يفعات تومر يروشالمى هى لواء (ميجور جنرال) فى قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF)، شغلت منصب المدعى العسكرى العام منذ 1 سبتمبر (أيلول) 2021، وعملت سابقًا مستشارة للشؤون الجنسانية لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى. فى 31 أكتوبر (تشرين الأول)، استقالت بعد اعترافها بتسريب لقطات تظهر الاغتصاب الجماعى لسجين فلسطينى فى سجن سدى تيمان فى 5 يوليو (تموز) 2024. تم بث الفيديو الصادم على القناة 12 فى 6 أغسطس (آب) 2024. تُعد تومر يروشالمى مُبلّغة عن المخالفات، وهى الآن قيد الاعتقال، ويخشى أنصارها على سلامتها. يصفها أنصار حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة بالخائنة، فى حين يصفها منتقدوه بالبطلة. تركت رسالة لعائلتها، ثم اختفت. كانت السلطات تبحث عنها برًا وبحرًا باستخدام المشاعل والمروحيات بعد أن أبلغت عائلتها الشرطة عن فقدانها. ومع ذلك، عثر عليها آمنة على شاطئ فى تل أبيب فى 2 أكتوبر (تشرين الأول)، واعتُقلت لاحقًا. السبب الجذرى للقضية هو الفصل العنصرى (الأبارتهايد) الإسرائيلى، وهو نظام من الفصل والتمييز المُمَنهج فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وبدرجة أقل، فى إسرائيل نفسها. يتميز هذا النظام بالفصل المادى شبه الكامل بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية، بالإضافة إلى الفصل القضائى الذى يحكم كلا المجتمعين، والذى يميز ضد الفلسطينيين فى مجموعة واسعة من النواحى. وفقًا لمنظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية، «يطبق النظام الإسرائيلى فى جميع الأراضى التى يسيطر عليها (الأراضى الإسرائيلية السيادية، القدسالشرقية، الضفة الغربية، وقطاع غزة) نظام فصل عنصرى. ويكمن مبدأ تنظيمى واحد فى أساس مجموعة واسعة من السياسات الإسرائيلية: وهو تعزيز وإدامة تفوق مجموعة واحدة -اليهود- على مجموعة أخرى- الفلسطينيين». يتمتع السجناء اليهود فى إسرائيل بحقوق، لكن الفلسطينيين لا يتمتعون بها. تنظر الثقافة اليهودية الإسرائيلية إلى غير اليهود على أنهم شعب أدنى، يصل إلى حد اعتبارهم غير بشريين. لو تعرض سجين يهودى لاغتصاب جماعى، ستعثر السلطات على المتورطين وتعاقبهم بأقصى درجات القانون. لكن، عندما يتعرض سجين فلسطينى لاغتصاب جماعى على أيدى جنود يهود، يُطلق على المغتصبين لقب «أبطال». سربت تومر يروشالمى الفيديو لأنها كانت تهتم بالإجراءات القانونية، ورأت أن هناك انهيارًا خطيرًا فى النظام القانونى فى إسرائيل. كان المتطرفون يصفون جنود الجيش الإسرائيلى بالأبطال، وكانت هى تعلم أن القانون العسكرى هو العمود الفقرى لأى دولة. بمجرد أن ترفض القانون العسكرى، يسود قانون الغاب، ولا يمكن لأى تسلسل قيادى أن يستمر. تحب دولة إسرائيل اليهودية أن تتباهى بأنها قائمة على الديمقراطية. ومع ذلك، بمجرد رفض النظام القانونى ووصفه بأنه غير وطنى، لا تصبح الدولة ديمقراطية. أصدرت الأممالمتحدة تقريرًا بعد مراجعة القضية، وأشارت إلى أن السجناء الفلسطينيين فى سدى تيمان كانوا غالبًا مكبلين، ومجبرين على اتخاذ أوضاع مجهدة، ومحرومين من استخدام المراحيض والاستحمام، ويتعرضون للضرب، بمن فيهم الأطفال. واجه بعض السجناء عنفًا جنسيًّا، مثل اللواط، والصدمات الكهربائية، والاغتصاب. أظهر الفيديو المسرب جنودًا إسرائيليين يمسكون بسجين فلسطينى معصوب العينين ويأخذونه جانبًا، ثم يحيطون به بدروع مكافحة الشغب لمنع رؤية الاغتصاب مباشرة. «لمدة 15 دقيقة، قام المتهمون بركل المعتقل، والوقوف على جسده، وضربه ودفعه فى جميع أنحاء جسده، بما فى ذلك بالهراوات، وسحبوا جسده على الأرض، واستخدموا مسدس الصعق الكهربائى عليه، بما فى ذلك على رأسه»، حسبما جاء فى لائحة الاتهام الأصلية. كشفت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية عن التقرير الطبى الذى أدرج إصاباته على أنها تمزق فى الأمعاء، وإصابات خطيرة فى الشرج والرئة، وكسور فى الأضلاع نتيجة للاعتداء، وقد احتاج إلى عملية جراحية لاحقًا. كان سياسيو الائتلاف اليمينى لنتنياهو، إلى جانب آخرين، غاضبين من خضوع جنود الجيش الإسرائيلى للتحقيق فى الانتهاكات، وبعد اعتقال الجنود فى 29 يوليو (تموز) 2024، جرت محاولة لمنع اعتقالهم شملت اقتحام منشأة احتجاز وقاعدة عسكرية. اعتُقل نحو تسعة جنود من الجيش الإسرائيلى لمشاركتهم فى الاغتصاب، وأُطلق سراح أربعة منهم بسرعة، وبقى خمسة فى الاحتجاز. فى فبراير (شباط)، وُجّه الاتهام إلى الخمسة بإساءة معاملة السجين الفلسطينى على نحو خطير، ولكن لم يتم تضمين تهمة الاغتصاب.. وما زالت المحاكمة مستمرة. هدد إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، تومر يروشالمى فى يوليو (تموز) 2024 عقب اتهامات الاغتصاب الموجهة ضد الجنود. انتقد بن غفير النظام القضائى الإسرائيلى بعد تسريب الفيديو، وحث على «محاسبة جميع المتورطين فى القضية». أصر بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، على وسائل التواصل الاجتماعى، على أنه يجب معاملة المغتصبين المزعومين «كأبطال، وليس كأشرار». كان سموتريتش هو الذى دعا إلى إجراء تحقيق جنائى للعثور على مسربى الفيديو الفيروسى الذى كان «يهدف إلى إيذاء الجنود، وتسبب فى ضرر كبير لإسرائيل فى العالم»، وطالب ب«إنزال أقصى درجات العقوبة القانونية بهم». بعد استقالة تومر يروشالمى، اتهمها سموتريتش بالفساد، وتشويه سمعة الجيش الإسرائيلى، وهو ما يرقَ إلى اتهام بالخيانة. يُعد سموتريتش وبن غفير من أشد المؤيدين لمحاولات نتنياهو المستمرة لإضعاف القضاء، وتقليل رقابته السياسية. ذكّر يائير غولان، زعيم «حزب الديمقراطيين»، أن رئيس الوزراء يتسحاق رابين قد تعرض للتحريض نفسه الذى تعرضت له تومر يروشالمى قبل اغتياله فى عام 1995 على يد متطرف يهودى يمينى، هو إيغال أمير. «بعد ثلاثين عامًا من اغتيال رابين، يستمر هذا النهج نفسه فى وصم (الخونة) وتشجيع العنف السياسى. لن يتوقف التحريض إلا بعد إزالة أولئك الذين يقودونه من السلطة»، كما نشر غولان على منصة إكس (X). وقال غادى آيزنكوت، العضو السابق فى الكنيست عن «أزرق أبيض»: «حتى لو حدثت أخطاء وإخفاقات، فإن التحريض على العنف ضد موظفى الخدمة العامة خطير ومدمر»، وأضاف: «التحريض والخطاب التحريضى يمزقان إسرائيل من الداخل». هناك جدل بشأن من سيحل محل تومر يروشالمى، مع مطالبة البعض باختيار خبير قانونى مدنى. ومع ذلك، يتطلب قانون القضاء العسكرى الإسرائيلى أن يكون المدعى العسكرى العام «محاميًا عسكريًّا لديه سبع سنوات على الأقل من الخبرة القانونية». يرى المواطنون الإسرائيليون ضرورة كشف الانتهاكات من أجل مصلحة البلاد على المدى الطويل. إنهم يخشون أن تعانى بسبب شجاعتها فى إظهار ما يحدث للجمهور عندما يتم تجاهل سيادة القانون. لقد تأثرت كثيرًا صورة إسرائيل بسبب الحرب على غزة. خرج الناس فى جميع أنحاء العالم إلى الشوارع للاحتجاج على مقتل 60،000 فلسطينى، وهو ما اعتبر إبادة جماعية. فرضت بعض الدول الغربية عقوبات على إسرائيل، واعترفت كثير من الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة الآن بالدولة الفلسطينية. رأى المواطنون الإسرائيليون صورة بلادهم تتشوه إلى حد وصفها ب«الدولة المارقة». وبينما لا تعترف حكومة نتنياهو بحقوق الإنسان للفلسطينيين، لا يتفق جميع المواطنين الإسرائيليين مع هذا. * صحفى سورى أمريكى مختص بالشأن الأمريكى والشرق الأوسط ينشر بالتعاون مع CAES مركز الدراسات العربية الأوراسية