لم يبق إلا أيام قليلة وتمر سنة على ثورة 25 يناير، ومع ذلك مازلنا نعيش حالة الثورة وليس الثورة.. حالة من المناورات والمصادمات، وذهبت سدى الأهداف التى قامت من أجلها الثورة. والسبب فى هذه الحالة كما يبدو من ظاهر الأحداث أن الذين أعلنوا الثورة ظهر يوم الثلاثاء 25 يناير لم يصلوا إلى الحكم ويتسلموا السلطة ويبدأوا فى عملية تحقيق الأهداف، بل على العكس فقد كثر الذين زعموا أنهم مفجرو الثورة، وكثرت الانقسامات بين الفصيل الواحد، فأصبح أكثر من مجموعة تتصارع فيما بينها على الفوز بالزعامة الوحيدة، فانتهى الأمر إلى ما نحن فيه ولم نعد نعرف أى المجموعات صاحبة القيادة. ومن عجب أن هذه الحالة ليست الأولى من نوعها بالنسبة «للثورات» فى تاريخ مصر الحديث، فقد سبق أن عاشت مصر «حالة الثورة» التى كانت بقيادة أحمد عرابى والتى بدأت فى 16 يناير 1881 عندما طالب بعزل ناظر الحربية عثمان رفقى التركى وتعيين مصرى بدلاً منه، واستمرت حالة الثورة بتطوراتها المختلفة من يوم لآخر حتى دخل الجيش البريطانى القاهرة فى 14 سبتمبر 1882، وانتهت الثورة دون أن تحقق أهدافها فى القضاء على التدخل الأجنبى فى شؤون البلاد، والتخلص من سيطرة الأتراك على الحياة السياسية فى مصر، وإعلان الجمهورية كما صرح بذلك الشيخ محمد عبده. وكان أحد أسباب هزيمة الثورة انقسام المصريين حولها، فقد كان هناك من يؤيد بقاء الحال على ما هو عليه من حيث سيطرة الأتراك، وعدم جواز الثورة على ولى الأمر. وعندما انفجرت الثورة فى مصر صباح يوم 9 مارس 1919 احتجاجًا على اعتقال الإنجليز للزعيم سعد زغلول ونفيه مع زملائه إلى جزيرة مالطة عاشت مصر حالة من الثورة امتدت من ذلك التاريخ إلى يوم 28 فبراير عام 1922 حين أعلن الإنجليز استقلال مصر دولة ملكية دستورية. ولم تحقق الثورة أهدافها وفقًا لشعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، إلا إذا كان الإفراج عن سعد زغلول وصحبه والسماح له بالسفر إلى باريس لعرض قضية مصر على مؤتمر الحلفاء فى فرساى هو فقط سبب الثورة وهدفها. أما لماذا كانت حالة ثورة وليست ثورة فلأنها لم تحقق أهدافها، ومما ساعد على ذلك حالة الانقسام بين قيادات الثورة حول التعامل مع الموقف، ونجاح الإنجليز فى استقطاب عناصر من صفوة المجتمع وصفهم اللورد اللنبى المندوب السامى البريطانى بأنهم عقلاء الأمة، ودعاهم إلى الاجتماع فى قصر الدوبارة مقر سلطة الحماية وأقنعهم بنشر بيان فى 26 مارس 1919 لتهدئة الخواطر بين المصريين. وكان هؤلاء العقلاء وراء ضعف موقف الثورة، ومما زاد فى إضعافها انصياع جماعة أخرى وراء إغراءات السلطات الإنجليزية التى وصفتهم بالمعتدلين وشكلت منهم حكومة لتدخل فى مفاوضات انتهت بتصريح فبراير الشهير، وتم تهميش سعد زغلول فما كان منه إلا أن وصف هؤلاء المعتدلين العقلاء بأنهم «برادع الإنجليز». أما الثورة الوحيدة فى مصر التى حققت أهدافها فكانت ثورة 23 يوليو 1952، ففى خلال ساعات قليلة تم الاستيلاء على السلطة وشرع الثوار فى تحقيق أهدافهم عندما أمسكوا بسلطة إصدار القرار. لكن ثورة يوليو عاشت حالة «الثورة المضادة» أكثر من عامين انتهت فى 14 نوفمبر 1954 بإعفاء محمد نجيب من سلطاته. ومما ساعد على انحسار الثورة المضادة سرعة القرارات الاقتصادية والسياسية التى كانت تسحب الجماهير من أرض الثورة المضادة إلى أرض الضباط وسرعان ما أخذت ثورتهم معنى «الثورة الشعبية».