في زمن صلب، القلوب اللينة تُشبه الورود التي تُصر على التفتح وسط الأسمنت، يُحسب عليها ضعفها، ويُنسى أنها تملك ما لا تملكه الجبال من عطف، ورقّة، وقوة خفية لا تُرى. لين القلب ليس رخاوة في الشخصية، ولا سذاجة في الفهم، بل حُسن تربية ودقة شعور، أن يلين قلبك، معناه أن تسمع أنينًا لا يُقال، وأن ترى وجعًا لا يُعلن، وأن تُسارع بالخير قبل أن يُطلب منك، هو أن تُخفف عن الناس دون أن تشرح لهم كيف تعلمت ذلك، وأن تترك فيهم أثرًا لا يُمحى بمجرد أن ترحل. القلب اللين لا يعني أن صاحبه بلا حدود، بل يعني أن إنسانيته لا تُختزل في الردود القاسية، ولا تُقاس بموازين الربح والخسارة، هو يعرف متى يقول لا، لكنه لا يقولها بصوتٍ يُجرّح، يُدرك متى يُغلق الباب، لكنه يترك خلفه وردة. الناس تظن أن القلب القاسي هو القوي، بينما الحقيقة أن القسوة درع من ضعف، هروب من المواجهة مع الشعور، أما اللين، فهو السير عكس تيار الخشونة، صعودٌ في زمن الانحدار نحو البلادة، أن تملك قلبًا طريًّا وسط عالم يُقاسيك، هو بطولة من نوع خاص. لين القلب لا يعني أن تُنسى نفسك، بل أن تتذكّر الآخرين دون أن تُهملها، أن تمنح، لكن دون أن تُستنزف، أن تُسامح، لكن دون أن تُهان، أن تُبادر، دون أن تنتظر التصفيق، هو توازن دقيق بين القوة والرحمة، بين الحسم والحنو، بين أن تكون حازمًا دون أن تُصبح حجرًا. في كل بيتٍ قلبٌ ليّن يلمّ الشتات، وفي كل حكاية ناجية روح رقيقة أعادت للّيل ضوءه، من يملك لين القلب يملك مفاتيح لا تُصنع من الحديد، بل من الحكمة والرفق، من التفاصيل الصغيرة التي تُرمم الكسور قبل أن تُعلن الكسر. نحن بحاجة لقلوبٍ لينة لا تخجل من دمعتها، ولا تتوارى خلف قناع الجفاء، قلوب تفهم أن الإنسان مهما ادّعى القوة، يبقى كائنًا هشًا يحتاج من يربّت على وجعه، لا من يُذكّره بخيبته. وكم من موقف أنقذته لمسة حنان، وكم من نزاع طوّقته كلمة طيبة، وكم من جرح التأم بصوتٍ دافئ لم يُلقِ اللوم، بل احتوى. فلا تخشَ أن يكون قلبك ليّنًا، فالرقة لا تُقلل من قيمتك، بل ترفعك في ميزان الإنسانية، وكل قلب رقّ، قُدّ من نور، لا من ضعف، في زمن يتفاخر بالقسوة، كن أنت المختلف، كن النبيل.. بقلبٍ لا يجرح، ولا يُجرّح.