العام 2025 يستحق أن يطلق عليه عام الانتخابات البرلمانية بامتياز فى مصر. الحالة الديمقراطية التى تعيشها البلاد فى اختيار نواب مجلس الشيوخ والنواب بالانتخابات الحرة المباشرة انطلقت فى أول يوليو الماضى مع بدء انتخابات الشيوخ التى استمرت حتى 4 سبتمبر الماضى، وبعدها دعت الهيئة الوطنية العليا للانتخابات الناخبين وإعلان الجدول الزمنى لانتخابات النواب يوم 4 أكتوبر الماضى والمستمرة حتى كتابة هذه السطور. المراقبون للانتخابات يعتبرونها أطول انتخابات برلمانية فى تاريخ مصر منذ تأسيس مجلس شورى النواب فى عهد الخديوى إسماعيل عام 1866، وتستحق الدخول الى موسوعة جينيس وهو ما يعنى بأنه اعتراف بتمسك الدولة – ممثلة فى الهيئة الوطنية للانتخابات أولا- وحرصها على اجراء وإدارة عملية انتخابية نزيهة وشفافة وبأقل درجة من التجاوزات الانتخابية التقليدية من بعض المرشحين.
وفى سابقة لافتة يوجه رئيس الدولة عبر حسابه الشخصى على فيس بوك إلى وجود تجاوزات غير مقبولة فى انتخابات الجولة الأولى مطالبا بضرورة ضبط المشهد الانتخابى، وهو ما يدفع الهيئة الوطنية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة وقرارات حازمة فى بطلان عدد من اللجان وقيام القضاء الإدارى ببطلان عدد آخر فى حوالى 49 دائرة بانتخابات الجولة الأولى، والتى جرت انتخابات الإعادة فيها على مرحلتين ثم انتخابات الجولة الثانية وانتخابات الإعادة فيها والتى تختتم مساء اليوم – الخميس- فى 55 دائرة فى 13 محافظة يتنافس فيها 202 مرشحا على 101 مقعدا.
اللافت فى الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب القادم أن أصوات المصريين بالخارج كان لها تأثير واضح فى تغيير نتيجة الانتخابات لعدد ليس بالقليل للمرشحين، وهو ما يعزز الحس الوطنى بالانتماء والحرص على المشاركة السياسية لدى أبنائنا فى الخارج، وتأكيدهم على حقهم فى الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية واختيار ممثلين لهم تحت قبة البرلمان، وهو المطلب العادل الذى نادوا به وتحقق لهم فى دستور 2014.
الأمر الثانى أن الانتخابات الفردية شهدت منافسة كبيرة وهو ما يعنى ميل المزاج الانتخابى المصرى إلى الانتخابات التقليدية والتاريخية فى المنافسة بين المرشحين الأفراد. بما يعنى أن هناك ضرورة لدراسة مسألة القوائم الانتخابية وتطويرها.
أيا كان ما حدث ووقع من بعض التجاوزات إلا أن الهيئة الوطنية للانتخابات والجهات المعنية المسئولة عن العملية الانتخابية كانت حريصة على المواجهة ومحاسبة المتورطين فيها. وهو ما يؤكد حرص الدولة على وجود برلمان يعبر بحق عن آمال وطموحات وهموم المواطنين ويجلس فوق مقاعده نواب قادرون على المناقشة والمتابعة والرقابة والمشاركة فى التشريع وإصدار القوانين. فالبرلمان القادم أمامه تحديات كثيرة وملفات حيوية فى مقدمتها الملف الاقتصادى والاجتماعى والقوانين المؤجلة من فصول تشريعية سابقة، كما أنه البرلمان الذى عليه الإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة وفتح النقاش والحوار حول ما انتهت إليه رؤية مصر 2030.
التنوع السياسى داخل البرلمان القادم ضرورة من أجل حياة وممارسة ديمقراطية حيوية وسليمة تليق بالجمهورية الجديدة التى شهدت طوال السنوات الماضية إنجازات هائلة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية وإعادة البناء والتعمير. وعلى الرغم من الطعون والبطلان وجولات الإعادة الا أن ذلك يمكن النظر اليه بأنه أمر إيجابى فى تصحيح مسار العملية الانتخابية وضبط المشهد الانتخابى وتعزيز الممارسة الديمقراطية.
بالتأكيد هناك ضرورة عقب انتهاء الانتخابات الحالية إلى دراسة ومناقشة ما حدث والاستفادة منه والخروج بتوصيات وقرارات تصب فى صالح انتخابات ديمقراطية أكثر شفافية ونزاهة وتواجه كافة المظاهر السلبية التى تم رصدها خلال الانتخابات الحالية.