تأمّل الصباح، حين ينهض العالم على استحياء، والشمس تُطلّ بخجل من خلف النوافذ. لحظةٌ يبدو فيها الزمن كأنه طفل لم يخطُ بعد، ينتظر من يُمسك بيده ويقوده. فى تلك اللحظة، يولد سرّ من أسرار الحياة... شىء يمكن أن نُسمّيه «طاقة الوقت». الوقت ليس مجرد أرقام تمرّ على شاشة تليفونك، أو عقارب تتحرك على ساعة الحائط. الوقت كائن حى، يتنفس معك، يحزن حين تهدره، ويفرح حين تملأه بالمعنى. ولعلّ أجمل ما فى الوقت أنه يُعطيك ذاته كاملة فى كل لحظة... دون مقابل، سوى أن تحترمه. استغلال الوقت لا يعنى الركض خلف المهام، ولا الجرى فى سباق الحياة بلا توقّف. أحيانًا، يكون استغلال الوقت هو أن تقف، أن تتأمل كوب قهوتك الساخن، أن تبتسم فى وجه أمك، أن تقرأ سطرًا واحدًا فى كتاب يشبهك، أن ترى تلاحق أمواج البحر أو براءة طفل أو تلتقط صورة للطبيعة. أن تتعلم كلمة جديدة أو معنى جديد، أن تُصالح الحياة وتُسقط تفاهات الحياة، أن تساعد إنسان أو تُسعد إنسان، أن تمشى خطوتين فى الاتجاه الصحيح وتُنجز أشياء تطمئن قلبك، أن تعرف قيمة ماتملك وروعة مامعك من نِعم. الوقت لا يقاس بالساعات، بل بما تفعله فى تلك الساعات. دقيقة صدق قد تساوى سنوات من التكرار، ولحظة صفاء قد تغيّر مسارًا كاملاً. فالمسألة ليست فى كثرة ما ننجز، بل فى عمق ما نعيشه. قد تعمل يومًا كاملًا ولا تشعر بشىء، وقد تمر لحظة واحدة، فتترك أثرًا لا يُمحى. العمر ليس أطول من شريط سينمائى، لكنّه يمتلئ بلقطات نختارها نحن. فهل نختار أن تكون لقطات ضائعة؟ أم مشاهد حقيقية، نعيشها بكامل مشاعرنا؟ إن طاقة الوقت لا تُمنح لمن يملكون الكثير منه، بل لمن يُحسنون فهمه. الوقت لا يعود هذه قاعدة لا خلاف عليها، لكن مع كل صباح، يمنحك فرصة جديدة لتبدأ... لتتغيّر، لتُصلح، لتُحب، ولتعيش بصدق.