في زمن صارت فيه القيم عملة نادرة تخيل أن تفتح عينيك صباحا فتجد إعلانا ضخما على مدخل المدينة. المزاد السنوي للأخلاق.. من ينقصه فضيلة فليتفضل بالشراء.. ومن أراد التخلص من رذيلة فليأت بها.. هنا زبائنها كثر. سوق مزدحم حيث تتصارع الصفات على قلوب البشر فهو مزاد من نوع اخر لا يقام مرة واحدة بل يفتح كل يوم في حياتنا ونحن المزايدون فيه. وقف المنادي بمطرقته النحاسية في وسط القاعة ورفع صوته ليعلن الحقيقة الكبرى "انتبهوا الفضائل نادرة وغالية والرذائل رخيصة ومتاحة لكن الاولى تبني الاوطان والثانية تهدمها على رؤوس العباد". دخلت الصفات قاعة المزاد كانها سوق شعبي مكتظ لكن الغريب ان البضاعة هذه المرة لم تكن سجادا ولا تحفا بل فضائل ورذائل تتزاحم على المنصة فاليوم نبيع ما لا يبلى ولا يستهلك نبيع ما يسكن القلوب فهي بضاعة فريدة من نوعها تتنوع بين فضائل ورذائل اصلية كل ومعه شهادة ضمان او لعنة ابدية. وبدا المزاد حيث تقدمت الفضائل بخطوات واثقة الصدق وقف متلعثما قليلا وقال اعرض نفسي بخصم كبير من يجرؤ ان يقتنيني .فضحك المنادي وقال" معك حق فانت اثمن من ان تباع انت اغلى من الذهب"والامانة رفعت راسها وقالت انا خزينة الارواح فرد المنادي "من يقتنيك فقد حاز الدنيا والاخرة لكن اخشى ان يستحوذ عليك صاحب الغرض فتختفي في ثوان "وبعدها دخل الكرم متألقا وهو يصيح افيض بلا حساب فرد المنادي اينما تواجدت اسعدت الجميع وجودك يغني القاعة كلها.اما التواضع فمر بخجل فقال المنادي ما اجملك تظهر قليلا فتزداد قيمة كثيرا وحسن الختام دخل الصبر متثاقلا فقال له المنادي اتفضل يا طويل البال انت اثقل الضيوف لكن اعذبهم عاقبة انت مفتاح الفرج. وما ان هدأ المكان حتى دخلت الرذائل بعاصفة من الصخب تصدرهم النفاق وهو يوزع منشورات انا متاح بالطن ومعايا كيلو مجاني فقال المنادي ايها الماكر ما اكثر زبائنك وما اتعسهم.عقبه الطمع دخل ببطنه الضخم وقال انا لا اشبع فرد المنادي "ومهما ابتلعت ستبقى جائعا" .وتسرب الحسد وهو يصيح انا نار تحرق الجميع.فقال المنادي "وما اشد خسارتك حين لا تترك حتى صاحبك سالما اهدأ علينا شوية عندنا جهاز اطفاء في القاعة".ثم تجمع كل من القواد الذي ضحك عاليا وقال كل شيء للبيع عندي فقال المنادي "بئس التجارة وبئس البائع والمشتري "وتقدم الخبيث الغيور صارخا سااهدمكم جميعا فقهقه المنادي تهدم غيرك لكنك اول من يسقط وظهر التافه متستر وراء مراياه السحرية وبريق وهمي فانفعل المنادي قائلا تصفيق حار للنجم ايا كان نوعه ما حدش عارف سبب شهرتك لحد دلوقتي لكن بريقك سريع الزوال كفقاعة في هواء راكد.ودخل الحرامي يتسحب بين الجيوب فقال المنادي تسرق الان لكن سيأتي يوم تسلب فيه نفسك وكان اخطرهم التابع فكان مرتبكا يزحف وراء الجميع فقال المنادي هو مين ده آه ده ظل مش بني آدم ولا ظل يبقى طويلا ان لم يكن له اصل وكم من اماكن هدمت بسببه .ثم جاء المتسلق يحمل سلما على ظهره ويصرخ من يدفع اكثر ارفعه فوق رؤوسكم فقال المنادي "نسخة مجانية بلا قيمة ولا حتى انتماء". اشتعلت القاعة بين وقار الفضائل وصخب الرذائل كل طرف يعرض نفسه باغراء وكل انسان في القاعة ممسك بمحفظته وقلبه في حيرة رفع المنادي مطرقته واعلن الصفقة لا تحسم بالفلوس الصفقة تحسم بقرارك من يشتري الفضائل كسب نفسه ومن يشتري الرذائل قد يفوز وقتيا لكنه في النهاية يستلم شهادة خسارة العمر. عزيزي القاري اعترف كان مزادا مريرا ظهرت فيه وجوه واختفت اخرى وبرأيي ان الانسان في هذا المزاد الابدي ليس متفرجا بل هو المشتري الوحيد وصاحب القرار الاول والاخير وما يختاره اليوم سيظل يرافقه في غده فان اشترى نورا عاش فيه وان اشترى ظلاما غرق فيه ولا عزاء لمن انقص من قيمته فالفضائل لا تشترى بالتقسيط ومن خسرها فلا يلومن الا نفسه وخير ختام دعنا نتذكر جيدا أمير الشعراء "وانما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا" عزيزي القاري تمسك بها في تاج الحياة ومنجي لوطنك الغالي