أتريد إقناعى بأن الذين اقتحموا السفارة الإسرائيلية واعتدوا بهمجية وفظاظة على مديرية أمن الجيزة وأملاك المواطنين وقبلها على وزارة الداخلية، من الغيورين والحريصين على مصر ونظافة وسلمية ثورة الخامس والعشرين من يناير؟ كلا ومليون كلا، فهؤلاء ليسوا ثوارا وليسوا مصريين، لأنهم لو كانوا مصريين صدقا وحقا، ما طعنوا بلادهم فى ظهرها بهذا الشكل القبيح الفج الخسيس، وأكررها مدوية ليسوا ثوارا وليسوا مصريين. إن هذه الفئة الخبيثة لم تراع أنها بجرمها وفعلتها الشنيعة لطخت سمعة مصر وثورتها التى أضحت فى نظر العالم دولة منتهكة للمعاهدات والمواثيق الدولية، بعدما كان الكل يتغزل فى مناقب ومحاسن الثورة المصرية والرقى والتحضر الذى التزم به الثوار عندما أسقطوا نظام حسنى مبارك. هل فكر هؤلاء فى أنهم أضعفوا قوة حجتنا فى قضية قتل القوات الإسرائيلية لجنودنا فى سيناء، فلا حديث إلا عن انتهاك حرمة السفارات الأجنبية على الأراضى المصرية، وبعدما كنا نرفع أصواتنا للمطالبة باعتذار تل أبيب فورا عن قتلهم، انقلب حالنا ورحنا نبحث عن مبررات وأعذار لأفعال ثلة من المغامرين غير المقدرين لآثار ونتائج مغامراتهم غير المحسوبة والمشبوهة، وأنا وأنت نعلم يقينا أن إسرائيل ماهرة وباحتراف فى تمثيل دور الضحية المغلوبة على أمرها المكروهة من العرب، وبدأت فى التنسيق المشترك مع الولاياتالمتحدة التى يساورها القلق من تعرض سفارتها فى القاهرة للاقتحام. يا أبناء مصر إن من هاجم السفارة الإسرائيلية يسعى لإدخالنا فى معركة لسنا على استعداد لخوضها وليس هذا توقيتها المناسب، فتقوية جبهتنا الداخلية هى الأهم والأولى بتركيزنا الآن وليس العلاقات مع إسرائيل، والمثال العامى يشدد على أن ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع، وأطرح التساؤل التالى: ما المكسب الذى خرجنا به من اقتحام السفارة الإسرائيلية وإحراق شقة بها أرشيفها الذى لم يكن فيه سوى أوراق تافهة ليس لها قيمة؟ العائد لا شىء، الأكثر أنه بإمكانك الحديث عن أن الضرر المتمخض عنها يفوق بمراحل الفوائد إن وجدت من أساسه -، وليتنا نكف عن مسلسل البطولات الزائفة، لأننا لا نجنى من خلفها سوى الخراب والدمار، فالحماس الزائد الذى دفع بشاب لتسلق العمارة الموجود أعلاها السفارة الإسرائيلية، لإنزال العلم من عليها واستبداله بالعلم المصرى، شجع الكثيرين على السير على خطاه، بعد أن شاهدوا الهالة الإعلامية المحيطة به، ورفعه لمرتبة الأبطال العظماء، وحصوله على شقة ووظيفة، فما حركهم ليس الحامية الوطنية، وإنما المنافع العينية والشهرة، ولو كان عكس ذلك لفكروا جيدا قبل الإقدام على اقتحامها. الفئة الضالة يحلو لبعضنا تسميتها بالفلول، وهو هروب من اعتراف بسوء سلوكنا العام شحذت همتها لإحراق مديرية أمن الجيزة، وكأنها دشمة إسرائيلية ينبغى اختراقها وتحطميها، ونسوا أن المبنى لا تملكه الشرطة، وإنما الشعب المصرى، وأن السيارات المحترقة دفع ثمنها من أموالنا، وأنهم اعتدوا على هيبة الدولة بأسوأ صورة من الممكن تخيلها. فجهاز الشرطة بكل ما فيه من عيوب وأخطاء لا يزال جهازا وطنيا واجبنا المحافظة عليه ومؤازرته وتصحيح أخطائه باستمرار، وليس إهانته على طول الخط وكأنه عدو أجنبى، فالشرطة ليست جهة احتلال ياسادة، لكن الذين ينفخون فى النار ومن يحركهم ويمولهم من بقايا الحزب الوطنى المنحل أو بعض القوى السياسية الراغبة فى إشاعة مناخ الفوضى والانفلات لا يقبلون بأقل من تفكيك الشرطة، اعتقادا بأن تلك هى البطولة الكاملة، ولا أرى شجاعة فى أن نقضى على جهاز واجبه الأساسى الحفاظ على الأمن الداخلى، حتى يتفرغ الجيش لمهامه فى الذود عن حدودنا وما ينتظرنا عليها من مخاطر وتحديات. إن المحب لهذا الوطن والراغب فى إصلاحه يجب أن يقدر عاقبة ما سيقوم به، فمصر فى محنة حقيقية والخطر كل الخطر أن نقف مكتوفى الأيدى دون التصدى لشرذمة تريد رؤيتها قطعة من نار جهنم، لا نريد مزيدا من المليونيات، لا نريد عنتريات ومطاردة نفر منا لأوهام البطولة، لا نريد مزيدا من الخبثاء ومشعلى الحرائق التى تحد بنا عن هدف كبير يتجسد فى بناء بلد يحتل مكانة محترمة بين الأمم ونفتخر بالعيش فيه، وأن ندفن فى ترابه.