طب قصر العيني يطلق برنامجًا صيفيًا لتدريب 1200 طالب بالسنوات الإكلينيكية    رئيس "التنظيم والإدارة": تعديلات مرتقبة في قانون الخدمة المدنية    جولة لقيادات جامعة حلوان التكنولوجية لمتابعة امتحانات الفصل الصيفي    الاحتفال بعروسة وحصان.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 فلكيًا وحكم الاحتفال به    كيف سيستفيد السوق والمستهلك من تحويل المنافذ التموينية إلى سلاسل تجارية؟    البيئة تناقش آليات تعزيز صمود المجتمعات الريفية أمام التغيرات المناخية بقنا    البورصة المصرية تخسر 28 مليار جنيه بتراجع جماعي للمؤشرات    إسبانيا: احتلال غزة ليس طريقًا للسلام وندعوا لوقف إطلاق نار فوري    إيران: لا يمكن قطع التعاون مع الوكالة الدولية وقد نجتمع مع الأوروبيين قريبًا    ألمانيا: خطط الاستيطان الجديدة في الضفة الغربية ستجعل حل الدولتين مستحيلا    البرديسي: السياسة الإسرائيلية تتعمد المماطلة في الرد على مقترح هدنة غزة    مستقبل دوناروما في مانشستر سيتي.. هل ينجح في اجتياز اختبارات جوارديولا؟    "أريد تحقيق البطولات".. وسام أبو علي يكشف سبب انتقاله ل كولومبوس الأمريكي    رئيس مارسيليا: ما حدث بين رابيو وجوناثان رو "بالغ الخطوة"    الداخلية تكشف ملابسات فيديو إشعال النيران في سيارتين بدمياط    الداخلية: ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مهرجان الجونة يفتح ستار دورته الثامنة بإعلان 12 فيلمًا دوليًا    بعنوان "الأيام" ويجز يطرح أولى أغنيات ألبومه الجديد    بإطلالات غريبة.. هنا الزاهد تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها (صور)    أمين الفتوى: بر الوالدين من أعظم العبادات ولا ينتهى بوفاتهما (فيديو)    جولة تفقدية لوزير الصحة بعدد من المنشآت الطبية في مدينة الشروق    محافظ الإسماعيلية يوجه التضامن بإعداد تقرير عن احتياجات دار الرحمة والحضانة الإيوائية (صور)    بعد وفاة طفل بسبب تناول الإندومي.. "البوابة نيوز" ترصد الأضرار الصحية للأطعمة السريعة.. و"طبيبة" تؤكد عدم صلاحيته كوجبة أساسية    الداخلية: حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الوادي الجديد    حماة الوطن: التعنت الإسرائيلي يعرقل جهود التهدئة والمقترح المصري القطري نافذة أمل جديدة للفلسطينيين    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    خلال اتصال هاتفى تلقاه من ماكرون.. الرئيس السيسى يؤكد موقف مصر الثابت والرافض لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى أو المساس بحقوقه المشروعة.. ويرحب مجددًا بقرار فرنسا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية    بدون شكاوى.. انتظام امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بشمال سيناء    مكالمة تليفون تتحول إلى مأساة.. ضبط «غيبوبة» المتهم بإصابة جاره بشبرا الخيمة    استراحة السوبر السعودي - القادسية (1)-(4) أهلي جدة.. نهاية الشوط الأول    كرة نسائية – سحب قرعة الدوري.. تعرف على مباريات الجولة الأولى    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    الأوقاف:681 ندوة علمية للتأكيد على ضرورة صون الجوارح عما يغضب الله    «دوري مو».. محمد صلاح يدفع جماهير ليفربول لطلب عاجل بشأن البريميرليج    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    ما حكم إخبار بما في الخاطب من عيوب؟    علي جمعة يكشف عن 3 محاور لمسؤولية الفرد الشرعية في المجتمع    "كلنا بندعيلك من قلوبنا".. ريهام عبدالحكيم توجه رسالة دعم لأنغام    «كنت بتفرح بالهدايا زي الأطفال».. أرملة محمد رحيم تحتفل بذكرى ميلاده    «سي إن إن» تبرز جهود مصر الإغاثية التى تبذلها لدعم الأشقاء في غزة    حالة الطقس في الإمارات.. تقلبات جوية وسحب ركامية وأمطار رعدية    القبض على طرفي مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بالسلام    وزير الإسكان يستعرض جهود التنمية السياحية في ترشيد الإنفاق    تغيير اسم مطار برج العرب إلى مطار الإسكندرية الدولي    رئيس الوزراء يؤكد دعم مصر لمجالات التنمية بالكونغو الديمقراطية    "خطر على الصحة".. العثور على كم كبير من الحشرات داخل مطعم بدمنهور    انطلاق مهرجان يعقوب الشاروني لمسرح الطفل    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    ضبط 111 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    20 أغسطس 2025.. أسعار الذهب تتراجع بقيمة 20 جنيها وعيار 21 يسجل 4520 جنيها    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    الزمالك: منفحتون على التفاوض وحل أزمة أرض النادي في 6 أكتوبر    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    الموعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والقادسية في كأس السوبر السعودي    رعاية القلوب    حبس سائق أتوبيس بتهمة تعاطي المخدرات والقيادة تحت تأثيرها بالمطرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة شباب يروون تفاصيل جريمة قتل على الموقع الأزرق بسبب الصور والألفاظ الخادشة للحياء وانتهاك الخصوصية
نشر في اليوم السابع يوم 17 - 12 - 2010

اليأس يدفع اليائس إلى البحث عن طريق الخلاص، والبعض يجد الخلاص فى الاختفاء أو الانزواء، والبعض من هؤلاء البعض لا يجد أفضل من قبور الموتى مكانا للاختفاء وبالتالى طريقا للخلاص، لهذا ينتحر المنتحرون.. هؤلاء الذين تصاب حياتهم بارتباك مفاجئ، وينقطع تيار الأمل عن شاشات حياتهم، أو يفقدون السيطرة على زمام أمور أيامهم، أو يفشلون فى الحفاظ على مساحاتهم الشخصية الخاصة بعيدا عن الميادين العامة بما فيها من مساحات فضائح أو تدخلات لأشخاص غير مرغوب فيهم فى سير أحداث كانوا يتمنونها خاصة أو ملكا لهم ولمن يحبون فقط.
على أرض الواقع لا شىء أمامك إلا القفز من الدور التاسع وهو أمر لم يعد يفعله كثيرون خوفا من تلك اللحظات المخيفة بين السقوط والارتطام بالأرض، ولهذا يلجأ الأغلبية إلى ذلك الحبل الذى يتدلى راقصا من سقف حجرته إن كان يريد بعض الخصوصية، أو من أحد أعمدة كوبرى قصر النيل إن كان يريد من موته أن يتحول إلى رسالة إنذار مثله فى ذلك مثل الذى يقرر أن يجعل نهايته تحت عجلات المترو أو فوق قضبان قطار، أما هؤلاء الذين يسبق قرراهم الانتحارى حالات اكتئاب أو يحملون فى بطاقتهم صفة المؤنث فإنهم يلجأون إلى الجرعات الزائدة من السموم أو الأدوية.. فى كل الحالات السابقة ستجد بعضا من الدم وكثيرا من الألم.. ولكن هل سمعت قبل ذلك عن انتحار بلا دم وبلا ألم؟ هل سمعت عن يائسين أو غاضبين أو مجروحين قرروا شطب أسمائهم من سجل الحياة وفعلوا ذلك دون أن يتركوا بقعة دم أو يسمع لهم أحد صرخة ألم؟
على «الفيس بوك» يحدث هذا.. مثلما يولد داخل صفحاته كل يوم ملايين الأشخاص حتى وصل عدد مواطنيه إلى نصف مليار تقريبا، يقرر المئات أو الآلاف الرحيل وشطب أسمائهم من سجلات ذلك الوطن بهدوء، بعضهم يهاجر إلى مواقع أخرى تعيده إلى تلك الحالة الأولى مجرد اسم يسيطر ويتحكم من خلف الكيبورد فى كلامه وفى ما يريد أن يستقبله من كلام، وبعضهم ممن يتعرض لأزمات قاسية على عتبات هذا الموقع الأزرق يقرر الانتحار، وبعدة نقرات متتالية على أيقونة أو أكثر يتلاشى من على أرض ذلك الوطن، يتبخر ويتحول إلى ذكرى مثله مثل أموات الأرض لا تبقى منه سوى ذكريات متناثرة بصورة مشتركة تركها داخل بروفايل صديق، أو كلمة إعجاب كتبها تعليقا على «استيتيوس» رفيق، أو تدوينة قرر فى لحظة ما أن يفضفض بداخلها عن مشاعره ثم اكتشف بعد ذلك أنها انتقلت من بروفايل إلى آخر، ومن صفحة إلى الأخرى، ومن شخص إلى آخر فرحل هو وظلت هى باقية تفضح مشاعره للجميع المرغوب فيهم وغير المرغوب، رحل هو وبقيت هى مادة لسخرية البعض، ومادة يستغلها البعض للتلاعب بمشاعره، أو يستغلها بعض العالمين ببواطن أموره فى فضح الكثير والكثير مما كان هو يريده أن يظل سرا، وقد تبدو أسباب فقدان الخصوصية وشعور الإنسان بأن أسراره مثل الغسيل المنشور على سطح أقصر عمارة فى الحى ضعيفة أمام أسباب أخرى دفعت البعض للتعجيل بالانتحار على الفيس بوك دون أدنى ألم، تسمع عن أكثر من حادثة انتحار لواحدة من صديقاتك تعرضت صورها للسرقة والتشويه والتلاعب من شباب سيطر الجنس على عقولهم؟ ألم تسمع فى محيط أصدقائك عن واحدة انتحرت وقطعت علاقتها بالفيس بوك لأن صديقها القديم عاد ليطاردها بالتعليقات على صورها وعلى صفحتها ووضعها فى موقف محرج أمام زوجها أو حبيبها أو خطيبها أو حتى أهلها؟ ألم تسمع عن أكثر من حادث انتحار نسائى على الفيس بوك لبنات تعرضت صفحاتهن للاغتصاب والسرقة أو ملأها بعض خصومهن بكلمات وصور خادشة الحياء فقررن الرحيل طمعا فى راحة البال؟
الطب النفسى يتكلم
الإحساس بتضاؤل مساحة تلك المنطقة التى يحتفظ فيها الإنسان لنفسه بالعديد من الأسرار والمشاعر يدفع للانتحار على الفيس بوك أيضا، والدكتور محمد المهدى الاستشارى النفسى يبرر ذلك بأن مستخدم الفيس بوك يستمتع فى البداية بالقول والحديث وابتكار ما يعبر عن مشاعره من كلمات، ولكنه يشعر فى لحظة ما أنه قال أكثر من اللازم وفضفض بما كان يجب أن يكون عليه حريصا، وحينما يرى تعليقات الغرباء ومشاركتهم لمشاعره يبدأ فى الشعور بأن خبيئة النفس التى يعتز بها والتى كان يحتفظ بها لحين يأتى شخص ما يستحق أن يعرف مابداخلها لم تعد موجودة بل وأصبحت مفتوحة للجميع.
شعور بأن الحياة الشخصية أصبحت عامة أكثر من اللازم، وبأن هناك حالة تشبع من الإفصاح عن الذات والتشبع من التعرى أمام هذه الجموع يدفعه دون أن يدرى إلى العود مرة أخرى للبحث عن منطقة أخرى لكى يخبئ فيها أسراره بعيدا عن عيون المتطفلين، الدكتور المهدى يرى أن هذه هى مبررات المنتحرين على الفيس بوك، ولكنه فى نفس الوقت يرى أن اليأس وليس الخوف على الخصوصية ربما يكون هو سبب الانتحار الرئيسى.
بمعنى أن يكون الشخص الذى قرر أن يرحل عن الفيس بوك قد يئس وأصيب بالارتباك والإحباط بعد أن جرب الفضفضة والقول والإفصاح وجلس أمام حائط المبكى وبكى علنا وفى النهاية لم يساعده أحد ولم يقدم له أحد ممن سمعوه واستمتعوا بقراءة ما كتبه بل وسخروا منه أى حلول.. باختصار قرر الانتحار لأنه انتظر من الناس المشاركة ومن أجل ذلك تنازل عن خصوصيته وعرى نفسه وحكى، ولكنه لم يجد بعد كل هذه التنازلات سوى مجموعة من الغرباء والأصدقاء شاهدوا واستمتعوا ورحلوا.
الأمر كله يتعلق إذن بالخصوصية.. ذلك الكائن الذى يقر البعض بأن «الفيس بوك» يلتهمه دون أن يشعر المستخدمون بذلك أو ربما شعروا ولكن فى وقت متأخر جدا جعل أغلبهم ينسحب من الموقع فى هدوء أو يعيد ترتيب إعدادات الخصوصية داخل صفحته ويغلق على نفسه ويجعل صوره وتعليقاته تدور فى دائرة ضيقة من الأصدقاء محل الثقة فقط، ويبدو أن الهوس بإعادة ضبط مسألة الخصوصية على الفيس بوك هو السبب فى انتشار الجروبات التى تشرح للمستخدمين كيفية ضمان أعلى معدل للخصوصية والسرية والتى زاد عددها على 50 ألف مجموعة سبقها ذلك التصريح الذى أطلقه مؤسس الفيس بوك «زوكربيرج» والذى وعد من خلاله مستخدمى الفيس بوك بابتكار إعدادات جديدة تساهم فى الحفاظ على خصوصيتهم إلى أعلى درجة، بعد أن زادت شكاوى المتسخدمين من سهولة اطلاع الغرباء على معلوماتهم وعلى أسرارهم التى يتشاركونها مع الأصدقاء، وبعد شكاوى أكثر من الفتيات تحديدا عن تعرض صورهن للسرقة والتشويه.
من الذى يدفعنى لكشف أسرارى؟
هى الخصوصية إذن.. ذلك الكائن الذى وضعت الدول المحترمة من أجل حمايته الكثير من القوانين وفرضت الكثير من العقوبات على كل من يحاول أن ينتهكه أو يخترقه هو السر فى تزايد أعداد المنتحرين على صفحات الفيس بوك فى الفترة الأخيرة، هذا إن وضعنا فى الحسبان أن بعض المنتحرين يفعلون ذلك عن ملل، معركة الخصوصية ظهرت مع ظهور الفيس بوك وانتشاره وفى البداية كان الكلام الدائر عن خصوصية مستخدم الفيس بوك يتعلق كله بمدى قدرة الموقع وإدارته على حماية معلومات مستخدميه من تلصص أجهزة المخابرات وشركات الإعلانات، وضمان عدم استخدام أى كيان هذه المعلومات ضد المستخدم، ولكن مع مرور الوقت وتحول الفيس بوك إلى وطن يسكنه نصف مليار مواطن تقريبا، وتطورت علاقة المستخدم بالموقع لدرجة جعلت الفيس بوك وطنا وجعلت من المستخدمين شخصيات افتراضية ومواطنين داخل هذا الوطن بدأ الكلام عن الخصوصية يأخذ منحنى آخر يتعلق بالعديد من الأسئلة التى بدأت تظهر على ألسنة أصحاب تلك الشخصيات الافتراضية التى اتخذت من الفيس بوك موطنا تجلس بداخله لأكثر من 10 ساعات متواصلة، أى أكثر من تواجدها على أرض الواقع، أسئلة كلها تدور حول إذا ما كان من الطبيعى أن أشارك هذه الجموع المختلفة مشاعرى؟ وهل من الطبيعى أن يعرف سكان تلك الأرض الزرقاء المعروفة بالفيس بوك إن كنت حزينا أو غاضبا؟ وهل طبيعى أن يكون للغرباء الحق فى التفتيش داخل صفحتى ومشاهدة صورى ومعرفة طبيعة ما أكتبه للأصدقاء على صفحتى؟ وهل إلى هذه الدرجة أصبحت الفضفضة على الفيس بوك أمرا لا غنى عنه؟ ومن الذى يدفعنى لكشف أسرارى حتى لو كانت غير عميقة أمام آلاف البشر؟ ومن الذى يدفعنى إلى تحمل مطاردات هؤلاء الظرفاء الذيت يرغبون فى الحصول على الصداقة بالعافية؟ أو من الذى يجبرنى على تحمل فضفضة صديق غضبان بأسرار وأمور مشتركة لا أريد أنا أن يعرفها أحد عنى؟
أنت تعرف طبعا أن بعض الظرفاء أو محبى الاستظراف لا تفوتهم فرصة أن تقرر فى لحظة ضعف أو فى لحظة الرغبة فى الحصول على مشاركة أصدقائك لمشاعر معينة أن تكتب تلك واصفا حالتك العاطفية أو المزاجية على صفحة الفيس بوك الخاصة بك، ويتطوع بعض هؤلاء «الحشريين» والظرفاء بالتدخل إما بالسؤال للحصول على المزيد من المعلومات، وإما بالتخمين المشاركة بأشياء تفضح وتجرح، وقد يكون من ضمن هؤلاء أصدقاء لك على علم بأمورك الخاصة فيتطوعون بإضافة بعض المعلومات التى تكون للغرباء بمثابة قطع يكملون به قصة رغبت أنت أن تظل تفاصيلها ملكا لك ولمن هم فى دائرة ثقتك.
الأرض الزرقاء
هذه الأسئلة وغيرها تتراقص داخل عقل بعض مواطنى الفيس بوك الذين يشعرون بأن مساحاتهم الشخصية تتآكل بسبب الفيس بوك، على اعتبار أن معدل الجلوس اليومى الذى يزيد عند بعض الأشخاص على 10 ساعات ربطهم بالموقع، كما أن سهولة تواجد الأصدقاء جعلت من استخدام الموقع المكشوف للجميع ساحة لتبادل الأحدايث التى قد يغفل قائلها أن بعض الأسرار التى لا يرغب فى انتشارها قد تتناثر بين كلمات هذه الأحاديث وتصبح متاحة للجميع، ومع تكرار هذا الأمر يبدأ الارتباك، والارتباك هنا منبعه اختلاط المساحات الشخصية أو اختلاط الشخصى بالعام، وتداخل مساحات الأصدقاء مع الزملاء مع العائلة مع شعور حاد بأن ما كنت تعتز بالاحتفاظ به لنفسك من أسرار أصبح بعضه أو كله ليس ملكا لك.
الرغبة فى مشاركة الآخرين وإدمان التواجد على صفحات الأزرق جعلت من الإفصاح عن مشاعرك أمرا قهريا، مجبر أنت على القيام به دون أن تشعر، الطب النفسى هو من أقر بذلك. «بولا بايل» المعالجة النفسية الشهيرة فى الولايات المتحدة أكدت فى دراسة شهيرة لها نشرتها نيويورك تايمز عن الفيس بوك وآثاره الاجتماعية أن استعمال الموقع بات كأنه فعل قهرى، يتيح لمستخدميه المجال للهرب من عالمهم ووضعهم الذى قد يبدو بائسا أو غير جيد أو بمعنى أصح يتيح مخرجاً للأفراد المأزومين فى حياتهم اليومية، ويفقدهم الصلة بها.
ثم قالت: قارنوا ما يحدث للبشر على الفيس بوك بفيلم «ذا ترومان شو» وستعرفون كيف تتحول المشاركة والفضفضة إلى أمر قهرى وفعل يقوم به المستخدم دون أن يدرى فى بعض الأوقات، فالأمر يعكس إلى حد كبير رغبة المرء فى عيش حياة سعيدة من دون منغصات حتى لو كان ذلك فى عالم مفبرك بالكامل.
القتلة الثلاثة
شيماء صديقتى التى أعلنت انتحارها على الفيس بوك منذ أيام وعادت لتعيش على الأرض مرة أخرى بعد أن كانت تقضى نصف يومها داخل الأراضى «الفيسبكاوية» تؤكد هذا المعنى بالكامل، قد تبدو لك قصة انتحارها رفاهية ولكن أنا أعتبرها محاولة للدفاع عن حق النفس فى الحفاظ على أسرارها أو على الأقل بعض هذه الأسرار، وما أوردته شيماء من أسباب لاتخاذ قرار الانتحار على الفيس بوك هو نفس الأسباب التى وضعها خالد أمامى وأنا أسأله لماذا قررت أن تهاجر من أرض الفيس بوك إلى براح موقع «تويتر» وهى نفس الأسباب التى كتبتها مواطنة فيسبكاوية اسمها جيهان، وقالت فيها إن اليوم هو الأخير لها على أرض الفيس بوك التى لم تحترم خصوصيتها..
شيماء وخالد وجيهان متشابهون إلى حد كبير، الثلاثة أقل معدل لجلوسهم على الموقع لتبادل الصور أو الدردشة أو التجول كان لا يقل عن 10 ساعات فى أى حال من الأحوال، باختصار، الثلاثة من مدمنى الفيس بوك الذين تنطبق عليهم الأمور التالية، كما أوردها الطب النفسى فى صفحة تعريف مدمنى الفيس بوك وهى كالتالى:
1 - عدم الشبع من موقع الفيس بوك وقضاء أوقات طويلة فيه، من تواصل وتعارف وألعاب ورسائل ومتابعة مقاطع الفيديو والتشاتينج والاختبارات الشخصية، وغيرها من مزايا يتيحها الفيس بوك للأعضاء.
2 - عند مغادرة الموقع يسود شعور بالرغبة فى العودة إليه مرة أخرى.
3 - إهمال للحياة الاجتماعية والالتزامات العائلية والوظيفية.
4 - إهمال الاهتمامات الأخرى والهوايات المحببة فى السابق.
5 - القلق والتفكير المفرط فى الفيس بوك وما يحدث فيه عندما يبتعد عن الكمبيوتر، كأن يفكر فى تعليقات الأصدقاء على صوره الجديد أو الإستيتيوس الخاص به.
شيماء وخالد وجيهان الثلاثة المنتحرون اعتادوا مشاركة أهل الفيس بوك أفراحهم وأحزانهم، دون أن يدرى كل واحد منهم يذهب ويضع توصيفا دقيقا لحالاته المزاجية وأحيانا العاطفية على صفحته، ويجلس منتظرا ما تأتى به التعليقات من دعم أو نصائح أو إعجاب أو مشاركة أو سخرية، ومع مرور الوقت بدأ ثلاثتهم يشعر بفقدان السيطرة على ماهو موجود من تعليقات على مشاعره أو على الصور الخاصة، خصوصا بعد أن بدأت تظهر تعليقات المتطفلين، شيماء قالت إنها بدأت تشعر كأن أجزاء من حياتها الشخصية تتعرى أمام أشخاص لا تريدهم أن يعرفوا عنها أى شىء، وخالد قال إنه بدأ يفقد القدرة على تحديد مايجب أن يعرفه الأصدقاء ومايجب أن يعرفه الأهل أو عابروا صفحات الفيس بوك الغرباء، أما جيهان فتقول بأن الارتباك والشعور بعدم قدرتها على السيطرة على ما يلقيه عابرو السبيل وتطفلهم بالأسئلة جعلها تبدو كأنها فتاة ليل خاصة بعد أن بدأت ترد تعليقات على صورتها الجديدة من نوع أنتى حلوة أوى أو مزة خالص، أو ممكن نتصاحب وهكذا.
قرار الانتحار الذى أخذه الثلاثة كان مؤلما، فى البداية شيماء قالت إنها لم تكن تتخيل أنها ستكمل يومين من غير الفيس بوك ولكنها أكملت الأسبوع الأول دون ألم وتفكر الآن فى عودة أكثر انضباطا ومحددة الأصدقاء وبلا صور، وخالد قال إنه توقع أن يعود بعد يوم واحد فقط ولكن مر شهر دون التفكير حتى فى خلق صفحة جديدة، أما جيهان فقالت فى تدوينتها التى ختمت بها مشوار حياتها على الفيس بوك إن العودة إلى ذلك المكان الذى يختلط فيه العام بالخاص ويمتلئ بالمتطفلين مستحيلة.
فعل الانتحار هنا قد يبدو قاسيا عند بعض مواطنى الفيس بوك، وقد يجد بعض المستخدمين أنفسهم أضعف من اتخاذ ذلك القرار فيلجأوا لإعادة ضبط تواجدهم إما بتخفيض عدد ساعات الدخول، أو بتدقيق قائمة الأصدقاء وتنقيحها، وقصر تواجده على هذه القائمة فقط، أو بالامتناع عن نشر الصور وهى الخطوة التى أصبحت مطلبا جماهيريا على الفيس بوك خاصة للبنات والنساء سواء تم ذلك بنصح الأصدقاء أو بإجبار الأهل والأخوات الذى أصبح تهديدهم الشهير إما حذف الصور تماما أو تنقيحها تماما أو إلغاء الفيس بوك نهائيا، والراحة مما يجلبه الفيس بوك من لعلاقات متشابكة غير معروف لها وش من ضهر وتثير الشك أكثر مما تجلب الراحة، وعند هذا التشابك سنضطر للاستعانة بالطب النفسى مرة أخرى لنفهم دور الفيس بوك فى صناعة الاكتئاب وتشابك العلاقات وكيف يؤدى كل هذا للانتحار على صفحاته، الدكتور محمد المهدى الاستشارى النفسى المعروف لا ينفى أبدا أهمية التكنولوجيا فى حياة الإنسان ولكنه فى نفس الوقت يأسف لما فعله الفيس بوك بأهله، فهو يرى أن الفيس بوك متهم رئيسى فى خلق هذه الحالة من تشابك العلاقات الإنسانية لدرجة ضياع الحدود الفاصلة فيما بينها، سواء عن عمد أو غير عمد، ويعيد لهذا التشابك حالة عدم الوعى بحدود كل علاقة وضوابطها وماينتج عن ذلك من كوارث تبدأ بالاكتئاب والرغبة فى العزلة والإحساس بفقدان القدرة على صناعة علاقة سوية مع صديق أو حبيب وتنتهى بما نشاهده فى صفحات الحوادث أو حكايات الأصدقاء من زواج عرفى وسرى وعلاقات سريعة وشاذة، وبسبب هذا كله فهو يرى أن مستخدم الفيس بوك يشعر فى لحظة ما بالحاجة إلى وقفة مع نفسه يعيد خلالها ضبط العلاقات الاجتماعية بما يعيد لحياته توازناتها الطبيعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.