فى ذروة الحديث عن صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله، كان العنوان الرئيسى لصحيفة معاريف على صدر صفحتها الرئيسية هو (عميل للموساد يؤكد أن الجنديين المختطفين لدى حزب الله فارقا الحياة)، وهو عنوان مثير لكثير من التساؤلات، أبرزها هل صحيح أن لإسرائيل عملاء فى لبنان؟ بداية، يجب معرفة حقيقة أساسية، وهى أن صحيفة مثل معاريف، لها قوة التأثير على الساحة الإسرائيلية، لذا فمن الصعوبة بمكان أن تخرج بهذا العنوان، دون أن تتوفر لديها معلومات، وبالتالى فالخبر صحيح، خاصة أن إذاعة صوت إسرائيل، كشفت بدورها أن رئيس جهاز الموساد مائير دجان، أوضح لعائلات الجنود الإسرائيليين أن هناك عميلاً للجهاز، أبلغهم أن أبناءهم ليسوا على قيد الحياة، ومن ثم فالمعلومة صحيحة. ثانى هذه التساؤلات هو لماذا تستفز إسرائيل حزب الله، وتزعم أن لها عملاء فى قلب لبنان بل وداخل حزب الله ذاته؟ الإجابة على هذا التساؤل صعبة للغاية، حيث إن إسرائيل تحاول استفزاز الحزب وشن حرب نفسية عليه، خاصة وأن قيمة المعلومة التى حصل عليها الموساد، وقالها دجان لعائلات الأسرى خطيرة للغاية، ولا يمكن أن يأتى بها أى عميل إلا إن كان على اطلاع على ما يجرى فى الحزب وعلى دراية ومتابعة لمصير الجنديين، وأى خبير سياسى مبتدئ يعرف وببساطة أن ملف الجنديين الإسرائيليين هو ملف ذات صلة وثيقة برئيس الحزب حسن نصر الله ذاته وليس أحد غيره، ومن هنا فإن الحزب سيقوم وبالتأكيد بعملية مسح شاملة بين قيادته بل وبين كبار مساعدى حسن نصر الله، من أجل معرفة من هو هذا العميل الذى سرب هذه المعلومة وأوصلها لإسرائيل. ثالث تساؤل هام، هو كيف يقوم هذا العميل بإرسال المعلومات إلى إسرائيل، خاصة وأن حزب الله يسيطر سيطرة شبه كاملة على أنظمة الاتصالات اللبنانية سواء عبر الإنترنت أو الهواتف النقالة؟ من الممكن أن يقوم هذا العميل بالتواصل مع تل أبيب عن طريق وسيط ثالث أوروبى كان أو أسيوى أو حتى أمريكى، غير أن كيفية تواصله مع هذا الطرف ستبقى بالطبع محل تساؤل. غير أن النقطة اللافتة، عند الحديث عن هذا الموضوع هو توجيه رئيس الموساد مائير دجان لرسالة إلى الجماهير الإسرائيلية فى ظل المشاكل التى يعانى منها الجهاز، والتى كان آخرها الكشف عن مخالفات مالية به، حيث كان دجان يعارض وبشدة إتمام صفقة تبادل الأسرى بين بلاده وحزب الله، وهو ما أدى لانتقاد العديد من الإسرائيليين له، خاصة وأن الغالبية العظمى منهم تطالب بضرورة إعادة الجنود المخطوفين إلى إسرائيل، حتى وإن كانوا مجرد جثث ومهما كان الثمن، وإن كان الثمن هو الأسير اللبنانى سمير القنطار، وهو ما تجلى مع التعاطف الكبير الذى أبداه العشرات من الإسرائيليين مع عائلات الجنود المختطفين سواء بالتظاهرات أمام مكتب أولمرت أو المقالات التى كتبت فى الصحف بل وفى أبواب البريد للقراء أو تعليقات البسطاء، ممن انتقدت صراحة دجان وطالبه بالاستقالة، على الرغم من تجديد أولمرت له زاعمين أن طرحه لفكرة التخلى عن الجنود فى لبنان، يمثل مفاجأة كبيرة تماثل الخيانة للإسرائيليين. ومن هنا كان طرح دجان لهذه المعلومة وتوجيهها لعائلات الأسرى، ليقول لهم إن الموساد ليس أقل من الحكومة وإن المؤسسة العسكرية مازالت وإلى الآن بقيادتها العسكرية، الملاذ الأمن للإسرائيليين وإنه سيظل الحصن لها وهى الرسالة التى رغب دجان فى أن ينقلها للإسرائيليين بأى ثمن حتى وإن كان ثمنها الكشف عن عميل.