ربما تكون تلك الرحلة أحد أسباب رحمة الله بأرض هذا البلد، وحفظ ترابه من الشرور، ربما كانت هذه الرحلة المقدسة بجانب ما ذكره القرآن، وما قاله النبى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، واحدة من الرسائل الكثيرة التى أرسلتها السماء لتؤكد من خلالها مكانة مصر وأفضليتها، وهل هناك أفضلية لأرض ذكرها الله فى مصحفه الكريم أكثر من مرة وجعلها مأوى لأنبيائه ومعبرا للعائلة المقدسة.. وعند العائلة المقدسة لابد أن نتوقف قليلا ونحن نحتفل بميلاد سيدنا عيسى، ونعود إلى طفولته وإلى كل قطعة من أرض مصر باركها بمروره عليها. وحسب المصادر التاريخية القبطية، كان هناك ثلاثة طرق يمكن أن يسلكها المسافر من فلسطين إلى مصر فى ذلك الزمان، ولكن العائلة المقدسة عند مجيئها من فلسطين إلى مصر، لم تسلك أيا من الطرق الثلاثة المعروفة، لكنها سلكت طريقاً آخر خاصاً بها، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية، من جهة الفرما الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد، ثم دخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا بالقرب من مدينة الزقازيق، ويقال إن المدينة الأثرية كان بها عدد كبير من التماثيل، سقطت على الأرض مع دخول العائلة المقدسة، فأزعج ذلك أهل المدينة، فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة، وتوجهت نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد، وهى المكان الذى أحمّت فيه ستنا مريم السيد المسيح وغسلت ملابسه، وفجر فيها المسيح عين ماء، ومن مسطرد انتقلت العائلة المقدسة شمالاً إلى بلبيس، واستظلت تحت شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم، ثم إلى بلدة منية سمنود وعبرت النيل إلى مدينة سمنود ثم رحلت إلى منطقة البرلس، ثم عبرت العائلة المقدسة نهر النيل إلى غرب الدلتا، وتحركت جنوباً إلى وادى النطرون، ومن وادى النطرون ارتحلت العائلة المقدسة جنوباً ناحية مدينة القاهرة، وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية، متجهة ناحية المطرية وعين شمس، وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم. ثم سارت متجهة ناحية مصر القديمة، وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى فى طريقها لمصر القديمة، ثم ارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهة ناحية الجنوب، حيث وصلت إلى منطقة المعادى، وقد أقلعت العائلة المقدسة فى مركب شراعى بالنيل متجهة نحو الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء، وما زال السلم الحجرى الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجوداً، ثم وصلت العائلة المقدسة إلى قرية دير الجرنوس ومرت العائلة المقدسة على شرقى البهنسا حتى بلدة سمالوط، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير، ثم غادرت العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية، واتجهت نحو أشمون ثم اتجهت جنوباً ناحية ديروط، ثم إلى قرية قسقام ومنها إلى بلدة مير غرب القوصية، ومنها إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق، ومنطقة دير المحرق هذه من أهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثانى، ومكثت العائلة المقدسة حوالى ستة أشهر وعشرة أيام فى المغارة التى أصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهة الغربية من الدير، وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف الشيخ فى حلم قائلاً: قم وخذ الصبى وأمه واذهب لأرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى. وفى طريق العودة سلكوا طريقا آخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة، وباركته العائلة المقدسة، حيث بنى دير باسم السيدة العذراء، ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين، حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل، لتنتهى رحلة العائلة المقدسة على أرض مصر بعد أكثر من ثلاث سنوات ذهابا وإيابا، قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفى كيلومتر بوسيلة مواصلات وحيدة هى الحمار وعدة سفن وقوارب كانت تعبر بهم النيل.