لقد كبرت علي فكرة الوطن العربي والوحدة العربية وأن العدو الوحيد أمامنا هو العدو الصهيوني.. كل الدول العربية هي بلادي وأصلي مصري فتشربت بهذه الفكرة وعشقتها "لا أدري لماذا تأتي الأحزان دائماً للنساء، ولماذا هن فقط من يسعين للبحث عمن يغيثهن ويساعدهن حتي في البرامج الدينية أو الحياتية المختصة بسماع شكاوي الناس تجد أن أغلبية المتصلين والمتابعين من النساء، هل لأن معظمهن ضعيفات بلا حيلة ولا حول لهن ولا قوة؟ هل لأن المرأة العربية في مجتمعاتنا الذكورية هي المقهورة دائماً وهي من تبحث دائماً عن معين؟ عن من يمنحها شرعية للحصول علي حقوقها التي لاتعرفها، وإن عرفتها فهي لاتعرف كيف تحصل عليها؟ إن المجتمع الذكوري نفسه الذي يمنح الرجل الحق في كل شيء، في الحب بلا خوف ولاحياء، في الاختيار بلا ضغوط.. في الحرية المتناهية بلا حدود أو شروط أو قيود. في الضحك بصوت عال دون أن يتهمه أحد بقلة الأدب، في الرقص، في السفر وفي السهر.. هو الحق نفسه الذي يحصل عليه في الخطيئة دون أن يوجه له اللوم وهو ما يدعوه لاعتبار خطاياه مدعاة للتباهي والفخر "أسئلة مشروعة تطرحها الأديبة "سلوي علوان" من خلال روايتها "امرأة خائفة" التي صدرت عن هيئة قصور الثقافة بغلاف متميز للدكتور خالد سرور في حوار مع الكاتبة سألتها: أشعر ان بطلة الرواية ليست ضعيفة ولا خائفة بل إنها قوية وجبارة في كل ما تواجهه ما رأيك؟ - تقول: بطلة الرواية ليست ضعيفة وهناك فرق بين أن تكون ضعيفة وخائفة أو قوية وحاذقة.. هي شخصية قوية.. ثائرة.. متمردة.. مناضلة.. سافرت إلي مناطق حرب.. طلبت الطلاق في مجتمع يرفض الطلاق.. وإصرارها علي العمل وهو مخالف لقانون العائلة، ولكن ما كان يوجعها هو العادات والتقاليد التي تعود بنا إلي الخلف ومع ذلك كانت تتمرد علي الخوف. رواية سلوي هي رواية "وجع" بكل معني الكلمة وجع ينبع من الإحساس بالضياع في وطن كل ما فيه صعب عاداته.. تقاليده.. فقر.. أمية.. ظلم.. تخلف ورغم كل ذلك فإن وجعها لايقتصر علي مصر بل يمتد إلي وجع الأمة العربية في لبنانوالعراق وغزة وغيرها وأسألها: تحملني كل هذا الوجع الذي رصدته في روايتك؟ لقد كبرت علي فكرة الوطن العربي والوحدة العربية وأن العدو الوحيد أمامنا هو العدو الصهيوني.. كل الدول العربية هي بلادي وأصلي مصري فتشربت بهذه الفكرة وعشقتها وأصبح أي شيء يحدث في لبنان وكأنه حدث عندنا في إمبابة، ويوم احتلال العراق لم أنم لمدة ثلاثة أيام.. في هذه الفترة كنت أشعر أنني في أشد الحاجة لطبيب نفسي وجاءت الكتابة لتفريغ هذه الشحنة الغاضبة شحنة مشاهد مقتل "محمد الدرة" التي لن تجعل نساء العالم أجمع ينامون لأن كل منا بداخله أمومة حتي التي لم تتزوج تعتبر عروستها ابنتها.. فكانت وجعيتي كأم الأصعب.. كمصرية وكبني آدم عربية وبوجع إنساني عام لاعلاقة له بدين ولا بوطن "محمد الدرة" لم يجعلني أنام لمدة ثلاثة أو أربعة شهور كأن طيفه يحوم حولي في المنزل، وتعمدت أن تكون بطلة الرواية صحفية لكي أضع في الرواية كل الشحنة التي أخذتها والأحداث الانسانية.. كنت أحمل مهنتي علي كتفي كرسالة إنسانية وليست صحفياً وهذه البصمة الحقيقية التي كنت أراها عند كل واحد.. الهم العام لاينفصل عن الهم الخاص.. لأن التي عاشت الامر الخاص.. هي.. هي التي لديها مشاعر الهم الشخصي. تعويذة جدتي "الأولة باسم الله.. والثانية باسم الله والثالثة لا حول ولا قوة والرابعة رقوة محمد بن عبدالله.. رقيتك السبع رقوات.. رقوة محمد علي عرفات.. من عين المرافيها شرشرة.. من عين الراجل فيها سفناجر ومن عين أمك من خوف ليحسدوك.. طلع البرية لقي العيون الردية بتنح نبح الكلاب.. بتعوي عوي الدياب قال: رايحة فين يا ملعونة؟ قالت: أخرب الدور وأعمر القبور.. قال: خد عليّ سليمان بعهد الله والخاين يخون الله، لا أطلعك بلد ولا أدلك علي بنت ولا ولد.. يابير بلا قعر.. ياكف بلا شعر والعين عنك ياضنايا تفترق كما أفترق الندي عن الورق.. رب المشارق والمغارب لايغلب علي الله غالب، ميه وأربعين سورة علي جتتك مشورة تكفيك شر الحسد والنفس والعين والضرر. حدراجة بدراجة.. والعين عنك باردة.. إطفي ياعين.. إطفي ياعين". وأسألها: كما هو واضح في الرواية أنك تأثرتي بأمك وجدتك وبالموروث الشعبي من خلال أغاني الأفراح والرقية الشرعية لجدتك ما سر هذا الارتباط؟ تقول: أنا من النوع العاطفي.. وكانت أمي - رحمها الله - شديدة الحنية مثل كل أم مصرية.. كريمة من مشاعرها وحياتها وكنت أول مولود لها وقد تزوجت في سن صغيرة ولما كبرت أصبحنا مثل الأختين أما الرقوة الشرعية فهي التي كانت ترقيني بها "جدتي" التي كانت لاتؤمن بالأطباء ولا بالدواء ولهذه الرقوة حكاية فقد نسيتها منذ فترة طويلة وعندما كانت أمي مريضة في نهايتها طلبت منها أن تقولها لي وبالفعل كتبتها في الرواية لأن هذا هو ميراثنا التاريخي الذي لايمكن أن ننساه أو نتخلي عنه، وفي رأييّ أن البنت في الرواية هي "الوطن" وهي تجسيد وتعبير عن كل ما يحدث في السبعينات والثمانينات عندما كان الوطن في أحسن حالاته كانت السيدة المصرية أيضاً في أحسن حالاتها وطوال فترة الكتابة كانت هناك رمزية دائمة بين المرأة والوطن وموت الأم في الرواية كان رمزاً لموت السند الذي كنت أرتكز عليه. وأسألها: هل أفادك عملك في الصحافة في تجسيد صورة البطلة؟ نعم أفادني جداً لأني كنت مسئولة عن البريد الانساني الذي أحبه وأميل إليه كثيراً وهذا واضح لأنه يلمس في كل شيء ولأن كل شيء يدور حولنا يصب في نفسية فرد وبني آدم في حياته وتفاصيله.. لجأت في نهاية الرواية إلي النهاية المفتوحة ليس فيها إشارة إلي لمحة أمل أو بشارة لماذا؟ هدف كان التعبير عن الوضع في البلد وما قصدته أننا مازلنا في حالة توهه، لازلنا تائهين في قضايا عامة وقضايا خاصة ومرتكبين في وسط بعض.. ولذلك جعلت البطلة تتلاشي في وسط الناس.. النهاية تنسق مع الاحداث والوجع والخوف والأحزان.. فلا يمكن أن أصدم القاريء بنهاية مفاجئة.. فالشخصية الموازية للبطلة وهي البطل لن ينعدل حالة فجأة فيصبح ذلك غير منطقي، بالإضافة أنه كان لديّ رمزية أخري وهو أن كل واحد ماشي من البشر بداخله حكايات وأحداث وأوجاع وخوف وذكريات وحب وكره وتفاصيل كثيرة وبرغم أننا نسير جنباً إلي جنب فلا أحد يعلم شيئاً عن الثاني فاخترت نموذجاً من وسط الملايين التي تسير فوق أرض مصر وتكلمت عنه فتخيلي يطلع من جواه كل الأحداث والذكريات. بالرغم من أنك تعملين بالصحافة ولابد أن اللغة الصحفية لها طابع خاص إلا أنها لم تؤثر عليك وفوجئنا بلغة أدبية راقية؟ الحمد لله.. في الأساس ربنا يعطي الانسان موهبة وأريد أن أقول لك وأقسم علي ذلك أن (يد) ربنا سبحانه وتعالي كانت في هذه الرواية من أول نقطة من أول ما مسكت القلم.. وعندما أبدأ في الكتابة كان يركبني لا أقول شيطان الكتابة لأنه كان ملاك.. أو وحي لم أكن أستطيع السيطرة علي يدي ولا أعرف ماذا اكتب.. وبعد أن أنتهي أشعر بالتعب الشديد لدرجة البقاء من الساعة التاسعة صباحاً وحتي السادسة مساء وأنا لا أشعر بنفسي وكأني جريت مشوار طويل وعندما أراجع ما كتبته أشعر وكأن هناك قوة خفية من عند الله.. وهي موهبة يعطيها الله سبحانه وتعالي لمن يريد.. ربما يستثمرها صح أو يستثمرها خطأ حسب ضمير كل واحد وقلبه وأتمني أن أكون قد استثمرتها صح.. كتابة بطعم الملح تقول المؤلفة: "عن مصر التي تبدلت ملامحها، وتغيرت أحوالها وعانت معالمها شتي ألوان الفساد والجهل والقسوة وبكي ماضيها.. حاضرها ومستقبلها.. مصر التي خافت ولم تكن تخاف.. مصر المحروسة التي لم تعد محروسة بقاهرتها التي لم تعد قاهرة.. عن وطن نشعر فيه بالغربة.. عن أحلام ضائعة ووطن مذبوح يتملكه الخوف.. تري كيف نكون وكيف يكون وجه الحياة عن كل هذا.. ومن كل هذا.. اكتب روايتي". أسألها: هناك بعض الملاحظات في الجزء الأول من الرواية أولاً هناك نوع من الإطالة ثانياً: أشعر وكأنك تكتبين عن أمرأة ليست موجودة في هذا القرن.. بالاضافة إلي كثرة الفلاش باك كثيراً وكذلك الترتيب الزمني للأحداث سبب لي كثيرا من الربكة.. ما تعليقك؟ - معك حق.. الجزء الأول من شخصية البطلة تحدثت بالفعل عن شخصية لم تعد موجودة وفي نهاية الفترة الأدني تمردت البطلة علي الأحداث فخلقت شخصية أخري ظهرت فيها وقتها رغم خوفها.. الشخصية الأولي كانت مقهورة غير قادرة علي التمرد ومقهورة حتي قررت أن يكون هذا الجزء من الماضي بضعفه، بقلة حيلته، بموروثه وحينها تولدت شخصية جديدة.. نقلة من شخصية لأخري.. أما الفلاش باك فأنا لم أحب أن أسير بتسلسل زمني من كثرة الأحداث حتي لايصاب القاريء بالملل، فكنت أتنقل بين الأزمنة والأحداث كنوع من النقلة من مكان لمكان هي لايزهق القاريء. هل تجربة سفرك لقانا من لبنان وقت تعرضها للمذبحة حقيقي؟ - للأسف لا.. لكني كتبت عن قانا وقت الحرب فعلاً وكانت من أحسن الحاجات التي نشرت بالرغم أنها كانت عن أشياء سيئة، لكن ساعات يحدث لك حالة من كثرة التأثر والمصداقية لمشاعرك فيحدث لك حالة تجلي.. فقد كنت أشعر وقت كتابة هذا الوضع أنني موجودة في رض الواقع وأتابع لحظة بلحظة ولا أنام فعلاً وعندما كتبت كتبت كما لو كنت علي أرض الواقع. في النهاية تقول بطلة الرواية مجسدة ألمها فيما حدث للوطن في مرحلة هامة من تاريخه: من يسرقون أحلامنا وأموالنا ينهبونها باسم الدين والشرف، من يقايضون بنا ببضع أوراق من النقد الأخضر، لماذا لم يعد في وطننا حلم، لماذا لم يُعد في وطننا رمز؟ لماذا لم يعد في وطننا وطن؟ هل تتجزأ المباديء، كيف تكون أنت هكذا؟ هل تتجزأ المباديء فيعيش الإنسان نفسه ونقيضه معاً؟ عندما نعتاد علي القبح يصبح جزءاً منا؟ وعندما نعتاد علي الجمال نصبح جزءآً منه، وها نحن نعيش في وطن نمارس فيه قبحنا منذ الصباح وحتي المساء ثم نضع أقنعته الثلاثية المقدسة: الدين، الشرف، الوطن".