سؤال موجع يتردد حاليا على ألسنة الجميع، العيب فينا نحن كشعب وكأفراد أم هو عيب فى الحكومة، وإذا سلمنا بأن العيب فى الحكومة التى أتت على الأخضر واليابس فى مصرنا الحبيبة خلال فترة حكمها التى امتدت لسنوات بلا سبب واضح، اللهم إلا إذا كان السبب القضاء على مصر وشعبها نهائيا وحتى لا تقوم لهذا البلد قومه بعد الآن، أقول إذا سلمنا بأن الحكومة هى السبب فى كل شىء تبرز أمامنا علامة استفهام كبيرة ألا وهى هل الحكومة هى من قتل الشاب خالد سعيد وغيره كثيرون؟ وهل الحكومة هى من أغرقت شبابنا الهاربين لأوربا عبر البحر؟، وهل الحكومة هى من تأخذ الرشوة وتعطل المصالح؟ وهل وهل ألف علامة استفهام، والإجابة المنطقية ستأتى بالنفى، ونقف ونحن نحدق إلى المذنبين كأفراد، هم أفراد من بين ظهرانينا، هم أخى وأخيك وأبيك وعمى وابنى وابن أخيك، هم جزء ظالم لكل مظلوم ليس بيده حيله، ومن هذا المنظور الضيق نرى أننا نحن من نظلم حالنا بأيدينا أو بأيدى ذوينا. لكن وبحيادية تامة ليست تلك هى حقيقة الأمر، لما؟ لأننا فى مجتمع يحكمه قانون لو طبق بعدالة ومساواة لتغير الحال جذريا، نعم نحن من يظلم ويتجاوز كأفراد ونحن من نجور بظلمنا على بعضنا البعض، لكن لما ظهر الظلم وتفشى فيما بيننا ببساطة، لأن القائمين على الأمر فى مصر وفى كثير من بلداننا العربية شطبوا كلمات العدل والنزاهة والشرف والأمانة من قاموسهم، ودونوا بدلا منها الظلم والمحسوبية والنهب، فصارت الأمور تدار بمنطق معوج وصار الحق لا يصل إلى صاحبه، وأصبحنا نعيش بمنطق الغابة، القوى يدوس الضعيف ويقضى عليه والقوى هنا دوما هو ابن الحكومة وأخ الحكومة أو حتى صديق الحكومة، أنت تستطيع أن تحصل على كل شىء إذا كنت أحد هؤلاء تستطيع أن تحصل على أراضى الدولة، بلا مقابل أو بمقابل زهيد جدا، وتستطيع أن تعالج نفسك أو زويك فى الخارج فى أعظم مستشفيات العالم على نفقة الدولة، وتستطيع أن تقترض أى ملايين من بنوك الدولة بلا ضمانات فأنت ابن الحكومة، بل تستطيع أن تدوس القانون بحذائك أيضا لأنك ابن الحكومة. وأنت قبل كل هذا تعرف أنك فى مأمن ولن يطالك شىء وإذا عبثت معك وسائل الإعلام من خلال محرر صاعد لم تلوثه أبهة المناصب فإنك على يقين من الحكومة ستدافع عنك، وإن استحال الدفاع عنك فهى ستتيح لك الفرار بأموالك لتستمتع بما سرقته، لذا بدأ الجميع رويدا رويدا يزحف ليستظل بجناح الحكومه فهى الملجأ والأمان ومن لم يستطع فكر فى الفرار بعيدا هجرة أو سفرا، ومن لم يستطيع فراق وطنه بدأ فى تنفيذ خطته الخاصة بسرقة الحكومة، فإما أن يكون موظفا فلا يعمل ظنا منه أن هذا انتقاما من الحكومة، رغم أنه ينتقم من نفسه وأهله فى المقام الأول، أو يبدأ فى تلقى الرشى التى يشعر بأنها عقاب للحكومة على إهمالها له وتميزها لأبنائها الآخرين عليه، أو يبدأ فى تعذيب كل من يقع تحت يده من إخوانه المواطنين تعذيبا ماديا، كما فعل بالمغدور خالد سعيد أو نفسيا من خلال إهانة وتعطيل كل من له مصلحة لديه، ظنا منه أن هؤلاء إنما هم جزء من أبناء الحكومة التى ميزت البعض عليه ووضعته فى هذا الموضع المزرى. حين تختفى العدالة وتنعدم المساواة بين أبناء الوطن الواحد وحين يعامل البعض بطريقة تختلف عن الآخرين تبدأ أمراض المجتمع فى الظهور فتتشعب المحسوبية، ويتكاثر الفساد وينتشر النهب والسرقة ويتفشى الظلم بكل صورة ولا يعود أحد يفكر فيمن أمامه، وهل هو يستحق أن نقسوا عليه ونظلمه أم أننا بغياب منطق العدل واختفاء الشرف نحاكم كل من يقع تحت أيدينا سواء أكان هو المذنب أم لا المهم أن نفرغ طاقة البغض التى بداخلنا ونتلذذ بتعذيب من نستطيع تعذيبه رغم يقيننا بأنه لم يكن سببا فيما نحن فيه، لكننا نتحول لوحوش تتغذى على دماء بعضها البعض وننسى أو نتناسى فى غمار ممارسة انتقامنا من بعضنا البعض، وبغينا على بعضنا البعض المذنب الرئيس، وننسى أننا نحن من فرط فى الدفاع عن حقوقه، وبدلا من هذا اتخذنا الطريق السهل وهو أن نبغى على من هم ضعاف مثلنا، ولم نفكر ولو للحظة فى محاسبة من أوصلونا لتلك الهاوية، ولم نفكر فى إصلاح ما أعوج بوقوفنا فى وجه الظلم ومحاولة غيقافه بدلا من المساعده فى نشره. الخلاصة أننا مشتركون فى الإثم جميعا نحن والحكومة الحكومة، لأنها أسست للظلم ومارسته فى أبشع صوره دون مراعاة لشرع أو دين أو عرف، ونحن حين صمتنا وجبنا ومن ثم بدأنا فى الانتقام ليس ممن ظلمنا، ولكن من أنفسنا ومن بعضنا البعض، ودخلنا حلقه مفرغة من حلقات الانتقام التى لا تنتهى أو توقف الظلم، ويقينى أننا سنظل هكذا لو لم نتوقف قليلا أمام أنفسنا، ونفكر فى طريقة لإصلاح ما أعوج ونبدأ فى إصلاح ذواتنا فى البداية، وطريقة تعاطينا مع أمور حياتنا ومع بعضنا البعض، لنتكاتف ونتعاضد لنستطيع مواجهة جبروت وقسوة الحكومة، وعندها نستطيع أن نتغلب على كل صعوبة، بل ونصلح ما أفسده الصمت.