أثار حدثان تزامنا فى الفترة الأخيرة، تجدد الحديث عن حرية التعبير فى بريطانيا والغرب عموماً، وهى إحدى القيم التى تتباهى بريطانيا على وجه الخصوص بأنها إحدى الركائز الرئيسية لديمقراطيتها العريقة. فما بين عاصفة الجدل التى عبرت المحيط الأطلسى من أمريكا إلى بريطانيا بسبب الكتاب الجديد الذى ينتظر صدوره فى بريطانيا بعنوان "جوهرة المدينة" والذى يروى جانباً من حياة السيدة عائشة رضى الله عنها وعلاقتها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين عاصفة أخرى أثارها اعتقال الدكتور جيرالد توبين فى مطار هيثرو، بسبب ما تردد عن إنكاره مذابح النازى لليهود والمعروفة ب "هولوكوست"، بدا فى الأمر تناقض واضح فى فكر المجتمع فى بريطانيا. ويبدو أن مسألة الإساءة إلى الإسلام وإلى رموزه وشخصياته البارزة باتت، فى نظر البعض، هى القضية المفضلة فى الغرب من أجل تحقيق الربح وأفراد مساحات من الصحف وإقامة الندوات حول هذا الكتاب أو ذاك الذى يتناول القضية. ألفت كتاب "جوهرة المدينة" كاتبة أمريكية تدعى شيرى جونز، وهى صحفية سابقة تؤلف رواية لأول مرة، جاء الحديث عن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بزوجته الثانية أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، والتى توفى الرسول وهى فى الثامنة عشرة من عمرها، فكانت معلمة لنساء المسلمين فى الكثير من أمور دينهم ودنياهم لنحو أربعين سنة. وحدث أن أستاذة جامعية فى جامعة تكساس الأمريكية هى البروفيسورة دينيس سبيلبيرج، حين تلقت نسخة من الكتاب لوضع مقدمة له اكتشفت أن الكتاب يستخدم أسلوب "الأدب الإباحى" غير اللائق بمثل هذه الشخصيات الدينية ذات الاحترام الكبير فى التاريخ الإسلامى والإنسانى عموماً، وقامت بإبلاغ صاحب دار النشر الأمريكية راندوم هاوس، التى كانت فى بادئ الأمر ستنشر الكتاب، وحذرته من مغبة نشره وإمكانية تعرض داره أو موظفيه لعمليات إرهابية نظراً لأن الكتاب قد يستفز مشاعر المسلمين لاسيما المتشددين. ولجأت الكتابة إلى بريطانيا لنشر كتابها، لكن قنبلة حارقة ألقيت على دار نشر جيبسون سكوير لصاحبها مارتن رينجا بعد إعلانه أنه سينشر الرواية، لكنه عاد مجدداً ليؤكد تصميمه نشر الكتاب رغم هذا الاعتداء. وقد واجهت البروفيسوره سبيلبيرج دعوات للاعتذار، بعد أن تعرض منزل ناشر الكتاب للاعتداء، وتقوم الشرطة بحراسة دار جيبسون سكوير للنشر والتى تصدر الرواية هذا الشهر، وذلك فى أعقاب الحادث الذى وقع فى منطقة إزلينجتون بلندن فى الأسبوع الماضى. ونسب إلى سبيلبيرج، وهى أستاذة لدراسات الشرق الأوسط بجامعة تكساس الأمريكية، القول إن رواية "جوهرة المدينة" تناولت "تاريخاً مقدساً" وحولته المؤلفة إلى "إباحية هادئة". من جانبها، قالت ناتاشا كيرن المتحدثة باسم المؤلفة جونز "إن الرواية لا تمثل امتهاناً وإن إتاحتها لدى القراء هو السبيل الوحيد لمواجهة ما وصفتها التحريفات والأكاذيب الصارخة، والتى أفادت بأن الكتاب أهان محمداً عليه الصلاة والسلام أو اشتمل على مواد شهوانية أو غير لائقة"، مضيفة أنها رواية تسعى للسلام وبناء للجسور فيما بين الثقافات وتشجع على الحوار بين المسلمين وغير المسلمين.