وصل المصعد الي الدور السادس. فتح الباب ودخل أبونا المصعد مشيعاً بعبارات الشكر من الأسرة التي كان يزورها. مع السلامة يا بونا خليها تتكرر.. سلام يا أولادي.. أغلق الباب. بدأ المصعد في الهبوط. عند الدور الثالث توقف.. فتح الباب ودلف الي الداخل شيخ أزهري وقور.. السلام عليكم.. إزيك يا بونا.. سلام سلام يا فضيلة الشيخ.. فرصة سعيدة.. الله يحفظك يا أخي أنت منور المكان. عند هذه الجملة يتوقف المصعد بين دورين.. انقطع التيار الكهربائي وأصبح المكان المغلق الضيق دامس الظلمة. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله علي كل شيء غمة وتزول. أبانا الذي في السماوات. الرب يحفظك. الرب يحفظ دخولك وخروجك. إنا سخرنا لك هذا. ويمضي الوقت بطيئاً.. بطيئاً. كان الرفيقان يتصوران أنها دقائق ويعود الكهربائي ويتحرك بهما المصعد. لكن طال الانتظار. مرت ساعة كاملة. أصبحت المشكلة أزمة خطيرة تهدد حياتهما. الحر فظيع. العرق يتصبب. السيقان تتداعي. جلسا متلاصقين فوق أرضية المصعد. خلع كل منهما عمته وعمامته. أخذا يلوحان بهما أمام وجهيهما من أجل بعض من نسمات الهواء. تعبت الأيدي.. لا فائدة.. ألقيا بهما علي الأرض. بدأت عملية الانقاذ. صعد رجال الاطفاء قبالة المصعد المتوقف. بدأت الأصوات عبر الحائط تعلو. هرج ومرج صيحات متباينة غير مميزة. طرقات.. معاول هدم.. شظايا شاردة متطايرة.. تضرب باب المصعد. بدأ الحائط يتداعي.. طاقة صغيرة من النور الخافت بدأت في الظهور.. طرقات.. تظهر فجوة في الحائط.. تتسع أكثر وأكثر.. بعض الأيادي تخرج من طاقة النجاة تحطم باب المصعد. وجوه عديدة تضيء وسط الظلام. تظهر ثم تختفي.. مصابيح يدوية توجه نحوهما تطمئن علي سلامتهما. دعوة للمحبوسين بسرعة الخروج. يقفان.. يلتقط كل منهما عمامته. ويندفعان خارج المصعد. يخرج الشيخ يتبعه القس ببطء شديد محشوراً في طاقة النجاة. أياد تمتد لمساعدته.. تتلقفه تماماً مثل الجنين الذي يخرج من عنق رحم أمه.. عادت إليهما الحياة. عدم تصديق نجاة من الموت. حرية من محبس ضيق بغيض. انطلقا عبر السلالم نحو بهو العمارة.. جمهرة من الخلق.. عربة مطافيء. عربة اسعاف سيارات شرطة زحام زحام.. شقا طريقهما بصعوبة نحو باب العمارة. كل يتأبط ذراع الآخر. في الشارع تلقفتهما الجموع بالترحاب وصيحات الفرحة لنجاتهما.. لكن وسط هذا الحشد والصيحات علت الضحكات. ضحكات وقهقهات. الكل ينظر الي رأسيهما. الي عمامتهما. بحركة لا شعورية. خلع كل منهما عمامته. فحصها. علت الضحكات مرة أخري. ألبس الشيخ للقس. وألبس القس العمامة للشيخ. تعانقا.. ومضي كل إلي سبيله.