نيران تسري في العروق, لهيب يستعر بين الحين والآخر فيشعل في قلبك جمرات لا تطفئها أنهار الدموع, وعيون تطرد النوم عمدا, فكيف تنام في حضرة حبيب موجوع وليل يطول كلما طالت حبال التمني والأمل, في انتظار بزوغ فجر بعييييييييد المنال قد يجيء علي حين غرة وتخشي أن يرحل دون أن تمسك به. فجر تحلم فيه بتفاصيل حياة تشرق عليها شمس دافئة لا تعرف الجحيم, ونسمات طيبة تروح وتجيء تمسح الحزن عن قلوب المحبين, شمس لا ترحل إلا إذا تركت خلفها ابتسامة علي وجه طفل صغير يغط في نوم هادئ ليطارد حلما جميلا ينسجه صوت أمه وهي تقص عليه حواديت وردية تترك له مهمة تلوينها في أحلامه بألوان مبهجة لا تعرف من اللون الأحمر إلا أوراق الورود والبالونات المحلقة نحو السماء معلنة كل يوم عيد حب جديد, بعيدا عن ألوان الجراح والهموم, وتفاصيل تخلو من الخوف والفزع ولا تعرف من الدموع إلا دموع الفرحة والحنين. ما أصعب أن تسهر أسيرا لهوي يجتاح كل كيانك فيفقدك كل طاقتك علي الصبر, ويفقدك في نفس الوقت أية قدرة علي اليأس والنسيان, هوي لا تملك إلا أن تتشبث أمامه بأمل ولو كان مستحيلا, فلا تملك من أمرك اختيارا, تبكي فتنزل دموعك حارقة, وتتساءل.. لماذا لا يخبو هذا اللهيب يوما.. ثم تدعو الله ألا يخبو أبدا, ولماذا رغم الجفاء يعربد في ضلوعك ويعصف بك.. ثم تسأل الله منه المزيد, هوي يفقدك لذة الشعور بأي فرحة تمر بها, فكيف تفرح في حضرة حبيب جريح.؟ ما أصعب أن يحتلك عشق أحادي الطرف, ومع ذلك لا تشعر بالغيرة من كثرة المحبين, بل تبتهل ويصلي قلبك داعيا الله بأن يبتلي به الجميع حتي لا يدع علي الأرض من الكارهين ديارا. عشق لحبيب يستنزف من عيونك دموعها ومن عقلك تفكيره ومن قلبك نبضاته ومن حياتك الحياة, لا تستوعب معه مجرد فكرة ابتعادك عن الحبيب للحظات خوفا عليه من أطماع الذئاب وتربص المحتالين, فتبيع له أيامك دون أن يطلب منك, وتبقي حارسا له حتي وهو لا يشعر بك.. واهبا له الكثير مما تملك ومما لا تملك, حتي لو نال منه غيرك ما تحلم أنت به.. واكتفيت أنت بتمثيل دور السعيد!!. ما أصعب أن تعلن عشقك الصادق في زمن الزيف والرياء, زمن خلت فيه القلوب من المشاعر وفرغت فيه النفوس من المبادئ واكتفت بامتلاء الأرصدة, فتبتلع عشقك مترفعا عن الدخول به لمزاد المصلحة, عشق تعطيه كل شيء ويضن عليك بأقل شيء, ولا تملك إلا أن تمنحه المزيد, وكأنك مسلوب الإرادة مسحورا بتعاويذ لا تعلم من أين أتتك.. هل أصبت بها وأنت طفل تلهو في فناء مدرستك وتتشبث بساري العلم لتدور حوله عدة مرات حتي تصيبك دوخة تشعرك بأن كل ما حولك مجرد سراب إلا ساري العلم الذي تمسك به فيحفظ توازنك ويمنعك من الوقوع, أم ربما أصابتك التعاويذ مع أول صرخة صرختها بعد ميلادك, فأذن مؤذن في أذنك اليمني لا إله إلا الله, وفي اليسري أقام الصلاة في رحاب هذا الوطن, أو ربما تجرعت هذه التعاويذ من حبل سري عندما كنت جنينا فأحببت رائحة الأرض الطيبة من نبات طعمته التي أتت بك للحياة, ومشت تحت أشعة الشمس إليك شهورا طويلة لتمنحك قوة تفتل بها ساعدك وتمنحك ظهرا لا ينكسر وسواعد لا تلين. ما أقسي أن تقع في غرام لا تعرف متي تسلل هواه إلي كيانك, وما أصعب أن تعشق أرضا تضع في طريقك العراقيل من حيث شئت أن تمهد طرقاتها, أن تعشق وطنا غرس في كل شبر منه لغم وعميل, وطنا لا تملك أمام أوجاعه إلا أن تخفي أوجاعك وتتظاهر بالشجاعة والقوة والإيثار, ولا تملك أمام جراحه إلا أن تهبه من دمائك المزيد. ما أجمل أن تعشق وطنا يدعي مصر.. وما أصعب أن تري هذا الوطن عاجزا عن احتضانك فترفق به.. لأنه وطن جريح!.