كانت جدتي تجيد تحويج القهوة .. هكذا أخبرتني أمي .. كانت تحصل علي حبوب القهوة من عند البنان ، ثم تقوم بتحميصها ، قبل أن تضيف إليها التحويجة من زر ورد والحبهان والمستكة .. كانت القهوة طقسا، وكانت كما قال عنها محمود درويش "القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات" ولم تكن القهوة وحدها وتجمعات الجيران هي الطقس الوحيد الذي اعتاده أهل زمان ، بل كثير من الأشياء مثل حياكة الملابس ، فقد أخبرتني أم صديقتي ذات مرة أن أمها كانت هي من تحيك فساتينهم ، ولم يكونوا يذهبون للخياطة بل كانت تأتي إليهم ، ولم يكن هناك بيت يخلو من ماكينة الحياكة ، التي تحولت في كثير من الروايات والقصص إلي رمز معادل لكفاح المرأة ورفيقتها في كسب قوتها . أشياء كثيرة اختفت من حياتنا العصرية الآن التي ربما أصبحت أسهل كثيرا لكنها تفتقد إلي النكهة .. تلك الأشياء التي تثير رؤيتها في نفوسنا حنين إلي الماضي .. كماكينات الحياكة .. والآلة الكاتبة.. ومطحنة البن .. وغيرها كل تلك الأشياء التي تحمل عبق الماضي وغيرها كانت دافع الفنان المصري جلال جمعة لإقامة معرض تحت عنوان " أنتيك" بجاليري " الجريك كامبس " (مبني مكتبة الجامعة الأمريكية سابقا) والذي ضم مجموعة من مقتنياته الخاصة التي جمعها علي مدار أربعين سنة تقريبا، كما قال عنها اندثر معظمها لكنني أجد فيها ذكريات جميلة جدا ، وأتذكر من خلالها أحداث عشتها مع جدتي . ضم المعرض أيضا عدد من ماكينات الحياكة مختلفة الأشكال ، ومكوات حديدية يدوية ثقيلة ، وعدد من الصواني النحاسية ، إضافة إلي مجموعة من اللوحات لعدد من الفنانين المصريين ومنهم الفنان فاروق وجدي الذي اشتهر بتوغله في الحياة المصرية الشعبية بمفرادتها ، وكذلك لوحات للفنانين مصطفي رحمة وجورج يهجوري . أقيم المعرض بالتعاون مع الفنان الإيطالي أرماندو ديفيدي ، وهو مهندس ديكور ولد بمصر وعاش بها فترة طويلة وكذلك جاب العالم ، والذي قدم خلال هذا المعرض عدد من اللوحات التي رسمها في السبعينات.. والتي تقترب كثيرا من لوحات المستشرقين .. ومنها مشهد لمدخل أحد الحمامات الشعبية ومشهد آخر لشيخ جالس يتعبد.. وقد أضاف الفنان جلال جمعة كثيرا لروح المعرض من خلال تشغيل عدد من الأغاني القديمة لفنانين مثل منيرة المهدية وسيد درويش ، وكامل الخلعي، وغيرهم حيث يقول جمعة أنا أمتلك جرامفون ولدي عدد كبير من الأسطوانات القديمة بصوت سيد درويش، واسطوانات نادرة لأم كلثوم عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها،. وقد انضمت قاعة الجريك كامبس مؤخرا لقاعات وسط البلد ، حيث يقول الفنان سمير عبد الغني الذي يدير القاعة بالتعاون مع الفنان جلال جمعة : لقد بدأنا منذ حوالي تسعة أشهر ، ونحن نقدم دعوة لكل فنان حقيقي موهوب شاب أن يقدم أعماله من خلال هذه القاعة ، وفد نجحنا في الفترة الماضية من الاحتفاء بفناني الجنوب من خلال معرضين أحدهما معرض " الجنوبي" لعدد من فنان الجنوب، والثاني معرض أساتذة كلية الفنون الجميلة بالمنيا . ونسعي في الفترة القادمة لتقديم مزيد من المواهب الشابة وإلقاء الضوء عليها ، والمعيار الوحيد في الاختيار هو جودة الأعمال .