عبر الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، بأسلوب عذب ورقيق، فى رسالة عن اعتزازه وحبه العميق وتقديره لزميله الكاتب الكبير الراحل سلامة أحمد سلامة، بعدما قرأ مسودة كتابه "الصحافة فوق صفيح ساخن" وهى سلسلة من الكتب تتضمن عددا من مقالاته فى شتى نواحى الحياة، وأصدرت دار العين الجزء الأول منها، فكتب له مقدمة أوجز فيها رأيه ونسج ملامح قضية رفيقه فوصفه بالرجل النادر الوجود فى زمنٍ امتلأ بالسطحية. يقول "هيكل" ل"سلامة" قبل رحيله بالأمس عن دنيانا:إنك تفضلت وأرسلت لى المسودة المطبوعة لكتابك الجديد «الصحافة فوق صفيح ساخن»، راغباً بطريقتك الرقيقة وأسلوبك الراقى أن أكتب مقدمة له، وكان أول ما خطر لى حتى قبل مطالعة الصفحات أن شيئاً تكتبه لا يحتاج إلى مقدمة تمهد له، لكنى وقد عرفتك عن قرب وسعدت بزمالتك سنوات طويلة قدرت أن نزاهتك واستقامتك الفكرية واعتزازك المهنى، إلى جانب حياء إنسانى أحبه فيك وأحترمه كل ذلك كله على بعضه كما يقولون يفرض عليك نوعاً من الإباء والكبرياء يقيد قلمك فيما يتعلق بنفسك، ويمسك لسانك فيما يتصل بقيمتك، وتلك صفات الرجال الكبار الذين أصبح وجودهم نادراً فى زمان امتلأ بالفراغ وتعمق فى السطحية على حد تعبير صديقنا الكبير «كامل الشناوى»! دعنى أقل لك فى خطاب موجه إليك وليس مقدمة لكتاب إننى استمتعت بما قرأت، وظنى أنه جاء فى وقته موضحاً لقضية شغلتنى كما شغلتك، وقد كتبت أنت عنها لأنك مازلت فى الساحة الصحفية وأما أنا فقد انصرفت عنها أتابع من بعيد، وكذلك فإنى أستطيع أن أحس بهمومك ربما بأكثر قليلاً، مما يمكن أن يحس بها آخرون، فهذه المهنة التى أحببناها معاً تتعرض لتهديد ثنائى الخطر: من الداخل بسبب أحوالها الراهنة، ومن الخارج بسبب أحوال تكنولوجيا جاءت بها أزمنة جديدة. إن كتابك عن «الصحافة فوق صفيح ساخن»، يعكس أسلوبك المستغنى عن الإلحاح، فهى لمحات تعرض نفسها على الناس، وتقوم بمهمتها فى التنوير على طريقة الفنار فى اتساع البحر وعمقه، صرح يقوم شامخاً فى قلب جزيرة من الصخر، وهو يدور على ما حوله بومضات من ضوء نافذ إلى بعيد يهدى السائرين فى الظلمات، والفنار بالطبيعة لا يثقل على الباحثين عن شعاعه، وإنما هو يتحرك على دائرة كاملة، محتفظاً بموقفه ثابتاً لا يتغير، وهو ماض فى حركته بنظام وثبات، وحتى إن ضربت الأمواج صخوره فهو مستمر فى أداء دوره لا يتوقف ولا ينحرف. دعنى يا صديقى العزيز أؤكد لك أن كل السائرين فى هذا الليل الطويل ينتظرون الشعاع، لا يضيق بومضاته غير القراصنة الصغار، فهم يفضلون البحر ظلاماً دامساً معتماً، لكى يتسللوا تحت خفائه، كما يفعل هؤلاء الذين نسمع عنهم من قراصنة البؤس على سواحل الصومال. اكتب يا صديقى وانشر وتكلم، ودع الأمواج تتكسر على الصخر، ودع ومضات النور تلمع على سطح البحر فى كل اتجاه، وتنير كل بقعة تصل إليها، وأما الأمواج فليس فى مقدورها غير أن تغسل الصخور كل مساء، وترتد عنها كل صباح. سلمت يا صديقى وسلم عطاؤك نوراً وتنويراً.