسم علي وجوههم الجدية، يمشون بزهو، يحملون حقائب مماثلة و تتدلي من أعناقهم شرائط ملونة تحمل كارتا صغيرا خط عليه بياناتهم ليسهل التعرف عليهم، يهرولون تجاه جهة، خمنت أنها تؤدي الي القاعة الرئيسية. إختفوا عن أنظارها في لمح البصر. هل رأتهم بالفعل، أم كانت مجرد تهيؤات. تجاوزت الساعة التاسعة، تأخرت علي الجلسة الإفتتاحية، لا يهم، فكل ما يقال فيها قوالب محفوظة مكررة غير ذات أهمية. وصف لها موظف الإستقبال مكان إنعقاد الجلسات. عليها إجتياز البهو الرئيسي و من ثم تتجه شمالا نحو المصاعد ليحملها أحدهم للدور الاول. في نهاية المطاف، وجدت نفسها أمام درج رخامي. عادت أدراجها للموظف، نصحها ببرود و نفاذ صبر، أن تصعد علي الدرج، سألته بعصبية لماذا لم يقل هذا من االبداية. لا فائدة من الجدل في مواجهة غياب الدقة. كان الدرج يؤدي الي صالات فسيحة، تغطيها سجاجيد وثيرة، شعرت بدغدغة لذيذة و أقدامها تنغرس فيها. لم تجد أي مكتب للتسجيل أمام الأبواب المغلقة. تلكأت أمام مناضد صفت عليها مستلزمات الشاي و القهوة و أطباق ممتلئة بشتي أنواع الفطائر استعدادا للإستراحة.الساعة التاسعة و النصف، الجلسة الافتتاحية مملة ويقال فيها كلام مرسل، صبت لنفسها فنجانا من القهوة، خرجت الي الشرفة للإستمتاع بأشعة الشمس الدافئة و تدخين أهم سيجارة في اليوم . عندما عادت الي البهو، كانت الساعة قاربت العاشرة، فتحت كل الأبواب المغلقة، و انطلق منها جمع غفير هجم علي طاولات الطعام، ابتعدت مسرعة قبل ان تدهس تحت اقدامهم. ما كل تلك الوجوه الغريبة، لم تتعرف علي أحد منهم، أتكون أخطأت المكان؟ عادت أدراجها الي الاستقبال، أخرج الموظف السمج قائمة بالفعاليات التي تعقد بالفندق في هذا اليوم، لم يكن بينها مؤتمرها. صاحت مستنكرة لماذا لم تقل هذا من قبل، كانت ما زالت غير مصدقة، نصحها بالذهاب الي غرفة العمليات في البدروم. أطلعوها هناك علي نفس القائمة، تأكدت من الخطأ الذي وقعت فيه. الساعة العاشرة و النصف، جلستها تبدأ في الحادية عشرة. إتصلت بالمكتب الإقليمي، أخبروها إن مكان إنعقاد المؤتمر في فندق المريديان. كانت متأكدة أنه يبدأ بحرف الميم. أسرعت الي سيارتها، توجهت الي مكان الفندق القابع علي ضفاف النيل. عندما دلفت الي البهو، لم يكن هناك ما يشير الي وجود فاعلية هامة في هذا المكان. بدأت الشكوك تساورها، تأكدت لما أخبرها موظف الاستقبال بخلو الفندق من أي مؤتمر اليوم. سقط الأمر في يدها، تجاوزت الساعة الحادية عشرة، ضاعت منها الجلسة التي ترأسها. عاودت الأتصال بالمنظمين، للتأكد من العنوان، كان بالفعل فندق الميريديان الثاني، في المدينة الجديدة علي بعد أربعين كيلومترا من مركز العاصمة. يا إلهي، كيف ستصل اليه؟، يجب أن تستأجر سيارة، فهي تخشي القيادة علي الطرق السريعة. توجهت ساهمة نحو باب الخروج حيث تصطف سيارات الأجرة. إصطدمت بشخص كان يدلف الي الداخل، قبل أن تهم بالإعتذار، صرخت مهللة باسم صديق طفولة قديم لم تره منذ دهر. تراجع الي الخلف، نظر اليها مليا، نطق اسمها عدة مرات، تعانقا، انفصلا، تماسكت أياديهم. قصت عليه ما حدث، استمع اليها و هو يضحك مرددا لم تتغيري كثيرا. طمأنها، وعدها باصطحابها الي الفندق البعيد بعد الغذاء. لم لا، انتصف النهار، تخلفت عن جلستها، لا جديد يقال في تلك المؤتمرات. جلسا في التراس المطل علي النهر، تحدثا كثيرا، محاولين تكثيف أحداث ربع قرن في ساعتين من الزمن.. إنصرفا في الثانية ظهرا، بدأت رحلة الخروج الي الصحراء.
تعانقت و صديقها عند العصر أمام فندق الميريديان تو، تبادلا أرقام هواتفهما للتواصل فيما بعد يعلمان تماماً أن الصدفة فقط ستجمعهما مرة أخري. وحيدة هي الآن، أمام هذا الصرح المعماري الحديث، الواقف وسط الصحراء الشاسعة في تضاد تام مع محيطه . لا أثر لحياة في هذ الربع الخالي. أين الحافلات التي نقلت الحضور؟ إنتابتها رعشة خفيفة رغم حرارة الجو. توجهت بتوجس نحو المدخل، دلفت الي البهو ذو السقف شامخ الارتفاع. سيطر الخواء علي هذا المكان الخالي من البشر، عدا هذا الموظف البائس النائم خلف مكتب الاستقبال الدائري. توجهت اليه حائرة، مترددة، ألقت عليه التحية، إنتفض من سباته العميق، نظر اليها بدهشة و ريبة. سألته عن المؤتمر. قال إنه تسلم ورديته منذ عشر دقائق، لا يعلم أي شيء عن هذا الحدث. طلبت منه أن يحادث زميله ليسأله. قال: أن رصيده نفذ ولا توجد خطوط أرضية في المدينة. أضاف: الفندق لا يعمل منذ إفتتاحه، ربما يغلق الي الأبد. نزلت الجملة الأخيرة علي رأسها كالصاعقة. أخرجت محمولها بعصبية، إتصلت بالمكتب الإقليمي، جاءها صوت أسطوانة مشروخة :.الهاتف الذي طلبته غير متاح، حاول الإتصال في وقت لاحق . قبل أن تدير رقما آخر، إتشحت شاشة محمولها بالسواد معلنة عن وفاة الشحن و الشمس تستعد للرحيل ساحبة معها ضوء النهار. عليها الآن إيجاد وسيلة للعودة للقاهرة بأي شكل. هل هناك مواصلات؟ ظهرت علامات التعجب علي وجه الموظف، رد باقتضاب: الصباح رباح. أرادت ان تقول شيئا، لم يصل صوتها الي أذنيها، أصيبت بالبكم لعدة ثوان... سمعت صوتا يأتي من بئر عميق يتساءل: هل هناك غرف خالية في الفندق؟ فتح الموظف دفترا عتيقا لا يليق بفندق كبير يحمل اسم شركة عالمية. أخذ أصبعه يتجول علي الصفحات بتؤدة، تتتبعه بترقب قلق. مرت عدة دقائق كالدهر. رفع الموظف رأسه، إنفرجت أساريره و هو يزف اليها خبر وجود آخر غرفة خالية..هكذا، في فندق علي وشك الإغلاق! تظاهرت بالفرحة، دفعت له الليلة مقدما، أخذت مفتاح الغرفة 1161 في الطابق الحادي عشر. تنفست الصعداء لوجود مصعد يعمل. فتحت باب غرفتها بعد المرور في ممر مظلم و موحش. إرتمت علي الفراش بملابسها. نظرت الي السقف، تخيلت قلق إخوتها و أصدقائها من صمت كل هواتفها. سيبحثون عنها في كل مكان، سيقومون بإبلاغ الشرطة، ستتحري عن تحركاتها منذ الصباح و تتوصل لمكانها. سيطرق أحدهم باب غرفتها و يتم إنتشالها من هذا العالم الكابوسي. همت بفتح التلفزيون لتتجول بين القنوات علها تجد نداء يخصها. دارت بنظرها في الغرفة، لم تقع علي أي جهاز يمكنه أن يفي بالغرض. هبت مذعورة ، أزاحت الستائر، كانت تخفي حائطا مصمتا...إنهارت علي الفراش بيأس شديد كيف ستحتمل الساعات التي تفصلها عن صباح اليوم التالي و هي معزولة عن العالم الخارجي و سجينة في غرفة بدون نوافذ؟
لا تتذكر متي هاجمها النعاس. إستيقظت كعادتها في الفجر، كادت تنسي مصيبتها و الماء ينساب علي جسدها و ينعشها. إرتدت ملابسها علي عجل، هرعت الي باب الخروج، استوقفها صوت موظف الإستقبال، إستدارت ، أشار اليها بالإقتراب. خفض صوته و هو يقول أن فريقا من شرطة الاستقصاء سأل عنها بالأمس إثرصعودها الي غرفتها و لكنه أنكر وجودها تماماً . فغرت فاهها ، تأهبت للإنقضاض عليه، أوقفها بحركةً من ذراعه و هو يصيح بها أن هيئتها المضطربة عند وصولها الفندق و إدعائها وجود مؤتمر في هذا المكان المجهول جعله يشك أنها هاربة من العدالة و تريد أن تختفي في هذا المكان. إستطرد قائلا انه أشفق عليها، لم يكن ليسلمها لمن يكن لهم كراهية شديدة . نظرت اليه باستغراب و إمتنان، شكرته، إنصرفت مسرعة.
كان الضباب يلف الصحراء، تتساقط قطرات الندي علي شعرها و تبلله.تنسيها جدب البيداء. أخذت تمشي بدون هدي، شاقة طريقها عبر غلاف رمادي طمس معالم الطريق. فجأة سمعت هدير محرك. توقفت عن السير، لمحت طيف دراجة نارية عليها كتلة ضخمة لم تتبين معالمها. أخذت تصرخ بكل ما أوتيت من قوة، هدأت الدراجة من سرعتها، توقفت علي مقربة منها، كان يقودها رجل ذي بنية ضخمة كمصارعي الأمبراطورية الرومانية، حليق الرأس، تتدلي علي صدره ذقن مشعثة، يتوسط جبهته نتوء بارز، يرتدي جلبابا أبيض قصيرا و سترة إفرنجية. ألقت عليه تحية الصباح، رد بالسلام، قالت أنها تائهة وتبحث عن وسيلة مواصلات تخرجها من المدينة الصحراوية. قال ان تلك وجهته، دعاها للركوب خلفه، كان مخزون دهشتها قد نفذ من فرط ما رأت، قفزت خلفه و هي تردد بارك الله فيك ، تشبثت بسترته، إ نطلق و هو يستعيذ بالله من الشيطان.
بعد نصف ساعة، وصلا الي مشارف المدينة حيث موقف لعربات المايكروباس. حاولت إعطاء منقذها بعض النقود، رفض بإباء و دعا لها بالهداية.
إكتمل النصاب في العربة التي استقلتها، حرصت علي الجلوس في الصف الأمامي، وضعت حيبتها علي المقعد المتاخم لها، درءا
لشر التحرش. تحركت الحافلة، شاهدت من النافذة صبيا يحمل رزمة جرائد، سمعته ينادي: إقرأ خبر إختفاء الدكتورة، خبر إختفاء الدكتورة.... في نفس اللحظة، ًفرد كل الركاب جرائد لا تعرف أين كانوا يخفونها. إشرأبت بعنقها للتلصص علي جريدة جارها، تراجعت كاتمة شهقة كادت تفلت منها؛ صورتها في الصفحة الاولي مذيلة بخبر إختفائها في ظروف غامضة. لاحظ جارها تطفلها، أزاح الجريدة، نظر اليها، ثم الي الجريدة، قلّده الركاب، طووا الجرائد بشكل جماعي، قاموا من مقاعدهم ، أخذوا يقتربون منها ببطئ مادين أياديهم تجاهها و هم يكبرون، تراجعت بهلع حتي كادت تجلس علي حجر السائق. صرخت فيه ليتوقف، هددته بالقفز من النافذة. توقفت الحافلة، نزلت منها و هي تنتفض من الرعب. حالفها الحظ بوجود تاكسي، ألقت بنفسها علي المقعد الخلفي و هي ما زالت تنهج من الإنفعال. أخذت تهدأ رويدا رويدا و هي تتعرف علي معالم مدينتها، خَيل اليها انها تركتها منذ ازل. نقدت السائق ضعف المبلغ المحدد، توجهت الي باب البناية التي تقيم في إحدي شققها.
لم يكن الحارس قد استيقظ بعد، حملها المصعد الي الدور الخامس، فتحت الباب، شاهدت الخادمة نائمة علي أريكة في البهو، تعجبت متسائلة ، منذ متي تنام الخادمة في منزلها، و في غيابها! ربتت علي ظهرها، فتحت عينيها، هبت صارخة بفرح ، أخذتها بين ذراعيها. ظهر أخوها في آخر الطرقة، توالي خروج الأخوات و أزواجهم من غرف المنزل، أحاطوها بمظاهرة حب، أخذوا يتكلمون في آن واحد، يطرحون عليها عشرات الأسئلة، قصت عليهم سريعا ما حدث، شكرتهم بتأثر لمجيئهم، إستأذنت للذهاب الي العمل، قبل ان تغادر المنزل، أخذت شاحن المحمول.
كان السائق ينتظرها أمام البناية، ألقت عليه التحية، رد بشكل ميكانيكي ككل صباح، كإن شيئا لم يحدث. وصلت الي الجامعة. الحوش خالي من الطلبة، يتابعون بالتأكيد محاضراتهم في القاعات المغلقة. قابلت إحدي زميلاتها أمام المصعد، إبتسمت في وجهها دون أي تعليق. عجبا ألم تقرأ الجرائد؟ ألم يصلهم خبر إختفائها؟ سألتها إذا كانت شاركت في فعاليات المؤتمر بالأمس. هزت كتفيها قائلة، إنها لم تتلق أية دعوة بهذا الشأن، ثم عاتبتها لتغيبها عن مجلس القسم . قبل أن ترد عليها، وصل المصعد الي الدور الذي يوجد به مكتبها، هرولت اليه و أغلقت الباب. أعادت الحياة الي محمولها. علي عكس ما توقعت، كان صندوق البريد خالي من الرسائل. وقعت عيناها علي مفكرتها، يا الله ! بحثت عنها في كل مكان في المنزل بالأمس. فتحتها بقلق، لم تجد فيها أية إشارة الي أية فاعلية علمية حتي نهاية العام، فقط مواعيد محاضراتها الأسبوعية، و أخري غير ذات أهمية. أغلقتها بهدوء و هي تشعر بالدوار. أعاد اليها إتزانها رنين الهاتف، جائها صوت مسؤولة المكتب الإقليمي، ذكرتها بأدب أنهم في إنتظار تقرير تحكيم أبحاث بعثت بها اليها منذ عدة أسابيع، خاصة بمؤتمر مزمع عقده في العام المقبل.... في فندق جديد في مدينة من المدن الصحراوية حول القاهرة... يدور حول نفس موضوع مؤتمر الأمس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.