عاصم الجزار: "الجبهة الوطنية" يعكس الهوية المصرية ويدعو لتفعيل المشاركة السياسية الواعية    متحدث "مياه الجيزة": عودة المياه تدريجيًا.. وحل الأزمة خلال ساعات    رئيس حزب الجبهة: الدول التي تسقط لا تنهض مجددًا وتجربة مصر العمرانية الأنجح    ترامب : نرفض اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين    برلماني: كان الأولى إغلاق السفارات الإسرائيلية ولكنهم ينفذون أجندة صهيونية    الأهلي يهزم إنبي 2-0 استعدادا لانطلاق مباريات الدوري    أمن أسوان يبحث لغز العثور على جثة شاب بين العمارات بمنطقة الصداقة    مدير "بروكسل للبحوث": فرنسا فقدت ثقتها في حكومة نتنياهو    خبراء ودبلوماسيون: أمريكا تعترف بالمجاعة فى القطاع بعد كلمة الرئيس بشأن فلسطين    يبدأ العمل بها 1 أكتوبر .. تعرف علي أسباب إنشاء المحاكم العمالية بالمحافظات واختصاصاتها    «شيكودى» يغيب عن بتروجت 3 أشهر للإصابة    ترامب: عقوبات جديدة على روسيا ما لم تنه الحرب في 10 أيام    المؤبد لتاجر وتغريمه مبلغ 200 ألف جنيه للاتجار في الهيروين بالقليوبية    «التعليم» تحدد موعد بداية العام الدراسي الجديد 2025-2026.. (الخريطة الزمنية)    إصابة 3 أشخاص بطلقات نارية فى مشاجرة بمدينة إدفو بأسوان    السفير المصرى لدى لبنان يعزي النجمة فيروز في وفاة نجلها زياد الرحباني    "جالي فيروس".. صبري عبد المنعم يكشف تطورات حالته الصحية    عمرو دياب vs تامر حسني.. من يفوز في سباق «التريند»؟    السياحة: وضع خطة تسويقية متكاملة لمتحف الحضارة    خالد الجندي : الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    أمين الفتوى : الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟    تحذير عالمي| سرطان الكبد يهدد جيل الشباب    لمرضى التهاب المفاصل.. 4 أطعمة يجب الابتعاد عنها    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    الغندور: صفقة تاريخية على وشك الانضمام للزمالك في انتقال حر    نقابة المهن التمثيلية تهنئ الفائزين بجوائز الدولة التقديرية فى الفنون والآداب    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    مبابي ينتقل لرقم الأساطير في ريال مدريد    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    محافظ الدقهلية يهنئ مدير الأمن الجديد عقب توليه منصبه    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة عبّاسة عندها 100 سنة وتبيع على فرشة «شبت وبقدونس» والست كرامات عندها 90 وواقفة على أقفاص برتقال
الاثنتان هربتا من جحيم الصعيد إلى نار القاهره الموقدة
نشر في اليوم السابع يوم 27 - 02 - 2009

سيدتان جاءتا من الصعيد.. تقابلك طلعة احداهن السبعينية فى شارع 9 بالمعادى، وتنطبع فى ذهنك صورة الأخرى الجالسة فى شارع جانبى من شوارع الملك فيصل وقد جاوزت التسعين من عمرها، فيتملكك الخجل والأسى أيضاً من جلسة امرأة من المفترض أن تكون أوكانت «بركة البيت» وسيدته وجدته هكذا! لا شئ سوى التجاعيد، وتراب الشارع وسخرية الصغار، لدى الأولى أقفاص من البرتقال وأمام الثانية «فرشة» خضرة وشبت وخس وبقدونس، أما التجاعيد الأخاديد فلن تمل عيناك تفحصها, ستقرأ عمراً وتفاصيل انسان وأشياءاً أخرى اضافية على خارطة هذه الوجوه المسنة والمقيمة بالشارع.
سبعينية المعادى بيضاء أنيقة تبدل شالها القطيفة الكحلى مع الأسود وهكذا أيامها يوم «كحلى» ويوم «أسود». وتسعينية فيصل سمراء بسيطة لا تملك غير شالها الأسود، وبرغم أن مابين السبعينية والتسعينية هو ما بين «محافظة حلوان مؤخراً» و«الجيزة» من مسافة وبعد، إلا أن الإنتماء إلى الطائفة المنسية.. «مسنات مصر» هو بالطبع ما يجمعهما وبشدة!
الحاجة «كرامات», احتراما وليس حقيقة فهى لم تحج بيت الله فضلا عن أن يكون لها بيت أصلا، من بنى سويف: «أنا بقى لى هنا زيادة على 12 سنة يابنتى بقعد فى زمهرير الشتا وصهد الصيف، ساكنة فى أوضة فى كوزيكا تقصد كوتسيكا وتفصلها عن المعادى محطتان بالمترو بدفع كل شهر 60 جنيه إيجار الأوضة، وبصرف من تمن البرتقان على نفسى وأختى الضريرة اللى قاعدة معايا».. وفين ولادك وأحفادك وجوزك يا حاجة؟ وبخفة دم وتكشيرة ردت: «قطعوا.. قطعوا كلهم أبوهم مات من زمان وسايبنى للغلب خدنا من الرجاله إيه؟!, وأهم العيال ولا كأنهم يعرفونى لا أنا ولا خالتهم محدش حنين غيره يا بنتى» وأشارت إلى السماء، وفى أثناء ذلك قامت فجأة امرأة أخرى فى الخمسينات كانت تجلس على مقربة منها واختطفت برتقالة وجريت: «يا ولية يا حرامية.. حرام عليك شقايا» هكذا صرخت الحاجة بانفعال، ثم استكملت: «أهى الست دى شحاتة، لمت النهاردة من القطر تقصد المترو 200 جنيه وكل يوم تيجى ع المغرب زى كده تصححهم من السوبر ماركو اللى قدامى ده وتخطف لها برتقانة وتجرى ده غير العيال الصغيرة اللى بيستغلوا ضعفى وإنى مش ح أقدر أقوم أجرى وراهم.. كله ياأمّايا بيخطف و.. يجرى! تواصل: واحدة زيى فى السن دى كانت تقعد فى بيتها على فرشتها ويخدموها ويراعوها لكن ح نعمل ايه آدينى واخدة الأوضة جنب الأرافة عشان ولاد الحلال ميتعبوش لما يروحوا يدفنونى. فى «فيصل» يمكنك ان تقابل الحاجة احتراماً أيضاً «عبّاسة» من محافظة قنا توفى زوجها من سنوات طوال أقامت بعدها فترة مع أبناءها الذكور الثلاثة حتى ملّوا منها وبدأوا فى تطفيشها ولأنها عزيزة النفس - كما تقول اتصلت بإبنتها نجاح أو «أم سيد»، سيدة فى الخمسينات من عمرها لتأتى تعيش معها فى «مصر» وبالفعل استجابت نجاح لرغبة أمها وأحضرتها من قنا لتعيش معها فى «المنشية» احدى عشوائيات حى فيصل: «أصلها الحنينة اللى فيهم ربنا يبارك لها. «أنا كويسة الحمد لله»، هذا هو كل ما تتمتم به عبّاسة اجابة عن أى سؤال. ابنتها أم سيد تبيع على «فرشة» خضرة وبجوارها خمس بنات وولد ونكبت هى الأخرى فى زوجها العاطل تقول: «هوه موجود ومش موجود.. أنا بصرف ع البيت وجوزت بناتى كلهم والولد، واتنين منهم اتطلقوا ورجعوا لى كل واحدة بتلات عيال وبقيت بصرف على ده كله، من وأنا سنى ست سنين وأنا شقيانة أبيع الخضرة والذرة، قلت لما اتجوز ح أستريح لكن بالعكس دقت المر ألوان، أنا بقالى 35 سنة متجوزة بطلع كل يوم من 8 الصبح لحد 8 بالليل ودلوقت بقت أمى تطلع معايا كمان ف ديلى وتعيط لو مخدتهاش معايا زى العيال الصغيرة والله بحوش لها علشان نفسها تلبس حلق دهب بدل اللى بيعه لها أخويا، نفسى تلبسه ولو ليلة قبل ما يجرى لها حاجة»!
تعيش أم سيد والحاجة عبّاسة والزوج العاطل والبنات المطلقات وأولادهن فى عشة سقفها من الخشب مساحتها 70 متر استطاعت أم سيد بناء حيطانها ب7 آلاف طوبة تبرع بها فاعل خير فى رمضان الفائت فقط كما استطاعت تكملة قسط الثلاجة وفيما عدا ذلك لا تملك غير غسالة مستعملة «نص عمر»، ومعنديش بوتاجاز ولا أى حاجة، بس الحمد لله ربيت عيالى وجوزتهم وكنا بنبات واكلين اللى موجود ان شاء الله شوية ملح وكمون وبصلة ولقمة بس ولادى ميخبطوش على باب, حتى الأرض دى كتبتها باسم أبوسيد, صحيح أنا اللى جبتها من لحمى الحى لكن أهو أبوالعيال برضه, بس مقدرتش أرمى لها أساس ولا حتى سقف، ومعرشاها خشب وبلاستك وبحتاس لما النطرة تنزل, ساعات بكلم نفسى وأقول لو أمى المتبهدلة معايا دى فى العفرة «سيخ حديد» كانت ح يتعمل لها قيمة لكن البنى آدم حتى لو كان رجله والقبر كده بقى رخيص أوى يا أبلة, نفسى أتكن أنا وأمى بعد شقى السنين دى كلها أنا وهيه بقينا جدات، شيخنا ولسه شقيانين!».. انتهى اللقاء مع عبّاسة وأم سيد، انصرفت ووقفت أحدق إليهما على ناصية الشارع.. أحسست أن ال100 عام من عمر عبّاسة ما هى إلا 100 من عمر «مصر» الجدة الأكبر لعبّاسة, تذكرت أيضاً الحاجة «كرامات» التى ليس لها من اسمها أى نصيب, يا ترى كم عبّاسة وكرامات مبدورات فى أرضنا من أقصاها إلى أقصاها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.