تنظيم 6 ورش عمل على هامش مؤتمر الأوقاف الأول عن السنة النبوية (صور)    مشروعات تخرج «نوعية كفر الشيخ» تحول جدران المدينة للوحات فنية    363 مليون دولار حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان خلال 2023    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    ارتفاع توريد القمح للشون والصوامع بالشرقية إلى 605 آلاف طن    محافظ بني سويف: مشروع النمو الأخضر الشامل يتماشى مع الاقتصاد العالمي    المنصة الموحدة لخدمات الكهرباء.. خدمات إلكترونية سريعة توفر الوقت والمجهود - خطوات الاستخدام    مدير ناسا يعلق على وفاة رائد الفضاء الأمريكي وليام أندرس    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    أوباما يرفض الراحة ويؤدي تدريبات داخل الجيم    بالأسماء، أوائل الشهادة الإعدادية في القليوبية    الفوج الثاني من حجاج نقابة المهندسين يغادر أرض الوطن متجهًا للأراضي المقدسة    جداول قطارات خط «القاهرة - الإسماعيلية – بورسعيد»    سر الراقصة صرصار.. شريكة سفاح التجمع تفجر مفاجآت جديدة: "كان بيتبسط مع بنتي"    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    حجز إعادة إجراءات محاكمة 3 متهمين بفض اعتصام النهضة للنطق بالحكم    تماضر توفيق صاحبة المقام الرفيع في ماسبيرو، أول سيدة تتولى رئاسة التليفزيون المصري    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    بجوائز قيمتها 30000 جنيها.. تعرف على شروط وطريقة التقديم لمسابقة فتحي غانم للقصة القصيرة 2024    بجوائز 100 ألف يورو.. فتح باب التقدم لجائزة لوريال - اليونسكو للنساء في مجال العلوم 2025    أجر صيام يوم عرفة.. يكفّر ذنوب سنة مضت    نائب مدير التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادات ديرب والقنايات    الكشف على 1237 مريضا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بالمنيا    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    شاهد .. الأولى على الإعدادية بالأقصر: "كان نفسي أرد تعب أهلي"    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    نيللي كريم بصحبة أحمد عز وترقص في حفل زفاف ابنة محمد السعدي (صور)    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    تضم هذه التخصصات.. موعد مسابقة المعلمين الجديدة 2024    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    في اليوم العالمي لأورام المخ - احذر الأعراض والأسباب    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    تعرف على أرقام قمصان لاعبي منتخب إنجلترا فى يورو 2024    بدء توفيق أوضاع المتعاملين مع الوادي الأخضر و6 أكتوبر الزراعية    العمل: تشريع لحماية العمالة المنزلية.. ودورات تدريبية للتعريف بمبادئ «الحريات النقابية»    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    معسكرات داخلية وخارجية.. اللجنة الأولمبية تتابع خطط الاتحادات استعدادا ل باريس    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    أحمد أبو مسلم: كيف شارك الشناوي مع منتخب مصر؟    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اشكاليات حزب الله في مواجهة قرار الاتهام في قضية اعتيال الحريري
نشر في القاهرة يوم 30 - 11 - 2010

لم يكن «حزب الله» من قبل في موقف الدفاع عن نفسه كما هو الآن في مواجهة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. كان الحزب يمسك بعنان الخطاب السياسي، وفي موقع من يصدر شهادات حسن سيرة وطنية للآخرين. حاليا يبدو وكأنه في موقع آخر. كأن تداعيات اغتيال رفيق الحريري أضحت مثل اللعنة تطارد الجميع. سورية قلقة من المحكمة، بالرغم من تبرئتها علي لسان ولي الدم.
خصوم سورية والحزب قلقون أيضا من نتائج المحكمة، ومما يسمي «شهود الزور». الحزب نفسه يهدد بالفتنة إذا لم يتنصل سعد الحريري من المحكمة الدولية. الدول الإقليمية، وخاصة السعودية ومصر وتركيا، قلقة من تداعيات القرار الاتهامي علي الاستقرار في لبنان. أما في لبنان فالنظام السياسي في حالة تشبه الشلل. أصبح الهم اللبناني الأول متابعة الأخبار، والقيادات السياسية تتبادل التهم والتهديدات، انتظارا لما قد تسفر عنه الاتصالات السعودية - السورية. لم يسبق من قبل أن صارت ظاهرة الاغتيالات السياسية التي عرف بها لبنان خلال الثلاثة عقود الماضية تحت الضوء محليا وإقليميا ودوليا.
في المركز من هذا المشهد يقف «حزب الله» طرفا، وموضوعا للسجال في الآن ذاته. هل الحزب مستهدف؟ هو قطعا كذلك، بحكم الدور البطولي الذي اضطلع به في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ونجاحه الباهر في التحرير، وفي التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية. هل من الممكن أن يكون الحزب متورط في إغتيال الحريري؟ هذا سؤال قابل للطرح في حق أطراف عدة غير «حزب الله». وهو سؤال يتداخل فيه البعد القضائي بالبعد المنطقي الصرف. منطقيا يبقي احتمال من تورط في الاغتيال مفتوحا. أما قضائيا، فالإجابة عن السؤال تعود إلي المحكمة. يقول الحزب ان المحكمة مسيسة، أي أنها تستهدفه بسبب دوره في المقاومة. وهذا وارد، لكن إثباته لن يأتي قبل أن تبدأ المحكمة. هذا فضلا عن أن الحزب اختار للدفاع عن نفسه استراتيجية سياسية، وليست إستراتيجية قضائية. وبناء علي ذلك، فكل مطالبه من الحكومة اللبنانية لمواجهة المحكمة هي مطالب سياسية. وقد تداخل بذلك التسييس الذي يقول الحزب إنه يسم عمل المحكمة، مع التسييس الذي يطالب به الحزب عمليا.
من هذه الزاوية سيصبح القرار الاتهامي (إذا ما تحققت التوقعات بشأنه) الإشكالية الأكبر في تاريخ الحزب. هذا التاريخ قصير، لكنه مليء بالإنجازات. والمفارقة أن القرار الاتهامي، كما يتصوره الحزب وحلفاؤه، سينتظم في سياق إشكاليات أخري ظلت تلاحق الحزب، وستلقي بظلالها علي تاريخه وعلي إنجازاته. وهي إشكاليات تتعلق مباشرة بالتباس الديني مع السياسي عربيا، وبالطائفية والصيغة التي استقرت عليهما لبنانيا. وبالتالي فالذي ينتظم القرار الاتهامي المتوقع مع الإشكاليات الأخري في دور الحزب، هو ذلك التداخل، وهذه الطائفية التي أضعفت الدولة في لبنان، وجعلت منها كائنا تحت رحمة الطوائف، وسوف تضعف الحزب مهما يبدو عليه من قوة في هذه اللحظة. يعيش الحزب الوهم الطائفي نفسه، وهو أن ضعف الدولة مصدر لقوة الطائفة التي تعرف كيف تستفيد منه. لكن الأمر علي العكس من ذلك. قوة الدولة هي قوة للطائفة.
سنبدأ بالحديث عن الإشكاليات الأخري، ونؤجل الحديث عن القرار الاتهامي لمقالة قادمة. أول هذه الإشكاليات ذلك الالتباس الذي يغلف علاقة «حزب الله» بإيران من ناحية، وعلاقته بلبنان كبلد عربي، وبالدولة اللبنانية كدولة وطنية، من ناحية أخري. يقول قادة الحزب بأنهم يتمتعون بالاستقلال في إطار هذه العلاقة. ما هي حدود هذا الاستقلال؟ ما يفرض السؤال أن الحزب يعمل، كما يؤكد أمينه العام، السيد حسن نصرالله، تحت راية ولاية الفقيه (المرشد الأعلي في إيران). من جانبه يقول نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، واستنادا إلي الراحل، آية الله الخميني، ان صلاحيات الولي الفقيه هي صلاحيات شاملة لإدارة شئون المسلمين، وتشمل «تطبيق الأحكام الإسلامية، واتخاذ القرارات السياسية الكبري... وصلاحية قرارات الحرب والسلم...» الخ. («حزب الله»، ص74). هل الحزب، وهو تنظيم لبناني، ملتزم بهذه الصلاحيات؟ يقول قاسم نعم، لأنه «لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته، كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته». (ص77)
من ناحية ثانية، تتسع صلاحيات الولي الفقيه لما يصفه قاسم ب»الظروف الموضوعية، والخصوصيات لكل جماعة أو بلد...» (ص78). وبالتالي يأتي التزام «حزب الله» بولاية الفقيه في إطار هذه الصلاحيات، وما تسمح به من حرية الحركة للحزب. وجه اللبس والإشكال واضح هنا، ولا يفوت قاسم محاولة توضيحه بقوله بأن «عمل حزب الله يوائم بين إسلامية المنهج، ولبنانية المواطنة». لكن هذا أمر غير ممكن إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون مرجعية الحزب السياسية والدينية داخل لبنان، وليس خارجه. هذا عدا عن أن المنهجية التي يشير إليها تخص طائفة إسلامية واحدة، وتتعارض بذلك مع المنهجية الوطنية التي تشمل جميع طوائف، أو مكونات الشعب اللبناني.
هناك إشكالية أخري تتعلق بصميم دور الحزب، أو المقاومة. لا يتعلق الأمر هنا بالمقاومة كعمل مشروع وواجب لمواجهة الاحتلال، وإنما بالمفهوم النظري الذي يتبناه الحزب لهذا العمل، وكيف يؤثر علي مواقفه وسياساته وعلاقاته في الداخل والخارج. تتكون هذه الإشكالية من عناصر عدة. أولها أن الحزب تنظيم ديني، وقيادته دينية، ومرجعيته السياسية والأيديولوجية، كما هو واضح من إلتزامه بولاية الفقيه، هي أيضا مرجعية دينية. هل يمكن في هذه الحالة أن تكون المقاومة التي يمثلها «حزب الله» مقاومة وطنية؟ أم مقاومة تنظيم يمثل طائفة دينية معينة؟ ازدادت الإشكالية تعقيدا عندما دخل الحزب اللعبة السياسية اللبنانية، وبدأ يوظف دوره وإنجازاته في المقاومة لتحقيق مكاسب سياسية له، ولمن يمثلهم في الداخل والخارج. كيف ستنظر الطوائف اللبنانية الأخري إلي الحزب في هذه الحالة؟ وهل سيكون من السهل علي أبناء هذه الطوائف التمييز بين الدور المقاوم للحزب، وبين إنتمائه الطائفي ومصالحه السياسية؟ ثم يبقي بعد ذلك السؤال الذي ظل من دون إجابة: كيف تراجعت المقاومة اللبنانية من مقاومة وطنية كانت تشارك فيها كل القوي اليسارية والقومية والدينية، إلي مقاومة محصورة في تنظيم ديني واحد، ذو سحنة طائفية واحدة، وذو إرتباط بمرجعية دينية واحدة؟ وما علاقة هذا بإلتزام الحزب بولاية الفقيه؟
نأتي بعد ذلك إلي العنصر الثالث، وهو أن مفهوم الحزب للمقاومة لا يبدو أنه مفهوم واحد ينطبق علي كل الحالات. فالعراق مثلا، وهو بلد عربي ومسلم، وقع تحت الاحتلال الأميركي منذ 2003م. تتبدي إشكالية الحزب هنا من أن قوة الإحتلال هي أميركا، أو العدو اللدود للحزب. لكن الطبقة الحاكمة التي جاءت بها هذه القوة إلي السلطة في العراق تتكون في غالبيتها من أحزاب شيعية حليفة لإيران. بعبارة أخري، سمحت ولاية الفقيه لحلفائها، كما تجيز لها صلاحياتها، بالتعاون مع واشنطن لإسقاط النظام السابق، وتسلم السلطة بدلا منه. حسب المعايير التي يلتزم بها الحزب في لبنان، من المفترض أن تصبح القوي المتحالفة مع قوة الاحتلال في العراق، هي قوي عميلة. لكنها في الواقع ليست كذلك، لأن قيادات «حزب الله»، وفي مقدمها الأمين العام، تستقبل رموز السلطة السياسية الحالية في العراق، وكأن لا علاقة لها بالإحتلال هناك. في المقابل يتهم الأمين العام حكومة لبنان أثناء العدوان الإسرائيلي العام 2006م بأنها كانت تعمل علي إطالة أمد الحرب بأمل أن تتمكن إسرائيل من القضاء علي المقاومة، بما يوحي بأن رئيس هذه الحكومة حينها (فؤاد السنيورة) عميل لإسرائيل. كيف يمكن تربيع دائرة مفهوم الحزب للمقاومة والعمالة في هذه الحالة؟ هل نحن أمام عملية تمييز بين الإحتلال الأميركي في العراق، والإحتلال الإسرائيلي في لبنان، والعلاقة بكل منهما، علي أساس طائفي؟ أم أن ما يبدو أنه تمييز ليس أكثر من موقف عملي (براغماتي) هو ما تسمح به حدود صلاحية الولي الفقيه؟ في كل الأحوال تعكس هذه الإشكالية إستحالة التعايش (وليس التساكن) بين الطائفية والوطنية، وخطورة التداخل بين الديني والسياسي علي منطق الدولة، وإستقلالها، وعلي ركيزتها القانونية.
يبدو أن هذه الإشكاليات وغيرها هي التي تؤطر أداء الحزب وقياداته أمام المحكمة الدولية الآن. قارن هذا مع أداء قوات الحزب أمام الجيش الإسرائيلي في صيف 2006م. نجحت قوات الحزب في تنفيذ حرب العصابات أمام أعتي الجيوش النظامية في المنطقة، وحققت نجاحات كبيرة في ميادين القتال. في المقابل دخلت القيادة السياسية للحزب سجال الدفاع عن نفسها. وهو سجال سيستنزف الكثير من رصيدها، ورصيد الحزب. إذا كانت علاقة ذلك بالإشكاليات السابقة واضحة، ماذا عن علاقته بإستراتيجية الحزب في مواجهة القرار الاتهامي؟
كاتب وأكاديمي سعودي
نقلا عن «الحياة اللندنية
خالد الدخيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.