خمسة عشر عامًا فقط، لكنها كانت كافية لتترك في القلوب أثرًا لا يمحى، حيث رحلت الطفلة رودينا، تلك البريئة التي بدت وكأنها كانت تعرف أن عمرها قصير، فاختصرت في سنواتها القليلة معاني الطهر والصفاء والنقاء. لم تكن رودينا مجرد طالبة متفوقة أو حافظة لكتاب الله عز وجل، بل كانت روحًا مضيئة تمشي على الأرض، كانت تدخل أي مكان فتملأه دفئًا وضحكًا، وتترك خلفها شيئًا من النور لا يزول. في قرية "طناش"، التي اعتادت على البساطة والهدوء، تبدل المشهد ذات صباح حين عمها خبر رحيلها المفاجئ، فخرجت البلدة عن بكرة أبيها، رجالًا ونساءً وأطفالًا، يودعون تلك الزهرة الصغيرة التي خطفها الموت قبل أن تكتمل أحلامها، فمشهد التشييع كان مهيبًا، صامتًا إلا من الدموع، وكأن القرية بأكملها فقدت ابنتها. كانت رودينا مثالًا في الأدب والعلم والإيمان، كل من عرفها يقول إنها كانت "غير عادية"، طفلة بملامح ملاك، تجمع بين الذكاء والتواضع، وبين الطفولة والرشد المبكر الذي لا يفسر إلا بأنه استعداد للرحيل. رحلت رودينا، لكنها لم تمت في قلوب من أحبوها، تركت خلفها درسًا في أن العمر لا يقاس بعدد السنين، بل بما نزرعه من أثر في نفوس الناس. وفي وداعها، بكى الجميع لأنهم أدركوا أن خمسة عشر عامًا لم تكن كافية لطفلة علمت الكبار معنى الصفاء، وأيقظت فيهم حنينًا للحياة النقية التي تشبهها، فسلام عليها فى الأولين والأخرين…سلام على روحها الطاهرة..وليلهم الله والديها وأهلها وكل أهل طناش الصبر والسلوان.