«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطن يغتسل بنار الحلم
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 09 - 2012


يظل الحلم في دمنا نهارا يطفئ الليلا
ويبقي دائما أبدا كنار تحرق الجهلا
ويدعونا بلا ملل لنرقي قمة أعلي
1 أراك بنصف عين
أيا وطني ..أراك بنصف عين ٍ
هل تري وجعي عيونك؟!
أنتَ من صاغ الرمال بلا هوي
تلهو وتسكن وسْط َ أعيننا
أنا من طينكَ
اجتزت البحار إلي نخيلكَ
غير أني لست أملك
أيَّ آلات الصعود إليكَ
من سيهز لي جذعَ النخيل؟!
يدي بلا عظمٍ
وقلبي خاليا من أي دق
يشتري وجعي
أحاولُ أن أراك بداخلي
أشْتَم ُّ عطرَكَ من دموع الليل ِ
أسبحُ في حكايات المساكين ِ
الذين يُحدِّثون صغارَهم عن ثروةٍ
لا تستحق لهم بغير ضني
فهل سأراك يوم في ٍ
توزع حصة َالنور لكل الخلق
فوق بطاقة ِ التموين كالسكرْ
ترمم ُكل أفئدة الطيورِ
تبث الحلم َ أجنحة ً
تحلق ُ في سماوات الهوي
وتصب في كل العروق سكينة ً
تروي صحارينا
وتُنبتُ وردةً في كل قلب ٍ
كي يعيش َ علي رقاب الموت ِ
يرفع في وجوه الظالمين الصوت َ
يغزل من دماء الليل مِعطفَه ُ
ويخلع كل أردية السواد ِ
بلا ابتسامات كما الموتي
أراك بنصف عين ٍ
أ ُبصرُ الشطين شطا
ألمح الصفصاف خطا
يهرب التابوت ُ نحوي
يسرق الطاغوت ُ قلبي
يسرع الدم ُ باحثا عني
فيعلن أنني شجرٌ
بلا جذرٍ
وسيقاني مقطعة ٌ
وأوراقي كمقصلة ٍ
وأبحث ُ عن ثمار في سماوات الحدائق
كي ترد الروح في قلبي
تُفَجِّرُ جذوة الطين ِ
أنا من أ َسْكَنَ الموتي شراييني
وخَبَّأ َ رقصة الأفلاك ِ في عيني
أ مُرُّ علي مدارات ِ المدي وجعا
وأ ُمطر بسمتي للرمل
يزداد ُ اتساع ُ البحر
تسكن فيه حيتاني
وتنتظر انفتاح العين
2 يحيا الوطن الساكن قلبي
يحيا الوطن ُ الساكن قلبي
الضابط ُ نبضي
الشارب ُ دمعي
من أخرجني مني
من أيقظ َ موتاي
وأسقط َ مطراً فوق مقابر حسدي
حَرَّرَ روحي من عتمتها
رسم َ النيل َ الضاحك َ فوق جبيني
أطلق نحو البحرِ كرات ِ دمي البيضاء ِ
فصَدَّ ت كل أساطيل الأعداء ِ
وردَّ ت كل جيوش الموت ِ
ورسمت أسفل قلبي شجرا
يُطلقُ كل صباح ألف وليد ٍ
يرفع سيفا
يحمل شمسا
يقتل كل البوم
ويبذرُ في طرقاتي النورْ
يحيا الوطن الساكن ُ قلبي
يشعل أحلاما في كل قلوب الطيرِ
ويُنبت َ أجنحة ً فوق الشجرِ
المحترق ِ بنارِ الصمت ِ
فتَنبت ُ للأجنحة عصافيرُ
تُحَلِّق ُ فوق النيل ِ
وتَنثرُ فوق الرمل نهارا
يُخرجُ من آبار الموت مياه َ الليل ِ
ويرميها في قلب البحر
ليَخرج َ ماءُ الوطن نقيا
يَغسِل ُ كل الشجرِ
يُغَسِّل موتي العهد البائد ِ
يخلطهم بالرمل ِ
ويرسم وسْط العَلَم قلوبا
يملؤها بدم ِ الشهداء ِ
لتُرفَعَ فوق رؤوس ِالطيرِ
تُزَيِّن ُ كل َّ سماءْ
آه ٍ يا وطني...
تعبَتْ فيك قطاراتي
وانتظرَتْ كل ُّ محطاتي
أن تَلِجَ الآفاق َ
بلا أرصفة ٍ أو قضبان ْ
حيث الركاب يطيرون َ
يغنون َ
ويرفعُ كل منهم عَلََمًا
يخلطه بدماه ُ
يقول ُ عسي وطني يُظهِرُ للتاريخ رؤاه ُ
وينشرُ فوق العالم كل هداه ُ
فأفرح ُ ملء الوطن الساكن ِ قلبي
ثم أقول بكل جزيئاتي اللهفي
وبكل دماي :
عسي وطني يظهر للتاريخ رؤاه ُ
عساه ُ عساه ْ .
3 وطني يخرج من تابوت الرمل
وطني يخرجُ من تابوت ِ الرمل ِ
وينفض ُ عنه غبارَ الموت ِ
فيخلط ُ بعض َ جماجم من دفنوه ُ
ببعض جماجم من أحيَوه ُ
ويعجنها بدَمٍ كالمسك ِ
تدفَّق من سحب الثوراتِ
فصار الخبز طعام الأرض ِ
طعام َ الشعب ِ
طعاما يُحيي كل النَّفْس ِ
وينشر بركان الأحلام بكل مكان ٍ
يزرع بعد الفجر حدائق َ
ترسم مستقبلها فوق الرمل ِ
تفتش في أحشاء الأرض عن التاريخ
وعن عِزةِ ماض ٍ ( وقف الخلق جميعا )
يسترقون النظر إليهِ
ونور الوطن الساطعِ
يعمي للناظر عينيه ِ
وطني يخرج من تابوت الرمل ِ
وينفض عنه غبار الموت ِ
فيخلع سترته الورقية َ
يلبس حلة نارٍ تُنْضج ُ ما داخلها
ثم بكل العزة تقذف ُ للخارج شعلتها
كي يمتلئ َ القلب ُ نهارا
يخرج مستويا مَشفي الجرح ِ
يُخَضِّبُ كل الرمل ِ
ويمتص من البحر الملحَ
ويزرع وسط فراغ الموت ِ
الحب َ
الحرية َ
والعدل َ
ويكتب فوق صخور الليل نهايات ِ الموت ِ
ليفتح وسط شقوق الصخر القابع فينا
باب الأمل ِ
فتمرُق ُ منه جزيئات الهم ِّ
وتتطايرُ.....
تتلاشي......
تحت سماء يرقص فيها القمرُ
ويغزل ثوبا من نور أشعته الصافية ِ
يُدَفِّئ ُ قلب َالوطن ِ
فيرسلُ بعض دماه إلي الأطراف ِ
فتنشط ُ كل ُّ الأيدي
وتقص ُّ أظافرَها
كي لا يُجرحَ طين ُ الأرض ِ
المزروعةِ بدماء العزة
بدماء الشهداء
ويُرَوِّي العَرَق ُ شجيراتٍ
نبتتْ في كل الوطن ِ
وصارت شجرا عملاقا قبل مرور العام ِ
ومد َّتْ ظلا نحو الشرق ونحو الغرب ِ
وفوق النهر وفوق البحرِ
ليرقص َ كلُّ السمك ِ
ويتمني أن يصبح َ دودًا
يجلس تحت الشجر العملاق ِ
ويصعد ُ
يأكل ُ من ثمرٍ حرٍ
لم يُحبس ْ في الشبك ِ
ولم يُغسل ْ في ماء البرك ِ
بل انصهرَ الدمُ في طين الأرض ِ
فصار نُحاسًا
ينفث ُ في كل الأغصان ِ النارَ
فتلتهب وتثمر ثمرا مُرًّا
في حلق الطاغيةِ وحاشية الطاغية ِ
وكل طواغيت الرملِ
وثمرا بَرْدًا وسلامًا
لجميع طيور الوطن ِ
فتستيقظ ُ من رقدتها
وتشم عبير الكون ِ
تطيرُ
تُوَزِّعُ حبات ِ الثمرِعلي الماشين َ
وتفرحُ إذ يتحول من يأكلها
جبلا من نارٍ
مطليًا بدم ٍ مخلوط بالورد ِ
فيقذف في وجه الموتِ الحُمَمَ
ويرفع فوق الرأس ِ العَلَمَ
ويحرق ُ شَعْرًا نَبَتَ بغير النارِ
وغير الدم ِ
ليصير الرأسُ كميدان ٍ
يقف الثوار به ليعيدوا وضع الميزان ِ
فتُرْسَمُ في أوسطهِ خارطة ٌ
للوطن الحر الساكن قلب َ التاريخ ِ
وعقل َ حضارات ِ الدنيا
يتراقص ُ حين يري الموتي
تتقافزُ نحو حياة ٍ كبري
تستلهم ُ نارَ الماضين َ
وتستبقي نار الساعين َ
فيشتعل ُ الشجرُ
ويَكثُرُ فيه الثمرُ
وتتحول كل ُّ رمال ِالوطن جبالا
تقذف نَفْسَ الحُمَم ِ
وترفع نَفْسَ العَلَم ِ
وتُقْسِمُ أن تتولَّي مثلَ الماضي
أمر جميع الأمم
4 حلم للجميع
هل النيل يسمح للبحر أن يتغول
في تربة من ألوف السنين
استراحت علي شاطئيه
ومدت أياديها بالنهار إلي الكون؟
أم سوف ينشر أشجاره في رؤوس العباد
ويرسم وردا بكل الوجوه؟
فيا أيها العابرون إلي الحلم:
لا تحرقوا زرعكم
فالعصافير تخشي الدخان
وكل المياه التي لم تبع بعضها
تمتطي الآن صهوة حلم
يوزع أسماكه للجميع
ويربت فوق ظهور الرمال
فلا تخبروا البحر أسراركم
ومن مائكم قطروا للطيور بأفواهها
وشقوا قلوب الصخور
لتنموَ فيها الزهور
وتسعي لتحقيق أحلامها
...........
دمي الآن يختال فوق الرمال
ويرقص وسط الميادين
يعلن أن المسافات صارت هباءً
وأن دموع المحبين
تغسل أرصفة باتساع البلاد
تضيق علي ساكنيها
وتفتح في جنبات النفوس نوافذ للحلم
ينتحر الموت فيها
ويختلط الحلم بالماء والطين والنار
يغتسل الوطن السابح الآن نحو الفضاء
لتسقط عنه الذنوب
يصلي
وسجادة الكون أسفل منه
ويمسح كل دموع البلاد التي ستسير إليه
ويعلن أن انطلاق الفوارس من مهدها
لأجل استعادة أمجادها
علي الله ثم عليه
عفواً.. إمام المرسلين
عفواً إمامَ المرسلين
عفواً إذا يوماً تطاولَ..
بعضُ من جهلوا مقامَكَ..
حينما يوماً أساءَ إليك بعضُ المارقينْ
عفواً إذايوماً نسَوا يا سَيّدَ الشرفاء..
أنكَ كُنتَ مبعوثاً لكلِّ العَالمينْ
حينما قد جئت بالتوحيد والتَمجيد..
لِلّهِ الذي..
بَعثَ الخلائقَ أجمعينُ
عَفواً إذا يوماً أساؤُوَا وادَّعُوا
- إثماً وبُهتاناً- وقالوا
بالذي مَا ليسَ فيكْ..
فيَالَهُمْ من آثمينْ
ويالهُمْ من مُدَّعينَ إذا تنَاسَوا..
أنَّ دينَكَ قد أتَي بِالعدْلِ..
أبداً لم يُفرِّقْ..
بين ألوانِ الخلائقِ أجمعينْ
دومَاً لم يُسَاومْ..
في السمَاحةِ والعقيدةِ واليقينْ
أبداً لم يُهادنْ..
من أدمنوا وأدَ البناتِ
وآثروا عشقَ البنينْ
دوماً لم يُسالِمْ..
كُلَّ من جعلوا حجارتَهم إلهاً..
من أجلها خرُّوا جميعاً ساجدين
أبداً لم يُصالحْ..
كُلَّ من قد أدمنوا الخمرَ التي..
أودتْ بهم في كُلِّ منزلَقٍ مُهينْ
كُلَّ من قد عاشَ للميسر عبداً
وارتضي دوْماً طريقَ الخَاسرين
يا رسولَ اللَّهِ جِئتَ بكُلِّ فضلٍ..
يا رسولَ اللَّهِ جِئتَ بخيرِ دينْ

عفواً إمامَ المرسلين
يا مَن بعفوكَ لاذَ كُلُّ التائبين
بشَّرتُ دَوْماَ بالحنانِ وبالجِنانِ وبالهُدي..
دوْماً لكُلِّ الطائعيْنَ
وصَّيْتَنا بالأنبياءِ جميعِهمْ
لا لم تكُنْ يوماً تُفرِّقُ بين موسي
لا ولا ما بين عيسي
لا ولا ما بَيْنَ كُلِّ المرسلينْ
وصيتنا دوماً ولم تبخلْ علي..
أهلَ الكتابِ جميعهمْ..
بالحْبِّ دوماً والمودَّةَ والحنين
لا لم تكُنْ يوماً بلعَّانٍ..
ولا أبداً بَسبَّابٍ..
ولا يوماً لعنتَ اللاَّعنين
دينُ التسامح كان دينك يا إمامَ المُرسلين
دينُ التصالح كان دِينَكَ يا وليَّ المتقين
دينُ المحبَّةَ كان دَينَكَ يا حبيبَ الطائعين
دينُ المودَّة كان دينَكَ يا حَليفَ التَائبين
فاعْلمْ بأنَّكَ سيدي أنتَ النبيُّ المُرْتجي..
في ذلك الزَّمن الضَّنين
أنتَ النَّبيُّ المُرتَجي..
كي ترفعَ الغيمَة عنّا..
كي تُعيدَ النورَ دوماً للخلائق أجمعين
أنتَ النبيُّ المرتجَي فارجِعْ إلينَا..
حاملاً في كفّكَ البُشرَيَ..
وسَيفُ الحقِّ والنَّور المبين
فمتَي تعودُ لكي تُعيدَ أمَانَنَا..
وتزيلَ زيفاً قد تأصَّلَ بينَنَا..
وانطَلَي يوماً علينا..
يا إمامَ المرسلين

عفواً إمامَ المرسلين
إذا يوماً دعوتُكَ أن تعودْ
كي ترُدَّ الزيْفَ عنَّا
كي تزيلَ الخوفَ منَّا
كي ترُدّ الكَيْدَ..
في نحرْ البُغَاةِ الكائدينْ
كي تُزيحَ بِكفِّكَ النبويِّ زيْفَ الحاقدينْ
عفواً إمامَ المرُسلينْ
إذا يوماً دعوتُكَ أن تعوُدْ
حتي تُشاركنَا القِصَاصَ..
من العُتاةِ المارقينْ
وكأنَّ صوتَكَ لم يُجبْني..
وكأنّني قد جاءني صوتُ السَّماءْ
صوتٌ لموسي ثم عيسي ومُحمَّد..
هامساً بالتوحيد وشفيف الضياءْ:
»بارِكوا يا أيها النُبلاءُ دَوْماً لاعنِيكُم
سامحوا يا أيها العُقلاءُ دوماً باغضِيكُمْ
واتركوُا الثأرَ الذي تبغوُنَ دَوماً..
للذي خلقَ السَّماءَ«
إن سيْفَ الله لن يُخطِئَ أبداً..
كُلَّ من يَوماً أساءَ إليكَ طه
إن سيْفَ اللهِ لن يرحَمَ أبداً..
كُلَّ لعَّانٍ وسبَّابٍ لَعِينْ
جلال عابدين
مربعات من الواو
سن القلم
قلمي ضحك سنه
رسمني ف العنوان
مهموم ضحك سنه
توهني ف العنوان
قلمي لبس تاجه
قعدت علي عرشه
جنيت ف انتاجه
لقيته مات عرشه
قلمي طلع يمشي
من قبل مايحبي
اتاريني ما فهمشي
والحلم طايح بي
مسحوا ف افكاري
قلمي رجع باكي
عرفت مش كاري
لميت أنا شباكي
قلمي لما اتولد
بنيتله بيته بطين
وقلت له ياولد
انت صلاح حطين
قلمي طلع نخله
من طيب الكلام جاني
عرش البيان نخله
ساقها غنايم وجاني
قلمي ضحك مره
غني مع المواويل
غنوه عتاب مره
رجعنا لبحر الويل
قلمي من فوق ركابه
قللي امشي في ضلي
م الشمس لبست كابه
مين غيره اللي فاضلي
قلمي رسم ميادين
ملاها يفط وقلوب
الكل باسم الدين
عاوزها بالمقلوب
قلمي ف سن الطيش
ماشي علي كيفه
عارفني ماباوطيش
وراني الغرام كيفه
قلمي ربط وسطه
عاوزها واحدة ونص
هز الميدان وسطه
هتف القلم ف النص
قلمي الحبايب قصدوه
رسم خدود بغمازه
بعصاية العشق صادوه
من غير خيط بغمازه
مصر ياتاج العلا
وقلب الشرق ومفارق
الكل فوق منا وعلا
واحنا معانا ما فارق
مش كل المطالب بت
البت دي ليها الواد الفت
يحكم بأمره ويبت
ومن دراعه ياكل ويفت
وياماناس ديابه
خدوا الدنيا غلابا
واحنا ولاحد يأبه
بحق الناس الغلابه
نوح ياشاعر وعدد
اضرب ودعك ورملك
نوع كلامك وعدد
تلاقيه عاجب ورملك
الشعر من بيوت هواره
ماتحبش من بره تناسب
وتتهد البيوت هواره
لو أساسها مش مناسب
ياواد دخلت فصلك
لقيتك مدارس وجامعه
عرفت اصلك وفصلك
لقيتك للفنون جامعه
ياواد دخلت محرابك
وعملت منها إمامك
لقيت من أهلك حرابك
وسلطتي عليا عمامك
ياواد مين اللي نسبوك
ولحرف آخر الهجاية
ناس امك ولاناس ابوك
ولاناس لساها جايه
يافكره لمادبيتي
ضربتك قافيه بخطي
أشاور عليكي دابتي
ولسه يادوب بخطي
ع البر واقف باشاور
لناس ركبوا المراكب
ولسه لعقلي باشاور
الخوف طرّق وراكب
لسه يادوب مفتح
وعاوز اسوقها غنايم
عملت فيها مفتح
اتاريني باحلم ونايم
قلبي أخضر لسه نادي
علي غرامي لسه بدري
هلالي هل السنه دي
إمتي هتكمل يابدري
علي عقلي ادوني لفه
قادوسي نزل ما طالع
لفولي كلامي ف لفه
وضربوا بيها المطالع
محمد رمضان
أقصوصة
دائرة مغلقة
اتجه إلي حجرته، عانقت عيناه الشهادة التي حصل عليها لتستكين علي الحائط، ويبقي بلاعمل
لملم الليل نجومه في جعبته ورحل، حين أطل الفجر بوجه صبوح علي الكون، فدبت الحياة مجددا.. يصدح الأذان وهو مستلق علي سريره.. تتوه عيناه في بقايا ظلمة الحجرة، تلقفت أذناه صوت أمه، وهي تتوضأ للصلاة وتهمهم بالدعاء أخذ يتقلب يمنة ويسرة، فقد أضناه الأرق وخاصم النوم جفونه..
شيئا فشيئا. راحت الشمس تغزو الأفق، وتلقي بأشعتها عبر النافذة، حتي استعمرت كل أرجاء الحجرة، تململ ضيقا، أزاح عنه غطاءه المهلهل، ثم نهض.. حمل همومه التي أثقلت كاهله، وذهب ليغتسل.
اتجه إلي حجرته، عانقت عيناه الشهادة التي حصل عليها لتستكين علي الحائط، ويبقي بلاعمل.. يتمتم محدثا نفسه بسخرية - بكالوريوس تجارة. تقدير جيد جدا - يتنهد بحرقة، ثم يرتدي ملابسه التي اعتادها كل يوم.
اجتاز حجرته، تطلع إلي وجوه إخوته الصغار، أقبلوا عليه،التحم بهم في حنان بالغ، لثمهم في حرارة، ربت عليهم، اختلس نظرات إلي أسمالهم البالية فارتدت علي نفسه حسرات..
يلقي التحية علي أمه، تصاحبها ابتسامته المعهودة.. يقبل يديها، يطالبها بالدعاء والتوفيق في الوظيفة التي سيتقدم لها اليوم.. تودعه وتدعو له بالنجاح والفلاح والستر والصحة والرزق الوفير، ثم تعوذ لتتلو أورادها.
جلس في استراحة البنك مع المتقدمين منتظرا أن ينادي العامل علي اسمه، ليقابل مدير البنك. بعد فترة ليست بالقصيرة يدخل شاب يرتدي بذلة أنيقة.. فاح شذاه في المكان، فانتعشت الأنوف، يقدم للموظف المسئول عن تنظيم الدخول »كارت« توصية، فيسارع بإدخاله لمقابلة
اللجنة، بضع دقائق ويخرج الشاب منتشيا سعيدا، وبعده الموظف يخبرهم بأن اللجنة قد اختارت الشاب المناسب للوظيفة..
خرج شاحب الوجه.. مطأطأة رأسه يجر قدميه ويحوطه اليأس والخيبة مع الباقين، ظل يهيم علي وجهه في الشوارع والطرقات..لايدري أين يذهب؟ أو ماذا يفعل؟ كان ينظر إلي السيارات الفارهة. ومن نوافذها تنطلق ضحكات وقهقهات ومن خارجها تشتعل صيحات بائعي المناديل حيث تربع البؤس علي وجوههم.
توجه إلي البحر، أطال النظر فيه وكأنه يبثه همومه، فلا يلقي منه إلا تلاطم الأمواج المستمر، تمني أن تهدأ هذه الامواج وتستكين لكن لا فائدة، شعر بالأسي يعتصره. حل الليل بظلمته.. عاد إلي منزله، وجد إخوته نياما، تبدو جلودهم من ثيابهم الممزقة، تناهي إلي مسمعه صوت أمه.. مازالت تتلو أورادها..
محمد زين امام
فصل من رواية (علي باب الهوي)
أقنعة إفريقية
تنزلني سيارة أجرة عند المدخل الرئيسي لمبني المعهد الألماني في ميونيخ، الذي يغرق في جو غابة كثيفة الأشجار وارفة الظلال، حيث سيعقد (مؤتمر قادة شباب الأرياف في العالم) فيصادفني في مدخل المعهد رجل وسيم نحيف الجسم، في الخمسينات من عمره..يستدير الرجل الأنيق نحوي منتبهاً إلي الضيف المشارك القادم من بلاد برّة، ومنتظراً أن أنطق بكلمة، فأقدم نفسي له، فيصافحني بحرارة، ويرحب بي قائلاً: »تفضل اتبعني«. ثم يحمل حقيبتي الكبيرة، ويسير أمامي، ليدلني علي غرفة إقامتي ونومي أثناء المؤتمر..
أسأل أحدَهم عنه بهمس فيقول لي: » إنه رئيس المؤتمر!«
»الله أكبر! رئيس المؤتمر، ويحمل لي حقيبة أغراضي!« أركض خلفه: »أرجوك يا سيدي! صاحب الحقيبة أحق بحملها!«
فيقول لي: أبداً، هذا واجب الضيافة..إنه واجب! ورغم تكرار رجاءاتي، إلا أنه يصر علي كرمه..
نصعد بالمصعد، فيوصلني إلي الطابق الثالث..ثم يتوجه أمامي وأنا أتبعه إلي غرفة قريبة، فيهجم خادم الطابق، ويأخذ الحقيبة من الرئيس، ويفتح الغرفة، ثم يضعها في الداخل، بينما يلتفت الرئيس إليّ وهو يقول: »هذه هي غرفتك، وأنت مُرحب بك. عمت مساء!«
أُذهل لهذا التواضع الكبير!
يدفعني فضولي للتعرف علي باقي أجزاء هذا المبني الضخم، المجهز بكل وسائل الراحة..غرف نوم عديدة في الطابق الثالث، وفي الطابق الثاني غرف محاضرات متعددة، وقاعة مؤتمرات كبيرة، وطابق أرضي، فيه مطعم كبير، وفي الأرضي بركة سباحة داخلية مدفأة، وحولها ساحات واسعة، وإلي جوارها مرقص للترفيه، ومقهي أو بار للسهرات المسائية، إذ أنهم لا يشربون القهوة، بقدر ما يشربون البيرة، وأما الإدارة، فتقع في مبني آخر مقابل.
أستغرب كون الإدارة تُنزل كل مشارك في غرفة نوم منفصلة، وأما أنا العبد لله، فيضعونني في غرفة مشتركاً مع شاب إيرلندي قصير القامة، في الثلاثين من العمر، قال لي إن اسمه توني، ولم يقل لي إنه يحمل شهادة الثانوية العامة فقط، ولكنه قال إنه موعود بالعمل في إحدي منظمات الأمم المتحدة! من هو الذي وعده؟ ولماذا يعِدون ابن الثانوية، وليس أبناء الدكتوراه الذين يملأون الأرض، فأنت لا تعرف؟!
لم تعجبني إقامته ونومه هذا، فأنا معتاد أن أنام في غرفة خاصة بي وحدي، ولكنني لم أعترض علي ذلك، فالضيف أسير المضيف، إلا أنني فهمت لاحقاً أن شابين إسرائيليين يشاركان في المؤتمر، قيل إنهما منذ وصولهما قد أبلغا أنهما نظراً لكونهما يهوديين مسكينين مُستضعفَين، فهما خائفان من كونهما مُستهدفَين من قِبل العرب الكثيرين، الذين يشاركون في المؤتمر؛ من مصر والعراق والمغرب ولبنان والأردن وتونس واليمن وغيرها.. قلت لمن أبلغني المعلومة: لا أفهم كيف يكونون مستضعفين، وقد سيطروا عسكرياً ونفسياً علي الأمة العربية، وذلك بدعم حلفاء الحرب العالمية الثانية مجتمعين، فاحتلوا معظم أرض فلسطين عام 1948، وبعد اجتياحهم باقي فلسطين، وأراضي شاسعة من بلاد العرب المحيطة بها عام1967، ها هم اليوم يجتاحون لبنان كلها، تحت اسم »سلام الجليل« ويدمرون المقاومة الفلسطينية هناك بسلام تام، بعد أن شرذموها مسبقاً بسلاماتهم، ويطحنون بسلام كل لبنان والسلام!
لهذا صرت أشعر أن وجود توني في غرفتي لم يكن »لِلّه فلِلّه!« بل كان لرقابة أمنية! رقابة، رقابة! قلت في نفسي، فأنا لا أخفي شيئاً في حوزتي، ولا حتي في قلبي لأخاف عليه!ولكنني رُحت أقرأ لنفسي نفحات من شعر نزار قباني: حيث تلَفّتنا، وجدنا المخبر السري في انتظارنا..
ينكش في أوراقنا..يشرب من قهوتنا..ينام في فراشنا!
في هذا المعهد الذي يدربنا علي تطوير قيادتنا لشباب الأرياف، يبدأ تنفيذ برنامج النشاطات الجماعية بانضباط تام، إذ تتم المحاضرات بإصغاء مطلق من قبل جميع الجنسيات، وشابة سوداء مجدولة الشعر المُلبّد من ليبيريا تنكش ما بين سنّيها بإظفرها الطويل، وتكرر النكش والنكش لإخراج شيء عالق بينهما.. يلفتني أن المحاضر الدكتور ألفونس يتحدث عن (توجيه شباب الأرياف للتأهل لمهن مختلفة، ليتخصص كل بمهنة مُحدّدة، سواء كان شاباً أو فتاة، فلا يشتت مهاراته.. مهنة حداد، نجار، بلاّط، مُزارع نباتات، مهنة خدمة مَزارع الحيوانات.. تركيب شبكات ري، وهناك مجال واسع للصيانة في الأرياف.. )، ثم يسأل للمتابعة وللاطمئنان علي المشاركة: »وإلا، ما رأيك يا شاؤول؟« يكرر السؤال لشاؤول أكثر من مرة.. وفي قضية أخري يغير السؤال فيقول:
»وإلا ما رأيك يا أوشر؟« ونظراً لكثرة التكرار، حفظت اسم الإسرائيليين شاؤول، وأوشر، فقلت في نفسي:الماذا لا يهتم الدكتور ألفونس إلا بهذين الإسرائيليين، فلا يسأل غيرهما، كنوع من المشاركة مع المتلقين؟ هل مطلوب منه أن يُدلِّلهم، ليثبت لأجهزة تسجيل المحاضرات، ولعدسات التصوير، ثم للمخبرين أنه يتعاطف مع أبناء اليهود الذين اعتدي النازي عليهم، ليطلع درجة في وظيفته، أو ليُثبّت في عمله، فلا يُطرد منه علي الأقل؟! يا سيدي! فليسأل من يريد، وليستبعد من يريد! فلن نحصل علي الدكتوراة في هذه الدورة التدريبية!
ينتهي نشاط اليوم، فنذهب زرافات ووحدانا إلي مطعم المعهد لتناول طعام الغداء.. ننتشر علي طاولات المطعم..بعض الشباب العرب والأفارقة بالذات يجمعون أكواماً من الأطعمة المعروضة في أطباقهم، ثم يتجهون إلي طاولات المطعم ليأكلوا، ثم يخرجون وقد ترك كل منهم نصف جبل مكوماً فوق طبق الطعام! أمتعضُ لمشاهدة بقايا الأطعمة التي ستُرمي في الزبالة!
وبعد أسبوع طلبوا أن تقدم امرأة من جنسية مختلفة كل مساء طبيخ بلادها، فتطبخه بمواد يحضرها لها طباخو المعهد، بناء علي طلبها مسبقاً، بينما هم يساعدونها في تحضيره، حسب معلوماتها، فتقدمه معهم علي العشاء، وذلك بهدف تبادل المعرفة في أكلات جديدة، والأهم من هذا لكون تحضير الطعام هو نشاط من نشاطات شباب الأرياف؛ الشابات منهن بالتحديد.
كانت معنا مهندستان عربيتان من مصر، في حوالي الثلاثين من العمر.. فقدمتا في ذلك العشاء طعام »المسقعة«..تأكل أصابعك وراءها! التَهم المشاركون- خاصة الغربيين منهم- هذا الطعام العربي اللذيذ خلال نصف ساعة، وكثيراً ما كانت الأطعمة المحضّرة بأيدي زميلات أخريات من جنسيات مختلفة تبقي كما هي، ولا يُستهلك منها سوي نصف المعروض، أقل أو أكثر، ولكن في تلك الأمسية المصرية، تم تنظيف الأطباق، فاشتُهرت الصبيتان، وارتفع علم مصر يومها عالياً!
يجلس إلي جواري صديقي الألماني المهندس باتريك صاحب العينين الخضراوين والطول الفارع المعتدل الامتلاء، الذي استلطفته منذ بدء هذه النشاطات، فنأكل علي طاولة واحدة في مطعم المعهد، فأراقبه وهو يضع في صحنه كمية محدودة من الطعام، ولا ينهي طعامه حتي ينظف صحنه، فلا تبقي فيه ذرة طعام واحدة، فأقول له :
»لماذا تنظف صحنك يا باتريك إلي آخر حبة أرز؟« فيقول لي بكل ثقة وهدوء:
( كي يجد فقراء العالم بعدنا طعاماً يأكلونه ياخليل..)
أُدهش من فلسفة الطعام الألمانية، التي تطبق نظريتنا العربية الإسلامية القائلة: »الاقتصاد في النفقة نصف العيش!« وقول رسولنا الكريم: »اقتصد في الماء ولو كنت علي نهرٍ جارٍ.« وقوله: (فليملأ أحدكم ثلث معدته بالماء، وثلثها الآخر بالطعام، ويبقي الثلث الأخير للهواء) وقوله: »فليقم أحدكم عن المائدة، وما يزال له نفس في الطعام. »وقوله:« نحن قوم لا نأكل حتي نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع.« ولكننا ننتج النظريات، مجرد ثرثرة في الهواء، وهم يلتقطونها ويطبقونها! نحن نُبَذِّر مئات المليارات النفطية، وهم يقتصدون في حبة الأرز! نحن المالكون فقراء، وهم المقتصدون أغنياء!

تسكن في الغرفة المجاورة لي صبية سوداء من أواسط أفريقيا، مصقولة الوجه، معتدلة الطول، ممتلئة البطن والوركين بلا إفاضة، كانت مساء أمس تسهر معنا في مقهي المعهد، ونحن نتحدث في أمور شتي، ونتعرف علي عادات وتقاليد كل منا، فقالت إن اسمها أبيبة، وإن مهنتها في بلادها هي تعليم النساء الريفيات صناعة الأقنعة الأفريقية، وهي مهنة تحتاج إلي معرفة لثقافات القبائل الأفريقية، وتفهُّم فولكلور البلاد التي تريد التعبير عنها، مع فنية مدروسة، وحرفية عالية في القص والتشكيل، وتجسيم الشخصيات، وحفظ الخشب من عوامل التلف، ودهانه، وجعله قابلاً للاقتناء في بيوت الميسورين الأفارقة، لتعيش روحها معهم بصفتها رصَداً لهم، وطوطماً تحميهم من الأرواح الشريرة، والأشباح الهائمة، وبعضها تُجسد لهم آلهتهم، فيعبدونها أو يَتيمّنون بها، وبعضهم يضعونها علي وجوههم في الحفلات الشعبية، وكذلك في الأفراح، وقد يستخدم بعضها في الأتراح أيضاً.. وأضافت أن معظم إنتاج هذه الأقنعة يكون للتصدير إلي بلاد الغرب، التي تحب فنون الأقنعة الأفريقية، إذ ترتبط عندهم بفنون التمثيل وبالشخصيات المسرحية..
تشدني معرفة ثقافة هذه الأقنعة وجو صناعتها أكثر من غيري من الزملاء، وذلك لشدة عشقي للمسرح، ولإيماني بأن وجه الإنسان ما هو إلا أحد الأقنعة البديلة التي يستخدمها، ولا يلبث أن يغير أقنعته التي يتقمصها في كل مناسبة..ولهذا فأنا أقتنيها وأجد أن رفوف مكتبتي تتزين بهذه المعلقات، التي أتخيلها تتحدث معي حيناً، وتستحضر لي عوالم الشخصيات التي أتخيلها، فتؤنس وحدتي، إذ ألتجيء إليها لتحميني من عالم متلاطم، يمور بالرعب من شرور الإنسان.
ومما قالته أبيبة لنا نحن المتجمعين من بلاد الدنيا حول طاولة واسعة مشتركة تضُمّنا في سهرتنا عن العلاقات الاجتماعية هناك:
»إن الرجال المقتدرين عندنا يتزوجون بكثير من النساء، إن استطاعوا تمويل حياة الزوجات وأولادهن.. وقد يتزوج شيخ القبيلة بعشرين امرأة أو أكثر..« وتابعت قولها وهي تراقب نظراتنا المستغربة ودهشتنا من هذه الزيجات: »وأما الطلاق عندنا فيتم بمجرد الهجر، ولا مانع أن يأتي رجل آخر ميسور الحال، ودون مراسم زواج، فيَلِمُّ المطلّقة، التي تُذبِّل عينيها أمامه، أو تتعلق به راغبة، أو تستسلم له، فتسير خلفه، لتصبح من أهل بيته!« وعندما تجرأتُ فسألتها عن وضعها الاجتماعي، قالت لنا إنها تعيش مع رجل يجمع خمس عشرة امرأة في بيته الكبير!
وللخروج من ظلمة أدغال شلالات إفريقيا المتصحرة القاتلة، أُغيِّر الحديث ذا الشجون، فأسأل صديقي المهندس باتريك مجرد سؤال في مجال معرفة تفكير الآخر:
ما رأيك في الرئيس الألماني؟ هل تؤيده أم تعارضه؟ طبعاً نحن في الوطن العربي في غياب الديمقراطية التي نقرأها في وسائل الإعلام، ولكننا لا نراها علي الأرض، ونظراً لأن لا أحد يستشيرنا في تعيين الحاكم الذي يَطُبُّ علينا كالقَدر المستعجل، ليتولي أمرنا، فكثيراً ما نسأل بعضنا بعضاً أثناء لقاءاتنا أو سهراتنا مثل هذه الأسئلة، ولكن باتريك يستغرب هذا السؤال، فيقول:
»الرئيس رئيس! نحن ننتخبه بطريقة ديموقراطية، وما دام يمثل الأغلبية، فهو في محل الثقة، ومن ثم، فلا نتساءل حول تأييده أو معارضته، إلي أن يحين موعد الانتخابات القادمة، وعندها نستطيع أن ننجحه أو نسقطه، بصناديق الانتخاب!«
صبحي
فحماوي
الأردن
قصة قصيرة
قتلانا.. وقتلاهم!
حبات قليلة من السكر وجدتها متناثرة فوق رخامة المطبخ، كانت حفل إفطار لمجموعة كبيرة من النمل... أغاظني المنظر، مما جعلني أثور واندفع
مهداه إلي
الشهداء من الضباط والجنود المصريين في مجزرة (رفح) لحظة مدفع إفطار رمضان في يوم الأحد الموافق 5/8/2012
في الصباح
قررت أن أزور أختي المريضة قبل ذهابي إلي عملي.. إصرارها الشديد علي أن تقوم من (رقدتها) لتصنع لي كوبا من الشاي- الثقيل الغارق بداخله أوراق النعناع، كما أحب أن أشربه- جعلني أقوم من مكان مجلسي لأتركها ترتاح وأدخل مطبخها لأول مرة كي أصنع بنفسي كوب الشاي.
حبات قليلة من السكر وجدتها متناثرة فوق رخامة المطبخ، كانت حفل إفطار لمجموعة كبيرة من النمل...
أغاظني المنظر، مما جعلني أثور واندفع مصوبا نحوهم أكبر وأضخم أصابعي، ورحت أفركهم فركا.. بعد وقت قصير. قصير جدا رحت أتنفس الصعداء، وأنا سعيد غاية السعادة، فقد قتلت منهم الكثير، وأصبت منهم الكثير- الذي نجح في الهرب- وللأسف الشديد هرب منهم الكثير والكثير.
في العصاري
إنه حلم.. نعم حلم سخيف لا أحب أن أعيشه مرة ثانية.. هكذا وجدتني أهمس لنفسي- وأنا مستلق علي ظهري فوق السرير- بعدما فتحت عيني لأخرج مرغما من بئر نومي العميق.
عجبا..
السرير مازال يهتز بي بشدة، بل إن هزاته تزداد شيئا فشيئا، إذن الزلزال ليس حلما كما كنت أتوهم، علي الفور اعتدلت في مكاتني، رأيت أسرابا كثيرة من النمل تصعد إلي من خلال أعمدة السرير النحاسية، يقود كل سرب قائد كبير الحجم، يحملون قتلاهم، ومصابيهم الذين انتصرت عليهم صباحا، تسبقهم إلي نظراتهم النارية الانتقامية، عرفت وأيقنت أنني هالك.. هالك لا محالة، لذا وجدتني أقفز من فوق السرير هاربا من أمامهم وأنا أردد.
الجري كل المجدعة.. الجري كل المجدعة..
هناك أسفل شقتي وقفت لأخذ أنفاسي داخل المقهي الشهيرة المكدسة بزبائنها الذين انقسموا إلي مجموعات متباعدة رغم قرب المسافات فيما بينهم، فمنهم من يلعب الدومينو، ومنهم من يلعب الطاولة، ومنهم من يشرب الشيشة في تلذذ، ومنهم من يلعب الكوتشينة، من بينهم فئة كثيرة. كثيرة جدا جلست تقزقز اللب الصيني وهم يشاهدون ذلك المشهد التي راحت تبثه إحدي القنوات الفضائية لمقتل الفضائية لمقتل واصابة العشرات من الضباط والجنود المصريين علي الحدود في رفح إثر هجوم مفاجيء لحظة تناولهم طعام إفطار رمضان، وجدتني أحدق وبشدة في تلك الوجوه الملتفة من حولي..
رويدا..
رويدا..
وجدتني انسحب من داخل المقهي، حتي توقفت بي قدماي أمام اللافتة الضخمة المعلقة أعلي المقهي، والتي صدأت تماما أحرفها النحاسية مقهي (الوطن العربي).
محمود أحمد علي
أقصوصة
المبتسم
تلقفت جسده عشرات الأيادي قبل أن يسقط أرضا فيما هدرت أصواتهم بالهتاف الذي تجاوب معه الوطن بأكمله،
أيقن أن الرصاصة القادمة ستكون لا محالة من نصيبه، تخترق صدره وتستقر تماما في القلب، يتساقط العشرات من حوله بالرصاص الحي المنهمر عليهم كسيول جارفة، فيما تصنع القنابل المسيلة للدموع منتهية الصلاحية سحابات من دخان أسود ورائحة خانقة، يعرف قليلا ممن يحيطون به بدرجة أو بأخري، فيما يظل أغلبهم مجهولين بالنسبة إليه، يعرف أن التحرك يمينا أو يسارا.. أماما أو خلفا لن يفيده أو يمنعه، تذكر في لمحة خاطفة قبل أن تباغته الرصاصة المنتظرة أنه لم يتعامل مع الأمر بالجدية الكافية، وعندما أخبره واحد من أصدقائه بموعد ومكان الاحتجاج لم يكن ينوي حقا المشاركة فيه، لكنه في الموعد والمكان المحدد جاء ليشارك، ربما كان ذلك من باب الفضول أو لسبب آخر لا يعلمه رغم أن عشرات الأسباب تجعل من حضوره أمرا بديهيا، فأحوال أسرته المضطربة منذ إحالة أبيه إلي التقاعد المبكر بعد بيع المصنع الذي يعمل به لمشتر أجنبي كانت سببا كافيا لخروجه، أو ما خبره هو بنفسه خلال فترة دراسته الجامعية من تدخلات أمنية فجة في الشئون الطلابية من انتخابات وأنشطة مختلفة، أو ممارسات بعض أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم معه ومع زملائه وما يلقونه من معاملة جافة وقاسية، وانخراطه قسرا في عملية تعليمية مبتسرة عديمة الهدف فارغة المضمون يدفع فيها هو وزملاؤه رسوما طائلة ومبالغ فيها لكتب ومذكرات ملفقة لا تحمل علما أو فكرا، وحالة من البطالة شبه الدائمة رافقته منذ تخرجه تقلب خلالها بين وظائف وأعمال مختلفة لا يتناسب أغلبها مع مجال دراسته فضلا عن ضآلة المقابل المادي العائد عليه منها، أما غياب أي مقومات تسمح له بمجرد التفكير في المستقبل والتطلع إلي الاستقرار وتكوين أسرة فقد كانت بالتأكيد دافعا قويا يدعوه هو وغيره للاحتجاج، لم يكن منخرطا في أي نشاط سياسي أو حزبي لكنه كان يشعر كغيره بوطأة النظام القاتم الذي يخيم علي الوطن بأكمله ويحسب علي كل فرد أنفاسه ولقيمات عيشه، كل هذه الأسباب أو حتي بعضها كانت كافية لكي يخرج محتجا من تلقاء نفسه لا أن يكون مجرد متلق لدعوة لم يأخذها بقدر كاف من الجدية، يري أمام عينيه كل هذه المشاهد والأحوال بل يري حياته وحياة أسرته بكل تفاصيلها في لحظة شديدة القصر بالغة الطول، لحظة قد لا تتجاوز كسرا ضئيلا من آلاف الأجزاء من الثانية الواحدة لكنها مرت عليه كأنها ساعات وأسابيع متصلة، اشتغل خلاله عقله كما لم يشتغل طوال حياته بأكملها فعلا صوته وهو يري الرصاصة الموعودة قادمة في اتجاهه، انطلق هتافه صاعدا إلي السماء ومنتشرا في دائرة ممتدة هو مركزها في نفس اللحظة التي اخترقت فيها الرصاصة صدره واستقرت تماما في القلب، تلقفت جسده عشرات الأيادي قبل أن يسقط أرضا فيما هدرت أصواتهم بالهتاف الذي تجاوب معه الوطن بأكمله، رفعوا جسده عاليا فوق رؤوسهم فيما الهتاف ينمو ليكسح أمامه الرصاصات المندفعة صوب رفاقه، ألقي عليهم نظرة أخيرة فيها ابتسامة رضا ساحرة تنير وجهه وتلهب حماس المحتشدين في الوطن بأسره.
أيمن مصطفي الأسمر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.